الإقليمية الدولية الجديدة
وأثرها في هيكلية النظام الإقليمي العربي

زياد عبدالوهاب النعيمي
مركز الدراسات الاقليمية -جامعة الموصل

في التحليل الإقليمي
يشكل النموذج الفكري والعملي للدول في مواجهة أية تحديات خارجية أسلوبا منهجيا عميقا لصد الخطر الخارجي من خلال الرغبة الدولية في وجود التنظيم الدولي الذي تخيل معه البعض توفر فرص السلام الدولية وفق القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة ، الاان الواقع الدولي اخفق بعض الشي في معالجة الأمور التي كان لابد من مراجعتها ومعالجتها وفق القانون الدولي وهذا الإخفاق أعاد إلى الأذهان فكرة التنظيم الإقليمي باعتباره الوسيلة الأكثر فعالية في مواجهة أي خطر خارجي قد يصعب على التنظيم الدولي الوقوف بوجهه بسبب المصالح المهيمنة عليه،وهذا ما كانت عليه الحال في الفترة التي سبقت سقوط المعسكر الشرقي، أما في الفترة التالية لسقوطه وفي ظل القطب الواحد ظهر مفهوم جديد من نتائج التطورات والتغيرات تمثل في الإقليمية الدولية الجديدة.
يعد مفهوم الإقليمية الدولية الجديدة( New international Regionalism) من أهم تطورات النظام الدولي الذي أعقب الحرب الباردة( Cold war) ، حيث مثلت تلك الإقليمية أهم التغيرات في عقد التسعينات من القرن المنصرم ، ولما كان النظام الدولي هو مجموعة من الدول والمنظمات بنوعيها الدولية والإقليمية تعمل في ظل القانون الدولي العرفي والاتفاقي منذ بداية المجتمع الدولي المنظم ، فقد ظهرت العديد من التغييرات الدولية والإقليمية أثرت بدورها في الكثير من التطورات في ظل النظام الدولي ووفق محددات القانون الدولي ففي الفترة التي أعقبت سقوط الاتحاد السوفيتي عام 1990 فقد بينت النتائج الأولية وجود القطب الواحد في النظام الدولي وتطورت السياسية الدولية باتجاه إقامة التطورات بالرجوع إلى القانون وعلى أساسه خشية الانتقادات التي قد تصاحب أي توجه دولي خارج النظام القانوني ، وأول الاستنتاجات التي هيمنت على فرضيات الواقع تمثلت بالعولمة ( Globslism) والتي تمثل استجابة منطقية لرغبات القطب الواحد في نشر القيم والسياسات والتعاليم وترسيخ المفاهيم التي يؤمن بها سعيا إلى أنشارها والأخذ بها عالميا ، وكان من النتائج التي تركتها العولمة هي التوجه نحو تعميق صيغ التعاون الإقليمية والتكتل من اجل مواجه أي تحدي خارجي او تدخل بسبب آلية العولمة وأثارها حيث بدا المجتمع الدولي يشهد تكتلات جديدة كان من أبرزها الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي.
خاصة بعد أن تبين أن اغلب المشاكل القائمة هي عبارة عن مشاكل مختلطة (mixed) أو مشاكل معقدة complex)) أبرزها (( الحروب الأهلية والفساد والتدخلات الخارجية وأزمة الطاقة والمناخ وغيرها)) ، لاتستطيع الدول بمفردها مواجهتها لأهميتها البالغة ولقصور الإجراءات الوطنية على معالجتها معالجة قانونية صحيحة ، ولذلك فقد لعبت الاتفاقيات الدولية الإقليمية والتكتلات ذات الصلة دورا بارزا في معالجتها فضلا عن الجهود الدولية عن طريق المنظمة الدولية ونقصد بها منظمة الأمم المتحدة ((United Nations
وقد عرفت هذه المشاكل بأنها المشاكل التي تعبر حدود الدولة الوطنية أي الدولة الواحدة لذلك فان المعالجة تطلب مواجهتها عن طريق الاختصاص الدولي فضلا عن الاختصاص الداخلي للدول وبالتالي سعت الدول إلى محاولة التقليل من المعالجات الخارجية لتلك القضايا خشية التدخل بحجة المعالجة او التأثير بحجة الطريقة التي تتم بها المعالجة او التغيير السياسية او الاقتصادي بحجة عدم القدرة الوطنية على التغيير في الدولة وهذا يعني من الناحية القانونية انتقال الاختصاص الوطني الى الاختصاص الدولي في معالجة القضايا المهمة وبالتالي سريان القانون الدولي بدلا من القانون الداخلي للدولة ويعني بالنهاية أحقية القانون الدولي وسريانه على القوانين الداخلية نظرا للسمو الذي يتمتع به القانون سواء كان عرفيا أم اتفاقيا على القانون الوطني للدولة.

