آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: محنة الترجمة في العالم العربي

  1. #1
    مترجم / أستاذ بارز الصورة الرمزية معتصم الحارث الضوّي
    تاريخ التسجيل
    29/09/2006
    المشاركات
    6,947
    معدل تقييم المستوى
    24

    افتراضي محنة الترجمة في العالم العربي

    محنة الترجمة في العالم العربي

    "نحن في مأساة!".
    لعل في الصدح بهذه المقولة تكرارًا ممجوجًا لناعق التشاؤم السائد في أوساطنا في الوقت الحاضر، ولكنها الحقيقة المرة.
    واقعنا يشير إلى التخلف الحضاري -لبضعة قرون في أكثر التقديرات تفاؤلاً - عن مراكز الحضارة الراهنة في الولايات المتحدة الأمريكية، وأوربا، وجنوب شرق آسيا؛ والتساؤل البدهي الذي يفرض ذاته: لماذا؟

    لِم أخفقت النهضة العربية المعاصرة لنهضة فيجي في اليابان؛ فتوقفنا، بل لعلنا تقهقرنا بينما نجح الشعب الياباني -على سبيل المثال- في الانعتاق من ربقة التخلف؟

    القضية ذات تفاصيل عديدة، ومتشابكة الأدغال، يختلط فيها السياسي بالاجتماعي، ويتقاطع خلالها الاقتصادي والفكري؛ ولكن يبقى السبب الرئيس هو –حسب الراحل محمد عابد الجابري- القطيعة الإبستمولوجية بين العقل والنقل، أو -إذا شئت- هيمنة العقل السائد الذي أخفق أيما إخفاق في استحداث نظام معرفي تستقي جذوره من تراث مرحلة التدوين؛ ليستلهم نقطة في ذروة ازدهار الحضارة العربية الإسلامية، ثم يسد فجوة القطيعة الحالية بين الفلسفة والعلم.

    حتى إشعار آخر يبقى ما تقدم هو المحور الأساس في محنة الفكر العربي. ولا غرو أن الحتمية التاريخية والمسؤولية إزاء الأجيال القادمة تفرضُ علينا الإسراع في غير عجلة، وفي إطار مدروس، وبعقلانية متفحصة، لاستقصاء سبل الحل الجذري.

    شهدت الحضارة العربية الإسلامية فترتها الذهبية في العصر العباسي الأول (كما هو معلوم)؛ ويجدر بالاهتمام أن الاستواء إلى تلك الصدارة لم يأت بطفرة مفاجئة، بل استصحب في تأسيسه ثلاث مراحل متتالية:

    أولا (مرحلة التدوين):
    بدأت في منتصف القرن الثاني الهجري تقريبًا، وكان صانعها الأول الخليل بن أحمد الفراهيدي الذي يرجع له الفضل في التأطير الإحصائي الرياضي –إن صح التعبير- لقواعد اللغة العربية.
    من المثير للدهشة والعجب أن مرحلة التدوين شابتها انتقائية واضحة؛ فقد تجنّب المدونون رصد الكثير من ظواهر الثقافة السائدة في تلك الفترة الزمنية؛ وبذلك ضاعت آثار فكرية عديدة رفضوا
    -مختارين- توثيقها، وأعرضوا –متعمدين- عن رصدها؛ فسقطت باندثار حامليها شفاهة، ولم تصل إلينا، وبالتالي ضاعت إلى الأبد.

    كما أغفل التدوين رصد العلوم الطبيعية من علوم الفلك والأحياء والزراعة والصناعة وغيرها، واقتصر على علوم الدين الإسلامي (وعلى رأسها: الفقه، وعلوم اللغة العربية).


    ثانيا (مرحلة الترجمة):
    في أوج عظمة الحضارة العربية الإسلامية تُرجمت أحدث المعارف العالمية آنذاك وأكثرها تطورًا ورُقِيًّا من اللغات الهندية والفارسية واليونانية، ونقل المترجمون -بتجرد فائق، وبمهنية عالية، وبوتيرة محمومة، وبإشراف الدولة ورعاية أمير المؤمنين المباشرة- آلافَ المراجع في الطب والرياضيات والبصريات والكيمياء والأحياء والفلك والمنطق والفلسفة، وغيرها من ضروب العلم.
    هنا لابد من الوقوف هنيهة: هل كانت حركة الترجمة فكرة نشأت لدى شخص أو أشخاص بعينهم، أم أنها تيار استحدثه المثقفون، وتبنته القيادة السياسية؟
    لا تفيدنا المراجع التاريخية كثيرًا في البحث عن جذور حركة الترجمة؛ فقد تركّز الاهتمام في رصد المراجع الموسوعية التي نُقلت إلى العربية، والمترجمين الذي عملوا آناء الليل وأطراف النهار، وحصيلة إنتاجهم الغزير خلال فترات زمنية قياسية.


