آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: الانتفاضة الفلسطينية والادب العبري(*)

  1. #1
    باحث ومترجم وأكاديمي عراقي الصورة الرمزية عبدالوهاب محمد الجبوري
    تاريخ التسجيل
    30/01/2008
    المشاركات
    2,549
    معدل تقييم المستوى
    19

    افتراضي الانتفاضة الفلسطينية والادب العبري(*)

    الانتفاضة الفلسطينية والادب العبري(*)
    الباحث : عبدالوهاب محمد الجبوري
    تؤكد معظم مصادر الادب العبري ان هذا الادب استسلم في اسرائيل منذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية لسبات مريب حيال جرائم الاحتلال في الاراضي الفلسطينية(1)، وتطلب الامـر انقضاء فترة طويلة حتى يقرر عدد مـن الادباء والكتّاب الاسرائيليين المعروفـين ( امثال عاموس عوز وابراهام يهوشع ) الخروج عن صمتهم السلبي وتسجيل شيء من الاحتجاج على ذلك، هكذا كان حال المجموعة الاسرائيلية المثقفة التي توجهت للتضامن، في مطلع تشرين الثاني من عام 2002، الى عدد من القرى الفلسطينية في منطقة نابلس للمساعدة في قطف الزيتون بعد ان اصبحت حياة الفلسطينيين جحيما لا يطاق(2)، هذه الصورة عكست حال الاديب العبري خلال العامين الماضيين، على حد تعبير صحيفة يديعوت احرونوت، والتي اصبح ( ضحية مخدوعة ) في خدمة نهج من التغييب والطمس والتضليل والكذب على الذات قبل الاخرين(3).
    فهذا الانقلاب والتغيير في الادب العبري هو، من دون شك، تعبير عن جدلية الحياة الثقافية والاجتماعية في اسرائيل(1)، هذه الجدلية هي ، في اساسها، نتاج حالة الحرب والعنف الدائمة التي يعيشها الاديب العبري وما تفرزه من انعكاسات متبايتة التأثير والنتائج على المجتمع الاسرائيلي، فعلى سبيل المثال، لو سألت اسرائيليا عاديا بماذا توحي له الانتفاضة لاجابك: حجارة، زجاجات حارقة، حواجز على الطرق وفوضى، ولكن هناك اجابات اخرى تعكس حالة نفسية مضطربة لدى المستوطن اليهودي ناتجة عن صدمة الانتفاضة وعجز الحكومة الاسرائيلية عن ايجاد حلول جذرية لها، فتراه يصور الانتفاضة على انها خطر يفوق ذلك بكثير ويرى في كل عمل يقوم به الفلسطينيون هو انتفاضة من نوع آخر ومن ذلك عندما تكون المدارس مغلقة بامر من السلطات الاسرائيلية وينتظم اطفال فلسطينيون بالدراسة سرا في بيوت خاصة تحولت الى شعب وصفوف فانه يعتبر هذا انتفاضة، او عندما يقوم شخص ما بزراعة اشتال باذنجان في باحة بيته كي لا يبقى مرهونا بمتاجر الخضراوات التي باتت تغلق ابوابها يوميا، هذه ايضا انتفاضة، وهكذا الحال مع كل معالجة فلسطينية لاي موقف صعب يتعرض له الشعب الفلسطيني(2).
    ان هذه الحالة تفسر تعامل الادب العبري مع الانتفاضة بنوع من الارتباك والحيرة، على حد تعبير صحيفة يديعوت احرونوت(3)، التي ذكرت بان الانتفاضة الفلسطينية، وفي احسن الحالات، اخرست الكتّاب والشعراء اليهود الذين بدوا حائرين- على صعيد الكتابة الابداعية- مثل بقية الاطراف الذين اسمتهم بقبيلة السلام الاسرائيلية ( على فرض ان ادباء اسرائيل مسالمون ) ومع مرور الوقت اصبح قسم كبير من هؤلاء الادباء متطوعين في جيش الاعلاميين الكبير الذي يتولى منذ عامين مهمة الدفاع عن ( العمل القذر ) امام الرأي العام المحلي والعالمي(4).
    ومع ذلك فان اسرائيل بعد عامين من الانتفاضة تبدو لاحد اهم شعرائها ومثقفيها، الشاعر البروفيسور نتان زاخ: ( انها مصدر عار ) و( انها اليوم تبدو غريبة لي اكثر فاكثر وانا خجل بها )(2) ، فيما يرى استاذ جامعي وناقد ادبي معروف هو البروفيسور حنان حيفر: ( ان المبدعين فقدوا مكانهم في مجتمع فقد ضميره )(5).
    فماذا حدث حتى صمت الادب العبري عن الفظائع اليومية التي ترتكبها القوات الاسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني؟ هذا السؤال طرحه عدد من الادباء العبريين، ومنهم الشاعرة داليا رابيكوفتش والشاعر اسحاق لاؤور، الذين قارنوا بين ردود الفعل الادبية العبرية على حرب لبنان 1982 وبين الصمت الادبي العبري ازاء الانتفاضة الفلسطينية(6)، فقد رأى هؤلاء الادباء انه خلال الحرب على لبنان عام 1982 رافقت الصفحات الادبية في الصحف العبرية اليومية مراحل الحرب المختلفة والاجراءات العسكرية الاسرائيلية العدوانية ضد هذا البلد، لكن عاصفة الحرب والخلافات العميقة حيالها داخل المجتمع الاسرائيلي خلخلت الاسس عند كتّاب كانوا حتى ذلك الحين بعيدين عن الكتابة السياسية ابرزهم الشاعر افنير تراينين، الذي كتب آنذاك:( صحيح اننا نعود مجددا للقتال لكن حالتنا جيدة.. عندهم الاف المصابين وعندنا مئات )(7).
    وبعد خمس سنوات، أي في عام 1987، عندما اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الاولى ولم تكن قد مرت تسعة ايام على اطلاق الحجر الاول، نشرت الصحف الاسرائيلية اول ردود الفعل الادبية على هذه الانتفاضة، فقد نشر الشاعر ارييه سيفان قصيدة ( نصيحة صغيرة وسوء تفاهم )(8) كانت كلها موجهة للحديث عن العنوان الذي كان مكتوبا على الجدار كل الوقت، فبعد حرب لبنان كان سيفان قد كتب عشر قصائد وفي السنة الاولى على الانتفاضة الاولى كتب ثلاث عشرة قصيدة(9)، اما في العامين الاخيرين، أي خلال انتفاضة الاقصى، نجد سيفان يلاقي صعوبة في كتابة الشعر ولم يكتب سوى قصيدتين عن هذه الانتفاضة، وفي قصيدته ( عن الاسطح الخفيفة )(10) يصف سيفان كيف ان شارون الانيق والثقيل الوزن، على حد تعبيره، يرقص فوق سطح خفيف من مواد غير ثقيلة ويتسبب في انهياره فوق رؤوس السكان(11)، وفي ذلك يقول: ” لم اكتب المزيد لانه يمكن ان ناخذ جميع القصائد التي كتبتها في الانتفاضة السابقة وننشرها من جديد كما لو كانت مكتوبة اليوم“(12).
    فهذا ان دل على شيء فانما يدل على ان الشاعر استهلك نفسه ولم يعد لديه ما يضيف، وفي ذلك يقول سيفان:
    ” بدت الانتفاضة الاولى لي باعتبارها انتفاضة شعبية حقيقية من الغضب، كنت انا بمثابة جوليات صاحب الدروع وهم كانوا داوود بالمقلاع يصوب حجارته نحوي كأنما يرجم كلبا، كانت مفاهيمي رومانسية، كان يخيل لي ان عملهم نقي وطاهر، اليوم لم اعد ارى ما يجري في شوارعنا بعينين ساذجتين، واضح لي ان هذه الانتفاضة برمتها من صنع عرفات، في حرب لبنان لم يكن عندي شرخ داخلي، كانت الفظائع واضحة وكذلك الحل: الخروج من لبنان، في الانتفاضة وجدتني اتفهم الطفل الذي يرمي حجرا، لكنني شعرت ان لهذه الفعلة دلالات مصيرية بالنسبة لي.. انتقاداتي للاحتلال لم تتغير“(13).
