السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ
ملخص سيرة أحمد شوقي
1285 - 1351 هـ / 1868 - 1932 م
أحمد بن علي بن أحمد شوقي.
أشهر شعراء العصر الأخير، يلقب بأمير الشعراء، مولده ووفاته بالقاهرة، كتب عن نفسه: (سمعت أبي يردّ أصلنا إلى الأكراد فالعرب) نشأ في ظل البيت المالك بمصر، وتعلم في بعض المدارس الحكومية، وقضى سنتين في قسم الترجمة بمدرسة الحقوق، وأرسله الخديوي توفيق سنة 1887م إلى فرنسا، فتابع دراسة الحقوق في مونبلييه، واطلع على الأدب الفرنسي وعاد سنة 1891م فعين رئيساً للقلم الإفرنجي في ديوان الخديوي عباس حلمي. وندب سنة 1896م لتمثيل الحكومة المصرية في مؤتمر المستشرقين بجينيف.
عالج أكثر فنون الشعر: مديحاً، وغزلاً، ورثاءً، ووصفاً، ثم ارتفع محلقاً فتناول الأحداث الاجتماعية والسياسية في مصر والشرق والعالم الإسلامي وهو أول من جود القصص الشعري التمثيلي بالعربية وقد حاوله قبله أفراد، فنبذهم وتفرد. وأراد أن يجمع بين عنصري البيان: الشعر والنثر، فكتب نثراً مسموعاً على نمط المقامات فلم يلق نجاحاً فعاد إلى الشعر. [1]

الشاعر وقصيدة (نهج البردة):
تأثر الشاعر أحمد شوقي في قصيدته (نهج البردة) بالشاعرين: كعب بن زهير و الإمام البوصيري، وإذا تنقلنا مع شوقي بين أجزاء قصيدته نجده قد بدأها بالنسيب وقد أسرف شوقي في هذا الجانب حتى بلغ عدد أبياته أربعةً وعشرين بيتاً ولعلها من أجود ما كتب الشعراء في الغزل، وسأنقل لكم - أحبتي في واتا – الأبيات العشرة الأولى من البردة، مع شيء من الشرح والتفصيل، وهو نقل على (الكيبورد) من كتاب (ثلاثية البردة) لصاحبه حسن حسين.

أتمنى لكم قراءة ممتعة و ومفيدة.


يقول أمير الشعراء في مطلع قصيدته:

1- ريمٌ عَلى القاعِ بَينَ البانِ وَالعَلَمِ

أَحَلَّ سَفكَ دَمي في الأَشهُرِ الحُرُمِ

2- رَمى القَضاءُ بِعَيْنَيْ جُؤذَرٍ أَسَداً

يا ساكِنَ القاعِ أَدرِك ساكِنَ الأَجَمِ

3- لَمّا رَنا حَدَّثَتني النَفسُ قائِلَةً

يا وَيْحَ جَنبِكَ بِالسَّهمِ المُصيبِ رُمي

4- جَحَدتُها وَكَتَمتُ السَّهمَ في كَبِدي

جُرحُ الأَحِبَّةِ عِندي غَيرُ ذي أَلَمِ

5- رُزِقتَ أَسمَحَ ما في الناسِ مِن خُلُقٍ

إِذا رُزِقتَ التِماسَ العُذرِ في الشِيَمِ

6- يا لائِمي في هَواهُ وَالهَوى قَدَرٌ

لَو شَفَّكَ الوَجدُ لَمْ تَعذِلْ وَلَم تَلُمِ

7- لَقَد أَنَلتُكَ أُذناً غَيرَ واعِيَةٍ

وَرُبَّ مُنتَصِتٍ وَالقَلبُ في صَمَمِ

8- يا ناعِسَ الطَرفِ لا ذُقتَ الهَوى أَبَداً

أَسهَرتَ مُضْناكَ في حِفظِ الهَوَى فَنَمِ

9- أَفديكَ إِلْفاً وَلا آلُو الخَيالَ فِدىً

أَغْراكَ باِلبُخلِ مَنْ أَغْراهُ بِالكَرَمِ

10- سَرى فَصادَفَ جُرحاً دامِياً فَأَسَا

وَرُبَّ فَضْلٍ عَلى العُشّاقِ لِلحُلُمِ



[ أ ] معاني المفردات:

(1) الرئم: الظبي الخالص البياض، القاع: الأرض السهلة المطمئنة، البان: ضرب من الشجر، العلم: الجبل، الأشهر الحرم: (أربعة) ثلاثة متتابعة هي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، وواحد مفرد وخو رجب، وكانت العرب لا تستحل فيها الفتال.
(2) الجؤذر: ولد البقرة الوحشية، الأجم: جمع أجمة وهي الشجر الكثيف الملتف وهو مسكن الأسد.
(3) رنا: أدام النظر مع سكون الطرف، يا ويح: الشدة والمكروه.
(4) جحدتها: الجحود هو الإنكار مع العلم.
(5) الشيم: جمع شيمة وهي الخلق.
(6) شفه الوجد: هزل وانحل جسمه.
(7) انتصت: سكت سكوت مستمع.
(8) الناعس: الوسنان، الطرف: العين، والمضنى: الذي أثقله المرض، ومضناك: الذي أضنيته مما لحقه من الوله عليك.
(9) الألو: المنع والتقصير، أغراك: زيّنه له وحرّضه عليه.
(10) سرى: مشى في الليل، وأسا الجرح يأسوه: داواه.


[ ب ] المعنى العام:

1-2: يبدأ شوقي قصيدته نهج البردة كما بدأ قبله كل من كعب بن زهير والإمام البوصيري بالغزل، واعتاده الشعراء القدامى، مقتفيا نهجهم باتخاذ الغزل مطلعا للقصيدة فتخيل محبوبته الظبي الجميل الذي يقف في أرض بين أشجار البان والجبل، وهذا الظبي استحوذ على مشاعره أكثر من منظرالغابة الجميلة ومنظر الجبل، وهو هنا قد شغله جمال الظبي ولم يبهره منظر الغابة الخضراء والأغصان الملتفة والروابي أو الجبال، وأن هذا الجمال الذي بهره كما لو كان قد سفك دمه على الرغم من تحريم سفك الدماء في الأشهر الحرم.
ولعل جمال الغزال يبرز في عينيه اللتين يتعلق بهما من يراهما ولو كان أسدا في قسوته ووحشيته وجبروته، وهذا الأسد يسكن الأجم ويطلب النجدة والرحمة من هذا الظبي الرقيق الذي لا يثبت أمام جماله شيء.

3-4: ويعبر شوقي عما أحسه عند رؤيته هذا الغزال وقد ثبّت نظراته الرقيقة وصوبها نحوه فحدثته نفسه بأن القلب قد أصيب بسهم تلك النظرات ولا يستطيع إنسان أن يخرجه من كبده.
وقد اختار الشاعر عضوا يصعب على الطب معالجته، ألا وهو الكبد، فكل عضو من جسم الإنسان يمكن معالجته ما عدا الكبد، فهو هنا يبين مدى الجرح الذي أصيب به، ولكن الشاعر كرجل كتم هذا الهوى وهذا الحب وأنكر وجوده تماما لاعتقاده أن أي ألم يسببه المحبوب لا يمكن أن يؤثر في نفسه وقلبه على الرغم من لوعته ومعاناته حبَّ هذه الأنثى التي تضارع الغزال جمالاً وفتنةً.


5-6: فيوضح صفات المحب المثالي إذ يذكر أن الإنسان الكريمَ سمْحَ الخلق لا يُعتبر كريما ولا سمْحا إلا إذا كان قادرا على التماس الأعذار للناس وهذا هو الخلق الطيّب عند العرب، ولذا يطلب ممن يلومه ويؤنبه على أنه قد أحبّ هذا الغزال أن يلتمس له العذر فلو مرّ بتجربته لما كان عاذِلاً.


7: يخاطب لائمه ويقول له: يا أيها اللائم أنني أنصت إليك حقاًّ، ولكن هل أنت متأكد من أنني أسمع لما تقول وأعيه؟ إني قد أنلتك أذني ولكن قلبي بعيد عنك لا يسمعك ولا يعي لومَك ولا عتابك لِما هو فيه من الوجد منذ رؤية هذا الظبي.

8: وبهذا يعود شوقي إلى الحبيبة ويظهر بعض صفاتها الجمالية، فهي ناعسة الطرف، وسْنانة العينين، يدعو لها ألاّ تذوق الحبّ الذي يثقل كاهل المحبّ ويعذّبه ويُضْنيه كما أضناه هو وأرّقه، ويدعو لمحبوبته أن تنام هانئةً قريرةَ العينيْن.

9-10: ويريد شوقي أن يؤكّد لحبيبته أنه استطاع أن يعطيها كل ما حاك بخياله مِن حبّ وشفقة ورحمة على الرغم من أن حبيبتَه تبخل عليه بأقل القليل، ويلجأ شوقي للمقابلات بين البخل والكرم، وبين المنع وإطلاق الخيال، وبين السهر والنوم، وبين الوعي والصمم، لتأكيد المعنى المعبّر عن حالته النفسية في حُبّه، وعم حالة محبوبته بما فيها من تناقض بينه وبينها مسترجعاً ما سمع من آلام المحبّين وآهاتهم في العشق ورغبتهم الدائمة في وصل الحبيب، وشاعرنا لم ير هذا الحبي إلا عن بُعد، ولكن يأمل أن يراه في الحلم، وربما تكشف له الأحلام عن حقيقة هذا المحبوب.



[1] . الموسوعة الشعرية.