في التقرير الرابع لمؤسسة القدس
مساع إسرائيلية مستمرة لتهويد الأقصى


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

خارطة للحفريات تحت المسجد الاقصى (مؤسسة القدس الدولية)


حذر تقرير صادر عن مؤسسة القدس الدولية من تزايد الحفريات التي تستهدف بناء مدينة يهودية أسفل المسجد الأقصى ومحيطه، مؤكدا أن الاحتلال الإسرائيلي أصبح يتعامل مع هذا الموضوع دون خوف من ردات الفعل الفلسطينية أو العربية والإسلامية.

وشملت النسخة الرابعة من التقرير الذي يحمل اسم "عين على الأقصى" وتصدره مؤسسة القدس في الذكرى السنوية لإحراق المسجد الأقصى المبارك يوم 21 أغسطس/آب من كل عام، تغطية الاعتداءات على الأقصى في العام الماضي بهدف رسم صورة متكاملة لمختلف التهديدات المحدقة بالمسجد.

وتضمن التقرير أربعة فصول رئيسية هي: تطوّر فكرة الوجود اليهودي في المسجد الأقصى، والحفريات والبناء أسفل المسجد وفي محيطه، وتحقيق الوجود اليهودي داخل الأقصى والتدخل المباشر في إدارته، والتفاعل العربي والإسلامي مع أوضاع الأقصى.

رصد التقرير تطوّر موقف الاحتلال تجاه الأقصى وحسم مسألة تقسيمه التي يُحاول تمريرها مستغلا غياب معادلة الردع، وتحييد المقاومة في الضفة وغزة، وتهاوي السقف السياسي الرسمي العربي والفلسطيني، والموقف الأميركي الداعم، من أجل فرض الوجود اليهودي داخل الأقصى كأمر واقع.

على الصعيد السياسي، يرى التقرير أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يتبع سياسة مزدوجة تجاه الأقصى، فهو لا يعلن رسميا أي توجهات لتغيير الواقع القائم لكنه على أرض الواقع يُكلّف وزراء في حكومته وقادةً في حزبه بقيادة مطالب المستوطنين بالسماح لهم بالصلاة في الأقصى "بحرية تامّة".



واعتبر التقرير أن الاحتلال حقق إنجازا بإطلاق مسار المفاوضات "دون شروط مسبقة"، وهو ما يعني فرض وتكريس رؤيته بأن قضية القدس والأقصى خارج التفاوض، وأن تغيير الأوضاع القائمة فيهما شأن داخلي للاحتلال لا علاقة للفلسطينيين وغيرهم به.

ويرى التقرير أن الاحتلال تمكّن من الحفاظ على تحييد المقاومة في الضفة الغربية وغزة عن الرد المباشر على ما يجري في الأقصى خلال الأعوام السابقة، لتتوفر له بذلك "فرصة سانحة" لتغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى قبل أن يبدأ ميزان القوى بالاختلال.

وعلى الصعيد الديني، يرصد التقرير تغيّر الفتوى اليهودية التقليدية بعدم جواز دخول الأقصى -"جبل المعبد" كما تسميه الأوساط الصهيونية- عند جبهة واسعة من الحاخامات الصهاينة ليصبحوا من المؤيدين لدخوله، كما تبدل موقف بعض حاخامات "الحريديم" أو اليهود غير الصهانية الذين كانوا يقودون معارضة دخول اليهود لـ"جبل المعبد"، حيث بدأت مجموعات منهم باقتحام الأقصى بشكل دوريّ منذ شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2009.

أما على الصعيد القانوني، فكانت أبرز التطورات التي رصدها التقرير صدور حكم قضائي يلزم الشرطة بحماية المستوطنين الذين يقتحمون الأقصى، وهو ما يمثل تحولا في مهام شرطة الاحتلال بالمسجد، فبعد أن كانت مكلفة بحماية المسجد من اعتداءات المستوطنين، أصبحت مكلفة قانوناً بتأمين الحماية للمستوطنين خلال اقتحامهم للمسجد.