    ثالثا (مرحلة التمثُل والذروة):
    ارتقت عبقرية العقل العربي إلى أسمى تجلياتها في هذه المرحلة؛ فقد كادت تكون متزامنة، بل إنها تتقاطع -في معظم الأحيان- مع المرحلة التي سبقتها.
    أدى انصهار المعرفة العربية والإسلامية التقليدية -التي رصدتها مرحلة التدوين، وتفاعلها المتجانس مع إنتاج حركة الترجمة الذي اكتمل تمثُّلُه في هذه المرحلة- إلى نهضة حضارية ما زلنا نلطم الوجوه ونشق الجيوب على اندثارها.

    هذه القراءة السريعة للسيرورة التاريخية لتطور حركة الترجمة الأولى في تاريخنا العربي تُفضي إلى أنه لا مناص من الجزم بأن طبيعة العصر الحالي تستدعي ثورة شاملة، بل جذرية -في صناعة الترجمة العربية- تهز عرش الغفلة، وتحطم الصرح المنيف للفجوة المعرفية (بضعة قرون) بيننا وبين العالم المتقدم.

    تلكم الثورة، وطرائق تنشئتها ورعايتها هو ما سنتطرق إليه في الحلقات القادمة.



    *المقالة منشورة في مجلة "رقمات"، العدد الأول، يوليو 2010

    منتديات الوحدة العربية
    http://arab-unity.net/forums/
    مدونتي الشخصية
    http://moutassimelharith.blogspot.com/

  2. #2
    عضو القيادة الجماعية الصورة الرمزية محمود الحيمي
    تاريخ التسجيل
    25/09/2006
    العمر
    73
    المشاركات
    1,276
    معدل تقييم المستوى
    10

    افتراضي رد: محنة الترجمة في العالم العربي

    نتابع معك باهنمام أخي الكريم معتصم محنة الترجمة والمترجمين العرب، وبانتظار بقية الحلقات ولنا عودة بالتعليق إن شاء الله.
    كل الود.


    مُحمدٌ صفْوةُ الباري وخِيرتُهُ

    محمدٌ طاهرٌ من سائرِ التُّهَمِ

    They target our Prophet, we target their profits

  3. #3
    مترجمة الصورة الرمزية نهاد الحكيم
    تاريخ التسجيل
    03/08/2009
    المشاركات
    185
    معدل تقييم المستوى
    15

    افتراضي رد: محنة الترجمة في العالم العربي

    موضوع رائع
    ولكن لدي تساؤل هناك فترة زمنية بعينها لم يتم فيها نقل او ترجمة الكتب التي الفها العلماء العرب فاحدثت بما يسمي بالفجوة كما ذكرت كيف تعامل معها الغرب هل اخذو حق العلماء العرب في ما دونوه ام ظلت دون نقل او تدوين او غيره واين هي الان هذه المؤلفات ؟

    تحيتي ...


  4. #4
    شاعر
    نائب المدير العام
    الصورة الرمزية عبدالله بن بريك
    تاريخ التسجيل
    18/07/2010
    العمر
    62
    المشاركات
    3,040
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي رد: محنة الترجمة في العالم العربي

    الأخ العزيز معتصم الحارث الضوي:

    فعلا واقع الترجمة في الوطن العربي مؤلم ,و سيره سلحفائي ,كما يركز أغلب المترجمين على المؤلفات ذات الصبغة التجارية

    و أتفق معك أخي أن دورة الحضارة لا بد لها من شروط اجتماعية و سياسية و فكرية ,كي تتحقق ..كالاستقرار السياسي الذي

    يترتب عنه الرخاء الاقتصادي و بعده الازدهار الفكري..و ان مراحل الرقي العلمي تتأسس على ثلاث خطوات هي :الترجمة ,

    الاقتباس و بعدها الإبداع ..و اتساءل هنا عن القرار السياسي الغائب من عملية الترجمة..كما أحن إلى العصر العباسي و مترجميه

    الكُثُر كيوحنا بن البطريق و ابن الناعمة الحمصي و حنين بن إسحاق و الجوهري و خصوصا إخوان الصفا..هؤلاء جميعا و غيرهم

    الذين اسسوا لحركة واسعة في الترجمة ربما لم يكن من ورائها هدف مادي بل فقط محبة العلم و الأجر و الرغبة في رؤية أمة

    عربية إسلامية لا تعَيرُ بالجهل..و ما يقال عن المصنفات و الكتب ينطبق حاضراً على المصطلحات التي تعرف خصاصاً مهولا

    يعيق اللغة العربية عن أن تكون لغة علم و حضارة و استغرب -رغم تصوري لصعوبة الأمر-كيف لم يستطع مركزا التنسيق

    و التعريب في كل من الرباط و دمشق أن يسايرا سرعة التطور العلمي باستحداث مصطلحات علمية باللغة العربية..

    الأمل كبير و الطموح مشروع لكن التنفيذ يتطلب الكثير من الجهد و الإخلاص و التضحية...

    سيد معتصم لك فائق تقديري.

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •