جلست يوماً إلى شخص عرفت .. كان هاويا للنقاش محبا للجدال . . وما أكثر ما كان يتكلم وما أقل ما كان يصمت .. لم يدع جدالاً يهمه إلا ودخله ولا رأياً يخنقه إلا وباح به .. كسب في ذلك ما كسب وخسر في ذلك ما خسر .. وفي إحدى لحظات هدوءه القليلة ..سألته يا سيدي .. يا من صناعتك الكلام .. علمني الكلام وفن الحوار .. التفت لي بتثاقل و تمتم بكلمات حفظتها من فوري عن ظهر قلب .. وهاأنذا أنقلها إليكم بقليل من التبديل و بأقل مايكون من التحريف ..
قال لي يابني :
- إن عزمت على الكلام فانظر من تكلم .. إن كلمت سفيهاً فأنت مثله .. وإن جادلت وضيعاً فهو لك ند .. فاختر لنفسك في جدالك من تحب أن تكون أنت وهو سواء .

- يابني إني لن أحاور من أثق في جهله .. فحتى وإن كان عالماً بما سأناقشه فيه فلن يتمكن من إقناعي أو اخراجي عن خطأي في ما إذا كنت خاطئ لأني من البداية أعلم أني لن آخذ عنه فهو على زعمي .. لايعلم ..

- حين أحاور فإني لن أحاور شخصاً في مزاج غير جيد مثلما لن أحاور شخصا حين يكون مزاجي كذلك .. ومن البديهي ايضاً أني لن أختار غير الوقت والمكان المناسبين للحوار .. هل قلت أني لن اختار الموضوع المناسب ايضا؟ لابد من دقة الاختيار إن كنت أريد الخروج بشئ من هذا الحوار .

- لن أحاور من أعلم عنه يقيناً فساد الرأي والفكر .. فإنه إن لم يفسدني بفساده فهو على أقل تقدير لا يريد لي الفائدة .. فإن كنت أملك الكثير من الوقت والجهد والاعصاب .. وأردت انفاق كل ذلك جدال لافائدة منه فلا أسهل من اختيار أحدهم ولأبدأ معه النقاش . يقول أحد مفكرين الغرب ((ديل كارينج)) .. أفضل وسيلة لتكسب جدلاً ما .. أن لا تشترك فيه .. ماذا إن قررت الاشتراك في حوار ما ؟ سأضع نفسي دائما موضع من أناقشه .. وسأعرض عليها كل ما أريد قوله أولاً .. ولاسألها .. إن قيل لي مثل هذا ترى ماهو الرد المناسب .. وعليه فلن أضع في نقاشي من الكلمات والعبارات ما أكره أن يوجه لي كما أني لن أتجه بالحوار إلى منحى لااحب أن أؤخذ إليه .

- إن كان النقاش يدور حول مسألة عقائدية فينبغي أن أكون في أشد حالات الحذر فلا شئ يحول الإنسان من الوداعة إلى حالة الإفتراس أكثر من اللغو في العقائد ... وإن خرج محدثي عن طوره فعلي أن التمس له العذر فقد علمت منذ البداية حساسية ما أناقش فيه . وكما علي الحذر في الخوض في العقائد علي أيضاً الحذر المشابه حين أخوض في مثل أعلى .. تستطيع ان تمازح شخصا فتسبه وقد يتقبل منك ذلك ولكن جرب أن تمزح بأحد من والديه وانظر النتيجة .. فإن عزمت الحوار ،، إياك والمساس بالمثل العليا .. يمكنك الإلتفاف حولها إن استطعت ولكن لاتحاول الاقتراب أكثر من ذلك إن أردت ان تكسب من محدثك أعصاباً هادئة في النقاش . و ليس فساد معتقد محدثك بكافي ليخرجك ذلك عن اللين في الخطاب . . فبرغم أن عقائد العرب في الجاهلية كانت من أفسد العقائد حتى ليرسل الله نبيا ليصححها فإننا نجد هذا النبي عليه السلام يتبع أسلوب اللطف والين في دعوته بل ويأمره الله تعالى بالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة كتأكيد لنا على ماينبغي علينا إتباعه .

- قد يصل الحوار إلى نقطة ينفجر عندها أحد المتحاورين لأي سبب .. منطقي كان أو غير منطقي .. كيف أتصرف ؟ هل أرد ؟ قيل قديما أن الكلمة تولد عقيما فإن أنت رددتها ألقحتها ... أن أردت أن تستمتع بشجار حاد وكان بك القدرة على تحمل أي إصابات محتملة .. فليس مطلوب منك إلا الرد على الإساءة بمثلها وسيتكفل محاورك بالباقي .

