إنذارات أوباما .... و " دولة " فياض

إسرائيل والعرب 2010-08-12
إن كان هناك من يعتبر الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش أكثر الرؤساء الأمريكيين تحيزاًَ لإسرائيل وتبنياً لمواقفها، فإن كل المؤشرات تدلل على أن الرئيس الحالي باراك أوباما لا يقف على مسافة بعيدة عنه، فأوباما لم يعد يتبنى فقط المواقف الإسرائيلية، بل أنه بات ينافس أقطاب اليمين الإسرائيلي في إبداء التطرف إزاء الفلسطينيين. لا يكاد المرء أن يصدق ما صدر عن عزام الأحمد عضو اللجنة المركزية لحركة " فتح " الذي أكد أن الأدارة الأمريكية هي تحديداً التي رفضت المقترحات التي طرحتها السلطة الفلسطينية لإستئناف المفاوضات، حيث أصرت واشنطن على أن تتحلل سلطة رام الله مسبقاً من كل مواقفها. في نفس الوقت فأن الشهادة التي قدمها عبد الرحيم ملوح عضو اللجنة التنفيذية والقيادي في الجبهة الشعبية بخصوص النقاشات التي أجرتها اللجنة التنفذية بشأن المفاوضات المباشرة تحمل دلالات خاصة على أكثر من صعيد. فقد أكد ملوح أن الرسالة التي بعث بها الرئيس أوباما ضاغطاً على السلطة للموافقة على استئناف المفاوضات تضمنت إثنى عشر إنذاراً، دون أن يقدم أوباما أي ضمانة للسلطة بشأن المخاوف التي يعبر عنها الناطقون بإسمها. فأوباما يريد من السلطة أن تعود للمفاوضات دون أن تلتزم إسرائيل بتجميد الأنشطة الاستيطانية في الضفة الغربية والقدس، علاوة على أن كبار مسؤولي إدارة أوباما يلوذون بالصمت المطبق في الوقت الذي يعلن فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وعلى رؤوس الأشهاد رفضه الالتزام بأي مرجعية للمفاوضات تشذ على منظمومة المصالح الإسرائيلية كما يراها اليمين المتطرف في إسرائيل. لم يعد أحد قادر على إحصاء عدد الجولات المكوكية التي قام بها المبعوث الأمريكي جورج ميتشل بين رام الله وتل أبيب، ولم يعد معها من الممكن تذكر الأهداف التي وضعها ميتشل لهذه الجولات، فعندما شرع ميتشيل في هذه الجولات قال أن الهدف منها العمل على تطبيق رؤيا الرئيس أوباما كما عبر عنها في خطاب جامعة القاهرة، وها هو ينتهى ساعياً إلى ترويض السلطة للإستجابة لإملاءات نتنياهو. المؤسف أنه في الوقت الذي يتلقى فيه عباس الإنذارات والإهانات من أوباما ويحظى يشاي بالاهتمام الزائد، فإن كلاً من عباس وفياض يسوقان وهم خطة إقامة مؤسسة الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية في ظل بقاء مظاهر الاحتلال، فياض لا ينفك على القيام بجولاته الاستعراضية في أرجاء الضفة يحتفي بإفتتاح مؤسسة هناك ومؤسسة هناك، لدركة أن الأمر بات يستفز حتى بعض أولئك الإسرائيليين الذين يتعاطون بشكل موضوعي مع القضية الفلسطينية.
مناحيم كلاين، هو أحد أكثر الصهاينة المتحمسين للتسوية مع الفلسطينيين، وأحد الذين وقعوا على وثيقة " جنيف "، وأحد الذين يحافظون بشكل رتيب على إجراء اتصالات ولقاءات مع مسؤولي السلطة، لكن خنوع السلطة وقيادتها لإسرائيل بات يثير ضجر واستياء حتى كلاين. فقد كتب كلاين مقالاً في صحيفة هارتس بتاريخ 4-8-2010 يستهجن المسار الذي يسلكه محمود عباس، فهو يجزم بأن كلاً من عباس وفياض يحاولان خداع الفلسطينيين وهو يؤكد أن عباس قد أضاع ما حققه عرفات من إنجازات للفلسطينيين، ويؤخذ على سلطة رام الله حقيقة أنها تعيش على " الحراب الإسرائيلية "، على حد تعبيره. كلاين المستشرق و المحاضر في جامعة " باريلان " يذكر فياض بإستخفاف بحقيقة أن 70% من مناطق الضفة الغربية تنتمي الى فئة ( ج ) التي تحتفظ فيها إسرائيل بالسيطرة الأمنية والمدنية، وتترك لفياض أن يواصل التحرك في مناطق ( أ ) و ( ب ). ويجزم كلاين أن فياض يقدم خدمة جليلة لإسرائيل من خلال مواصلته افتتاح تلك المؤسسات على اعتبار أنه يعطي الإنطباع للعالم بأن الفلسطينيين أصبحوا سادة قرارهم، وأنهم في طريقهم لإقامة الدولة. ويتحدث كلاين فياض بالقول أن معيار نجاح إقامة مؤسسات الدولة أن تسمح إسرائيل للفلسطينيين بالسكن في منطقة ( ج )، لكن المستشرق الصهيوني يذكر فياض بأن إسرائيل تحتفظ بكل المنطقة ( ج ) لكي يتمكن المستوطنون من التوسع. ويحذر كلاين إسرائيل أيضاً من مغبة السقوط في التضليل الذي يوزعه فياض في كل مكان الذي يتوقع أن زيادة معدلات الرواتب في الضفة الغربية سيعمل على تحسين الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية، مذكراً إن الانتفاضة الأولى وانتفاضة الأقصى نشبتا تحديداً بعد تحسن الأوضاع الاقتصادية للفلسطينيين.
أن الحديث يدور عن قضية مصيرية وجوهرية، ولا يجوز معها الهزل، ومع ذلك يخيل للمرء أن أعضاء اللجنة التنفيذية، سيما أولئك الذي ينتمون لتنظيمات تدعي اعتراضها على المفاوضات مع إسرائيل يستغفلون الجمهور بشكل يثير الاستفزاز. فالسؤال الذي يمكن توجيهه للسيد ملوح وزملاءه: أيهما أكثر خطورة استئناف المفاوضات المباشرة أو تواصل التعاون الأمني بين السلطة والاحتلال، بإسم من يستمر التعاون الأمني، بإسم من يتم استقبال يوفال ديسكين رئيس جهاز " الشاباك " الذي يعتبر مهندس عمليات التصفية، وبإسم من يتم دعوة الجنرال آفي مزراحي قائد قوات جيش الاحتلال في الضفة الغربية ليحضر مناورة ينفذها جهاز أمن الرئاسة؟. أليست منظمة التحرير هي مرجعية السلطة، وبالتالي فإن جميع الفصائل المشاركة فيها تتحمل مسؤولية السلوك الذي تقوم به السلطة، قد يقول قائل أن ممثلي اليسار يعكفون على نشر بيانات ويدلون تصريحات تندد بمثل هذا السلوك، وهذا صحيح، لكنه ذر للرماد على العيون، فهذا الأمر يحتم على اليسار وممثليه اتخاذ موقف عملي، فإذا كان هذا لا يمثل جماعات اليسار فلماذا تقبل أن ترتكب هذه الجرائم بإسمها..... الجمهور الفلسطيني كان سينظر باحترام كبير لكل من تيسير خالد وملوح لو طلبا تفسيراً من أبو مازن حول حضور الجنرال الإسرائيلي مناورة جهاز أمن الرئاسة.