آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 1 2
النتائج 21 إلى 30 من 30

الموضوع: سلسلة شهر القرآن/د.عائض القرني

  1. #21
    عـضــو الصورة الرمزية نبيل الجلبي
    تاريخ التسجيل
    28/01/2009
    المشاركات
    5,272
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي سلسلة شهر القرآن/د.عائض القرني/فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ

    سلسلة شهر القرآن

    فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ

    الدكتور عائض القرني


    لما أعرض أهل سبأ عن طاعة الله مزقهم كل ممزق، وقال: «فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ»، وفي هذه العبارة من قوة الأسر وروعة البيان ما يهز النفس، فكأنه حوّل هذه الأمة القوية إلى أحاديث فقط تدور في المجالس على ألسنة السمّار.

    لك أن تعمم هذا المثل على كل أمة سادت ثم بادت، أما أصبحت أقوالا تدار في المجالس؟ أما ذهبت قوتها وسحق جبروتها، ومات ملوكها، ولم يبقَ إلا مجرد الخبر عنهم فحسب؟ أين الدول؟ أين الملوك؟! أين الجيوش؟! ذهبوا ولم يبقَ من ميراثهم درهم ولا دينار، وإن بقي حديث عنهم يتناقله الرواة وتلوكه الألسنة، ولكن أسلوب القرآن أرقى وأمتع، فإنه اكتفى بهذه العبارة التي يدهش من حسنها البلغاء، فلم يفصّل في هلاكهم وكيف دُمروا وماذا بقي من بيوتهم ومتاعهم، وإنما طوى الزمان والمكان، ثم أخبرنا أنه ما بقي منهم إلا الخبر عنهم، وإن حياة تنتهي إلى هذه الخاتمة لحقيق أن يزهد فيها، وأن يرغب عنها.

    فبينما ترى الأمم دائبة في صنع وجودها ساعية في بناء حضارتها، إذا بها هباء منثور، ليس في الوجود منهم إلا كلمات تخبر عنهم، وهنا قف أمام قدرة القوي القهار وهو يأخذ أعداءه هذا الأخذ في لمحة الطرف، ثم لم يبقِ منهم باقية، ولم يترك لهم أثرا، ثم التفت إلى جمال عبارة القرآن وأسرها، وسرح الطرف في هذا الحسن لترى الإعجاز في الإيجاز، والقوة في الأسر، والمتعة في التأثير، وانظر إلى الواقع، واسأل نفسك: أين الحضارات التي ملأت الأرض؟ وأين الدول التي طبقت الدنيا؟ تعيش الدول ألف سنة ثم تنتهي فلا يبقى من آثارها إلا كلمات على شفاه السمّار، وجمل على ألسنة الركبان:

    أَعِنْدَكُمْ خَبَرٌ عَنْ أَهْلِ أَنْدَلُسٍ * فَقَدْ مَضَى بِحَدِيثِ القَوْمِ رُكْبَانُ.

    اقرأ متن «فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ» على حضارة تدمر ودمشق وبغداد والزهراء والحمراء وقرطبة وغرناطة، فإذا هي قاع صفصف، أين التيجان والسلطان والهليمان؟ «كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ». إن من يتدبر «فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ» يعلم هوان الخليقة على الله، وتفاهة مَن حادّ الله، وسخف مَن حاربه.

    إنّ عدتهم وعتادهم وقوتهم لا تواجه من الله إلا بكلمة «كُنْ»، ليصبح الجميع أحاديث تتلى في النوادي، وقصصا تساق في المجامع، فلا قصورهم حمتهم، ولا جيوشهم منعتهم، ولا أموالهم شفعت لهم.

    منقول

    يتبع

    التعديل الأخير تم بواسطة نبيل الجلبي ; 02/09/2010 الساعة 07:33 PM

  2. #22
    عـضــو الصورة الرمزية نبيل الجلبي
    تاريخ التسجيل
    28/01/2009
    المشاركات
    5,272
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي سلسلة شهر القرآن/د.عائض القرني/وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ

    سلسلة شهر القرآن

    وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ

    الدكتور عائض القرني

    الصبح آية من آيات الله دالة على بديع صنعه وجميل خلقه، فالصبح له طلعة بهية ووجه مشرق يشع بالجلال والحسن، ومن أراد أن يعرف جمال الصبح فليتأمل قدومه بعد صلاة الفجر كيف يدبّ دبيبا كالبرء في الجسم وكالماء في العود، فإن الصبح يزحف بعد جحفل من الظلام فيطويه أمامه، فكأن الكون وجه تتبلج أساريره، وتشرق قسماته، وترتسم على محياه بسماته، وما أجمل الصبح، فيه يهب النسيم العليل، ويشع النور الهادئ، والضوء الدافئ، وتبدو الحياة، ويميس الزهر، ويندى الظل، وتتفتح الأزهار تفتُّح شفاه المحبين عن أسئلة حائرة، وتتفتق الأكمام تفتق عيون العاشقين عن أسرار دفينة.

