نظرية صراع الحدود
مدخل للنظرية:
فكرة ومفهوم الحدود مرت بالعديد من المراحل والمتغيرات واتخذت العديد من الأشكال والمفاهيم والأوضاع المباشرة وغير المباشرة، وتغير الفهم بها مع تطور ووعي الإنسان أو مع ازدياد الفكرة التسلطية لدى الإنسان. ونالت الحدود الاهتمام الأكبر في حياته اليومية المتغيرة، واستطاع الإنسان أن يجعل الحدود الثابتة نسبيا متغيرة تتبع للمتغير الذي هو الإنسان، بمعنى آخر يعني متغير المتغير، حيث نجد أن مفهوم أو فكرة الحدود تتبع للمتغير وهو الإنسان أي كان شكل هذا التغير.
حياة الإنسان البدائي الأول كانت خالية من الحدود المتعارف عليها وبإمكاننا أن نعرف تلك الفترة بالفوضى المتغيرة، ذلك لعدم ارتباط الإنسان في تلك الفترة ولعدم اهتمامه بأي أفكار تسلطية توسعية لزيادة موارده أو لصد تهديدات من جهة معينة ضده. فقط أرتبط بما يؤمن له حركته اليومية ويوفر له متطلبات حياته من مأكل ومشرب ومأوي بحيث لم يتطور لديه الوعي السياسي والتنظيم لحياته، وبمعرفة الإنسان للزراعة والرعي كمصادر حياتية تولدت لديه الرغبة في الاستقرار وتشكلت النواة الأولى للأسرة وزادت المهام والواجبات وتعددت المصالح، فنشأة القبيلة والقبائل ثم القرية والمدينة وفي تطور كبير عرفت الدولة. وحتى يتم الاعتراف بتلك الدولة لا بد من أن يكون لها حدود، فالحدود هي واحدة من مقومات الدولة. والحدود المنظورة هنا هي الحدود الجغرافية الطبيعية وهو ما يعرف بالحدود الطبيعية، أو الحدود الأخرى في مساحات مستوية من الأرض وتلك التي تتحدد بخطوط الطول والعرض الدوليين.
في جانب آخر يمكننا أن نرى داخل الدولة الواحدة العديد من أشكال الحدود الأخرى على سبيل المثال:
يمكن أن نجد حدود دينية، وثقافية واجتماعية ولغوية،... الخ. هذا إذا كانت الدولة متعددة العرقيات والثقافات ومعقدة في بنائها الاجتماعي.
بعد أن ظهرت الدولة فمن المؤكد إن هذه الدولة توجد في مجتمع دولي كبير وهي بذلك تؤثر وتتأثر به كدولة وباعتبارها عضو في ذلك التنظيم الكبير وذات سيادة ولها حدود معترف بها من ذلك الكيان الدولي.
إن مفهوم الحدود الذي نحاول أن ندرسه في هذه النظرية يتضمن العديد من المفاهيم والأشكال وبتعدد هذه المفاهيم والأشكال تتعدد بالتالي المجتمعات التي تقع داخل تلك الحدود وسوف نحاول أن نضع صيغة بسيطة تساعدنا في فهم هذه النظرية ذلك وفق مفاهيم المنهج العلمي.
كما ذكرنا سابقا إن الحدود تتبع للمتغير الذي هو الإنسان وان هذا الإنسان استطاع أن يجعل الحدود متغيرة وهو ما عنيناه بمتغير المتغير، أي أن (الانسان1) باستطاعته أن يغير حدود (الإنسان 2) الذي يمثل الحدود المتغيرة. وحتى يتم ذلك التغير لصالح (الإنسان 1) لا بد من مصدر قوة يعتمد عليه لتحقيق ذلك التغير وإدارة الصراع. إذا ما اعتبرنا كل من (الانسان1والانسان2) يمثلان نظامين مختلفين وبالتالي يمكننا القول بان (النظام1) وفق مصدر قوة معين يمكن أن يكون عسكري أو اقتصادي أو قوة النظام السياسي المستند على شرعية الشعب ويطبق النظام الديمقراطي. وأيضا مصدر آخر للقوة هو موقع الدولة من ناحية الجغرافية السياسية (الجيوبوليتيك). كل هذه المصادر للقوة نستخلصها بعد دراسة وتحليل كل من النظامين موضوع الدراسة. ويجب أن لا نغفل عن الدوافع الأيدلوجية من وراء فكرة التأثير أو التغيير للنظام الآخر. وكل من النظاميين يتأثران بشكل النظام الإقليمي والنظام العالمي السائد في فترة الصراع. واضعين في الاعتبار إمكانية تغير كل من النظاميين الأخريين.
أخيرا فالإنسان هو كائن حي متغير ودراسة الإنسان في مجال العلوم السياسية من الصعب التحكم فيها لذلك تنتفي القوانين والثوابت وتعتمد على الملاحظة والدراسة والتوقعات، وسوف نحاول أن نستخدم أدوات المنهج العلمي حتى نتمكن من ضبط ذلك التغير في إطار علمي بقدر الإمكان وان يكون متفق عليه.

الفرضية:
تتشكل العلاقات الدولية وفق مصالح أو تهديد بين الدول وطوال الفترات السابقة كانت إدارة الصراع تتم عن طريق استخدام مصدر القوة للدولة الأقوى ضد الدولة الضعيفة حيث أن الحروب سادت بين الدول وظهرت المستعمرات والدول المستعمرة تشكلت حدودها أو معظم حدودها عن طريق خيارات و رغبات الدولة القوية و المنتصرة. بالتأكيد تم ذلك التقسيم لتحقيق مصالح تلك الدول في المستعمرات. بعد نشأة العديد من المنظمات لتنظيم شكل العلاقات الدولية وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة والمنظمات والتجمعات الإقليمية المختلفة. وأخيرا منظمة التجارة العالمية، وهي التي امتد تأثيرها ليشمل كل الدول باختلاف مصالحها وتهديدها، واختلفت أنماط التأثيرات المفروضة على الدول وامتد هذا التأثير ليشمل الحدود وتغير الحدود.
اتفقنا على أن المصالح أو التهديد هي التي تحقق وتحدد شكل العلاقة بين الدول ومن اجل تحقيق مصلحة معينة و لصد تهديد فان الدولة المعينة تبنى استراتيجيها وفقا لذلك. إذن إدارة الصراع يكون مبنيا لدوافع و بدوافع المصالح أو صد التهديد، والدولة التي تمتلك القوة هي التي لها المقدرة على أن تحقق تلك المصالح و تدافع عن نفسها بصد التهديدات المحتملة، المواجهة ليست حتمية كشكل للصراع، إدارة الصراع دائما يحدده الجانب الأقوى بما يتناسب وإمكانياته وبالتالي له المقدرة في تغيير الحدود للطرف الآخر.
الافتراض القائم هو أن تغيير الحدود مرتبط بالصراع من اجل المصالح بصفة رئيسية و لصد التهديدات، والتغيير يتم وفقا لصالح الجانب الأقوى بما يحقق له المصلحة المفترضة و ينهي له التهديد المفترض من الجانب الآخر. وهذا الأخير تتغير حدوده تبعا لذلك.
مفهوم المصالح أو صد التهديد الذي يتخذه الجانب الأقوى و النظام الأقوى من اجل التغيير ضد الجانب الآخر، نجده يختلف ويتعدد، ذلك وفقا لمحركات النظام الأقوى وأيدلوجياته وسياساته، فمثلا يمكن أن يكون تحقيق المصلحة يتخذ مفهوم التسلط والنفعية ضد النظام الآخر الذي هو في موقف ضعف، وهذا بالتالي يقودنا لنفس الفهم الاستعماري القديم، وما عرف مؤخرا بمصطلح الضربة الاستباقية، وأخيرا يجب أن نقول انه لا بد من احترام حقوق الشعوب والعمل على صيانتها والدفاع عنها لما يساعد على تطورها وتنميتها وهذا الاحترام يجب أن يكون من الحكومات في بداية الأمر عن طريق توفير الحريات وحمايتها وحرية الرأي واحترام الآخر، وتقديس الفهم الديمقراطي وتداول السلطة بطريقة سلمية.
