يوجد سؤال يطرح نفسه بإلحاح على عقول المسلمين في كل رمضان يمر على الأمة الإسلامية:
إن كانت الشياطين تسلسل في رمضان، فلماذا نجد كثير من الناس يعصون ويجاهرون بالمعاصي، ونجد أهل الفن والعري والإباحية والغناء يستمرون في معاصيهم، ونجد عباد الصليب والأوثان واليهود مستمرين على ضلالهم؟ فهل هذا يناقض الحديث النبوي الشريف القائل: "إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين"؟

وإن ورود هذه السؤال ناتج من عدم فهم لطبيعة البشر، فالناس لا تضل بالشياطين فقط، فالشياطين لا يتحكمون في بني آدم إلا إذا أسلموا لهم قيادتهم، واتبعوا خطواتهم عن رضا، طمعا في الشهوات والملذات، فلم يكن الشيطان ليضل آدم إلا حين وثق به وترك وصية ربه بأن يتخذ الشيطان عدوا، فالشيطان لا يفعل سوى استغلال الطباع السيئة لدى الإنسان، فيزين له من الشهوات ما يوافق ما بداخله من ميول سيئة ودواخل دنيئة رفض الإنسان الاستغناء عنها والتطهر منها، وأبت نفسه التعالي عنها، وركن إليها واطمأن بها، مثل حب الدنيا والميل للشهوات والطمع والجشع والكبر والبخل وحب الرياسة والسلطة والجاه، وإنكار النعمة والجحود، ولنتأمل في الآيات الدالة على طباع الإنسان التي يستغلها الشيطان قال تعالى: "وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار"، وقال تعالى: "وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفورا"، وقال تعالى: "وكان الإنسان قتورا"، وقال تعالى: "إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا"، وقال تعالى: "وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله"، وقال تعالى: "قتل الإنسان ما أكفره"، وقال تعالى: "إن الإنسان لربه لكنود". وخلاصة ما في هذه الآيات أن الإنسان يميل بطبعه للكفر والجحود والنكران والشح والظلم، فهل يا ترى إن سلسلت الشياطين سيمتنع كل الناس عن المعاصي أم أن النوازع السيئة الكامنة في النفوس تجعل الإنسان ميالا عن الحق إلى الباطل، منقادا لشهوات نفسه ورغباتها دون وازع؟ كلا، وإنما الخير في تقييد الشياطين يكمن في كسر حدة الميل للعصيان لدى الناس، وهذا ما نشعر به في رمضان، فالمعاصي تقل وتنتشر السماحة بشكل ملحوظ ومحسوس لا نشعر به في أي وقت آخر، ولكن نوازع الشر في القلوب تختلف من شخص لآخر، فهناك من يجاهد نفسه للبعد عن المعاصي فيكون شهر رمضان عونا له على ذلك بكف ضغط الشياطين عن نفسه، وهناك من ألف المعاصي واستمرأها واطمأنت نفسه بها، فرضي بها دون طاعة الله، وآثر الدنيا على الآخرة، وانساق وراء هواه دون اتباع لما أنزل الله، فهل يرجى منه خير وإن صفدت شيطانه؟؟

فعلينا نحن المسلمين أن لا نكتفي ببعد الشياطين عنا، وإنما يجب علينا تطهير أنفسنا من أدران الصفات الذميمة، وأن ندعو الله أن ينقي قلوبنا من حب الشهوات والميل للمعاصي وسيء الأخلاق، لننال رضاه سبحانه وتعالى.