    في الصباح رجع الصدى، وقطر الندى، وحفيف الهواء، وتمتمة الماء، وتغريد الطيور، وسجع الحمام، وأنغام العندليب، في الصبح يرتحل الفلاح بمسحاته إلى الحقل، ويسوق البدوي أغنامه إلى المرعى، ويذهب الطالب إلى مدرسته، والطبيب إلى عبادته، والبائع إلى حانوته، فالصبح أذان معلم بالحياة، وإعلان بيوم جديد، وميلاد مجيد، لنهار آخر من الجد والعمل والعطاء والنماء.

    ولكن أما دعاك هذا اللفظ الشائق في قوله تعالى: (وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ)، أما وقفت معه وقفة إجلال للإبداع واحترام للبيان، كيف يتنفس الصبح؟ سؤال يجيب عنه من قرأ حروف القدرة على صفحات الكائنات.

    والصبح يوم يتنفس كأنه محزون فقد أحبابه، فخرجت أنفاسه الحرى من أعماقه، أو كأنه مكبوت يشكو آلامه، فانبعثت من حشاياه آهاته، أو كأنه مظلوم صهر الظلم قلبه فانفجرت روحه بزفراته، أو كأنه مسجون كُبلت يداه وقُيدت قدماه، فعبر بلهيب توجعه عن معاناته.

    وما أجمل أسلوب القرآن، ففي كل ذرة من اللفظ درة، ومن يدري؟! لعل الصبح تنفس بعد ليل طويل قاسٍ من الظلام والهجر والقطيعة، ولعله تنفس تنفُّس المسرور بلقاء أحبابه، السعيد برؤية أصحابه؛ لأن الصبح مقبل عن نهار جميل، وحياة دائبة، وحركة نشيطة من الجد والبذل والتضحية، والمقصود أن هذا الصبح كان مكظوم الأنفاس، مكبوت الحشى، ثم حانت لحظة الانطلاق فتنفس.

    وأنا أدعو سلاطين البلاغة ودهاقنة البيان وأرباب الفصاحة أن يقفوا خاشعين أمام (وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ) ليذوقوا لذة الجمال، ومتعة الحسن، ليعلموا سر الإعجاز، في هذا الكتاب المعجز الخالد، وليدخلوا ديوان عظمة الخالق، ديوان قدرته ليروا جمال المقال، وبديع الأفعال، من ذي الجلال والإكرام.

    منقول

    يتبع

    التعديل الأخير تم بواسطة نبيل الجلبي ; 02/09/2010 الساعة 07:42 PM

  3. #23
    عـضــو الصورة الرمزية نبيل الجلبي
    تاريخ التسجيل
    28/01/2009
    المشاركات
    5,272
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي سلسلة شهر القرآن/د.عائض القرني/فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى

    سلسلة شهر القرآن

    فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى

    الدكتور عائض القرني

    لا تمدحوا أنفسكم فعلمها عند اللطيف الخبير، ولا تثنوا عليها فإن الناقد بصير، وما أجهل الإنسان إذا زكى نفسه وشهد لها بالفضائل وبرّأها من الرذائل! وما أثقل كلامه وهو يستعرض على ربه وعلى الناس مناقبه ويسوق محامده ويذكر حسناته! إن الذي يزكي نفسه يكون في محل التهمة وفي مقام الريبة؛ لأن الإنسان بطبعه ظلوم جهول، يحب نفسه ويعشق ذاته، ويعجب بصفاته، فإذا نما هذا الطبع وأعلنه في الناس كان دليلا على قلة تقواه وضحالة معرفته، وأي شيء عند الإنسان حتى يزكي نفسه وهو بين نعمة لم تُشكر، أو ذنب لم يُغفر، أو عثرة لم تظهر، أو زلة من ربه تُستر؟

    أفلا يكفيه أن الذي خلقه وصوّره وشقّ سمعه وبصره قبِل منه القليل، وغفر له الذنب الجليل، وأصلح خلله وستر زللـه؟ ثم يأتي هذا الإنسان بدعـــــاوى عريضة ونفس مريضة ليخبر ربه الذي يعـــــلم السر وأخفى أنه ذو تقوى، والله أعلم بمن اتقى، فهو الذي لا تخفى عليه خافية.

    وإن منطق الزور ولسان البهتان أوحى إلى إبليس اللعين بتزكية نفسه الشريرة ليقول لربه: ( أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ) لتكون هذه التزكية لعنة ماحقة وضربة ساحقة لهذا المريد العنيد، وإن الشهادة الآثمة للنفس سولت لفرعون الطاغية ليقول: ( أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ ) فأذله القوي العزيز، وأرغم أنفه في الطين.

    وإن التزكية المفتراة دفعت بقارون الآثم ليتفوه بفرية: ( إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ). ألا فليصمت العبد الضعيف الهزيل، وليسكت المخلوق الفقير، وليخجل العبد المسكين من ربه، وليهضم نفسه، فلولا ستر الله لظهرت الفضائح، ولولا لطف الله لبدت القبائح، وإن من يتصدر النوادي ليخبر الناس بنسبه الأصيل لهو فاشل، ومن يحدثهم عن مجده الرفيع لهو أحمق، ومن يزكي لهم تقواه لهو مخدوع، ومن يذكرهم بمناقبه لهو مخذول.

    لماذا لا يترك العبد تزكية نفسه لربه، فهو الذي يزكي من يشاء وقوله الحق؟‍! ولماذا لا يدع الإنسان أعماله تتحدث عنه لا أقواله، وإحسانه لا لسانه؟ وسوف يظهر زيف من مدح نفسه بالباطل، فالناس شهداء الله في الأرض، وألسنة الخلق أقلام الحق، وإن عبدا خلق من نطفة لجدير بأن يصمت، وإن مخلوقا يحمل فضلاته لحقيق أن يسكت، ونعوذ بالله من لسان حي بالمديح، وقلب ميت بالقبيح، ومن عجب ظاهر، وذنب خفي.

    فيا من أخفيت على الناس العيوب، وسترت عن العيون الذنوب، نسألك صلاح القلوب فإنك علام الغيوب.

    منقول

    يتبع


  4. #24
    عـضــو الصورة الرمزية نبيل الجلبي
    تاريخ التسجيل
    28/01/2009
    المشاركات
    5,272
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي سلسلة شهر القرآن/د.عائض القرني/وأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ

    سلسلة شهر القرآن

    وأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ

    الدكتور عائض القرني

    تحدث عن جميلنا، أخبر الناس بأيادينا، أعلن نعمنا عليك، لأن الجحود خطيئة والتنكر سيئة، وكتمان المعروف لؤم، إن الله يحب من عبده أن يشكره، وأن يثني عليه، وأن يعترف بما وصل من بره إليه؛ لأن الله يحب المدح، فهو أهل له، ويريد الحمد؛ لأنه مستحق له.

    ونعم الله تغمر العبد، فإذا قابلها العبد بالحمد والثناء على مسديها، والمدح والشكر لمهديها بورك فيها، وإذا تنكر لها العبد وجحدها وكتمها محقت وذهب نفعها، والله يلوم الحاسدين من عباده فيقول: «يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا» فهم يعلمون أن مانح النعمة هو الله، ولكنهم لؤماء يتنكرون للجميل، وينسون المعروف، وينسبون الفضل لغير أهله.

    ورد في أثر: «إن القلوب جبلت على حب من أحسن إليها»، فقال أبو معاذ الرازي معلقا على الأثر: «يا عجبا ممن لا يرى محسنا إلا الله! كيف لا يميل إليه بالكلية؟!»، وقال بعض السلف: «ويحك يا بن آدم! والله لو كساك رجل ثوبا لرأيت إحسانه وعرفت جميله فكيف بمن كل نعمة وصلت إليك فمن عنده، وكل خير لديك فمن لدنه؟!»، وقال المغيرة: «إن صاحب الكلب يحسن إلى كلبه فلا ينبحه ويحفظ له وده، فكيف بمن غيرك بنعمه؟!»، وقالوا لعابد في البصرة: «كيف أصبحت؟» قال: «أصبحت في نعم غير مشكورة وذنوب غير منسية». وفي حديث حسن أنه صلى الله عليه وسلم قال: «سمع سامع بفضل الله ونعمته علينا». وقال رجل لمالك بن دينار: «أشكو إليك ديونا لحقتني وحاجة لزمتني. فقال مالك: ويلك! كأنك تشكو الله إلى خلقه وله عندك نعم ما شكرت، وأياد طالما كفرت».

    وقال بعض الشعراء:

    وإذا شكوت إلى العباد فإنما *تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم
    وقال الحسن البصري لفرقد السبخي: «تعال تغدَّ معنا من هذا الخبيص، وهو طعام لذيذ، فقال فرقد: أنا لا آكل الخبيص لأنني لا أدري شكره. فقال الحسن: قاتلك الله! وهل أديت شكر الماء البارد؟!».

