القمة العربية بين الواقع والمتوقع – دراسة تحليلية تاريخية بقلم د. ناصر إسماعيل جربوع اليافاوي

منذ تأسيس جامعة الدول العربية عام 1945 على يد الوزير البريطاني (إيدن ) أصبح لزاماً على المواطن العربي أن يتكيف مع الضربات المتلاحقة ، وما ينتج عنها من محاولات مضطردة لتقويض حركات التحرر ، وما نتج عنها من تحقيق استراتجيات الحوار بين العرب وأوروبا ومن سار في فلكها ،، كل هذا ولن ننسي أن نذكر فرسان الأمة العربية أنه في الثالث عشر من شهر نيسان/إبريل عام 1950 وقعت سبع دول عربية بالأحرف الأولى على معاهدة للدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي، وكان ذلك ترجمة رسمية لمطالب ومشاعر شعبية عربية جُرِحت في الصميم بعد هزيمة عام 1948 وقيام دولة صهيونية في فلسطين، وتحقيقاً لتطلع قومي مشروع في إطار جامعة الدول العربية التي كانت قد تأسست قبل ذلك، لتحقيق تنسيق وتعاون عربيين يؤديان إلى:
- تكوين قوة عربية قادرة على رد العدوان عن أقطار الوطن العربي، وكان العدوان ماثلاً ومجسداً بالكيان الصهيوني بالدرجة الأولى.
-إيجاد أرضية فعلية وضمانة حقيقية للسلام والأمن والاستقرار والتعاون بين الأقطار العربية، وردع أي محاولة من دولة عربية للسيطرة على دولة عربية أخرى، أو للعدوان عليها والتجاوز على أراضيها وسيادتها ومصالحها.
وفي السابع عشر من شهر حزيران/يونيو عام 1950 وفي قصر (انطونيوس) بالإسكندرية وقعت ست دول عربية وهي: الأردن- سوريا - السعودية - لبنان- مصر- اليمن، وتبعتهم العراق على تلك المعاهدة التي نصت المادة الأولى منها على ما يلي:
- تؤكد الدول المتعاقدة، حرصاً على دوام الأمن والسلام واستقرارهما، عزمها على فض جميع منازعاتها الدولية بالطرق السلمية، سواء في علاقاتها المتبادلة فيما بينها أو في علاقاتها مع الدول الأخرى .
تتعاون الدول المتعاقدة فيما بينها لدعم مقوماتها العسكرية وتعزيزها، وتشترك بحسب مواردها وحاجاتها في تهيئة وسائلها الدفاعية الخاصة أو الجماعية لمقاومة أي اعتداء مسلح".

إن المتفحص لهذه الكلمات المنبثقة عن معاهدة الدفاع المشترك، قد يظن أنها خرجت ليس للعرب بل لشعب آخر، لأنه وبتقديري لم يتحقق منها منذ ستين عاما ولا حرفا، وظلت الاتفاقية مركونة على إحدى أرفف الجامعة وتحتاج لأيدي الفوارس ان ينفض عنها الغبار ، ولو دققنا بتاريخ الاتفاقية سنة 1950 وتتبعنا ما حدث بعده من ويلات عربية لازددنا تهكمًا بواقعنا العربي التعيس واليكم بعض الفلاشات التاريخية :
- 1956 م العدوان على غزة ومذبحة كفر قاسم – ومحاولة إعادة احتلال مصر التي فشلت بسبب مقاومة المصرين .
- 1967 م العدوان الشامل على الأمة العربية والاهم من النكسة هو سقوط القدس الشريف .
- أغسطس/آب 1969، يهودي أسترالي متطرف يدعى مايكل دينس روهن يضرم النار في المسجد الأقصى، وهو ما أسفر عن تدمير منبر صلاح الدين الذي يبلغ عمره أكثر من ثمانمائة سنة وأجزاء أخرى من السقف.
- 1981 شنت الطائرات الإسرائيلية هجوماً مفاجئاً على المفاعل النووي العراقي المسمى أوزيريك .
- 1982 م اجتياح لبنان ومعاهدة الدفاع المشترك لا زال الغبار عليها .
-
- 1987 م قامت انتفاضة الحجر الفلسطيني وقاوم الفلسطينيون العزل بحجرهم المقدس وذبح الأطفال بدم بارد وبالطبع معاهدة الدفاع المشترك لم تحرك ساكنا ؟

- 1996 انتفاضة النفق حيث قام الصهاينة بحفر أساسات المسجد الأقصى انتفاضة فلسطينية عارمة عام 1996، بدأت في القدس وامتدت لتشمل كل أنحاء فلسطين. قدم الشعب الفلسطيني خلالها نحو تسعين شهيد والدفاع العربي المشترك يغنى على ليلاه
- 8 2 سبتمبر 2000م. شارون يدنس الأقصى وتشتعل انتفاضة الأقصى حتى يومنا هذا ولم نسمع إلا الشجب والاستنكار الخجول .
- 6 أيلول 2007 قام عدد مماثل من الطائرات وبشكل مباغت كذلك بشن ضربة خاطفة في ساعات الفجر الأولى على منشأة سورية في منطقة دير الزور.
- 27-12 – 2008 عدوان همجي على غزة وأكثر من ألف شهيد ولازال الحصار والانقسام والعرب يهتفون بشعاراتهم وتسويفا تهم..
وتستمر الاعتداءات الصهيونية المتكررة على عالمنا العربي والإسلامي ، ويقابله لهث تطبيعي بكافة أطره الثقافية والرياضية ، وتقام معارض للكتاب الصهيوني ببعض من عواصمنا التي لم تصبح بكراً، واغتصبت من العلم الصهيوني الذي أصبح يرفرف في العديد من العواصم .
مؤتمرات القمة تعقد تباعاً ، ليعلن بعدها عن شرخ عربي جديد بين الأشقاء ومزيداً من التقارب مع دولة الكيان المغتصب .........
زادت الأعباء على الشعب الفلسطيني الذي أصبح ساحة للتجاذبات الإقليمية والدولية ، وكثرت المتاعب والهموم وتحمل الشعب ما لم يتحمله بنوها شم في شعاب مكة . والعرب يكيلوا في قضاياهم وحسب مصالحهم بمكيالين ، وازداد الشرخ الفلسطيني وتعمق ، وكادت التجربة أن تكون مشابهة في لبنان ، وتدخل العرب ووضعوا ثقلهم السياسي والمادي، وانفرجت الأمور وكأن لبنان تقع في كوكب آخر بعيد عن كوكب فلسطين؟!
لذا أصبح من المحتم علينا ان نحكم غير متسرعين على واقع القمة الليبية بالفشل بناءا على تلك المعايير وبناءا على المتوقع عند الإجابة عن هذه الأسئلة البريئة :
- هل ستنهى القمة الحصار عن غزة ؟
- هل ستنهى القمة الانقسام المدمر لكل مناحي الحياة في غزة ؟
- هل سيتم تفعيل صندوق ولجنة القدس و الحرم الإبراهيمي الذي أقرته منظمة المؤتمر الإسلامي في مؤتمري جدة والدار البيضاء؟
- هل ستقطع بعض الدول العربية علاقتها بالكيان الصهيوني ،على الأقل احتجاجا على تهويد القدس ؟
- هل ستخرج القمة برؤية عربية موحدة لمواجهة الخطر الكاسح على العرب والمسلمين ؟
- هل ستتخذ موقفا ضد من أساء لنبي الامة محمد صلى الله عليه وسلم ؟
- - هل ستصلح ما أفسده الدهر من علاقات وخلافات عربية عربية ؟
أسئلة كبيرة وكثيرة مطرحة على القمة العربية العرجاء وباعتقادي أنها قمة شكلية تقليدية محكوم عليها بالفشل المسبق، وتبقى كمثيلاتها، رحلات علاقات عامة وصور تذكارية ليس للتاريخ بل للتباهي المزيف، والى لقاء بقمة أخري، ربما تزيد من الواقع الأسوأ، وينتظر الأقصى شعار يردد كثيرا ، ربما -الآن - فقط على شفاه أطفال من سيتبقى صامدا في القدس أن للبيت رب يحميه – د. ناصر إسماعيل جربوع اليافاوي –كاتب باحث ومؤرخ فلسطيني