السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا أخفي عليكم أساتذتي الأفاضل شعوري بالإحباط نتيجة لما آل إليه حال أمتنا العربية من ذل وهوان وتقليد أعمى لكل ما هو غريب حتى ولو كان فيه ضررًا، ولقد أردت أن أشارك أساتذتي بهذه الكلمات التي عبرت فيها عن شعوري نحو قضية البرمجة اللغوية العصبية، وأسأل الله أن ينفع بها وأن يجعلها بمثابة صيحة تحذير لإيقاظ الأمة من هذا السبات العميق:

روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ فقلت بلى يا رسول الله، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله.
ما معنى هذه الكلمة ولم هي كنز من كنوز الجنة؟
يقول ابن رجب الحنبلي في شرحه لهذا الحديث الجليل:
((فإن المعنى لا تحول للعبد من حال , إلى حال , ولا قوة له على ذلك إلا بالله))

لذا فلا تحول من الفشل إلى النجاح إلا بالله عز وجل، ولا تحول من الهزيمة إلى النصر إلا بالله عز وجل، ولا تحول من الفقر إلى الغنى إلا بالله عز وجل ولا تحول من الهم والحزن إلى السعادة وراحة البال إلا بالله عز وجل.
وقف أحد الفرسان وقال مقالة كانت سببًا في الهزيمة لجيش بأكمله، قال: لن نهزم اليوم عن قلة.
استمع إلى عتاب الله عز وجل لصفوة خلقه ألا وهُمُ الصحابة يوم حنين بعد أن ساد هذا الشعور في نفوس بعضهم وهو النظر إلى القدرات والعدد والعتاد:
"‏{‏ ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين}‏ (‏التوبة‏:‏25) .
نظر بعض الصحابة إلى إمكاناتهم وما لديهم من العدد والعتاد، كأني بهم يقولون "وأنا على يقين من أن ذاتي تكفيني"...... وأين لا حول ولا قوة إلا بالله؟
هؤلاء هم القوم الذين قال الله عز وجل فيهم "{ولقد نصركم الله ببدر ))))وأنتم أذلة(((( فاتقوا الله لعلكم تشكرون}. ما كانوا يُنصرون إلا بفضل الله عز وجل وبالتوكل على الله في كل أمورهم (وهذا بعد الأخذ بالأسباب بالطبع)
تجد صورة أخرى في غزوة الأحزاب حينما كان القوم في حالة إعياء وضعف شديدين ماذا كانوا يقولون وهم يحفرون الخندق والرجل منهم يربط حجرًا على بطنه من شدة الجوع ولعدم وجود ما يتقوت به؟
كانوا يقولون: "اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا" (لولا أنت وليس لولا قدراتنا وثقتنا في أنفسنا)
كان هذا هو نشيدهم وقتها، وهذه هي القوة الحقيقية، قوة الاستعانة بالله والتوكل على الله
"ومن يتوكل على الله فهو حسبه"، فلو نظر الصحابة إلى إمكاناتهم يوم بدر لهلكوا ولهزموا ولكنهم استمدوا نورًا من الله عز وجل "قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم"
وهذا هو معنى لا حول ولا قوة إلا بالله، الاستعانة بالله وعدم النظر إلى ما يملك العبد من إمكانات وملكات
بل وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من أن يقول "يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث فأصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين"
وقال صلى الله عليه وسلم أيضًا: "إنك إن تكلني إلى نفسي تكلني إلى ضعف وعورة وذنب وخطيئة"[أحمد 20678].
وقد قالها يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام عندما كان يعاني من كيد النساء له [وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ] يعني إني بنفسي ضعيف ولا حول لي ولا قوة إلا بك وإنك إن لم تعصمني بحولك وقوتك فلن أتمكن من عصمة نفسي.
ويكفينا قول الله عز وجل " إن الله يحب المتوكلين"
وأنا أنقل هذه الكلمات تحذيرًا من بعض سلبيات الموجة السائدة وهي الدعوة إلى تطوير الذات وتفجير المارد الداخلي، فهؤلاء قوم لا يعرفون شيئًا عن التوحيد يخرجون علينا ويقولون نصف الحقيقة، ويقولون كن على ثقة بذاتك وقدراتك وإمكاناتك فهذا كلام ناقص من ناحية أنه ينفي التوكل على الله عز وجل ويؤدي إلى اغترار العبد بملكاته وقدراته وعدم لجوئه إلى الدعاء وهذا مما يسبب غضب الله عز وجل عليه
أنا أكتب هذه الكلمات وأنا على يقين أن من يقرأها يوقن تمام اليقين بالله عز وجل ويتوكل عليه في جميع أموره ويرجو رحمته ويخاف عقابه، وأنا على يقين أيضًا بأن غاية كل قارئ لهذه الكلمات هي الجنة إن شاء الله تعالى ورضوان الله عز وجل، ولكن لا بد أن يوافق ذلك الاعتقاد القلبي الأعمال الظاهرة للجوارح ولا بد أن يظهر التوحيد في الأفكار والمعتقدات والسلوك
وكما قال الدكتور سعيد عبد العظيم " إذ عدم الأخذ بالأسباب قدح في التشريع، و الاعتقاد في الأسباب قدح في التوحيد"
فنحن لا يمكن أن نعيش حياتنا بنصف الحقيقة وهي الاعتقاد في الأسباب، بل إن النصف الأكثر أهمية هو اللجوء إلى الله عز وجل والتوكل عليه والدعاء وقد قال أبو هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من لم يسأل الله يغضب عليه))
فموضوع ثقة العبد بنفسه كلام صحيح وحق ولا بد للإنسان من أن يثق بقدراته ولا يتكل على أحد من المخلوقين. وإلى هنا فالكلام جيد ولكن كما قلنا ناقص فالنصف الآخر هو التوكل على الله عز وجل والدعاء وهذا النصف لن تجده مشروحًا في كتاب يكتبه أصحاب هذا المبدأ فهم لا يعرفون هذا ولا يقرون به، فالأمر كله مداره على الذات "كن ذاتك" "طور قدراتك" "فجر المارد بداخلك" هم لا يعرفون إلا هذا
وكما قال الإمام ابن القيم "التوكل نصف الدين"
فنحن إن اتبعنا هذا المنهج الذي يعظم قدرات الفرد ويجعله لا يتكل إلا على قدراته لأدى بنا هذا إلى ترك الدعاء والتوكل وعدم اللجوء إلى الله عز وجل.
وقد ثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسم: من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته، ومن أنزلها بالله، فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل"
فالنبي هنا لم يتكلم عن القدرات الشخصية وثقة المسلم بما يملك بل قال (فأنزلها بالله)
وختامًا همسة في أذن كل مسلم
إذا كنا نبحث عن السعادة والنجاح والفلاح فعلينا بالتمسك بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ولا نبحث في فضلات الغرب ويكفينا قول الله تعالى:
"ألا بذكر الله تطمئن القلوب"
وقول رسوله صلى الله عليه وسلم: " تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعده كتاب الله تعالى وسنتي"
والمسلمون يجب عليهم أن يحذروا من هذه الأمور ويتنبهوا لما يكمن وراء هذه الاتجاهات من سخط الله عز وجل على العبد من جراء إهمال الدعاء وعدم اللجوء إليه، وأنا أقول لك إن كنت لا بد متبعًا للقوم وآرائهم وأفكارهم فخذ منهم ما ينفع شريطة ألا يخالف عقيدتك ومبادئ دينك وتعلم أولا مبادئ العقيدة لكي لا تنخدع وراء كل براق وتكتشف أنه كان سرابًا في النهاية.
هذا إن كنت فاعلاً وإلا فإني أقسم لك يا أخي وأختي أن فهمنا لكتاب الله عز وجل وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم يكفينا للنجاح والرقي والتقدم وإن أردت مزيد اطلاع فعليك بكتب السلف فإنها كنز لا يقدر بمال.
هذه ليست دعوة للفشل وترك مقومات النجاح فإن لكل شيء مقومات وللنجاح مقومات مادية وهي الأخذ بالأسباب والثقة بالنفس وأيضًا له مقومات ربانية ويكفينا أن نعلم أن سنن الله في الكون تقتضي أن من أخذ بالأسباب نجح وفلح حتى ولو كان يعبد بقرة ولكن الفيصل بيننا وبين غير المسلمين أننا نعمل ونأخذ بالأسباب ونرجو رضوان الله وفضله إذًا فلابد لنا من تحقيق التوحيد في كل شيء من معتقداتنا وأقوالنا وأفعالنا، وأخيرًا
اللهم وفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه واستعملنا في طاعتك واهدنا ويسر الهدى لنا.