    وكان بعض العباد ينادي: «سبحان من أعطى الجزيل، ووهب الجليل، ورضي بالقليل، وستر القبيح من العمل!».

    وقال رجل لأحد الوعاظ: «هل ترى لي شرب الماء البارد أو الحار؟ فقال: اشرب البارد؛ لأنك إذا شربته أروى عروقك، ودخل في مسام جسمك، فإذا حمدت الله حمد كل عضو وعرق فيك، وإذا شربت الماء الحار قلت: الحمد لله بكزازة، أي: بثقالة ومشقة».

    وبالجملة، ينبغي إظهار نعمة المنعم شريطة ألا يكون من باب الزهو والرياء والعجب، مع ملاحظة عين الحاسد فإنها تصيب، وقد جعل الله لكل شيء قدرا.

    منقول

    يتبع


  5. #25
    عـضــو الصورة الرمزية نبيل الجلبي
    تاريخ التسجيل
    28/01/2009
    المشاركات
    5,272
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي سلسلة شهر القرآن/د.عائض القرني/يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَه

    سلسلة شهر القرآن

    يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَه

    الدكتور عائض القرني

    أخبر الله عن أوليائه الصادقين، وعباده الصالحين، بأنه يحبهم ويحبونه، وهو خبر تهش له نفس المؤمن، ويشتاق إليه قلب الولي، والعجيب قوله: ( يُحِبُّهُمْ ) فهو الذي خلقهم وأطعمهم وسقاهم وكفاهم وآواهم، ثم أحبهم، وهو الذي رباهم وهداهم وعلمهم وألهمهم وأرشدهم، ثم أحبهم، وهو الذي أنزل عليهم الكتاب، وأرسل إليهم الرسل، وبين لهم المحجة، وأوضح لهم الحجة، ثم أحبهم، فيا له من فضل عظيم، ويا له من عطاء جسيم.

    أما قوله عنهم: ( يُحِبُّونَه ) فهذا عجيب أيضا، فكيف لا يحبونه وقد أوجدهم من العدم، وأطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف، وكساهم من عري؟

    كيف لا يحبونه وهو الذي وهب لهم الأسماع والأبصار، وحماهم من الأخطار، وحفظهم في سائر الأقطار؟

    وكيف لا يحبونه وهو الذي وهبهم الأموال والأولاد، وأغدق عليهم الأرزاق، وساق إليهم كل ما يطلبونه، ومنحهم كل ما يسألونه، وأمّنهم من كل ما يخافونه؟

    كيف لا يحبونه وقد سخر لهم ما في البر والبحر؟ أرسل لهم السماء بالماء، وشق لهم الأرض بالنبات، وجعل الأرض بهم فراشا وذلولا ومهادا، والسماء بناء، ورزقهم من الطيبات، وأصناف الثمرات، ومختلف المطعومات، وسائر المشروبات؟

    كيف لا يحبونه وهو الذي أنزل عليهم القرآن، وعلمهم البيان، وهداهم إلى الإيمان، وحذرهم من كيد الشيطان؟

    وما أجمل المقابلة بين قوله: ( يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَه ) فهو حب بحب أزكى من حب الرب، فليت من له مقام في دنيا المحبين أن يتذوق هذه اللفظة المشرقة، وأن ينقلها رسالة قوية لعشاق الفن محبي العيون السود، والخدود والقدود؛ ليعلموا أن حبهم منقوص هابط، وحياتهم ذاوية ذابلة، وقلوبهم خاوية خربة، ونفوسهم ظالمة ظامئة، وبصائرهم كسيفة كليلة، أما حب أولياء الله فهو الحب الصادق الصائب الطيب الطاهر الزكي النافع.

    والله إن من أجلّ مطالب القوي السوي وصوله إلى رتبة ( يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَه ).

    وإن من أعظم العطايا وأشرف المواهب لهي عطية وموهبة: يحبهم ويحبونه، كل حب غير حب الله مقطوع، وكل عمل لغير الله ضائع، كل السعي لغير مرضاته باطل، كل تعب في غير مرضاته عناء:

    سهر العيون لغير وجهك ضائع ورضا النفوس بغير حبك باطل فيا من خلق خلقا ثم رزقهم ثم هداهم ثم أحبهم، أسألك أن تجعلنا من أحبابك، وخالص عبادك، وصالح أوليائك؛ فإنك أهل للإجابة، معروف بالإحسان، مقصود لكل مطلوب.

