إن من أهم ما يدل على صحة الإسلام وأنه الدين الحق الواجب اتباعه تميزه بخاصية الشمول والتكامل والدليل على ذلك قوله تعالى :( مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ) " 1 " ، وقوله تعالى : ( ... وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ) " 2" ، ويتجلى هذا الشمول فى العقيدة والتصور وفى العبادة والتقرب وفى الأخلاق والفضائل وفى التشريع والتنظيم .
ا – شمول العقيدة الإسلامية :
فهي توصف بالشمول باعتبار أنها تفسر كل القضايا الكبرى فى هذا الوجود مثل قضية الألوهية وقضية الكون والإنسان والنبوة والميعاد وتوصف العقيدة بالشمول لأنها لا تجزأ الإنسان بين إلهين اثنين بل إله الأولين والآخرين أله واحد يستحق العبادة وحده :( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِك ...) " 3 " .
وعقيدة الإسلام لا تقبل التجزئة فمن أنكر جزاً ولو كان يسيراً من أصول عقائدها فهو كافر خارج عن الملة " 4 " .
ب - شمول العبادة فى الإسلام :
لم تكن العبادة فى الإسلام قاصرة على أداء بعض الشعائر التعبدية بل هى شاملة لأحوال الإنسان كلها قال تعالى : ( قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) " 5 " .
بهذا يتبين لنا أن الإسلام يريد من أتباعه التجرد إلى الله والخلوص إليه قلباً وقالباً من أجل ذلك شرع إقامة الصلوات وحث على تلاوة القرآن ودعا إلى الاستغفار والتكبير والتهليل والتحميد كما حث على دوام تذكر الآخرة ومراقبة الله والخوف منه وخشيته والإكثار من الأنفاق فى سبيل الله , كما دعا إلى التكافل الاجتماعي وغيره .
ج – شمول الأخلاق فى الإسلام : -
طالب الإسلام أتباعه بضرورة التحلي بالأخلاق الفاضلة مع النفس والأهل والأقارب والحيوان ومع الأعداء فكان ذلك سبباً لدخول غير المسلمين فى الإسلام بسبب الأخلاق الفاضلة التى رأوها فى المسلمين عندما تحلو بها وأعطوا النموذج الإسلامى الصحيح وهناك من الأخلاق ما يتعلق بالفرد فى كافة نواحيه كالعناية بالجسم وضرورة المحافظة عليه قال تعالى : ( ... وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا ) " 6 " ، و كالعناية بالعقل الذى وهبه الله له قال تعالى : ( قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ... ) " 7 " ، وقال أيضا : ( قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا... ) " 8" ، وكالعناية بالنفس ومشاعرها ودوافعها قال تعالى : ( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) "9" ، هناك من أخلاق الإسلام ما يتعلق بالأسرة كالعلاقة بين الزوجين قال تعالى : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً ... ) " 10 " ، وكالعلاقة بين الأبوين والأولاد قال تعالى : ( وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً ....) " 11 " , وكالعلاقة بين الأقارب والأرحام قال تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى ...) " 12 " .
وقال أيضاً : ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً) " 13 " ، ومن أخلاق الإسلام كذلك ما يتعلق بالمجتمع كالآداب واحترام البيوت وعوراتها ، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) "14 " , وكاقتصاده ومعاملاته قال تعالى : ( وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ )" 15 " وقال أيضاً: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ ) " 16 " , وكسياسة المجتمع وحكمه قال تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ....)
" 17 " .
فمما سبق يتبين لنا أن الجانب الأخلاقي ليس مقصوراً على الإنسان مع بنى الإنسان أو مع المجتمع بل شمل حسن التعامل مع غير العقلاء كالبهائم ، قال صلى الله عليه وسلم :( عذبت امرأة فى هرة حبستها حتى ماتت فدخلت فيها – أي بسببها – النار لا هى أطعمتها وسقتها إذ حبستها , ولا هى تركتها تأكل من خشاش الأرض ) " 18 " ، وعن أبى هريرة –رضى الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : ( بينما رجل يمشى بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئراًَ فنزل فيها فشرب ثم خرج , فإذا بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش فقال الرجل : لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذى كان بلغ بى ، فنزل البئر فملأ خفه ماء ثم أمسكه بفيه حتى رقى فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له قالوا: يا رسول الله وإن لنا فى هذه البهائم لأجراً ؟ فقال : فى كل كبد رطبة أجراً ) " 19 " , و شعائر الإسلام التعبدية محدودة ولكن شعب هذا الإسلام والإيمان كثيرة جداً ومتعددة عن أبى هريرة – رضى الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ( الإيمان بضع وستون شعبه فأفضلها قول لا إله إلا الله , وأدناها إماطة الأذى عن الطريق , والحياء شعبة من الإيمان ) " 20 " ، فلا يجوز فى الإسلام العناية بالعبادات والشعائر وإهمال جانب الأخلاق والفضائل لأن الفضائل الأخلاقية من شعب الإيمان الحق , وثمرة العبادة الصحيحة " 21 " .
************************************************** **************************************************
** الكاتب: باحث متخصص فى الدعوة والثقافة الإسلامية ويمكن التواصل معه عبر الاسكاى بى على الحساب التالى dr.mokhairi :
الهوامش :
1 – سورة الأنعام الآية 38 .
2 – سورة النحل الآية 89 .
3 – سورة محمد الآية 19 .
4 - الخصائص العامة للإسلام ، د / يوسف القرضاوى ص 113 : 115 بتصرف – طبعة دار المعرفة – الدار
البيضاء – بدون سنة الطبع .
5 – سورة الأنعام الآيتان 162 : 163 .
6 – سورة الأعراف الآية 31 .
7 – سورة يونس الآية 101 .
8 – سورة سبأ الآية 46 .
9 – سورة الشمس الآيات 7 : 10 .
10 – سورة النساء الآية 19 .
11 – سورة الإسراء الآية 31 .
12 – سورة النحل الآية 90 .
13 – سورة الإسراء الآية 26 .
14 – سورة النور الآية 27 .
15 – سورة المطففين الآية 1 : 3 .
16 – سورة البقرة الآية 282 .
17 – سورة النساء الآية 58 .
18 – أخرجه البخارى فى كتاب : أحاديث الأنبياء ، باب : حدثنا أبو اليمانى ، حديث رقم 3482 ، ورواه مسلم فى كتاب : السلام ، باب تحريم قتل الهرة ، حديث رقم 5989 .