قراءة .. في المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية
د . لطفي زغلول
www.lutfi-zaghlul.com


أيا كان إسمها، مفاوضات سلام مباشرة أم غير مباشرة، المهم ما سوف تأتي به، وتسفر عنه، إذا ما كتب الله لها أن تجري دون أن تكون هناك نوايا أخرى مبيتة للطرف الإسرائيلي الذي دأب على وضع العراقيل الإستراتيجية أمامها، والتي لا تتقاطع بأي شكل من الأشكال مع الثوابت الفلسطينية التي حافظ الفلسطينيون عليها حتى في أحلك ظروف قضيتهم.
إن الفلسطينيين الذين هم أصحاب القضية، وأهل النكبة التي دخلت عامها الثالث والستين، يفترضون أن تخضع هذه المفاوضات، إذا ما صدقت النوايا لأربعة أسس، وهم بذلك لا يشترطون، إنما يطالبون بحقوقهم التي كفلتها لهم الشرعية الدولية.
أولى هذه الأسس أن تكون لها مرجعية، وهنا فإن المرجعية هي الشرعية الدولية المتمثلة بالأمم المتحدة التي لها تاريخ في إصدار قرارات تخص القضية الفلسطينية. وتذكيرا هناك القرارات 181 – 194-242-338 وغيرها، والفلسطينيون يفترضون أن هذه القرارات ما زالت قائمة، وإن تجاهلها الإحتلال الإسرائيلي مستندا إلى دعم من حكومات الولايات المتحدة الأميركية المتعاقبة والمجتمع الدولي.
ثانية هذه الأسس ضمانات مكتوبة من الدولة الراعية لهذه المفاوضات، وهي هنا الولايات المتحدة الأميركية والتي لها حضور واسع في الرباعية والأمم المتحدة. إن الفلسطينيين لم تعد تنطلي عليهم الوعود، وبخاصة وعود الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش في هذا الصدد، ولا حتى تحركات الرئيس الحالي باراك أوباما غير الجادة، والتي تخضع لضغوطات اللوبيات الصهيونية في الولايات المتحدة الأميركية.
ثالثة هذه الأسس أن يكون هناك جدول زمني أو سقف زمني تخضع له هذه المفاوضات التي لا ينبغي تركها تحت رحمة الزمن. إن الفلسطينيين لهم تجربة مريرة مع اتفاقيات أوسلو التي حسبوها أنها ستنهي احتلال بلادهم، فإذ بها تدخل عامها السابع عشر دونما أي إنجاز يذكر، بل على العكس تمت تحت ظلالها افتراس المزيد والمزيد من الأراضي الفلسطينية.
رابعة هذه الأسس تتعلق بوقف الإستيطان الإسرائيلي في الضفة الفلسطينية والقدس العربية. إن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وبخاصة حكومة اليمين المتطرف الحالية التي ضربت عرض الحائط بتعنتها وإصرارها على الإستيلاء على المزيد من الأراضي الفلسطينية لإقامة المستوطنات عليها، وعمليات التهويد الجغرافية والديموغرافية للأراضي الفلسطينية. إن وقف الإستيطان ما هو غلا الخطوة الأولى التي تليها الخطوة الأهم والمتمثلة في تفكيك كل المستوطنات التي أقيمت على الأراضي الفلسطينية.
هذا لا يعني أن يتوقف الفلسطينيون عند هذه الأسس الأربعة. هناك أمور أخرى على جانب كبير من الأهمية تتمثل في إنهاء الإحتلال الإسرائيلي بكل إفرازاته الكارثية، الحصارات والحواجز والإغلاقات والإجتياحات والإعتقالات والإغتيالات، وثمة بند له خطورته وأهميته لدى الشعب الفلسطيني يتمثل في تحرير أسراه من المعتقلات الإسرائيلية، وإغلاق هذا الملف إلى الأبد.

وعودة إلى الثوابت الفلسطينية التي استهللنا بها حديثنا، والتي أصبحت معروفة للقاصي قبل الداني. إنها تتمثل في الإستناد إلى قرارات الشرعية الدولية، فيما يخص القدس أكدت هذه القرارات على أنها أرض محتلة. وهذا يعني أن كل القوانين التي طبقت عليها باطلة ولاغية.