الحفريات والبناء أسفل الأقصى:

يرصد التقرير تزايد سرعة الحفريّات الساعية لبناء مدينة يهودية مقدسة أسفل المسجد ومحيطه بمقدار الضعف تقريبا خلال العام الماضي، ويُشير إلى تبدّل طريقة تعاطي الاحتلال مع الحفريات، فبعد أن كان يتعامل معها بحساسيّة مفرطة ويُحاول إخفاءها أصبح يتعاطي معها دون خوف من ردّات الفعل الفلسطينية أو العربية والإسلامية بل أصبح مستعدا للدخول في مواجهات مع السكان المقدسيين لحماية سير العمل فيها.

ويرصد التقرير بلوغ عدد مواقع الحفريّات حول المسجد 34 موقعا بزيادة 9 مواقع عن العام الماضي.

كما يتحدث عن نقلة نوعية في بناء المعالم اليهودية بمحيط الأقصى مع افتتاح الاحتلال لكنيس الخراب غرب المسجد الأقصى، ويرصد التقرير أيضا مصادقة الاحتلال على بناء كنيسين جديدين أكثر قربا من المسجد، وهما كنيس "مصلى المتحف الإسلامي" داخل ساحات الأقصى، وكنيس "فخر إسرائيل" في محيط الأقصى.

الوجود اليهودي

يرى التقرير أن اقتحام الأقصى يُشكل كرة الثلج التي تستخدمها المنظمات اليهودية المتطرفة لرفع سقف مطالبها تجاه المسجد وذلك من خلال تنظيم الاقتحامات الجماعية بشكل متكرر، في حين تتولى الحكومة والقضاء منحها الغطاء السياسي والقانوني اللازم لذلك، وتتولى الشرطة الإسرائيلية حماية هذه الاقتحامات.

ورأى التقرير أن الأجهزة الأمنية للاحتلال لعبت طوال الفترة الماضية الدور الأبرز في اقتحام المسجد الأقصى، وتحولت مهمتها من منع المتطرفين اليهود من اقتحام المسجد والاعتداء عليه إلى حمايتهم ومساندتهم في تنفيذ هذه الاعتداءات.

ويخلص إلى أن هذا التحول يؤكد ما توصل إليه العام الماضي بأن القرار السياسي بتقسيم المسجد متخذ، وأن الاحتلال يمهّد الميدان ويستكمل الإجراءات الأمنية والقانونية لتقسيم المسجد، ومسألة الإقدام على هذه الخطوة باتت تتعلق بتوفر الظروف والاطمئنان إلى القدرة الكاملة على التطبيق وليس بالمهلة الزمنية.

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
اضغط لتكبير الصورة

التفاعل العربي والإسلامي:

يستقرئ التقرير ردود الفعل على التطورات الجارية في المسجد الأقصى، فيرى أن الردود الصادرة عن المقاومة الفلسطينية وعن السلطة وعن الدول العربية والإسلامية خلال العام الماضي تظهر أنها لم تتجاوز كونها ردود فعل وصفية لا تحمل حلا أو رؤية سياسيّة.

ويستعرض التقرير ردود فعل المقاومة الفلسطينية منذ ثورة 1920 وحتى انتفاضة عام 2000، ويوضح أنها تمكنت من تكريس معادلة ردع مع المحتل عند أي اعتداء وكانت تشكل الحامي الأول وشبه الوحيد للأقصى من التهويد طول 44 عاما.

لكن منذ 2005، يظهر التقرير أن الاحتلال تمكن عبر التنسيق مع الأجهزة الأمنية للسلطة من تكبيل يد المقاومة في الضفة الغربية، كما تمكن بعد حرب غزّة من فرض معادلة المواجهة الشاملة أو الهدوء الشامل على المقاومة في قطاع غزة، مما أدى إلى تراجع معادلة الردع ليجد الاحتلال أنه لم يعد يدفع ثمنا مقابل تقدمه في خطوات تهويد الأقصى، وهو ما عزز شعور قادته بأنهم أمام فرصة سانحة لتهويد المسجد الأقصى لا يمكن تفويتها.

