الطبيعة أم الإنسان ؟


د. شاكر مطلق


إذا قلنا بأن الإنسان ، شأنه شأن كافة الكائنات الأخرى ، هو ابن الطبيعة ، وجزءاً لا يمكن فصله عنها ، لو أراد ذلك بعض الواهمين ، فإن الأمر يبدو أن الطبيعة هي المسؤولة دوماً عما يلحق بها وبنا من خراب ودمار وأحداث مريعة ، تزايدت خلال العقود الماضية والآن بشكل مدهش .
لكن هل الأمر فعلاً ، دوماً ، هكذا ؟! بالطبع لا . فثمة أحداث تبدو ، ظاهرة طبيعية تماماً ، كالزلزال والإعصار والفيضانات ... إلخ ، ولكن ماذا عن آلاف المصائب الأخرى التي تصيب ، ليس البشرية فحسب ، وإنما كل الكائنات الأخرى الحية ، بضرر عابر أو دائم
- ماذا عن تصنيع مواد ، لا وجود لها أصلاً في الطبيعة ، على يد الإنسان ، أدت ، ولا تزال ، إلى أضرار جسيمة على الجميع .
صنع الإنسان منذ مطلع القرن العشرين مواد كيماوية لأغراض قد تكون مبررة ، بل ونبيلة أحياناً ، مثل المبيدات الحشرية ، الديناميت ، الأدوية ، المبردات ، وسائط النقل الحديثة ... ليجد أن هذا أدى ، عن قصد أو بدون ، إلى أضرار فادحة على الإنسان والبيئة : قل الطبيعة الأم . مادة ( د.د.ت ) مثلاً – مبيد حشري قوي – تسرب عن طريق المياه إلى الأنهار فالبحار . الحيوانات البحرية ومنها النوارس تتغذى على الأسماك المشبعة بهذه المادة ، عن طريق الدورة الغذائية ... والنتيجة المحزنة أن قشور بيوض هذه الطيور لم تعد قادرة إثناء جلوسها على البيوض ، من تحمل وزن الطير الأم ، فانقرضت أو كادت .
- الديناميت : مادة متفجرة تسمح للإنسان بشق الطرق والأقنية وغير ذلك ، تحولت إلى مادة قاتلة من خلال الحروب ... مما جعل بمكتشفها ( ألفريد نوبل ) أن ( يكفِّر ) عن اكتشافه بتمويل عائداته إلى جوائز للسلم والعلوم والأدب ...
- الأدوية التي كانت تساعد على التغلب على الأمراض أمست مشكلة عويصة وفرّخت أنواع مقاومة من الجراثيم وتسببت في أعراض جانبية قاتلة أحياناً ، وخزانة الدواء الطبيعية من أعشاب وجذور وغيرها ، في متناول اليد ، وقد استعملها الإنسان القديم والمتحضر في أكثر من مكان وزمان ، كالصين والعرب وغيرهم ... لماذا لا نعود إليها فعلاً من جديد ؟ .
- المواد المستخدمة في التبريد ، ومن يستغني اليوم عن البراد وأمثاله في الحياة اليومية ، أكلت غازاتها طبقة الأوزون الواقية للأرض وكائناتها من الأشعة الكونية القاتلة فاخترقتها وأصبحت ثقباً هائلاً تتسرب منه تلك الأشعة مسببة الكوارث والأمراض .
- وسائط النقل المختلفة التي تشكل تطوراً هاماً في مسيرة البشرية ، منذ اختراع الدولاب في قديم العصور ، تستهلك من النفط الذي تشكل في الأرض خلال عشرات بل مئات ملايين السنين كماً هائلاً للحرق ( !! ) وكسب الطاقة أو للتدفئة ، وتفوت على الأجيال القادمة الاستفادة منها لأغراض أخرى هامة ، قد لا نعرف اليوم مداها ، على الرغم من استفادة الألمان ، إبان الحرب الكونية الثانية ، منها لاستخراج الأدوية وحتى الزبدة والملابس ... الخ .
- ماذا عن أمراض مثل فقدان المناعة المكتسبة ( الإيدز ) الذي عاش تعايش ( الفيروس ) القديم فيه مع نوع من القردة ، يأكلونه في أفريقيا منذ زمن طويل جداً ، فلماذا يصبح فجأة وباءً قاتل ؟ وهل ليد الإنسان ، وقل ليد أٍياد الإمبريالية ، في التلاعب فيه ، من نصيب ، كما في جراثيم مصنعه وغازات قاتلة أخرى ، ناهيك عن شطره الذرة التي لم يكن الإنسان يعرف مدى طاقتها الهائلة والمدمرة أيضاً إلاّ بعد أن رموها أسياد الحرية والديمقراطية ، وبعد مباركة رسمية دينية ، على هيروشيما وناغازاكي ؟
كثيرة هي التساؤلات التي تدفع للشك فيما إذا كنا نحيا فعلاً مرحلة تطور وحضارة أم أننا ندمر ، عن جهل أو عن قصد ، وسطنا الحياتي ونشرك في هذا الدمار الكائنات الأخرى ، ونلحق أفدح الأضرار بأمنا الطبيعة ، التي لا ملاذ لنا ، في النهاية ، غير التصالح معها علّها تحنّ علينا وتجعل من هجرة الطيور حدثاً مفرحاً للعين والقلب ، بدل أن تتحول هذه الهجرة إلى كابوس مرعب ، وتصبح الأشجار خالية حتى من نداء العصفور الدوري الوديع الذي إذا انقرض ، فإن انقراضنا كجنس من الكائنات لم يعد بعيداً ، وقد زالت قبلنا كائنات عملاقة مثل ( الديناصورات ) وغيرها ، واستمرت الحياة ولو بأشكال أخرى ...
آما آن للإنسان ( العاقل ) أن يعقل ويتّعظ ؟!

--------------------------------------------------------------------
حمص _ سورية