سعد عبد السادة

اليهود في المانيا من العصــور الوســطى حتى عصــر النهضــة

يعود استقرار بعض أعضاء الجماعات اليهودية في ألمانيا إلى الحملات الرومانية، وكوَّنت الجماعات اليهودية الأولى جزءاً من المـدن الرومانية العسـكرية على نهري الراين والدانوب (وورمز وسبير). وكان أول وأهم هذه المعسكرات معسكر كولونيا (وهي من كلمة لاتينية تعني مستعمرة، وكلمة «كولونيالية» أي «استعمار» مشتقة من الكلمة نفسها). ثم استوطن يهود آخرون في ألمانيا أثناء حكم شارلمان والإمبراطورية الكارولنجية. ويَرد في القرن العاشر الميلادي ذكر تجمعات يهودية في مدن مثل كولون. كما كانت تُوجَد تجمعات في أوجسبرج وورمز ومينز.
وقد كان أعضاء الجماعات اليهودية إبّان حكم الإمبراطورية الكارولنجية تحت حماية الإمبراطور، يتبعونه ويقدم هو لهم المواثيق والحماية والمزايا. وكانت علاقة الكنيسة بهم، وخصوصاً الأساقفة، طيبة على وجه العموم. وكان لليهود رئيسهم الديني الدنيوي الذي كان يُسمَّى «الآرش سينا جوجوس» أو رئيس المعبد، كما كان يُطلَق عليه «ابيسكوبوس جيود وروم» أو «أسقف اليهود».
وأثناء حملة الفرنجة الأولى قام الأساقفة والملوك بحماية أعضاء الجماعات اليهودية من السخط الشعبي عليهم، فأصدر هنري الرابع عدة مواثيق عام 1090 تؤكد الحقوق التي حصلوا عليها في العصر الكارولينجي بشأن حماية ممتلكاتهم وأرواحهم والتي تؤكد أيضاً حرية السفر والعبادة بالنسبة لهم. وكان أعضاء الجماعات اليهودية مُعْفَيْنَ من المكوس والضرائب التي تُفرَض على المسافرين، وكان لهم حق التقاضي فيما بينهم وحق الفصل في الأمور اليهودية المختلفة مثل الزواج والطلاق والتعليم، أي كانت لهم إدارتهم الذاتية. وسُمح لهم بالاستمرار في تجارة الرقيق وأن يقيموا في أماكن خاصة بهم كما هو الحال مع الغرباء كافة. وعادةً ما كانت هذه الأماكن في أحسن موقع بالمدن على الشارع الرئيسي أو بجوار الكوبري الذي يؤدي إلى المدينة والذي يمثل عصبها التجاري. وكان أعضاء الجماعات اليهودية يُعَدُّون عنصراً بالغ الفائدة والنفع للحكام والأمراء والأساقفة والأباطرة. ويظهر ذلك عام 1084 في واحدة من أولى الوثائق التي ضمنت لليهود حقوقهم وامتيازاتهم، وهي خطاب الأسقف الأمير حاكم سبير، الذي دعا اليهود إلى الاستيطان في مدينته كجماعة وظيفية استيطانية، حتى يمكنه أن يحوِّلها من قرية إلى مدينة وأن يخرجها من الاقتصاد الزراعي ويدخلها الاقتصاد التجاري. وأُعطي اليهود الحق في أن يتحصنوا داخل المدينة منعاً لأية هجمات قد تقع عليهم. وحينما اندلعت الاضطرابات ضد أعضاء الجماعة، إبّان حملة الفرنجة، أرسلوا إلى هنري الرابع الذي كان في زيارة إلى إيطاليا، فأصدر أمره إلى الأدواق والأساقفة في ألمانيا بحمايتهم. ومع هذا، استمرت الاضطرابات، وذبح المتظاهرون أحد عشر يهودياً في سبتمبر 1096، فتدخَّل الأسقف واتخذ إجراءات مضادة. ويُقال إن عدد اليهود الذين ذُبحوا في ألمانيا أساساً، وكذلك في غيرها من بلاد أوربا إبّان هذه الحملة، بلغ اثنى عشر ألف يهودي. وهو عدد مُبالَغ فيه. وحينما عاد هنري الرابع من إيطاليا، سُمح لليهود الذين تنصروا عنوة بالعودة إلى دينهم، وأمر بمعاقبة أحد الأساقفة ممن صادروا ممتلكاتهم. كما أصدر قراراً عام 1103 بأن عقوبة الهجوم على أعضاء الجماعات اليهودية أو ممتلكاتهم هي الإعدام، وأن هدنة الرب التي أُعلنت في ذلك الوقت تنطبق على اليهود انطباقها على المسيحيين، وأن اليهود يتمتعون بالحماية نفسها التي يتمتع بها القساوسة.
ولا يُعرَف عدد يهود ألمانيا في هذه الفترة على وجه الدقة، ولكن من المعروف أن بعض الجماعات كان يصل عددها إلى ألفين وأنهم تركزوا أساساً على الشاطئ الغربي لنهر الراين في منطقة اللورين، وفي المراكز التجارية مثل كولونيا ومينز وسبير وورمز، وفي المراكز الدينية والسياسية المسيحية مثل براغ. وكانوا يعملون أساساً بالتجارة الدولية، ولكنهم بدأوا في هذه الفترة بالعمل في الربا أيضاً. وتمكنت السلطات الحاكمة من حماية اليهود إبّان حملة الفرنجة الثانية
.