صمود وقتال فتحاوي



مع الاحترام لحركة فتح الأصلية، نجد أنفسنا مرغمين على وصف المهازل الجديدة بالفتحاوية، كون من يقومون بها ينتسبون للحركة، بل يتحكمون بقرارها، حتى وان اعترض من درجت تسميتهم بشرفاء حركة فتح، والذين بدلاً من أن يعلو صوتهم، يخفت يوماً بعد يوم، تاركين الساحة لأشباه الرجال من فتح ومن لف لفهم، ليمعنوا في تشويه فتح وتاريخها.

ابتداعات هزلية تلك الأوصاف التي نسمعها اليوم، من "معركة المفاوضات"، إلى "النضال السلمي ضد الجدار"، إلى "المقاومة المقبولة دولياً"، وغيرها من المسميات التي ما أن ينطق بها عبّاس، حتى تتحول إى لازمة تلوكها ألسن الببغاوات من ناطقين ووزراء، كلهم دون استثناء مستوظفين ومفرغين لخدمة الاحتلال في تجريم وتحريم كل مقاومة ضد هذا الاحتلال المجرم.

هذا الأسبوع حمل لنا "مسخرة" جديدة، أو لنقل "مساخر" جديدة لا تليق إلا بمن أطلقها، من شخصيات بغيضة وكريهة على قلوب الكثيرين من أبناء الشعب الفلسطيني، والهدف لم يتغير، الترويج والدعاية خدمة للمحتل.

أحد هذه التخرصات كان من شيخ الشياطين المدعو محمود الهباش – وهو فتحاوي بامتياز حتى وان كان خارج فتح فمواقفه تدل على فتحاويته العباسية العظيمة - ، حيث جدد دعوته التطبيعية السابقة "لجماهير العالم العربي والإسلامي لزيارة فلسطين، وشد الرحال إلى المسجد الأقصى المبارك باعتبار ذلك واجبا دينيا وأخلاقيا لا ينبغي تأخيره أو المماطلة فيه،. مضيفاً أن زيارة القدس وفلسطين ليست تطبيعا مع الاحتلال الإسرائيلي بل هي تأكيد للحق العربي والإسلامي في المدينة المقدسة، كما أن فيها تعزيزا لصمود الشعب الفلسطيني ورفعاً لمعنوياته ودعماً لرباطه بأرضه ومقدساته"، شاذاً بذلك عن اجماع علماء الأمة هلى تحريم ذلك، بل شاذاً حتى عن مواقف مسيحية معتبرة كموقف البابا شنودة والمطران عطا الله حنا، وغيرهم، وهو ما استوجب رداً جديداً من الشيخ القرضاوي يؤكد حرمة مثل تلك الزيارات التي يقاتل الاحتلال لشرعنتها، والحصول علة المكاسب التي سيحظى بها من تكريس للاحتلال وتعامل معه.

رد الشيخ يوسف القرضاوي استثار أحد مستوظفي الاحتلال في سلطة العمالة في رام الله وهو من أُقر بأنني لم أسمع عنه من قبل، وهو على الأقل بالنسبة لي نكرة وبجدارة، لكنه مستوزر لدى عبّاس وبالتالي لدى الاحتلال في وزارة العدل الغائب عن الضفة المحتلة ازدواجياً، واسمه على خشان، ليرفض فتوى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين على لسان رئيسه الشيخ القرضاوي، وهو الاتحاد الذي يضم العشرات من العلماء الأجلّاء، ليقول: 'إننا أسرى وسجناء في هذه الأرض ولا يمكن إطلاقا أن ننعزل عن شعبنا وأمتنا في الخارج'. وتابع 'عدم زيارتنا هي حقيقة ضرب لصمود الشعب الفلسطيني'، داعيا الى 'زيارات دبلوماسية وسياسية ومن كل الفئات والجهات لكي يشعر الشعب الفلسطيني بأنه ليس منعزلا'. عبارات جديدة عن صمود وهمي في القدس التي يبيعونها شبراً شبرا، ومطالبات لا بزيارات شعبية فقط بل دبلوماسية أيضاً!