    منقول

    يتبع

    التعديل الأخير تم بواسطة نبيل الجلبي ; 05/09/2010 الساعة 10:29 AM

  6. #26
    عـضــو الصورة الرمزية نبيل الجلبي
    تاريخ التسجيل
    28/01/2009
    المشاركات
    5,272
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي سلسلة شهر القرآن/د.عائض القرني/لا إِلَه إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين

    سلسلة شهر القرآن

    لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ

    الدكتور عائض القرني

    هذه آية الفرج؛ ما قالها عبد مكروب إلا فرج الله عنه، بذلك صح الخبر. وفيها أسرار عظيمة ورسائل مهمة، لكن لمن له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

    ففي هذه الآية إقرار بالتوحيد، وإثبات للتنزيه، واعتراف بالذنب، وهي أركان ثلاثة عليها تقوم العبودية وبها ينال ما عند الله من لطف ورحمة ورزق وهداية، ولهذا فرج الله عن يونس عليه السلام لما قالها، ويفرج عن كل من قالها من المؤمنين لقوله تعالى: ( وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ) فركن التوحيد في: لا إله إلا الله ، وركن تقديس الرب وتنزيهه في: سبحانك ، وركن الاعتراف بالخطيئة في: إني كنت من الظالمين.

    فلا إله ألا أنت: اعتراف بألوهيته سبحانه وكماله وتفرده بكل وصف حسن. وسبحانك: نفي للنقص والعيب عنه. وإني كنت من الظالمين: اعتراف من العبد بالتقصير والخطأ.

    فكأن العبد نسب كل مدح وجود إلى ربه ونزهه عن كل شين، وقدح لا يليق به، ثم اعترف هذا العبد بظلمه وعدوانه، فكانت هذه الكلمة بحق من أغلى الكلمات وأثمنها في ميزان العبودية.

    وما من عبد إلا وتمر به كارثة، أو يلم به خطب، أو تقع عليه شدة، فإذا قال هذه الكلمة بقلب حاضر خاشع مخبت أنقذه الله من كل ما أهمه، وفرج غمه، وأزال حزنه وكشف كربه.

    والله عز وجل في كتبه وعلى ألسنة رسله أوجب توحيده على عباده، ونزه نفسه، وأخبر بظلم العبد وكفرانه وتمرده، فجاءت هذه الآية متضمنة هذه المعاني في أحسن وأجمل خطاب وأزهى حلة، حتى إن بعض الصالحين كان يعكف بقلبه على هذه الكلمة تردادا وتكرارا، فيجد من الأنس والراحة والأمن والانشراح ما يفوق الوصف، وقد شرحها شيخ الإسلام؛ فأحسن وأجاد، ووردت في فضلها آثار، وكان يوصي بها الصالحون من أحبوا، ويكفي في فضلها قوله صلى الله عليه وسلم: «كلمة أخي ذي النون ما قالها مكروب إلا فرج الله عنه».

    فالواجب على العبد أن يعطي كل أصل من أصولها الثلاثة ما يستحق، فأصل القول اعتقاده، والعمل بمقتضاه والتبرؤ مما يضاده. وأصل التنزيه عدم نسبة المشابهة والمماثلة له سبحانه بخلقه، أو وصفه بغير ما وصف به نفسه، أو تحوير كلامه والإلحاد في أسمائه وصفاته. وأصل الاعتراف بالاقتراف تحقير النفس، والنظر إليها بعين الازدراء والمقت، فإن هذا العمل يقطع من المسافات - أعني احتقار النفس ونفي العجب عنها - إلى الله ما لا يقطعه صيام الهواجر، وقيام الليالي، وهذا مراد العبودية وبابها الأكبر وسرها الأعظم، والله أعلم.

    منقول

    يتبع


  7. #27
    عـضــو الصورة الرمزية نبيل الجلبي
    تاريخ التسجيل
    28/01/2009
    المشاركات
    5,272
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي سلسلة شهر القرآن/د.عائض القرني/من عمل صالحا من ذكر أوأنثى وهو مؤمن

