تحسيس موجز في مجال البنى التحتية
ترشيد الأنهار أو شبكة المياه العذبة
"بناء السدود نموذجا"

بقلم المفكر المهندس حامد البشير المكي

الماء سر الحياة على هذه الأرض التي سخرها الله سبحانه وتعالى للإنسان، وجعلها دار ممر لا دار مقر "وجعلنا من الماء كل شيء حي" ومن السنن الكونية أن جعل الله الماء يخضع لدورة تنطلق من البحر إلى البر عبر السماء، ليعود إلى البحر. وخلال هذه الدورة يساهم الماء في صناعة الحياة بصفته العنصر الأساس، وهو يتحول خلال هذه الدورة عبر ثلاث حالات:
سائل، وغاز، وجماد، حسب درجة الحرارة التي يخضع لها في المحيط الذي يوجد فيه. والماء كما هو معلوم لا لون له أصلا ولا طعم. ومن الزاوية الكيماوية يتركب الماء من ذرة أكسيجين وذرتي هيدروجين، وقد استطاع العلم الحديث أن يقوم بعملية تفكيك الماء إلى أكسيجين وهيدروجين، كما استطاع أن ينتج الماء بتركيب هذين العنصرين.
ولكون هذا الموضوع يعنى ببناء السدود، فأكتفي بهذا القدر من الإضاءة عن الماء الذي من أجله يقوم المهندسون الأخصائيون بدراسة المكان الذي سيقام فيه السد، دراسة مسح واكتشاف وتنقيب، سواء على سطح الأرض أو داخل أعماقها.

واستتباعا لذلك، فهناك علوم تحتاجها الدراسات التي تعنى بالمشاريع الكبرى، التي من شأنها تصحيح أو تغيير مسار تجمع بشري منظم سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، كيان له أرض وتاريخ وثقافة وعلاقات إقليمية مع الجيران، وعلاقات دولية مع العالم.
وحيثما لابد للمشاريع الكبرى أن تؤثر سلبا أو إيجابا على الجهات التي تكون هذا الكيان "الدولة"،
وحيثما كذلك لابد من التأثير على الجوار سلبا أو إيجابا. فإن هذا التأثير ينتج عن تضارب المصالح، ويحتاج إلى تفاوض في بعض الأحيان، حيث يتسم بالتعقيد والبطء سيما إذا تدخلت قوى أخرى لها مصالحها الخاصة. ولنا مثل في توزيع مياه نهر النيل الذي تشترك فيه عدة دول افريقية، أهمها مصر والسودان والحبشة وكينيا. في حين هناك قوى أخرى تعرقل مسار التفاوض لتستفيد من هذا المشروع الضخم، أو تستفيد بواسطته من ثروات هائلة لدى بلدان الحوض بما فيها دول المنبــع السبع والمصب إضافة إلى السودان.
وفي هذا الصدد، يقال بأن المياه ستكون خلال القرن الواحد والعشرين، المولد الأساس للأزمات والحروب، أكثر مما هو عليه الآن حال النفط. وبما أن السدود تدرس وتنجز لترشيد المياه والتحكم فيها بالخزن والنقل والتصريف، فإنها تكتسي أهمية قصوى بصفتها أحد العوامل التي تشكل معادلة توزيع الثروات المائية، تلك الثروات التي تساهم بقوة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحضارية والإستراتيجية.
والسدود تدخل في مجموعة من الأشغال الكبرى التي تكون مجتمعة في شبكة متكاملة، حيث لا يتم المشروع إلا بإنجازها كاملة، وإلا بقي المشروع ناقصا لا يحقق أهدافه التى من أجلها اتخذ قرار انجازه .
ودراسة السدود والأشغال الملحقة بها تحتاج إلى حزمة من العلوم التي تتشكل وتتنوع وتتشعب وفق الأهداف المراد بلوغها.
وهى للتقريب لا الحصر كما يلى :
العلوم التي تعنى بالهواء وأحوال الطقس
العلوم التي تعنى بالأرض سطحا وعمقا
العلوم التي تعنى بالثروة المائية سطحا وعمقا
العلوم التي تعنى بالثروة الطبيعية النباتية
العلوم التي تعنى بالثروة الطبيعية الحيوانية
العلوم التي تعنى بالاجتماع والاقتصاد والسياسة
العلوم التي تعنى بالتشريع والإدارة والمال
العلوم التي تعنى بالتاريخ والحضارة والثقافة
العلوم التي تعنى بالفكر السياسي والإستراتيجي والعملياتي
العلوم التي تعنى بالتأصيل والتأسيس والتوجيه
العلوم التي تعنى بالإستراتيجية والتخطيط والتنظيم
العلوم التي تعنى بالمشاريع دراسة وإدارة وتدبيرا
العلوم التي تعنى ببناء السدود والأشغال الكبرى المتعلقة بها
العلوم التي تعنى باستغلال و صيانة السدود والأشغال المتعلقة بها
وتهدف هذه الدراسة الموجزة إلى تحسيس القارئ بأن بناء السدود التي من شأنها أن تخزن المياه العذبة وتحفظها، وتتمكن من تصريفها لأغراض عمرانية، مثل توفير المياه الصالحة للشرب، وصناعية مثل توليد الكهرباء، أو استغلال المياه في المجال الصناعي، أو استعمال المياه لأغراض فلاحية وزراعية، وهو ما يسمى بنظام الري، كل هذه الأغراض تجعل من السدود والأشغال الكبرى الملحقة بها مجالا يعتبر من المجالات الأساسية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدول والشعوب.