السَّلامُ الأسودُ

د. شاكر مطلق

عندما أرادَ الفنان الإسباني العظيم "بابلو بيكاسو" – قبل أكثر من نصف قرن – أن يجسّدَ مفهومَهُ عن السّلام العالمي رسمَ الحمامةَ البيضاءَ الشّهيرةَ , ونال شُكر و إعجاب النّاسَ في كُلّ بقاعِ الأرضِ.
عندما وصلَ "أوباما " إلى سُدَّةِ الحكمِ في بلدهِ ,الولايات المتحدة الأمريكيّةِ , مُنهياً بذلك قروناً من استعبادِ الرّجل الأبيضِ, في مُعظم بقاع الأرض لذوي البشْرةِ السوداءِ , استبشرَ العالمُ خيراً بزوالِ سلَفهِ, قبيح الشكلِ و الفعلِ
"بوش الصغير", و لا سيّما أنّ لهُ مظهراً جذّاباً و يمتازُ بذكاءٍ حادٍّ و يمتلكُ أُصولَ فنَّ الخطابةِ بشكلٍ رائعٍ, ناهيكَ عن تلك الوعود البراقة التي أخبَرنا عنها, في عديدِ خطاباتهِ , و بخاصّةٍ فيما يتعلّقُ بتعاملِ بلدهِ مستقبليّاً مع الأمورِ الدوْليّةِ و قضايا العربِ و المسلمين , و في طليعتها المسألة الفلسطينيّة , و المسائل العالميةِ الكبرى من سياسيّةٍ واقتصاديّةٍ و بيئيّةٍ, و أمنيّةٍ عسكريّةٍ تطالُ السّلامَ العالميَّ...الخ
فماذا فعلَ هذا العبقريُّ عندما أرادَ أن يُجسّدَ كُلَّ هذهِ الأفكار على أرضِ الواقعِ؟.
إنّهُ لم يقدّم للعالمِ و لو صورةَ حمامةٍ سوداءَ. لم يقدّم لشعبِ فلسطين و غيرهِ و لو رغيفاً محروقاً و لم يُوقف , بُرغمِ وعودهِ , ولو بناءَ وحدةٍ سكنيّةٍ واحدةٍ, لا في القدسَ ولا في غيرها من أرضِ فلسطينِ المحتلّةَ, بل حاولَ على العكسِ من ذلكَ, أن يُغطّي على الجرائِمِ الإسرائيّليةِ اليوميّةِ و على مجزرةِ ( أسطول الحريّةِ ) لكسرِ الحصارٍِ عن مواطني غزّةَ الصّامدين .
أمّا فيما يتعلّقُ باحتلال بلدهِ المباشرِ للعراقِ و أفغانستان , و غير المباشرِ في العديدِ من جهاتِ الأرضِ , فقد قامَ بإنزالِ حماماتٍ سوداءَ عليها , على شكلِ قنابلَ ذكيّةٍ و غبيّةٍ أيضاً و إرسالِ العديدِ من قوّاتهِ إلى هناكَ, و تشديدِ الحصارِ على (إيران) بشأنِ مهزلةِ قنبلتها النُّوويّةِ , وتناسى ترسانة ( إسرائيل ) منها ، و متابعةِ محاصرةِ سورية , بسبب مواقفها المبدئيّةِ من الاحتلالِ و مشروعيّةِ مقاومته , و غير ذلكَ الكثير , و كافأتهُ على ذلك الّلجنةُ المسؤولةُ عن "جائزة نوبل" , بإعطائهِ جائزةَ السّلام , لمجرّدِ أنّهُ قدّمَ – نظريّاً- رؤيتَهُ عن السّلامِ العالمي , و قدّم تطبيقاتٍ مغايرةً على أرض الواقع ... مسكين يا "الفريد نوبل" كم تعاني في قبركَ !! ، ويا للمهزلةِ السّوداء المستمرّةِ !!! , و يا لغيبوبةِ الأنظمةِ العربيةِ عمّا يجري حولها ، في عُقرِ دارِها ، وأمامها و خلفها و فوقها و تحتها , و هي لا تزالُ غارقةً في حُلُمِ "شهريارَ" اللّذيذِ, فإلى متى ؟!...
=========
حمص-سورية 16/6/2010 E.-Mail:mutlak@scs-net.org