    سلسلة شهر القرآن
    مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
    الدكتور عائض القرني
    الحياة الطيبة تنال بأمرين: الإيمان والعمل الصالح، فمن آمن وعمل صالحا نال مرتين حياة سعيدة رغيدة، وجزاء كريما موفورا في الآخرة.
    ولكن كلمة «حَيَاةً طَيِّبَةً» عجيبة، فإن فيها من الجمال والعموم ما تهش له النفس، فكل أمن وسكينة وسرور وحبور وصحة وأمن وأنس وطمأنينة مع صلاح الأبناء واستقامة الحال وحسن المنقلب والعافية من كل مكروه؛ فإنها كلها من الحياة الطيبة، فمن أراد حياة طيبة بلا إيمان ولا عمل صالح فقد حاول المستحيل، وطلب الممنوع.
    وكيف ينال الحياة الطيبة من أساء المعاملة مع ربه الذي منه وحده تنال الحياة الطيبة، فإن كل خير وصلاح أساسه التقوى، وإن كل شر وبلاء سببه المعاصي والآثام، وهذا معلوم من نص الشرع، قال سبحانه: «ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ»، وقال: «فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ»، وقال: «قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ»، فمن حقق الأصلين، وهما الإيمان والعمل الصالح، سعد في الدارين وأفلح في الدنيا والآخرة، وما أروع القسم في قوله جل في علاه: «فَلَنُحْيِيَنَّهُ»! فهذا وعد أكيد وخبر جازم وبشرى محققة.
    وانظر إلى قوله: «فَلَنُحْيِيَنَّهُ»، ما أحسن اختيارها! فالذي لا يحييه الله كأنه ميت ولو عاش، وهالك ولو عُمّر، وفي كلمة «نحيينه» من الجاذبية والأسرار والتشويق لهذه الحياة ما يأخذ اللب ويأسر القلب، وانظر كيف نكر كلمة «حياة» لتكون عامة كاملة، وهذا تنكير تعظيم، وتحت كلمة حياة من الأسرار والمعاني ما يفوق الوصف، فإن هذه الحياة تشمل حياة القلب بالإيمان والهدى، فلا يموت أبدا يوم تموت القلوب، وحياة العقل بحسن الإدراك وصواب البصيرة وسداد الرأي، وحياة الجسم بالعافية وحسن المعيشة، والسلامة من الآفات، والنجاة من الكدر، والأمن من المتالف.
    أقسم، وهو أصدق القائلين، على أنه سوف يجزيهم بأحسن من عملهم، ولم يقل بحسن أو بخير أو بجميل، بل قال: «بأحسن»؛ لأن في العمل حسنا وأحسن، فالله يجزيهم بأحسن عمل عملوه، وتقاس بقية الأعمال على أحسنها، فيثاب على أحسن صلاة صلاها في حياته، وتساوى بها بقية الصلوات، وهكذا سائر الأعمال، وهذا من كرمه وجوده وتفضله جل في علاه.
    ثم انظر إلى الجمع في الآية بين الذكر والأنثى في من يعمل، والإيمان والعمل الصالح في العمل، والحياة الطيبة والأجر الأحسن في الثواب، فهي ثنائية من أصناف ثلاثة؛ فذكر الذكر والأنثى ليعلم الجنس، والإيمان والعمل الصالح يشمل أصول العمل، والحياة الطيبة والأجر العظيم يستغرق كرامة الله لعباده.
    منقول
    يتبع

    التعديل الأخير تم بواسطة نبيل الجلبي ; 06/09/2010 الساعة 06:30 PM

  8. #28
    عـضــو الصورة الرمزية نبيل الجلبي
    تاريخ التسجيل
    28/01/2009
    المشاركات
    5,272
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي سلسلة شهر القرآن/د.عائض القرني/أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ

    سلسلة شهر القرآن

    أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ

    د. عائض القرني

    تطمئن القلوب من خوفها فتسكن إلى موعود ربها مع الثقة به، وحسن التوكل عليه، وصدق اللجوء إليه.

    وتطمئن من حزنها فتجد الأمن من كل غم وهم وحزن، فتعيش راضية مرضية؛ لأنها بربها ومولاها راضية.

    وتطمئن من قلقها فتستقر بعد التذبذب، وتهدأ بعد التمزق، وتثبت بعد الاضطراب.

    وتطمئن من الشتات، فيجتمع شملها، ويتحد توجهها، ويلم شعثها، وتنجو من شتات أمرها.

    وتطمئن من كيد شيطانها، وغلبة هواها، وتحرش أعدائها، وكيد خصومها، وشرور أضدادها.

    فليس للقلب دواء أنفع من ذكر الله، فمهما حصل القلب على مطلوبه ورغباته من دون ذكر الله فإن مصيره القلق والتمزق والفرق والخوف والغم والهم والحزن والكدر والاضطراب.

