الترجمة الدعوية في صدر الإسلام .. دورها ومكانتها
* بسام الحومي
اللغة هي أداة التواصل بين البشر، وقد اختلف اللسان البشري باختلاف الأجناس والقوميات، وقد ظهر تعدد اللغات نتيجة ابتعاد البشر عن بعضهم البعض، فابتكرت كل مجموعة لغة تجمع بين أفرادها، ومع ازدياد أعداد البشر ظهرت الحاجة إلى وسيلة اتصال تربط بينهم، فظهرت عدة وسائل مختلفة ومتنوعة، بَيْدَ أن ترجمة وتعلم لغة الآخر كانت أبرز هذه الوسائل في التقريب بين تلك المجموعات ذات اللغات المختلفة.
ومع ما للترجمة من أثر كبير في الوصل بين الحضارات المتباينة، انتبه المسلمون الأوائل لهذه الوسيلة بالغة الأهمية، فدرسوا اللغات المختلفة، وعمدوا إلى ترجمة الحضارات السابقة لينهلوا من علومها.
ومنذ أن أسس الرسول -صلى الله عليه وسلم - دولة الإسلام الأولى، حثَّ أصحابه على تعلم اللغات الأخرى "من تعلم لغة قوم أمن مكرهم"، كما أنه -صلى الله عليه وسلم - أمر زيد بن ثابت بتعلم اللغة السريانية، فتعلمها - رضي الله عنه - في أسبوعين، وكان يكتب إلى الملوك ويجيب بحضرة النبي -صلى الله عليه وسلم - وكان يترجم له بالفارسية والرومية والقبطية والحبشية، حيث تعلَّم ذلك بالمدينة من أهل هذه الألسن.
وبدأت الترجمة الدعوية بهدف نشر الإسلام منذ ذلك الحين، فقد استعان رسول الله بأصحابه ممن يعرفون اللغات الأخرى – مثل سلمان الفارسي، وصهيب الرومي، وبلال الحبشي – بترجمة الرسائل التي تأتيه من الملوك والزعماء أمثال النجاشي والمقوقس وقيصر.
ورغم أنه لا توجد أية دلائل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث رسائله للملوك مترجمة بلغاتهم، إلا أن ذلك لا ينفي اهتمامه بتعلم اللغات الأخرى، فقد كان بعض الصحابة ومنهم زيد بن ثابت يقومون بترجمة بعض الرسائل القادمة من الملوك ورؤساء اليهود، كما أكدت بعض الدراسات أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان أول من تصدى لترجمة معاني القرآن الكريم، حيث كان يترجم الآيات التي يوردها في رسائله إلى الملوك والحكام الأعاجم.
كما نجد أن أقدم بردة دعوية مترجمة في الإسلام تعود إلى سنة 22 ﻫ، وعليها نص باسم عمرو بن العاص وبه ثلاثة أسطر باليونانية والترجمة بالعربية تحتها.
وقد اهتم المسلمون الأوائل بتعلم اللغات الأخرى؛ حيث أدركوا أهميتها في التواصل مع العالم الخارجي وفتح أبوابه على مصراعيها أمام الدعوة خارج شبه الجزيرة العربية، فكما التزموا بتعاليم وأوامر الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع أمور دينهم ودنياهم، التزموا كذلك بأوامره في مجال تعلم اللغات الأخرى، فهي من جهة أمانٌ من مكر أصحابها، ومن جهة أخرى تبليغ الدعوة لهم.
ومن هذا المنطلق، تأتي أهمية تفعيل دور الترجمة حاليًا في نشر الإسلام في ربوع العالم، فبحسب بعض الدراسات والإحصاءات الدولية تأتي الدول العربية والإسلامية في ذيل الدول التي تترجم إنتاجها الثقافي إلى اللغات الأخرى، فالترجمة تبعث روح التواصل بين شعوب الأمم، وتقرب المسافات لفهمٍ أكثر دراية وعمقًا.
وعلى المترجم المسلم أن يتخذ من رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام أسوة حسنة في طريق الدعوة، وذلك بالاهتمام بما يقوم به من تراجم في سبيل نشر الدعوة باللغة التي يجيدها، ويحاول إجادة عمله كي تتضح وتظهر مفاهيم وتعاليم الإسلام السمحة بصورة صحيحة وسليمة لدى القارئ الذي يقرأ تلك الترجمة.
فالمترجم، عندما يقدم تلك التراجم ذات الهدف الدعوي في سبيل تأدية دوره كداعيةٍ مسلم، يشابه بذلك صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ).