لومومبا

د.شاكر مطلق


من يذكُر - الآن – هذا الاسم ؟ ، ومن يتذكّره في زحمة الأسماء؟ ولولا أنّ الاتحاد السوفيتي
– المرحوم – كان قد أطلق اسمه على إحدى أكبر جامعات عاصمته ، هذه الجامعة التي تخرّج منها مئاتُ آلاف الاختصاصيّين في كلّ مجالات المعرفة من طَـلبة العالم الثالث ، وأعتقد أنها لا تزال – ضمن روسيا بوتين – تفعل ذلك حتى الآن .
هذا الرجل الإفريقي الحرّ عاش وعايش مأساة بلده الكبير " الكونغو " – مساحته أوسع من مساحة ألمانيا بسبع مرات - تحت سيطرة الاستعمار البلجيكي ، ونهبِه منهجياً ، ونهب ثرواته الطبيعية الكثيرة ،
بعد أنْ كان إمبراطور بلجيكا ( ليوبولد ) قد أعلَنها ملكية خاصة ومارس على شعبها أقسى أنواع الاستغلال وحتى ما يعرف اليوم بـ ( الجينوتسيد ) – الإبادة الجماعيّة - فقرر قبل أكثر من أربعة عقود أن يتحرك مع مجموعة وطنية مستنيرة من أبناء شعبه التحرك ضد هذه الحالة الشَّاذة ، ووصل إلى الحكم
( ديمقراطيا )، برغم معارضة القوى الاستعمارية لذلك ، هذه القوى التي لم تسهم في تطوير البلد الثري أبداً ، حيث كان عدد الخِريجين الجامعيين فيه غداة الاستقلال أقل من عدد أصابع اليد الواحدة .
( الديمقراطية ) هذا الاسم المحبب الملعون ، حمّال الأوجه ، لا يعني في كل مكان نفس المعنى ، لأنه يخضع إلى معايير وميازين تتبدل من وقت لآخر ومن مكان لآخر ، ومن شعب لآخر ، ولنا في نجاح ( حماس ) في الانتخابات وقبلها في الجزائر أو إيران أمثلة صارخة على اختلاف المعايير ، برغم أن التّسمية واحدة وأنّ ( ديموس ) اليونانية تعني حرفياً ( الرّعاع ) ، وأنّ ( أثينا ) – أم الديمقراطية – عرفَت في تاريخها طبقة العبيد أيضاً ، والحديث في هذا يطول .
بعد وصول ( لومومبا ) إلى الحكم احمرت عيون وحوش الإمبريالية واستطالت ، فهو في عمله من أجل شعبه لا بد وأن يكون شيوعياً ، ولكنه لم يكن إلاّ قائداً وطنياً فحسب .
الجنرال ( إيزنهاور ) الذي أمسى رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية – بلد الديمقراطية بامتياز (!!) – أعطى الأمر بتصفيته جسدياً ، وفكرت مخابراته باستئجار قاتل محترف لتنفيذ ذلك ، ولكن صاحبة
( الكونغو ) باسم الاستعمار ومباركته ( بلجيكا ) كانت أسرع في قرارها بالتصفية ، بعد أن أوعزوا إلى أحد أذنابهم المتكرّشين المدعو ( تشومبي ) بفصل مقاطعة ( كاتانْـغا ) عن الجسد الأم ، لوجود النحاس والذهب وغيره من الثروات الهائلة فيها .
بعد أن تمت بنجاح رشوة قائد جيشه ورفيق دربه ( موبوتو ) – الذي تخرج من جامعة بروكسل
– الديمقراطية !!! - قاموا بالانقلاب عليه ، فهرب وخطب في طريق هروبه في العديد من القرى ، وقبل أن يصل النهر قبضوا عليه مع أعوانه ، وأرسلوهم سراً إلى السجن ،حيث خصمه اللدود (تشومبي ) ، ثم جاء الأمر من ( بروكسل ) بتصفيته ورفاقه جسدياً أيضاً.
( أعطِ الشيطانَ إلى اليهوديّ ) – هكذا كان الأمر .حول معنى هذا القول صرح الآن ، بعد أكثر من 50 عاماً ، أحد المسؤولين السابقين من البلجيك بأن الشيطان هو ( لومومبا ) واليهودي – هنا – هو حاكم إقليم ( كاتانْغا ) ، صاحب الكرش الضخم ( تشومبي ) لأنه – كاليهود – يفعل أي شيء مقابل المال ، هذه هي أقواله ، مع آخرين ، في لقاء صحفي متَـلفَز ، مؤخّراً .
بعد قتلهم ودفنهم لم يشأ زعماء الكونغو ( تشومبي ) والخائن ( موبوتو ) أن يكون لهم علاقة بتصفيته (!) ،وأمروا بنقل الجثث عدة مرات قبل أن يتمّ تقطيعها وحرقها في شباط عام 1961 م ، ليعلنوا بعد أسابيع أنه قتل فاراً على يد الفلاحين .
( موبوتو ) أصبح دكتاتوراً دموياً ، بقي حاكماً لبلده لثلاثة عقود من الزمن، حتى حان الوقت لرمي الليمونة المعصورة في سلة المهملات بانقلاب عسكري عليه ، ولا تزال آثار ذلك على البلد قائمة حتى الآن من خلال حروب عصابات وقطاع طرق ومأجورين أودت ، برغم وجود قوّاتٍ دولية لحفظ السلام (!) هناك منذ زمان طويل أيضاً دون تأثير يذكر ودون أن يحول من قتل ما يقارب الثلاثة ملايين من البشر في ذلك الجحيم الأفريقي المشتعل أبداً ، ولم أعد أذكر مصير العميل ( تشومبي ) ، ولعله نفَق .
ثمة صورة شهيرة يهجم فيها أحدُ أفارقة ( الكونغو ) على الملك البلجيكي ( بودوان ) ، الواقف في سيارة مكشوفة في عرض عسكري في مستعمرته ، منتزعاً عن جنبه السيفَ ، كرمز لانتزاع حرية الأفارقة من الغاصبين .
هذه الصورة حملتْ لمن التقطها لقبَ ( ملك اللاّيكا ) – واللاّيكا آلة تصوير مشهورة عالمياً – وقد أعلمني هذا المصور ( الملك ) أن الصورة التي التقطها لا تعبر إلاّ جزئياً عن هَوْل المشهد ، كما رآه هناك ، وعن ثورة الجماهير المقهورة ، التي وإن نالت استقالتها في إفريقيا وغيرها أيضاً فيما بعد ، إلاّ أنها لا تزال في أكثر من مكان وبلد ترزح تحت قسوة واستغلال وسطوة أبناء جلدتهم ، والأمثلة أكثر من أن تحصى وكلّ ( ديمقراطية ) – إمبريالية – والشعوب بألف خير !!
-------------------------------------------
حمص – سورية 4-2010
E-Mail:mutlak@scs-net.org