    أبى الله أن يؤمّن من عصاه، وأن يؤنس من خالفه واتبع هواه، وكيف يطمئن من بينه وبين الله وحشة وبينه وبين خالقه قطيعة؟ وكيف يأنس من نسي مولاه، وأعرض عن كتابه، وأهمل أوامره، وتعدى حدوده؟

    إن طمأنينة القلب هي السعادة التي يسعى لها الكل، ويبحث عنها الجميع، فمنهم من خطبها عن طريق المال فجمع وأوعى، وحصل وكنز، فإذا المال بلا إيمان شقاء، وإذا الحطام بلا طاعة وباء، ومنهم من طلب السعادة عن طريق المنصب فصب من أجله دمعه وعرقه ودمه، فلما تولاه بلا إيمان كان فيه حتفه وهلاكه وخيبته، ومنهم من طلبها عن طريق اللهو من غناء وشعر وهواية فما حصل عليها ولا نالها، لأنه عزلها عن عبودية ربه عز وجل.

    فيا من تكاتفت سحب همومه اذكر الله لتسعد، ويا من أحاط به حزنه وأقلقله همه اذكر الله لتأنس، ويا من طوقه كربه وزلزله خطبه اذكر الله لتأمن، ويا من تشتت قلبه وذهب لبه اذكر الله لتهدأ، ذكر الله دواء وشفاء وهناء، وذكر غيره داء ووباء وشقاء، ويكفي الذكر فضلا أن الله يذكر من ذكره، ويكفي الذكر شرفا أنه العلم الوحيد الذي يبقى مع أهل الجنة، ويكفي الذكر أجرا أنه أفضل عمل، الذكر حياة ولكن المبنج لا يحس، والمخدر لا يشعر، والميت لا يتألم، والذكر أمن وسكينة، لكن العاصي مفرط، والفاجر هالك.

    وفي كلمة «تَطْمَئِنُّ» رخاء ونداء وطلاوة، فكأن القلوب كالأرض، فما سهل منها فهو المطمئن، وما صعب وشق فهو القاسي الموحش المقفر، فليت سحب الرضوان وغمام الرحمن تترك غيث الوحي على القلوب لتؤتي أكلها كل حين بإذن ربها من الذكر والشكر والإنابة والمحبة والرهبة والرغبة:
    «أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ».

    منقول

    يتبع


  9. #29
    عـضــو الصورة الرمزية نبيل الجلبي
    تاريخ التسجيل
    28/01/2009
    المشاركات
    5,272
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي سلسلة شهر القرآن/د.عائض القرني/إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِي أَقْوَمُ

    سلسلة شهر القرآن

    إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِي أَقْوَمُ

    الدكتور عائض القرني

    هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم من المعتقدات والأقوال والأفعال والأحوال والأخلاق والآداب والسير، فهو يدل على الأكمل والأحسن دائما، فكلما اشتبهت الأمور واختلطت الآراء وماجت القلوب، جاء القرآن بهداه وسناه، فهدى إلى الأرشد، ودل على الأتقى والأسمى.

    لماذا القرآن وحده يهدي للتي هي أقوم؟ لأنه من فوق، وكتب البشر من تحت، ولأنه من السماء، ومذكرات العبيد من الأرض، ولأنه من رب العالمين، أما هي فمن الطين، ولأنه من عند الله، وآراؤهم من أفكارهم المضطربة وقلوبهم الزائغة، فالذي أنزل القرآن هو الخالق، والذي صنف ما يعارضه مخلوق، وعظمة القرآن في أن من تكلم به أحكم الحاكمين، وأحسن الخالقين، وخالق الناس أجمعين، فكيف لا يكون كلامه فوق كل كلام، وهداه أعظم من كل هدي؛ لأنه عليم خبير بصير، ومن سواه جاهل غبي إلا من اهتدى بهداه، فبقدر اهتداء العبد بهذا النور يحصل له من سداد الرأي ونور البصيرة على قدر ما بذل وطلب واستفاد.

    فالقرآن يهدي للتي هي أقوم في المعتقدات، فهو يدعو للتوحيد الصحيح، والدين الخالص، والعبادة المعتدلة، وهو يهدي للتي أقوم في الحكم، من حيث العدل والإنصاف، ومراعاة الحقوق، والبعد عن الظلم والهضم والقهر والاستبداد: (فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَق)، وهو يهدي للتي هي أقوم في الأخلاق؛ فهو يدعو إلى طهر الضمير، وزكاء النفس، وسلامة الصدر، ونقاء اللسان، وعفاف الخلق، ومكارم الصفات، وأشرف الآداب: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ).

    وهو يهدي للتي هي أقوم في البيع والشراء، وسائر العقود، وكافة المنافع، فلا غش ولا غرر ولا نجش ولا ربا ولا حيلة ولا خديعة ولا غبن ولا تدليس: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا).

    وهو يهدي للتي هي أقوم في المعيشة والكسب والإنفاق والبذل، فلا إسراف ولا تقتير، ولا بذخ ولا شح ولا إمساك ولا تضييع: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاما).

    وهو يهدي للتي أقوم في الدعوة والإصلاح والتربية، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلا غلظة ولا فظاظة ولا مداهنة ولا تمييع، بل حكمة ولين ورفق ورشد وهدى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِي أَحْسَنُ).

    وهو يهدي للتي هي أقوم في الآداب والفنون، فلا تعدي على الحدود، ولا استخفاف بالقيم، ولا تلاعب بالمبادئ، ولا جفاف وجمود وجحود ورهبانية، وإنما جمال باحتشام، ومتعة بأدب، وذوق بعفاف، وحسن بالتزام: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدا

    منقول

    يتبع

    التعديل الأخير تم بواسطة نبيل الجلبي ; 09/09/2010 الساعة 11:18 AM

  10. #30
    عـضــو الصورة الرمزية نبيل الجلبي
    تاريخ التسجيل
    28/01/2009
    المشاركات
    5,272
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي سلسلة شهر القرآن/د.عائض القرني/اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض

    سلسلة شهر القرآن

    اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض

    د. عائض القرني

    هذا أصدق مدح لربنا جلّ في علاه، فالله نور هذا العالم، فكل نور يشع فمن نوره جلّ في علاه، فالقلوب في ظلمة حتى يصلها نور توحيده، والبصائر معتمة حتى يطلع عليها نور هدايته، والعالَم في دياجير الظلم حتى يشرق عليها نور ربها، فالنفس النيرة إنما استنارت بنور الله لما عرفت شرعه وأبصرت هداه، والعقل النير إنما فتح عليه لما أصابه حظه من نور الله، والكلمة السديدة إنما حسنت وجملت لما أضاءت بنور ربها، والفعل الحسن الراشد إنما صلح لأن الله وهبه من نوره، والمجتمع المستنير إنما استقام أمره لما أدركه نور من نور ربه، فكل نور في العقول والنفوس والأفئدة فمن الملك الحق، فبنوره أشرقت السماء والأرض، وصلح أمر الدنيا والآخرة، واستقام الحال، وطاب المآل، وكتبه سبحانه نور يبصر بها العمي، ويهدى بها من الضلال، ويرشد بها أهل الغي، ورسله نور يبعثهم بالحق فينقذون بإذنه من الهلاك، ويردعون من الردى، وينجون من المعاطب، وصراطه المستقيم نور به يهتدي المهتدون، وعليه يسير العابدون، وفيه يسلك الصادقون، ومن أهل العلم من قال في قوله تعالى: (اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض) قال: منورهما يعني الشمس والقمر والكواكب، ولا تعارض، فكل نور معنوي، أو ظاهر أو باطن فمن لدن الحكيم الخبير جلّ في علاه.

    فليطلب النور من عند الله فإن كل أرض لا يشرق عليها نوره فهي أرض ملعونة، وكل قلب لا يبصر نوره فهو قلب غاوٍ، وكل نفس لم تهتد بهداه فهي نفس خاوية، العالم إذا لم يهبه الله من نوره صار عالم سوء، وصاحب زور، وحامل بهتان، والحاكم الذي حرمه الله نوره غادر جبار، غشوم ظلوم، وكل عبد حرم نور ربه فقد تم خسرانه وعظم حرمانه.

    أعظم خصائص القرآن أنه نور؛ لأنه من عند الله جلّ في علاه، فهو الذي تكلم به وأوحاه، وفصل آياته، وأحكم بيناته: (وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا).
    ومحمد صلى الله عليه وسلم نور؛ لأن الله بعثه ووهبه من نوره وهداه بهداه (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدا وَمُبَشِّرا وَنَذِيرا (45) وَدَاعِيا إِلَى اللهِ بِإِذنِهِ وَسِرَاجا مُنِيرا).

    وبقدر اهتداء العبد ومتابعته وصدقه في طاعته يمنحه ربه نورا من نوره يبقى معه حتى يصل به إلى جنات النعيم.

    والمؤمنون لما صدقوا في العمل بالكتاب واتباع الرسول، صلى الله عليه وسلم، جعل الله نورهم يسعى بين أيديهم جزاء وفاقا، ولما أعرض من أعرض من أعداء الله حرمهم الله ذلك النور، فبقوا في الظلمات فما لهم من نور، فنور الفطرة مع نور الهداية، ونور الكتاب مع نور الرسول، ونور البصيرة مع نور الحجة
    (نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ
    (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُورا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ).

    منقول


+ الرد على الموضوع
صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 1 2

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •