ضعف الترجمة من وإلى العربية.. مسؤولية من ؟!
تحقيق: محمد بن عبدالعزيز اليحيا
قالت تقارير صدرت مؤخراً أن حركة الترجمة في الوطن العربي عانت كثيراً من ضعف واضح منذ وقت طويل، وذكر التقرير الإحصائي الصادر عن أحد تقارير التنمية الإنسانية العربية تأكيداً لتلك التقارير، حيث ذكر التقرير أن متوسط عدد الكتب المترجمة (4.4) كتاب لكل مليون من سكان الوطن العربي، بينما بلغ (915) كتاباً في المجر، و(029) كتاباً لكل مليون في إسبانيا. كما يقال إن ما يُترجم في الدول العربية مجتمعة وما قام بترجمته العرب منذ عصر المأمون حتى عصرنا الذي نعيشه حالياً نحو (000.001) كتاب، أي العدد نفسه الذي تترجمه إسبانيا في سنة واحدة. وبغض النظر عن صحة هذه التقارير والبيانات أو على أي أساس بنيت، فإنه من المفترض أن يكون حافزاً لنا كعرب أن يجري تكثيف جهود الترجمة العربية من الاهتمام بمجالات التعريب عند الحاجة لأفضل كتاب شامل معتمد عالمياً في مجال علمي معين يتم اختياره من قبل متخصصين في المجال نفسه، الترجمة مقدمة للإبداع والبحث العلمي وكلنا نعلم بأن العرب هم الذين بدأوا أولاً بترجمة ثقافات وعلوم الآخرين إلى أنفسهم قبل أن ينتقلوا إلى الإبداع والبحث، وكان الإنسان لا يمكن أن يبدع ويخترع دون أن يفكر باللغة التي يعرفها جيداً.. (الدعوة) طرحت قضية الترجمة على عدد من المثقفين والأدباء السعوديين والعرب الذين أكدوا على أنها تعد بمثابة جسر لمعرفة ثقافات المجتمعات الأخرى، بالإضافة إلى تأكيدهم على أن الترجمة في عصرنا الحاضر أكثر أهمية لنا من السابق، وقد جاءت آراء المشاركين كما يلي:

البعد الحضاري
في البداية يقول الأديب إبراهيم مضواح الألمعي:
الحضارة الإنسانية تراكمية، تكاملية، تكمل كل حقبة حضارية ما بدأته حقبة حضارية سابقة، وتكمل أو تستكمل نفسها من خلال ما تنتجه حضارة معاصرة لها، ومهما يكن من أمر فليس من السهل تجاهل تأثير الحضارات في بعضها البعض، فكل المنتجات الحضارية تعلو وتهبط إلا المقومات الفكرية فإنها تزدهر باستمرار، ليس بالضرورة في مكان وزمان محددين، بل تتناقل هذا الازدهار حضارة عن حضارة، وجيلٌ عن جيل، وأمةٌ عن أمَّة، غير أن اختلاف اللغات يقف حائلاً بين أبناء اللغات المختلفة، ولا سبيل إلى تخطي هذا العائق إلا بإحدى وسيلتين، أولاهما أن تتعلم كلُّ الأمم اللغات الإنسانية المؤثِّرة في السيرورة الحضارية، وذاك متعذرٌ بالضرورة على جميع الأفراد، وإن أُتيح لنفر من الناس، وإما أن تنقل كلُّ أمة ما تحتاجه من علوم ومنتجات فكرية من شتى اللغات إلى لغتها، وهذا ما ثبتت أهميته عبر التاريخ، منذ ترجم علماء المسلمين الكتب اليونانية والفارسية إلى العربية، وكانت تلك الترجمات ذات أثر واضح في الحضارة العربية، والثقافة الإسلامية، واليوم تقذف المطابع الكثير من الكتب المترجمة إلى العربية، ومع ذلك فما يزال العدد ضئيلاً إذ تشير بعض الدراسات إلى أن مجموع ما تترجمه الدول العربية لا يبلغ ما تترجمه دولة صغيرة مثل إسبانيا، وتنبع الحاجة إلى العناية بالترجمة اليوم من التقدم العلمي والفكري الذي سُبقت إليه الأمة العربية من أمم الغرب والشرق، ولا شك أن المعارف تتمايز في أهميتها وقدر احتياجنا إليها، ولكن الترجمة ينبغي أن تكون مفتوحة على جميع الاتجاهات، والأفكار، ثم عندما تكون المخرجات بين أيدينا نتعاطى معها حسب احتياجنا إليها وأهميتها بالنسبة لنا، فلكل فن طلابه الساعون إليه، والباحثون عنه.
ولن تؤتي الترجمة كلَّ ثمارها إلا عندما تتولاها مؤسسات مسؤولة، تركز على الأعمال الأكثر أهمية، وتنفق عليها بسخاء، وفق منهجية علمية ومعيار للجودة، دون الاعتماد على الاجتهادات الفردية التي لا يمكن تجاهل أهميتها أو التقليل من شأنها، ولكن على كل حال تبقى جهداً شخصياً لأناس ينظرون من زوايا معرفية وفكرية محددة..

تأثيرات الترجمة
من جانبة قال د. محمد أبو حمرا الأديب والكاتب المعروف:
الفكر والثقافة بوجه عام مادة مشاعة بين الناس فوق البسيطة: لكن التساؤل والعقبة هو: كيفية التواصل؛ وهل الكيفية وتقديم الفكر يجيء حسبما جاء من مصدره أم يعتوره شيء من النقص أو الزيادة؟ وهل الترجمة من لغة إلى أخرى هي على مستوى مأمول لدى صاحب النص الأصلي أم لا؟ بمعنى هل إبداع المبدع باللغة ينقل كما هو بأخرى أم أنه يعتمد على قدرة المترجم.
من هنا يختلف التأثير والتأثر، فالكتب العلمية لا تحتاج إلى مبدع، لأنه ينقل نصوصاً ونظريات علمية شبه متفق على كيفيتها، أما الأدب والفن الأدبي الإبداعي فهو أكثر حذراً، لأن المترجم ربما قتل النص بترجمته إذا لم يكن من أهل ذلك الفن كالروائي والمسرحي والشاعر ونحوه. على كلٍّ، فالكتب المترجمة لها أثر واضح في تغيير مفاهيم وترقية عقليات وبالعكس أيضاً بحكم طريقة التناول والإقناع للقارئ.
لكن هناك ترجمة تجارية بدأت تنتشر الآن، وهي ترجمة الكتب والوثائق التاريخية التي حرّفت الكثير من الأسماء والمواقع ونحوها لبعد المترجم عن البيئة التي يترجم لها ولعدم خلفيته بتاريخ تلك البيئة.
ولعل القارئ المبتدئ ينبهر بترجمة كليلة ودمنة ونحوها من الكتب التي ترجمها متخصصون في ذلك الفن، وهنا يكون التأثّر والتأثير أجمل وأكثر فعالية.

جائزة الملك عبدالله
أما الأستاذ معتوق الشريف – المحرر الثقافي بصحيفة عكاظ فقال -:
لعبت الترجمة دوراً كبيراً في تعزيز التواصل الثقافي العربي الغربي على مر العصور وأسهمت في نقل التراث والإبداع العربي إلى الدول الغربية مما ساعد على حضور هذا التراث في الأوساط الثقافية الغربية.
ورغم أن التراث الإبداعي لا ينتمي إلى قطر بعينه أو منطقة بذاتها، فهو يتجاوز ذلك كله إلى الفضاءات الإنسانية الأوسع إلا أن الترجمة أسهمت في تقديم الحضارة العربية والإسلامية في الغرب وإيجاد نوع من الحراك الثقافي المتبادل بين الثقافات على أيدي مبدعين من كل الثقافات نظراً لأن الثقافة العربية والإسلامية ثقافة تمتاز بالقدرة على استيعاب الثقافات المختلفة.
ومما لا شك فيه أن المبادرات الشخصية سواء العربية أو الغربية أسهمت بدورها في تعزيز التواصل الثقافي رغم محدوديتها لذلك اعتبر المبدع الحقيقي من يكتب للعالم كله ولا يكتب لبلده أو موطنه فقط.
لكن المشكلة أن البعض منا شكلوا نظرياتهم عن الثقافة الغربية وفق مرئياتهم الشخصية ومواقفهم السياسية والأيدلوجية، عاشت بقية الترجمة مدة من الزمن في سبات عميق حتى جاءت “جائزة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للترجمة” التي تُمنح سنوياً للأعمال المتميزة، والجهود البارزة في مجال الترجمة. انطلاقاً من رؤيته – حفظه الله – لمد جسور التواصل الثقافي بين الشعوب، وتفعيل الاتصال المعرفي بين الحضارات، وتعزيزاً للحوار بين الحضارات.
لكن ما نطمح إليه هو ترسيخ هذا الجهد المقدر للجائزة بإنشاء مراكز للترجمة وتدريسها بشكل فعّال داخل أروقة جامعاتنا لتتخطى الترجمة للمصطلحات إلى ترجمة للعلوم والمعارف. كما نتمنى أن تنهض الجمعيات العلمية وخصوصاً الجمعية العلمية السعودية للغات والترجمة بدورها في ترسيخ مفهوم الترجمة والتعريف بأهميتها وبناء قاعدتها التأسيسية من خلال مراقبة وتفعيل طرائق تدريس اللغة في المدارس لمحاولة إيجاد جيل يحمل لواء هذه الثقافات ويقوم بالتعريف بها عالمياً ونقل العلوم والمعارف التي تخدم وطننا الغالي.