وعلى المستوى العربي والإسلامي، يرى التقرير أن ردود الفعل الرسمية والشعبية على ما يتعرّض له المسجد كانت دون الحد الأدنى المطلوب، رغم أنها تمثل أهم وسائل الدفاع التي يعوّل عليها في غياب رد الفعل الفلسطينيّ المقاوم.

غياب الردع

يخلص التقرير إلى أن المعضلة الرئيسية في حماية المسجد من التهويد هي غياب معادلة الردع التي طالما كانت الحامي الأول للمسجد، ولذلك فهو يوصي بإعادة هذا الردع على مختلف الصعُد لتكريس حسابات الربح والخسارة في عقل صانع القرار الصهيوني عندما يفكّر في الاعتداء على المسجد أو اتخاذ خطوات لتغيير الوضع القائم فيه.

ويوجه سلسلة من التوصيات، أولاها للمقاومة الفلسطينية التي يراها صاحبة الواجب الأخلاقي الأول لحماية المسجد حيث يدعوها لكسر حالة العجز التي أصابتها تجاه الأقصى نتيجة واقع التنسيق الأمني في الضفة الغربية والواقع الذي تكرّس في قطاع غزة، لأنها وحدها القادرة فعلاً على وقف اعتداءات الاحتلال على الأقصى.

ثم يتوجه التقرير إلى السلطة ومنظمة التحرير داعيا إلى إدراج قضية الأقصى ضمن أولوياتها السياسية، وأن ينعكس ذلك على الأقل في اختيار أوقات التفاوض بشكلٍ لا يغطي الاعتداءات على المسجد. كما يدعو التقرير قيادة السلطة إلى عدم تقييد التحرك الجماهيري المتزامن مع الاعتداءات على الأقصى.

أما الحكومة الأردنية التي هي الوصيّ الرسمي على الأقصى والأوقاف الإسلامية في القدس، فيدعوها التقرير إلى خوض مواجهة سياسية مع المحتل، وإبداء رفض حازمٍ لأي تقييد لعمل الأوقاف، والتأكيد على الرفض القاطع لأي محاولة لنزع الحصرية الإسلامية عن المسجد وأية محاولة لنزع حصرية إشراف الأوقاف الأردنية عليه.

مخاطبة الجماهير

وينتقل التقرير بعد ذلك لمخاطبة الجماهير الفلسطينيّة في القدس والأراضي المحتلّة عام 1948، موضحا أن تغييب الشيخ رائد صلاح في السجن جاء لضرب تفاعلهم مع الأقصى والتهديدات المحدقة به، ولتمهيد الميدان لخطوات قادمة على طريق تقسيم المسجد والسيطرة عليه، داعيا إيّاهم إلى إفشال هذا المخطط.

أما الجماهير الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، فيدعوها التقرير إلى أن لا يشغلها شاغلٌ عن متابعة وضع المسجد الأقصى الذي من أجله انطلقت انتفاضتها الثانية، ولأن تكسر القيد المفروض في الضفة الغربية على تحركاتها الشعبية.

كما يدعو التقرير الجماهير العربيّة والإسلاميّة إلى التظاهر والحشد الشعبي، مناشدا الجهات الفاعلة التعامل مع الاعتداء على المسجد الأقصى بالجدية التي يستحقها، وإدراج قضية المسجد على قائمة أولوياتهم بالفعل قبل القول.

وأخيرا يخاطب التقرير الإعلاميين موضحا أن الاحتلال يراهن على التمييز بين مباني الجامع القبلي وقبة الصخرة على اعتبارها "المقدسات الإسلامية" وبين الساحات التي تعتبر "ملحقة بها"، وبالتالي لا تحمل نفس أهميتها، وهذا يمهّد لإمكانية اقتطاع هذه الساحات لصلاة اليهود، رغم أنّ المراجع الدينية وعلماء الأمة يؤكدون أن المسجد الأقصى هو كل ما يدور عليه السور بمساحة 144 ألف متر مربع، وقداسة محراب المسجد القبلي هي بقداسة أية شجرة في ساحات المسجد.

ويدعو التقرير الإعلام لنشر وترسيخ حقيقة أن المسجد الأقصى هو كل ما يدور عليه السور، وأن حمايته واجبة ككل متكامل.