التوصيف الفكري للإقليمية الجديدة

لابد من ملاحظة أمر مهم في هذا المجال وهو أن الإقليمية الدولية الجديدة هي بالتأكيد ذات بعد قانوني في ظل النظام العالمي الذي أعقب الحرب الباردة لذلك فإننا لايمكن أن ننسبها إلى إقليمية الستينات أو السبعينات من القرن المنصرم فوجه الاختلاف الأساس هو أن الإقليمية الجديدة لا تعد امتدادا أو تعبيرا عن مصالح إقليمية فحسب، بل هي استجابة للتطورات العالمية . فإذا كان المضمون السياسي والعسكري والاستراتيجي يحكم علاقات وتفاعلات النظم الإقليمية التقليدية، يبدو اليوم أنّ المحتوى الاقتصادي – التجاري، على الخصوص، يحكم علاقات وتفاعلات التكتلات الإقليمية الجديدة .
لذلك فان التوصيف الفكري الإقليمي المبدئي يشير إلى ظهور التنظيمات الدولية الجديدة وقد قدمت نفسها باعتبارها احد الإطراف التي ترغب بتحقيق توازنات دولية في ظل غياب القطب الثاني او عدم وجود تعددية قطبية في العالم ، وهذا مادعا إلى أن تكون تلك التنظيمات ابرز في الوجود واكبر في التأثير واصدق في الترتيب من اجل أن تكون فاعلة في ظل النظام الدولي غير المستقر حتى تستطيع أن تكون بديلا حقيقا او مؤثرا في النظام القطبي الواحد بغية التخلص من خوف التدخل والتأثير الخارجي خاصة وان أزمات النظام الدولي ككل أصبحت بحاجة إلى معالجة قانونية وسياسة اكبر مما كانت تتطلبه في سابق العهد ، ولذلك تركزت الجهود في كل من أوروبا وإفريقيا محاولة من تلك الدول المجتمعة أن تحقيق توازنا ضمنيا في القرار الدولي وفي التشريع الدولي وفي أن تكون فاعلا دوليا يعمل في ظل القانون الدولي دون تخوف او دون ابتعاد عن روح الميثاق والقانون الدولي في الوقت نفسه

في الرؤية القانونية :

ان التنظيمات الإقليمية لاتنتظر المشكلات لكي تبادر بحلها بل عملت على استباقه المشاكل بالتكتل والتنظيم سواء تجديد التنظيمات القديمة وتطويرها كما هو حال الاتحاد الأوروبي الذي انتقل من منظمة إلى اتحاد والاتحاد الإفريقي كذلك او بالخروج بتنظيمات جديدة مبنية على الأسس ذاتها في التنظيمات الإقليمية أي مالها من تجمعات جغرافية وحضارية وثقافية واجتماعية مشتركة كتب لها النجاح، ولقد أدى إنشاء تجمعات إقليمية كبرى كقوة فاعلة جديدة في العلاقات الدولية في ظل القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة ،بحيث تقوّي السيادة الوطنية تجاه الخارج كجزء من سيادة إقليمية أوسع لدول تجمع بينها عوامل جغرافية وتطلعات سياسية واقتصادية متقاربة ،ويمكننا ان نضيف ان بروز دور التنظيمات الإقليمية كونها فاعلا دوليا أعاد التوازن إلى النظام الدولي في مرحلة لم يشهد بها استقرار من نواحي سياسية وقانونية واقتصادية ،ففي تلك المرحلة بادرت الدول العظمى على مغادرة ميثاق الأمم المتحدة واللجوء إلى وسائل ذاتية تمثلت في الأحلاف العسكرية التي ربما حلت محل الأمم المتحدة في وقت ما ولكنها لم تلغ دورها أو تهمشها نهائيا إلا إن هذه الإجراءات تركت فراغا في سلطة اتخاذ القرار الدولي من الناحية القانونية وهذا التعثر الواضح في قانونية النظام الدولي خلق فرصة لا يمكن تعويضها للتنظيم الإقليمي في إن يبرز كمبرر أساسي في عملية تفاعلية كان لها رسم أساسيات العمل الدولي وفق ميثاق الأمم المتحدة وفي ظل قواعد القانون الدولي فيما بعد ، حين أنتجت هذه التنظيمات تكتلات واتحادات خرجت إلى النور في ما بعد الحرب الباردة لتفرض نفسها وبقوة في أحقية التعامل الدولي مع الأمم المتحدة((United Nations والنظام الدولي والقطب الواحد والعولمة وغيرها من الأمور التي حاولت تغييب العنصر الإقليمي وتغييب دوره القانوني في ظل النظام العالمي الجديد.
وخلاصة مايمكن أن يقال إن الإقليمية الدولية الجديدة هي نتاج متراكم من الخبرات والتعاملات الدولية في الدول التي وجدت نفسها تفقد هيبتها في مجلس الأمن الدولي مثل فرنسا وانكلترا والصين لذلك تحاول أن تعيد جزءا من مسؤولياتها القانونية على أساس ان هذه التنظيمات لابد أن تعمل على إيقاف أي تعامل أحادي يضر بالمصلحة العليا لتلك الدول مع وجود أحقية قانونية في الرجوع إلى مجلس الأمن باعتباره الجهة التنفيذية في القرار الدولي ومنه يتم صياغة فاعلية القرار وتوظيفه للغايات سواء كانت تلك الغايات ذات بعد سياسي أو بعد قانوني مع افتراض تحقيق المصلحة التي يرتئيها المجتمع الدولي بفرضية القطبية الواحدة والنظام العالمي الجديد
ان اختلاف الرؤى القانونية والتحليلات الإقليمية هي اختلافات كمية ونوعية واختلافات أبعدت التأثير الواضح لمتغيرات التدخل الدولي في شؤون الدول الأخرى ابعد مايكون في فرضية الإقليمية لذلك أصبحت الدول الداخلي في تلك التنظيمات ابعد عن التأثير الخارجي ولكنها ليست بمنأى عنه بالشكل الذي تعده الدول الكبرى مؤثرا في السياسة الداخلية ، وهذا ماجعل من الإقليمية الجديدة الأفضلية في حل الصراعات الدولية من خلال حتمية الرجوع إليها وتنقية التصرفات وصولا إلى تصرفا وأعمال مشتركة كان لها بعدا قانونيا تمثل في شراكة دولية إقليمية دون أي تدخل بعيد عن أسس تلك الشراكة او أي عمل بعيد عن إمكانية الرجوع إلى التنظيمات الإقليمية من اجل إيجاد الصيغ القانونية الدولي لحلها.

فرضية التأثير في النظام الإقليمي العربي:
يستند النظام الإقليمي العربي الى تجربة تاريخية مشتركة بين مكوناته الأساسية وعليه يمكن القول ان في رؤية الدوافع المشتركة تلك فإننا سنجد ان النظام العربي لن يقوم على التفاعل بين إطرافه حسب بل هو حصيلة مشتركة من العناصر السياسية والاقتصادية والاجتماعية الموجودة والمؤسسة لقيامه وصيرورته ، وهذا مايجعل النظام العربي له ملامحه وأساسيته المتميزة مما ينفى بالأصل صيغة التبعية سواء للنظام العالمي او لأي نظام إقليمي أخر ،ومن المعلوم ان النظام العربي الإقليمي قد عهد في جانبه التكويني والرسمي إلى جامعة الدول العربية وهي منظمة اقليمة أسست بعد الحرب العالمية الثانية أثرت وتأثرت بالواقع الدولي وبالتالي كان لابد من ان تتاثر بالموجود من المسائل الدولية كانتهاء الحرب الباردة ولذلك نجد ان دعوة الإصلاح للجامعة العربية قد أثرت في الإطراف المكونة للجامعة بدافع الوصول الى صيغة قانونية متطورة في ظل التطور الحاصل في النظام الدولي بسبب القطبية الواحدة والعولمة كما بينا سابقا وهذا مايجعل من الجامعة العربية باعتبارها المكون الإقليمي للنظام العربي التأثير المباشر من خلال أن أي ضعف او قوة في الأنظمة العربية سوف ينعكس بالإيجاب والسلب على الواقع الإقليمي للجامعة العربية
على ان مشاريع الإصلاح العربية المتأثرة بالواقع الدولي والإقليمية الدولية الجديدة ، قد تم من رفضها من البعض بدعوى أنها مفروضة من الخارج، ومن رفضها لأنها لا تناسب الأوضاع العربية الراهنة، وهي على العموم اراء كونت رأيا سلبيا حول إيجاد صيغة الاقليمية العربية الجديدة
في حين نجد ان ملامح الاقليمية الجديدة التي حاول العرب من خلالها الدخول الى الواقع الدولي من اجل الوصول الى غاية التطور في العلاقات الدولية بعد الحرب الباردة تمثل في النظام الإقليمي الخليجي حيث برزت معالم هذا النظام في فترة الحرب الباردة الى جانب الجامعة العربية وهو يتمتع بأهمية اعتبارية في العلاقات الدولية في ظل النظام الدولي بسبب الأهمية الجغرافية والنفط وهو يتألف من الدول الواقعة على سواحل الخليج وهي السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت والبحرين وعمان ويقدم مجلس التعاون لدول الخليج صيغا أكثر تطورا للواقع الإقليمي الى جانب جامعة الدول العربية وبالتالي فهو يسعى الى الوصول إلى غاية الاقليمية الدولية الجديدة من المنظور الإقليمي العربي على أساس ان هذا التطور في التكوين والتركيب الهيكلي للواقع العربي سوف ينعكس بالإيجاب على الواقع العربي ويخدمه بكل جوانبه ويؤثر في السياسة الدولية من خلال عدم وجود أي تأثير خارجي قد يضر بوحدة الدول الخليجية او تأثير قد يؤدي إلى إبعاد هذا المجلس عن المحيط الدولي بسبب او بأخر ، ولهذا فان فرضية التأثير في الواقع العربي قد بينت من خلال مجلس التعاون لدول الخليج وبرزت ملامحها الأولية في الجامعة العربية بدعوى الإصلاح التكويني والوظيفي الاان دعوات الإصلاح في البعض منها قد جوبهت بالرفض من قبل البعض ولهذا فان النظام الإقليمي العربي يحتاج الى إقليمية عربية جديدة تعمل على التواصل مع النظام الدولي على أساس الشراكة العربية الدولية من اجل إنجاح المساعي العربية والإقليمية والدولية لإيصال أهمية التأثير العربي ووزنه وأهميته في النظام الدولي بتجريد وحياديه وموضوعية دون ان يكون هناك تحيز وابتعاد عن واقع الإصلاح العربي بكل مفاصله .
فالتأثير المفترض هو التأثير الايجابي والذي قصد منه التأثير بما يخدم العرب والدول الاقليمية أيضا لأنهم يؤثرون ويتأثرون بالواقع العربي إيجاباً وسلباً وبالتالي فان أي تأثير ايجابي سوف يخدم المنطقة العربية والنظام الإقليمي العربي ويخدم الدول المجاورة للنظام الإقليمي العربي على أساس ان النظام الإقليمي العربي شانه شان أي نظام إقليمي دولي أخر كالاتحاد الأوروبي او الاتحاد الإفريقي له أساسيته ومبادئه وأهدافه التي تتصل ضمنا وصراحة بأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة في توفير وحفظ السلم والأمن الدوليين والابتعاد عن النزاعات وتسوية النزاعات بالطرق السلمية وتحقيق اكبر قدر من التطور اتصالا بالواقع الدولي مع الحفظ على الخصوصية والمبادئ التي لاتتعارض مع واقعنا والتي تتصل بالواقع العربي من قريب او من بعيد .
لقد سعى العرب من خلال التنظيم الإقليمي العربي الى محاولة التوصل الى الاقليمية الدولية الجديدة وفرضية التأثير كانت ملازمة للواقع العربي من خلال محاول العرب تعزيز دور الجامعة العربية وإصلاحها وهذا التنبه السريع هو من خلال أهمية الواقع العربي وتأثيره وتأثره لأهميته في النظام الدولي ، فالتأثير جاء بصورة طبيعية من خلال سعي العرب أنفسهم إلى الإصلاح دون أي تأثير سلبي فرضه النظام الدولي بكل كان تأثيره ايجابيا واضحا من خلال الرؤية العربية المشتركة للتطور نحو الاقليمية الجديدة أي من خلال الدعوات العربية لإيجاد اقليمة عربية جديدة دون أن ينتظر العرب دعوات خارجية لهذا التغيير .