مياه الصرف الصحي جعلتهم مرضى معدمين مساجين؟!


يوجد في مصر خمسة بحيرات طبيعية شمالية وتشمل (المنزلة – البرلس – ادكو – مريوط - البردويل)؛ ومن أهم المشكلات التي تعاني منها تلك البحيرات أشد المعاناة هي مشكلة التلوث وتتمثل مصادر التلوث (صرف صحي – زراعي – صناعي)؛ وفي تقرير أعده رئيس الإدارة المركزية للأراضي والمياه والبيئة بوزارة الزراعة الدكتور محمد عبدالحميد نوفل، يؤكد فيه أن 38 مليون مصري يشربون من مياه الصرف الصحي!؛ ويوضح التقرير أن 4500 قرية من بين 7000 قرية مصرية لا تزال تعتمد علي "مرحاض الحفرة"!! نظراً لعدم وجود شبكات للصرف الصحي، كما يكشف التقرير أن 76% من مياه القرى مخلوطة بالصرف الصحي، وأن 25% من مرضي المستشفيات ينتظرون العلاج من تلوث مياه الشرب.

وتشير الدراسة التي أعدها أستاذ الفسيولوجي بجامعة المنصورة الدكتور جاد المولي عبدالعزيز، تشير إلي أن 37% من المصريين محرومون من المياه النقية.


هل المسئولين على علم بذلك؟!
ففي دراسة أعدها وأشرف عليها الدكتور المهندس محمد نصرالدين علام، وزير الري حالياً، وأستاذ الهندسة الري والصرف بكلية الهندسة في جامعة القاهرة، والدراسة كانت ضمن أبحاث "منتدى العالم الثالث" في عام 2001 بعنوان "المياه والأراضي الزراعية في مصر: الماضي والحاضر والمستقبل" نقرأ ما يلي: أهم الآثار البيئية المحتملة لإعادة استخدام مياه الصرف الصحي هي زيادة تركيز النيتروجين والمواد الصلبة الذائبة والمركبات العضوية، بالإضافة إلي زيادة تواجه بعض أنواع البكتيريا والفيروسات في البيئة الزراعية.
وتقول دراسة الدكتور نصرالدين علام: ترجع خطورة المسببات العضوية والكيميائية إلي إمكان وصولها إلي المياه الجوفية التي تستخدم في كثير من المواقع كمصدر مباشر لمياه الشرب مما يتسبب في أمراض خطيرة بالكبد والكلي، أما الملوثات البيولوجية.. فتكمن خطورتها في تعرض أربع مجموعات مختلفة للخطورة من جراء استخدام هذا المصدر المائي، وهم عمال الزراعة وعائلاتهم، وعمال حصاد وتحميل نقل المنتجات الزراعية نتيجة للتعرض المباشر لهذه المنتجات للمياه الملوثة أثناء الري، ومستهلكي هذه المنتجات الزراعية ولحوم وألبان الحيوانات التي تتغذي من هذه المنتجات، وكذلك العائلات التي تعيش في مناطق متاخمة للأراضي التي يتم ريها بهذه المياه.


مياه الصرف الصحي بالبحيرات الشمالية:
تحت عنوان "الجريمة الكبرى" كتب الباحث والأكاديمي المصري الدكتور/مصطفي سعيد يقول: هناك جريمة ارتكبت وترتكب يوميا في حق مصر والمصريين وهى صرف مياه الصرف الصحي على البحيرات الشمالية.
ففي الوقت الذي تطورت فيه تقنيات تنقية المياه في جميع أنحاء العالم لتنقية مياه الصرف الصحي نجد أننا نهدرها بصرفها على البحيرات الشمالية التي أصبحت بعد 30 سنة من صرف ملايين الأمتار المكعبة على هذه البحيرات عبارة عن بكبورتات وبذلك أهدرنا مياه الصرف الصحي التي بلغت 12 مليار متر مكعب فى السنة تمثل 10% من موارنا وأهدرنا فى نفس الوقت أهم مورد للأسماك وهو البحيرات الشمالية التي كانت تمد مصر بـ 60 % من إنتاجها من الأسماك وتعيش عليها أكثر من 500 ألف أسرة كانت حياتها فى بحبوحة من العيش ونحولهم إلى فقراء أو مسجونين نتيجة ذهابهم الى ابعد الدول للصيد فى مياهها.
ان من ارتكب جريمة توجيه مسار مياه الصرف الصحي إلى البحيرات الشمالية يجب ان تتم محاكمته محاكمة علنية ويوقع علية أقصى الجزاء فان 80 % من سكان البحيرات الشمالية مصابون بأمراض السرطان والفشل الكلوي وفيروسات الكبد بأنواعها حيث ان هؤلاء يعيشون في جزر داخل البحيرات وطعامهم الوحيد هو السمك والرز.
وفى الوقت الذي يعتبر العالم فيه مياه الصرف الصحي مصدر ثروة بعد تنقيتها بوسائل بسيطة فقد تم اكتشاف بعض أنواع البكتريا التي تنقى هذه المياه لتعيدها إلى طبيعتها وبعد ذلك تستخدم في زراعة بعض الأنواع التي لا تستخدم مباشرة في تغذية الإنسان أو تستخدم في زراعة الأشجار الخشبية وبعضها غالى الثمن مثل الماهوجنى أو زراعة أشجار الجتروفا التي يستخرج منها زيوت الوقود الحيوي وهى غالية الثمن.
نجد أننا نهدر هذه المياه فبدلا من ان نوجهها للصحراء لنزرع بها ملايين الأفدنة ونشغل الشباب ونحصل منها على عائد اقتصادي كبير نجد أننا نستخدمها في إضاعة أهم مصدر للثروة السمكية في مصر وهو البحيرات الشمالية التي كانت تأتى إليها اسماك الثعابين كل عام من خليج المكسيك بأمريكا ويأتي اليابانيين ليشتروها من مصر وتأوي إليها الأسماك البحرية من أفخم الأنواع كالدنيس والقاروص وكانت مصدر دخل مميز لآلاف الأسر من المصريين أفسدنا عليهم حياتهم وحولناهم إلى فقراء يلقون بأنفسهم إلى الجحيم للصيد بأقصى سواحل الدنيا ليتحولوا إلى سجناء أو أسرى بدلا من ان يظلوا يعانوا من الفقر والبطالة.
أرجو طرح هذا الموضوع بقوة وان يكون على رأس الاهتمامات خاصة في برامج الأحزاب التي تريد ان تضع حدا لما نحن فيه فليس هناك أمل غير التغيير بعد ان عانينا من الحكومات المتتالية التي عتت في الأرض فسادا وأهدرت مواردنا وأصابتنا بالسموم والأمراض وجعلتنا في أواخر دول العالم بعد ان كنا نسبق الجميع.

ومما سبق تذكرت كلام أحد أبناء مدينة المطرية بمحافظة الدقهلية وهي إحدى المراكز التي تطل على بحيرة المنزلة عندما حدثني عن مصرف بحر البقر الذي يصب مياهه في البحيرة قائلاً: من يذهب إلى مناطق نهائية بحر البقر مع بحيرة المنزلة لا يستطيع تحمل الروائح الكريهة الناتجة من الصرف الصحي، ولكن صيادي السمك بالمنطقة يسمونه بحر الزهور بسبب الخيرات التي يجمعوها منه من هذا التلوث!!.

بقلم
م. محمود سلامة الهايشة
كاتب وباحث مصري