لا عجب أن يتفوه شيخ الشياطين ومستوزر عباس لما تفوهوا به، فكوهينهم الأكبر عباس كان أول من دعا لذلك، معترفاً أنه تحت "بسطار" الاحتلال، وبالتالي لا حرج أن يكون غيره تحت ذات البسطار، ليدخل للقدس، ولا عجب حين تنقل لنا الأخبار أن السيدة زوجة محمود عباس قد منعت من دخول الأقصى برفقة والدة الرئيس الشيشانس في مارس/آذار الماضي، وبعد دعوة عبّاس "البسطارية"، بسبب ما وصفه مسؤولون في حكومة الاحتلال "بالموقف الاسرائيلي الثابت، والمتمثل بمنع مرافقة اي زائر الى المسجد الاقصى من اي مسؤول في السلطة الوطنية الفلسطينية، وهذا موقف سياسي للحكومة الاسرائيلية التي تمنع اعطاء اي صفة مهما كانت للسلطة الوطنية على المسجد الاقصى" – هنيئاً لعبّاس ورهطه قبولهم بالبقاء تحت البسطار وبرضاهم، لكن أن يطلبوا من غيرهم ذلك، فتلك لعمري أعجوبة الزمان.

ومن "الصمود" عبر التطبيع، وفي خضم "معركة" المفاوضات، و"الرفض الاسطوري" للتنازل عن شروط استئناف المفاوضات غير المباشرة، رغم لقاء قريع المباشر مع ليفني، ولقاء فياض المباشر مع باراك، و"التمسك" بالثوابت بما فيها الأرض، مع "تبادل" بسيط لا يفسد للود قضية، مروراً ب"الادارة الحكيمة" لمحمود عباس باعترافه بحق ويهودية الكيان، ووصولاً "لواقعية" سياسية خلاّقة تسقط حق العودة غير المنطقي، حملت لنا التقارير عنواناً "كفاحياً" جديداً لسيء الذكر دحلان الذي صرّح مؤخراً بأنه ومن معه من أحذية الاحتلال "سنقاتل من اجل عدم الذهاب إلى المفاوضات المباشرة، لأننا لم نحصل على أي شيء لغاية الآن من مفاوضات التقريب"، - قاتله الله ومن معه - نعم أعلن الفارس المغوار الذي لا يٌشق له غبار البطل دحلان الحرب على نتنياهو والاحتلال، معركة وقتال وطبول حرب، لكن لا تغرنكم الكلمات والشعارات فقد حدد دحلان حدود معركته القتالية الجديدة موضحاً "'ربما يتوهم نتنياهو انه ليس لدينا خيارات، وأن الرئيس محمود عباس يمتثل لأوامره والأميركيان حول الذهاب للمفاوضات المباشرة، لكني أجزم أنهم مخطئون، ويجب أن يأخذوا العبر مما حدث في 'كامب ديفد' في عهد باراك، حين اعتقدوا أن أبو عمار والوفد الفلسطيني لا يمكنهم رفض الاتفاق الذي كان معد سابقا، وتم رفضه بالفعل، ويجب أن يفهموا أن هناك فرق بين القضايا التكتيكية الإجرائية والقضايا الجوهرية ذات البعد الاستراتجي، فقضايا مفاوضات الحل النهائي لها عمق وبعد استراتجي وليست خاضعة للمناكفات الفصائلية، أو للمزاج الشخصي، لذلك من يريد أن يذهب إلى مفاوضات حل نهائي مع نتنياهو مباشرة دون احترام المواقف الفلسطينية ودون التأكيد على حقوقنا الوطنية سيذهب وحيدا دون أي دعم أو غطاء".

هذا هو الصمود والقتال الفتحاوي بصورته الجديدة، أشباه الرجال يعملون ليل نهار دفاعاً عن الاحتلال، وتبريراً لمواقفه، وتلميعاً لصورته، وتشريعاً لجرائمه، وما هي إلا أسابيع إن لم تكن أقل، وسيجلس عباس صاغراً ذليلاً أمام نتنياهو، "لاحساً" شروطه السابقة التي لم يلتزم بها، وتعلل بلجنة متابعة عربية، هي في ذاتها أحد المهازل، بعد أن وضعت سقفها الأعلى الذهاب لمجلس الأمن، لا ستصدار قرار جديد، وكأن مجلس الأمن لم يصدر عشرات القرارات حول القضية الفلسطينية، وكأنهم جاءوا باختراع جديد.

من عباس للهباش، ومن خشان لدحلان، نكتشف بطولات فتحاوية جديدة، وصمود وثبات وقتال، لكن بالتأكيد لا نرى نصراً من اي نوع، حتى ولو نصراً وهمياً ورقياص شعاراتياً كبطولاتهم المزعومة، بل نرى خزياً وذلاً وعاراً سيحملونه لأبد الآبدين.



لا نامت أعين الجبناء




د. إبراهيم حمّامي
16/07/2010