- لن أفكر أن أنتصر في جدال ما لمجرد الانتصار .. فتفوقك على محاورك بالضربة القاضية لايعني بالضرورة أنك المُحق .. ألم يقال أن الأكثر حمقاً يسأل سؤالاً قد يعجز عشرة من العلماء عن إجابته؟ ومن ذا يكسب عشرة من المجادلين في كلمة واحدة إن لم يكن ..... .

- حين ادخل حوارا سأضع تصوراتي ومفاهيمي وقناعاتي الخاصة على المحك .. وسأقابلها بما يعرض علي ولكني قبلاً لن أفعل ذلك قبل أن أسلحها بمبادئي وعقيدتي وتفكيري أيضاً .. ولأدخل النقاش .. فإن عرضت علي مفاهيم جديدة أو تصورات من الطرف الآخر واستطاعت أن تعبر من حاجز أسلحتي فلماذا لا آخذ بها فهي حتما الأصوب على الأقل في مقابل ما كنت أعتقده والذي لم يصمد أمامها .. كما اريد الآخر ان يتقبل رأيي علي أن اهئ نفسي لتقبل رأيه إن بدى لي الاصوب .

- أريد ان أخرج بحوار هادف.. فلن ألتف حول محدثي ولن أشعب حواري .. ولن أنتقل إلى نقطة ما إلى التي تليها قبل أن أكون واثقاً من أني لست بحاجة إلى العودة إليها مجددا .. أما إن شعرت بهزيمتي في حوار ما وأردت الإفلات من الموقف فليس أسهل من تشعيب الموضوع وطرح نقاط هامشية للبعد عن هدف الحوار الاصلي .. ولكن للأسف لم يعد هنالك من لا يحفظ هذه الخدعة عن ظهر قلب .. إذاً لنتفق .. إن شعبت الحوار لا تقلق أنا لا أجد مااقول .. هل تحب أن يظن بك قول هذا ؟

- لايعني إن اشتركت في نقاش مع شخص ما أنه مسموح لي بتجاوز حدودي مع هذا الشخص .. فحين أكلم والدي سيختلف ذلك عن كلامي مع أخي وسيختلف حين أتحدث مع ابني وإن كنا نتناقش في ذات الموضوع . فمهما كان الداعي لن أفقد اعصابي حين احدث شخصا له مكانته ولو كان مخطئا وسأعمل دائما على انتقاء كلماتي بعناية حين اخاطبه فمهما حدث سيظل للكبير إحترامه .. سواء كان كبيراً بسنه أو بعلمه أو بمركزه .. وكما للكبير احترامه فللمجلس الذي يجمعني بهذا الكبير هو الآخر احترامه .. فما سأقوله أمام أناس عاديين ليس بالضرورة ان يكون هو ذاته مااقوله في حضرة شخص له مكانته .. وأياً كان فاحترامك لغيرك هو إحترامك لنفسك .. لن أقول لشخص ما علانية أمر يسيئه حتى لو اعتدت ان أكلمه كذلك سراً .. قد تقبل مني أمراً بيني وبينك ولكن هذا لايقتضي أن تتقبله مني أمام الناس .. إن أردت أن أكون مقبولاً على كل وجه علي أن أفرق بين ما أُعد ليكون أمام الجميع وماهو خاص بالخاص ..

- بديهي أني لن أقاطع غيري حين يتحدث وأني لن أفرض رأيي عليه أيضاً وكما أني لن أدخل بين اثنين يتحدثان إن لم يشركاني في حديثهما إن لم يكن على مسمع من الكل منذ البداية فإني أيضاً لن أحدث أحداً بغيبة عن آخر ولن أجعل حديثي ملوثاً بسباب أو مصابا بالخارج من الكلمات ولن أتكلم بغير المفيد فضلاً عن أن يكون ضاراً .. ولن أشجع غيري على ماينبغي لي تركه .. ولن أحيي مجلساً بحضوري وأنا أعلم أنه للهو أو لخوض في باطل سأنفض عنه وأحث غيري على ذلك ..

- ولن اسب أحدا أو اكذبه .. ولن أتكلم إن كنت أعلم أن لا أحد يصغي .. ولن أقول سراً ما أخشى إفتضاحه علانية . إن علمت أني لن أخرج من نقاشي أو حواري بأمر جديد علي .. ولن أصحح لغيري مفهوم أرى أنه ينبغي له التصحيح .. أو لم أسع لتثبيت فكرة لدي خشيت أانها بحاجة إلى إيضاح .. ولو لم يزدني حواري خبرة أو يلفت نظري إلى شاردة أو لم يذكرني بأمر نسيته .. أو يبصرني بشئ أظنني بحاجة إليه .. ولن أديم به وداً أو أصل به رحماً .. فلا حاجة لي بهذا الحوار .
فإن كنت في مجلس فقبل أن أقوم منه سأتذكر أن أردد كفارته .. سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لاإله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .