رغم أن الإحصاءات تشير إلى تدني 28% نسبة المدمنين بين صفوف أولادنا المراهقين إلا أن هناك نسبة لا بأس بها تقع في حضن هذه الآفة ولعل السلوك التحرري للمراهقين شكل العامل الأبرز في وقوعهم وسط هذه البؤر. ولا سيما أن التجار قد نشطوا في ترويج بضاعاتهم على اختلاف انواها من المخدرات المصنعة كيميائيا ً إلى المخدرات العشبية، إلى المنشطات ، مرورا ً بالسجائر والابر المورفينية، عدا عن إشاعة إنتشار المخدر عن طريق السكاكر الفاخرة التي ترسلها إسرائيل لأبناءنا والمنتشرة في المحال التجارية القادمة عن طريق التجار، رغم الإدلاء البعض بعدم علم الوكلاء عن هذا الأمر.

كل ذلك تفاعل على حساب أبنائنا وصحتهم وما طاله تأثير المخدر على بنيتهم الجسمية، كل ذلك له تأثير على البنية الجسدية لأطفالنا بشكل أو بآخر ، يكفي انها تشكل القناة الأسرع للموت وللانتحار البطئ لدى الجسم المستقبلي لهذا المجتمع، عقب ضرب بنيانه من الصميم.

إلا أننا نلحظ بأنه ثمة سلوكيات معينة يمارسها الشباب وعلى ضوئها يمكننا أن نلحظ بوقوعهم بهذه الآفة ، وتنقسم إلى خصائص متعددة بين جسدية ، انتاجية، نفسية . تتفاوت حدتها بين مدمن وآخر حسب بيئته وظروف أسرته ومستوى معيشته. وتؤثر على سلوكياته وتصرفاته بشكل أو بآخر.
أولا ً، خصائص المدمن الجسدية، من الملاحظ أن ثمة عوارض جسدية ومظهرية يمكننا ملاحظتها على المدمنين من حيث مظهرهم الخارجي ، إذ يصيب المدمنين عادة ً الهزال والضعف والكسل والترنح بين النوم المطول من جهة، وفقدان التركيز والوعي من جهة أخرى، عدى عن مؤشرات ترافق شكل الوجه من سواد حول العين ، اصفرار الوجه لقلة الأكل، الصداع وفقدان الوعي في بعض الأحيان .
ثانيا ً، خصائص المدمن النفسية ، يتسبب له هذا التعلق المرضي الكثير من القلق والإكتئاب، والسعي الجاد لتأمين المادة المخدرة مهما كلف منه من سلوكيات وانحرافات تقع بحق أقرب الناس له أي والديه، وبعد تأمين هذه المادة وتناولها سرعان ما يسيطر عليه الكثير من حالات الندم جراء هذا السلوك ، وخاصة إذا امتزج سلوكه بارتكابه العديد من السرقات في سبيل تأمين المادة وتعاطيها.
ثالثا ً، خصائص المدمن الانتاجية والاجتماعية، فكثير ما يترافق لدى المدمن العديد من الممارسات الخاطئة وما يصيبه من تقاعس وتخاذل تجاه الدور المناط به كالدور الدراسي، الاهتمام بشؤونه التعليمية وموظبته على الدراسة، ويصب كل اهتماماته تجاه توفير هذه المادة وايجاد الأموال المناسب لتأميتها. وغالبا ً ما يرتكب العديد من الانحرافات في سبيل توفير هذه المادة وصعوبة العيش من دونها ، فيلجأ إلى الكذب على الأهل والأصحاب، السرقة من وراء أهله ، ومن أخوته وأقربائه، ليتوسع بسرقاته تجاه بيئته ومحيطه ، وعندها يصبع أقرب للإجرام وارتكاب الجرائم المتعددة في سبيل تأمين المورد المالي الذي يغطي كلفة المخدر المرتفع الثمن. إذا لم نقل ما يغرر بالمدمنين الصغار واستئجارهم كمورد ترويجي من قبل التجار مقابل منحهم قسم ضئيل من هذه المادة.

وعليه ثمة علاقة قوية ومرتبطة بين الجريمة والادمان، فالكثير من الرسائل توجه إلى الصغار والمراهقين وجذبهم للإدمان من أجل تمرير أغراضهم الاجرامية من جهة، ومن جهة أخرى سرعة التحكم بالمراهق بسبب طيشه وخصائصه الذهنية التي تمتاز بقلة الوعي والجهل والتمرد من جهة أخرى.
والجدير بالذكر هنا، رغم أن البعض من المراهقين ينتمون إلى أسرة متماسكة، إلا أن رفاق السوء يشكل العامل الأكثر تأثيرا ً في التغرير بهم وإيقاعهم بهذه الآفة بشكل غير مباشر، فغالبا ً ما يشكل المراهقين عبر الزُمر وشلة من الشباب والشابات يتعاطون بشكل جماعي أمام الإيحاء لهم باللهو والرقص والمرح دون أن يدرك المراهق بشكل جدي لمخاطر هذا السلوك وللنتائج والعواقب الذي يؤدي اليه هذا التعلق المرضي، ليجد نفسه ضمن أحضان المخدرات دون أن يشعر بذلك.

وكثيرا ً ما تطالعنا قصص من وحي حياة المراهقين والشباب الذي يفصحون عن طريقة تعاطيهم المادة المخدرة للمرة الأولى ، التي تتم وفق أشكال متعددة بطريقة مباشرة عبر تضليلهم بالراحة والفرح والزهو من جراء تناول هذه المادة، كمادة كيف ينتقل عبرها المتعاطي للزهو السرمدي والفرح والسعادة ، بينما يطالعنا آخرون بأنه تم التغرير بهم ووضع هذه المادة مع مشروبات دون أن يعلمون ليقعوا فريسة هذه المادة مع تكرار الفعل من قبل رفاق السوء من أجل ابتزازهم ماديا ً واجتماعيا ً. وغالبا ً ما يدفع الثمن باهظا ً جراء هذا السلوك الانحرافي يدفعها المراهق أو الشباب من صحته، ومستقبله، وفقدان الأمل لأن يحيا كمواطن صالح في بيئته له دوره ووجوده الفاعل. وهذا ما أكده بعض المدمنين من فقدان دراستهم، وفشلهم الدراسي المدرسي والجامعي وراء تعاطيهم هذه الآفة التي تفقد لهم التوازن الفكري والعقلي. بينما قسم آخر قد فقد حصوله على مهنة جراء السجن وايداعه الحبس وتمضيته الحكم عليه، مما فقد أهلية الحصول على مهنة لائقة ، مما يفقده الأمل في بناء مستقبله، وفقدان استقراره النفسي والاجتماعي والأسري.

أمام هذه النتائج السلبية الذي يحصدها المدمن جراء وقوعه هذا الفخ ، سواء بسبب فقدان الوازع الأسري، أو الوازع الديني أو الوازع القانوني، كيف للمجتمع المدني والأهلي والحكومي ان يتفاعل ويضع خطة الانقاذ أمام دق ناقوس الخطر وتجاوز كل خطوط الحمر أمام أبناءنا وإنهيار مستقبلهم جراء المخدرات وأمام جشع وطمع التجار الساعين وراء الثراء الفاحش على أنقاض أبناءنا وأكفانهم الذي يلبسونها بأيديهم، وأمام أعين الأهل المغفلين عن سلوك أبناءهم بشكل أوبآخر.