وأن ما أقيم على أرضها أو ضم إليها أو اقتطع منها هو خارج على الشرعية الدولية ويناقض القانون الدولي، حسب القرارات 181 – 194-242-338 " وغيرها الكثير. والشرعية الدولية هي التي أقرت بشأن اللاجئين على حقهم المشروع في العودة وتطبيق كل القرارات السابقة بهذا الخصوص.
إن الثوابت الفلسطينية لا تقف عند هذه الحدود. إنها تصر على الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس. إن الشعب الفلسطيني يعتبر أن إقامة الدولة الفلسطينية ذات السيادة الكاملة على أراضيه هو بمثابة تصحيح لخطأ تاريخي ، وخطيئة إنسانية وأخلاقية ارتكبت بحقه يوم اقتلع من وطنه التاريخي، وشتت في المنافي المختلفة ، فتقطعت أوصاله السياسية والإجتماعية والثقافية. وأما من بقي منه على أرض الوطن، فقد سامه آخر احتلال بقي على وجه الأرض كافة أشكال الخسف والعسف والظلم والقمع والقهر والعذاب.
إن الشعب الفلسطيني أيضا ينظر إلى الدولة على أنها حق لا منة من أحد، ويأبى أن تدخل في مزادات سياسات الآخرين، أو أن تكون مجرد كيان ما يحمل مسمى دولة أو مصطلحه. فالشعب الفلسطيني الذي كانت مأساته جغرافية وديموغرافية يدرك أن هدفه لا ينحصر في مجرد مسمى جغرافي أيا كان. إن الدولة من منظوره ذات ثلاثة أبعاد لا تنفصل عن بعضها البعض ويكمل الواحد منها الآخر.
البعد الأول يخص الدولة والعناصر المفترض أن تكونها. وهي في علم الجغرافيا السياسية الأرض ما فوقها وما تحتها وما عليها، والسماء والماء والهواء والحدود والمعابر بكافة أشكالها، مضافا إلى كل ذلك العاصمة وهي قدس التاريخ والعقيدة. وأما البعد الثاني فيخص السيادة المطلقة من قبل أصحابها عليها.
وإذا كان هذان البعدان هما الأساس في قيام أية دولة على وجه البسيطة، فثمة بعد ثالث هو جزء لا يتجزء من البعدين المذكورين. فهناك منظومة من الإستحقاقات والحقوق الشرعية تخص فلسطينيي الشتات. وإذا كان خيار السلام العربي، قد قبل بتقاسم الأرض مع الإسرائيليين في فلسطين، فلا يعني هذا بأي حال من الأحوال أن تتقاسم الدول العربية المضيفة للفلسطينيين المهجرين من وطنهم أراضيها معهم. فبلاد الفلسطينيين أولى بهم، وهي أحق.
في اعتقادنا أن الظروف الحالية غير مواتية لمفاوضات أيا كان شكلها ومضمونها، ولن تكون مواتية طالما أن الحكومات الإسرائيلية تصول وتجول في الأراضي الفلسطينية، تصادر منها ما يحلو لها وما تشاء، وطالما هي تهدم المنازل العربية، وتطرد سكانها المواطنين الفلسطينيين منها، وتجردهم من هوياتهم.
إلا أن الأخطر من هذا كله هذا الصمت العربي إزاء ما يجري في الأراضي الفلسطينية، وكأن الأمر لا يعني الأنظمة السياسية العربية التي تدعي أنها لا تملك من آليات التحرك إلا القليل، الأمر الذي أفقدها أوزانها السياسية أمام العالم، وحقيقة الأمر أنها لو أرادت فإنها تستطيع أن تفعل الكثير، ويكون لها تأثيرها الفاعل.
كلمة أخيرة، سواء أثمرت هذه المفاوضات عن شيء يرضى عنه الفلسطينيون، أو لم تثمر، وواقع الحال يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أنه لا الحكومة الإسرائيلية الحالية، ولا سابقاتها كانت وجهتها للسلام مع الفلسطينيين طالما أن الحليف الأميركي لا يريد هذا السلام. وإن غدا لناظره قريب.