نص النظرية:
تعريف الحدود:
الحد هو الفاصل بين الشيء والشيء الآخر والحدود هي الفواصل و النهايات. وكل الحدود وهمية عدا الحدود الطبيعية والحدود إما أن تكون متفق عليها أو قهرية مفروضة. وللحدود العديد من الأشكال:
حدود طبيعية
حدود أيدلوجية
حدود ثقافية
حدود اقتصادية
حدود عقائدية
الحدود والصراع:
بعد القراءة التاريخية لنشأة الدولة ووجود الحدود وتقسيم العالم إلى وحدات سياسية متعددة، تعددت المصالح وظهرت الصراعات، وبملاحظة سريعة نجد إن معظمها ارتكز على الحدود. بغض النظر عن دوافع ومفهوم الحدود لأطراف النزاع. فمنذ أن عرف الإنسان البدائي الأول الاستقرار وتعددت مصالحه وبالتالي نمت لديه فكرة التوسع لزيادة ما يعينه في حياته اليومية فكان الصراع ثم الحروب حول الحدود وما خلفها من موارد ومواقع إستراتيجية. و منذ أن ظهرت المدينة والدولة في بلاد العراق وبلاد الأردن وبلاد الإغريق مرورا بالدولة القومية في أوربا وقيام الدولة الوطنية وقيام الثورة الصناعية وما تبعها من نمو لرأس المال وظهور الاستعمار، ثم الحرب العالمية الأولى وبعدها الحرب العالمية الثانية وفترة القطبية الثنائية وانهيار الاتحاد السوفيتي، وظهور ما يعرف بالنظام العالمي الجديد، نجد إن كل الصراعات كانت تدور وتتشكل حول الحدود بما تشكله من مصالح و تهديد لأطراف الصراع.
درجة وأهمية المصالح أو التهديد لنظام معين قد تدفعه أن يقود صراع ضد نظام أخر يمثل بالنسبة للأول تحقيق مصلحة أو تهديد، وليس من الضروري أن يكون شكل الصراع مباشر.
الصراع حول الحدود يمكن أن يدار وفق دوافع معينة لنظام ضد آخر وهذه الدوافع يمكن أن تكون مصالح معينة لنظام يقوم على أثرها بإدارة الصراع ضد نظام أخر وحسب مفهوم المصلحة للنظام الأول فالمتأثر هو النظام الثاني الذي توجد لديه مصلحة النظام الأول، و يمكن أن يكون الصراع من اجل صد تهديد، فالنظام الأول يقوم بإدارة الصراع ضد النظام الثاني لتحقيق هدف هو المحافظة على أمنه وسلامته.
إذن النظام الأول يقوم بإدارة الصراع ضد النظام الثاني لتحقيق مصلحة أو لصد تهديد، وبالتالي يقوم بتغيير الحدود للنظام الثاني ويكون الأخير متغيرا بالنسبة للأول. ويجب أن نضع معيار معين لدرجة أهمية المصالح أو التهديد بالنسبة للنظام الأول الذي يمتلك المقدرة على إدارة الصراع لصالحه. وقياس المصالح أو التهديد يتم عن طريق الملاحظة والدراسة وجمع المعلومات والتحليل ووضع درجة معينة كفرضية تستخدم لتسهيل العمل التحليلي لما سيحدث في المستقبل. وسوف نتبع في هذه النظرية نظام خمس درجات كحد معين للنسبة القياس للمصالح أو التهديد، واضعين في الاعتبار شكل النظام السياسي لأطراف الصراع والدوافع الحقيقية للصراع.

الصيغة:
اتفقنا على أن النظام 1 وفقا لمصالح أو تهديد باستطاعته أن يغير في حدود النظام 2 الذي يفتقر لمصدر القوة. واستنادا على هذه الفرضية يمكن أن نضع الصيغة التالية:
ن+(مصالح،تهديد) : 2ن = تغير أو توازن أو ثبات
نضع مكان المصالح ص
نضع مكان التهديد هـ
تصبح الصيغة:
ن+(ص هـ) : 2ن = توازن أو تغير أو ثبات
يمكن أن نضع مكان (ص هـ) ن
ن+ن : 2ن = تغير توازن ثبات
ن تمثل النظام الأول
ن تمثل المصالح والتهديد
2ن تمثل النظام الثاني
نلاحظ إننا وضعنا معامل النظام الأول الوحدة وهو ن ذلك لاعتبار مصدر القوة لديه بالإضافة إلى درجة المصالح أو التهديد. أي أن الطرف الأول يأخذ الجانب (ن+ن) و ن الأولى تمثل النظام الأول ومعاملها الوحدة. ون الثانية تمثل درجة المصالح أو التهديد ومعاملها يتحدد بعد الدراسة والتحليل لشكل الصراع، الطرف الثاني 2ن والنظام الثاني وضعنا له معامل درجتان.
مثال:
بعد التحليل والدراسة كانت درجة المصالح للنظام الأول أربع درجات ضد النظام آخر.
طريقة الحل:
ن+ن:2ن
درجة المصالح =4ن
ن+4ن:2ن
إذن: = 5ن:2ن
بما إن 5ن>2ن = 5\2 = 2.5 لصالح النظام الأول
إذن الحدود يمكن أن تتغير لصالح النظام الأول.
تفسير المثال:
ن+4ن:2ن
ن تمثل النظام الأول
ن الثانية تمثل المصالح أو التهديد
درجة المصالح أو التهديد التي توصلنا إليها بعد الدراسة والتحليل والمقارنة وجمع المعلومات
2ن تمثل النظام الثاني
بنتيجة الجمع نجد إن الطرف الأيمن ن+4ن = 5ن وهي اكبر من الطرف الأيسر 2ن وبهذا نصل إلى إن التغيير يكون لصالح النظام الأول، أو إن الحدود للنظام الثاني تتغير وفق المتغيرات التي سوف يفرضها النظام الأول.

ملاحظة:
يجب أن لا نقف عند هذا الحد من التحليل أو من استخدامنا للنظرية أي إن عملنا في دراسة معينة ممتد ومتصل من مرحلة جمع المعلومات والتحليل ومن ثم تطبيق النظرية وبعد ذلك تأثيرات النتيجة على كل من النظام الأول والثاني وتأثير ذلك على المحيط الإقليمي لكل من النظامين، وأخيرا التأثير على الجانب الدولي ودور المنظمات الدولية والإقليمية في موضوع الدراسة وما يهمنا هنا هو التحليل للمادة موضوع الدراسة.
ومن الضروري أن نستخدم أدوات أخرى تساعدنا للتوصل إلى درجة المصالح أو التهديد للنظام الأول، فعلى سبيل المثال يجب أن نصطحب معنا شكل النظام الإقليمي في المنطقة والنظام العالمي وتأثيره على أطراف الصراع وما سيئول إليه الصراع فيما بعد ونتائج الصراع المستقبلية وتأثير الصراع بين النظامين على البيئية المحيطة به.


الخاتمة:
تعتمد هذه النظرية على مدى دقة القياس لمصالح أو التهديد ودراسة المؤثرات الخارجية على أطراف الصراح حتى يتم التوصل إلى نتيجة جيدة. وهذا التغير عندما يحدث ليس حتميا و ثابتا بل إن التغير يمكن أن يؤدي إلى تغير آخر وهكذا.
الخلاصة هي إننا نسعى لمعرفة هذا التغير ونتائجه وتأثيراته على أطراف الصراع والمحيط الدولي وبالتالي أبعاده المستقبلية.