الترجمة.. تاريخياً
ويقول أ. صالح الغازي – قاص/ شاعر مصري مقيم بالسعودية:
الترجمة جسر لمعرفة ثقافات وعلوم المجتمعات وأداة للتأثير والتأثر، فمثلاً كما استفاد منها المستعمر استفاد بها المحتل، دائماً هي سبب ونتيجة. كما أنها أحد أهم مظاهر ازدهار الأمم.
ازدهرت الترجمة في مدن عربية عدة فكانت الاسكندرية بمكتبتها العريقة منارة للتفاعل بين الحضارات والأندلس، كانت باباً لدخول الغرب للنهضة وانفردت طليطلة بإشعاعها للعلوم والفلسفة والفلك والاجتماع.
كذلك بغداد في حكم العباسيين (بيت الحكمة وديوان الترجمة) وحديثاً عصر محمد علي انطلقت صحوة الترجمة من القاهرة وامتدت للشام بمدرسة الألسن.
إن الكتب المؤثِّرة في الفكرة الإنساني عديدة ومتنوعة عبر كل العصور، ولعل من أهم الكتب الأدبية المترجمة المؤثِّرة في أدبنا العربي كتابي ألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة، وقد تجاوز تأثيرهما لكتاب القصة والرواية في العالم كله.
كذلك من أهم المؤثرات في الأدب الحديث أشعار لامارتين وجوته ترجمة أحمد حسن الزيات ومسرحيات الكترا وانتيجونا ترجمة طه حسين.
كما أن ترجمة أعمال شكسبير ورائعة سرفانتس دون كيشوت والكوميديا الإلهية لدانتي اليجري وأعمال تشيكوف وتولستوي خاصة الحرب والسلام وموبسان وبعدهم أعمال البرتو مورافيا وسارتر ونيتشا والبير كامي وكتاب الطاو للاوتسي وأشعار لوركا ونيرودا وبروخيس وغيرها من الكتب والأعمال المهمة المترجمة التي أسهمت بقوة في إثراء الفكر والثقافة في الفترة الماضية.
أما حالياً فإن نشاط الترجمة أصبح أمراً حتمياً لأن عالمنا أصبح مفتوحة سمواته أمام الأعمال المترجمة التي أرى أثرها واضحاً في أدبنا العربي المعاصر.
أعمال ماركيز وادوارد سعيد وسوزان برنار وباتريك زوسكيند وكونديرا وتوني موريسون وساراماجو وجنترجراس وكواباتا وكيلوهو ….. كم تطول القائمة!
الترجمة من وإلى العربية من أهم قضايا الثقافة المعاصرة، غير أن حركتها لا تتناسب مع المنتج الإنساني من الأدب، فالمترجم بالكاد لا يهتم إلا بالكتاب الفائز بجائزة أو الممول.
وأصبحت المواد السمعبصرية لها نصيب أكبر في توصيل الفكر ولا ينفي ذلك دور الكتاب الرئيسي في إثراء الفكر والثقافة.

الترجمة والحوار
وتقول رحاب إبراهيم – قاصة مصرية -:
الفكر العربي هو جزء من الفكر الإنساني بشكل عام، وقد اتسمت الحضارة العربية منذ بدايتها بالتفاعل مع الثقافات الأخرى أخذاً وعطاءً، ولم تصب بالسقم إلا في فترات الانغلاق والانكفاء على الذات.
لقد قال ماركيز إن حكايات ألف ليلة وليلة هي أحد تكوينه الفكري وبالمقابل فإن شخصيات مثل هملت وزوربا اليوناني ودون كيشوت بتفاصيلها المكتوبة بمهارة عالية هي أحد الأركان المهمة في فكر ووجدان كل مثقف عربي وحين الحديث عن الترجمة لا يفوتنا الأدب الروسي القديم والذي لم تتم فقط ترجمته وتعريبه بل أخذ منه العديد من روائع السينما المصرية القديمة كالأفلام المأخوذة عن أنا كاريننا والإخوة كرامازوف وغيرها.
ثم أدب أمريكا اللاتينية وإلتي حدث تماس كبير بين ما يتناوله من مشكلات اجتماعية وحياتية وما هو موجود بالفعل في مجتمعاتنا العربية.
إن رواية مائة عام من العزلة جديرة بالتوقف عندها طويلاً. لا أتخيل مثقفاً عربياً لم يتأثر بها.
وإذا كانت الترجمة في السابق لعبت دوراً هاماً في حياتنا الثقافية فإن الحاجة إليها تزداد في الوقت الراهن، فالتواصل والتفاعل مع الآخر لم يعد من الكماليات، بل لم يعد شيئاً اختيارياً، إن فهم الآخر ومحاورته ومعرفة كيف يرانا وما هي فكرته عنا ولماذا، أصبح ضرورة إذا أردنا البقاء على سطح العالم.



http://www.aldaawah.com/?p=845