خطوة مينائية موفقة



كاظم فنجان الحمامي

ما الذي سنقوله إذا كانت الموانئ العراقية قد حجزت لنفسها مقعدا جديدا في حلبة التنافس المينائي, وضمنت استيفاء أجورها وعوائدها كاملة غير منقوصة, للأعوام السبعة المقبلة, مقابل تشغيل الرصيف الثامن في ميناء خور الزبير تشغيلا مشتركا, في صفقة ذكية أبرمتها مع شركة مارلوك الألمانية, وما الذي سنقوله إذا كانت هذه الصفقة تلزم الألمان بتأهيل الرصيف تأهيلا هندسيا وملاحيا شاملا, وتلزمهم بتأثيث محطة جديدة للحاويات, حُددت مساحتها بخمسة كيلومترات مربعة, وسيتم تجهيزها بأربع حاضنات كبيرة لمناولة الحاويات, ومجموعة من الرافعات الشوكية الحديثة, ووحدات لتوليد الطاقة, ومنظومة عالية الكفاءة للاتصالات اللاسلكية, على أن تدار المحطة بأحدث التقنيات الرقمية, وأدق النظم الكومبيوترية المخصصة للتحكم بمناولة الحاويات وتوزيعها وفحصها وتصنيفها.
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
وستتكفل الشركة الألمانية بتجهيز ميناء خور الزبير بسيارتين للإسعاف الفوري والحالات الطارئة على نفقتها, وتزويد الميناء بجهاز مجاني للفحص الطبي السريري من نوع (لابارو سكوبك انستريومنت), وستتكفل الشركة أيضا بتجهيز الموانئ بسفينة حفر صغيرة (قاطعة ماصة), تعمل بسعة 300 متر مكعب بالساعة, إضافة إلى التزام الألمان بتشييد بناية مينائية جديدة على نفقتهم الخاص, وستتولى الشركة الالمانية مهمة تأهيل عمال الموانئ العراقية, وتدريبهم على الأساليب الحديثة المستخدمة في تشغيل وإدارة محطة الحاويات.
ترى ما الذي سنقوله عند تقييم هذه الصفقة, سوى الاعتراف بها كخطوة ذكية وموفقة, وانها صيغة ناجحة تعد بمثابة قفزة نوعية صحيحة, يفترض أن نقوم بها منذ زمن بعيد لاستقطاب الخطوط الدولية المعنية بالشحن البحري, واستعادة علاقاتنا القديمة معها, خصوصا بعد سنوات العزلة والحصار والتقوقع والانكماش والتخلف التي واجهتها موانئنا خلال مسيرتها المتعثرة.
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
أن أي مراجعة سطحية وسريعة لبنود العقد المبرم مع (مارلوك) الالمانية توحي لنا, بان الشركة الالمانية هي الطرف الخاسر في هذه الصفقة, وان الموانئ العراقية ستكون هي الجهة الوحيدة الرابحة, وهي المستفيدة بعد تنفيذ بنود صيغة العقد, لأنها ضمنت حقوقها المالية والمعنوية والسيادية كاملة, وفرضت على الألمان قائمة إضافية طويلة ومكلفة, تشتمل على مجموعة كبيرة من الفقرات التجهيزية الثقيلة, ولابد لنا هنا من طرح السؤال التالي:-
هل تصرف الألمان بهذه السطحية والسذاجة, وتحملوا أعباء التجهيز والبناء والتدريب والإدارة, وتحملوا وزر الأموال الطائلة المترتبة على الأجور والعوائد المينائية من اجل الاكتواء بحرارة شمس ميناء خور الزبير, ومواجهة رياحه الجنوبية الشرقية الخانقة ؟؟.
الجواب: كلا طبعا. لان الألمان ليسوا بهذه السذاجة, ولا بهذه البساطة, لكنهم كانوا على قناعة تامة بحجم المردودات الايجابية الكثيرة, التي سيحققونها من خلال ربط خطوطهم البحرية التجارية مع الموانئ العراقية, التي تمثل في موقعها الاستراتيجي المتميز, العصب الرئيس للجسور البحرية والبرية والجوية المتصلة بالقارات الثلاث (آسيا, إفريقيا, أوربا), فالألمان أذكى بكثير من شركة (SSAِ), التي فشلت في بسط نفوذها بالقوة على ميناء أم قصر, على الرغم من دعم وإسناد الجيوش الأمريكية الغازية, وهم أكثر نضجا من إدارة شركة (MAERSK) الدنماركية التي طردها أبناء البصرة شر طردة من ميناء خور الزبير, فانسحبت مخذولة على الرغم من الدعم اللامحدود الذي قدمه لها جنود الاحتلال, من هنا أدرك الألمان أن التعامل الصحيح مع الموانئ العراقية ينبغي أن يتم عبر القنوات الرسمية, ووفق الأساليب الدولية, القائمة على الاحترام المتبادل, والمبنية على الأسس القانونية النافذة, ولا ضير من التضحية ببعض المال من اجل تطوير وتحسين الموانئ العراقية, تمهيدا لبناء قواعد الصداقة معها, وتمتين العلاقة المباشرة بها, وكسب ودها واحترامها.
أن موانئنا اليوم في أمس الحاجة للتحرك بمرونة كبيرة, بحيث تكون حرة تماما في اختيار مساراتها المستقبلية الصحيحة, التي تضمن لها التعامل النظيف مع الشركات والهيئات والمنظمات البحرية والمينائية الناجحة, وهي أيضا في أمس الحاجة لتهذيب تصرفات الكيانات الطفيلية المفروضة عليها, ومنعها من التدخل في شؤونها, خصوصا بعد أن تسببت في إصابتها بأضرار جسيمة, ولابد من منح إدارات موانئنا السلطة الكاملة لبسط نفوذها على الحرم المينائي برمته, وبسط سيادتها على الممرات الملاحية المؤدية إليها, فأهل مكة أدرى بشعابها. .