    ويتباكى سيفان حول عدم تعامل الادب العبري بواقعية مع الانتفاضة فيقول:
    ” وعلى امتداد عامين من عمر الاتنفاضة الحالية وما رافقها من مظاهر عنف لم نقرأ الكثير من الابداعات الادبية وبخاصة الشعر حول الضحية اليهودية التي يبدو انها لا تحفز بالضرورة اصحاب الاسماء الكبيرة للتفاعل معها والكتابة بوحي منها “(14).
    اما الشاعر ناتان زاخ، الذي كان قد كتب قصائد عن حرب لبنان، فانه لم يكتب مثل هذه القصائد في انتفاضة 1987 وعبر عن احتجاجه بالمقالات وباستقالته من اللجنة الاستشارية لمهرجان الشعر العالمي الذي كان من المفروض ان ينعقد بمناسبة الذكرى الاربعين لتأسيس اسرائيل.
    لقد دفعت الانتفاضة الفلسطينية شعراء وادباء يهود الى تامل احداث هذه الانتفاضة من زاوية المعاناة اليهودية في الماضي، والتي تكاد تكون زاوية النظر الوحيدة لديهم، وكانت هذه هي الطريقة للتحرر من المسؤولية الجاثمة على صدورهم كمحتلين، ويعبر عن هذه الرؤية البروفيسور حنان حيفر(15)فيقول: ” هل صمتْ المبدعين في العامين الاخيرين يتجاوز كونه مسألة ثقافية تشهد على التغيير الذي مر به المجتمع الاسرائيلي برمته؟ “(16)
    ويضيف: ”المكان الكلاسيكي للشاعر هو ازاء شعبه، شاهرا بوجهه مقولات اخلاقية مؤلمة، لكن في الحال ما بعد القومي، الذي نتواجد فيه الان، فقد المبدعون مكانهم، انهم يعيشون كجتمع فقد البوصلة والضمير “ ويضيف ايضا: ”ان ما تفعله اسرائيل اليوم في المناطق اخطر بكثير مما فعلته قبل 15 عاما وما زال الرد الثقافي مبلبلا وحائرا الى الان، فالوضع لما بعد الصهيونية يؤدي الى بلادة في الاحساس تجاه جرائم الحرب التي نقوم بها وكذلك تجاه الاصابات التي تلحق بنا “(17).
    ان هذه الارهاصات الادبية لهؤلاء الشعراء والادباء تعني انهم يفتقدون التعبير الشعري الانساني تجاه ذبح الاخرين ولذلك يسيطر عليهم الصمت او الخرس في اللحظة التي تتخلى فيها الثقافة عن مقوماتها الاخلاقية، ويعبر عن هذه الحالة البروفيسور حيفر:
    ” لقد تبدلت الانماط الاساسية للظاهرة الادبية في اسرائيل، واصبح هناك خلط بين الادب الرفيع والاديب الوضيع، وقد سيطر الرمز الخطابي على الادب مما خلق توترا بين القارئ والاديب اسفر عن تطور ادب يتملق القارئ، ولا عجب اذن في ان يسود هنا صمت اهل القبور الذي يستمر سنوات“(18).
    من جانب آخر ادت الانتفاضة الفلسطينية الى انقسام في اوساط الادباء والشعراء الاسرائيلييـن، فقد وقـع منذ اندلاع الانتفاضـة الاولى عام 1987 قرابـة خمسيـن اديبا ( مبدعا )(19) بضمنهم نتان زاخ ويعقوب وغداليا بيسر، مع مجموعة من الادباء الفلسطينيين، اطلقت على نفسها ( لجنة المبدعين ) اتفاق سلام يدعو الى انسحاب اسرائيل من المناطق المحتلة الى حدود 1967 واقامة دولة فلسطينية في الضفة والقطاع وجعل القدس عاصمة لدولتين: اسرائيل وفلسطين(20).
    وفي مواجهة هذه المجموعة الادبية، تشكلت هيئة ادبية اخرى يقودها ابراهام ب. يهوشع وحاييم غوري وسميلانسكي يزهار، اطلقت على نفسها اسم ( هيئة مركزية للادباء والمفكرين ) سعت الى اقامة ( اجماع قومي حقيقي ) يقف في مواجهة ما اسمته: تطرف لجنة المبدعين، وقد عقد المعسكران عدد من اللقاءات والاجتماعات المنفصلة الا ان نشاطهما سرعان ما خفت، اما الانتفاضة الحالية فلم تثر عاصفة مشابهة، ويرى البروفيسور يهودا فريد لندر(21): ( ان الاحداث المؤلمة ستحظى بالتعبير عنها لاحقا )(22).
    ومن الناحية الفنية الادبية يرى النقاد العبريون ان القصائد التي تدخل هيكل الادب هي تلك التي كتبت بعد مرور فترة زمنية على الحدث وتعتبر اكثر جودة من تلك التي تكتب انيا كرد فعل فوري على هذا الحدث، وبالطبع فان هذه الرؤية هي في حقيقتها تعكس حالة التهرب والتملص، لاولئك الادباء والشعراء، من المسؤولية الانسانية والادبية عن المعاناة القاسية التي يعاني منها الشعب الفلسطيني، في نفس الوقت فان احتجاجات هؤلاء الشعراء على الحرب والعنف الذي يمارسه الجيش الاسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني انما تأتي في اطار التباكي على القتلى الاسرائيليين الذين يسقطون بفعل عمليات المقاومة العربية الفلسطينية، وقـد عبرت عن هـذه الحالة الشاعـرة حافة بنحاس هاكوهين(23) فـي قصيدتها ( משיח ) " مسيح " :
    ( كيف سنقول شيئا في يوم يغطي فيه الصمت عيوننا/ مثل الخجل.../ من رؤية اعضائنا منتشرة في مسلخ الشارع )(24).
    فهذا الوصف يتكرر كثيرا في القصائد التي يكتبها شعراء يعيشون في المستوطنات وبين اوساط مؤيدي ( المعسكر القومي )، تقول هاكوهين:” الكثيرون يعبرون عن احساس الضحية ويكتبون عن الموت الذي يتأهب للانقضاض في كل لحظة.. يتناولون وصيتهم.. وكيف سيواصل من سيأتي بعدهم .. هناك احساس بالتماثل بين الزواج والجنازة.. ما ان تبدأ الحياة.. حتى تنتهي “(25).
    اما الشاعر حاييم غوري فيقول: ( كانت لنا في الماضي ايام صعبة كهذه، ولكني اشك في انه كانت من قبل ايام سيئة مثل ايامنا هذه )(26).
    ويكاد يجمع قادة الادب العبري على رسم صورة ادبية لحالة الحرب والعنف الاسرائيلية، والتي احدثت بينهم انقساما في اشكال التعبير عنها، لكنه لا يصل الى درجة التناقض الجوهري او المبدئي حول القضايا الاساسية للمستوطنين اليهود، هذه الصورة عبر عنها اكثر من اديب وشاعر وخلاصتها: ( ان الصعوبة يمكن ان تكون احيانا اللحظة الافضل للافراد والشعوب، لان السوء ينهش في عزائمهم ويضعفهم... دائما كان الشعراء مؤشرا حساسا حذّر من الهزات الارضية قبل حدوثها، والان، وبينما تنهار البيوت على رؤوس ساكنيها وينتشر الموت في كل مكان، يتوقف مؤشر الهزات في مكانه.. هذه ايام صعبة على السياسيين في اسرائيل وعلى الادباء والمفكرين على السواء.. السياسيون يستصعبون في ايجاد الرد على الارهاب والادباء يلقون صعوبة في اختيار التعبير المناسب، لكن خلافا للعاملين على ارض الواقع، الذين عليهم العثور على الحل والقيام بشيء ما، تبدو اجندة الادب العبري مختلفة، وقد يكون رده المتأخر قاسيا وقويا او غامضا... )(27).
    ومن ردود الفعل الادبية العبرية على الحرب اليومية والانتفاضة رواية يغئال ليف بعنوان ( الحرب تحت الرجال الشبان )(28) حيث يقوم الكاتب بوصف الاحداث في هذه الرواية من خلال جندي احتياط في الجيش الاسرائيلي يستدعى الى الخدمة العسكرية ويصادف المشكلة في ذروتها وتجددها، ليس من خلال المناقشات في المقاهي والصالونات وليس على مستوى الايديولوجية والنظرية، بل من خلال الواقع الحقيقي، وهذا الواقع الحقيقي هو واقع النار والدم، واقع حرب الصراع بين السلطة التي تحاول تثبيت ما حققته بقوة السلاح لجعله امرا واقعيا ابديا وبين العناصر الفلسطينية التي حملت السلاح لاسترداد حقها السليب، وهو الواقع الذي يدفع حياته ثمنا له كل من يستهين به.
    وعلى ضوء الاحداث في الرواية يتضح ان القاص قد هدف الى تحقيق امرين:
    الامر الاول: هو عرض النماذج كل في مواجهة الاخر: بين جنود الاحتياط ومحنكي المعارك المدربين على القتال وعلى الاستجابة لما تفرضه عليهم ما يسمونها بمتطلبات الامن، وبين الشبان الذين ارتدوا منذ فترة ليست بعيدة بذلتهم العسكرية في الخدمة الاجبارية، ويصادفون لاول مرة وبصورة ملموسة، مشاكل كان وجودها بالنسبة لهم يشكل نوعا من القصص وليس امرا واقعا(29).
    الامر الثاني: هو قصة الانسان اليهودي خلال الصراع الاستنزافي للحرب اليومية مع الفدائيين الفلسطينيين وابطال الانتفاضة واماطة اللثام عن دفينة نفسه المتعبة من القتال والتعبير عن شوقه الى الراحة من الدماء، وتتم المواجهة في الرواية بين المحنكين ورجال الاحتياط، وبين رجال الخدمة الاجبارية للشبان بواسطة البطل القاص، الذي هو المؤلف نفسه، من خلال علاقاته بآمر السرية التي وضعت تحت امرته(30).
    والقاص هنا يسبح في بركة واسعة لا تخفي مياهها له اية مفاجئات تقريبا، وخاصة بالنسبة لمرافقته جنود الاحتياط، انه يطرح خليطا من الشخصيات ويصفها ويحللها ويتابع سيرتها حتى النهاية، والقاص هنا ليس في حاجة تقريبا الى الخيال، لان واقع الحياة في اسرائيل خلال السنوات الاخيرة يزوده بمادة طازجة ودسمة لقصة هذه الحرب اليومية، لذا جاءت شخصياته هنا لتعاني وتتخبط وتعمها الاحاسيس دونما افتعال او دونما قصد معين من القاص(31).
    واسم الرواية ( الحرب تحت الرجال الشبان ) جاء ليرمز الى وجهة نظر ومغزى مزدوج: فالحرب تحب الرجال الشبان لان عمرهم الفتي لا يسبب لهم بعد ذلك الضغط الذي تفرضه شحنة السنوات، والتي تتجمع مع توالي خوض المعارك والحروب، والحرب كذلك تحب دم الشبان من امثال هؤلاء الذين يتقدم بهم العمر مرة اخرى بسببها ولن يكون لهم غد احسن، انهم وقود النار الصهيونية المقدسة، يقدمونه قربانا على مذبحها حتى تظل ثملة(32).
    ان هذا النموذج الروائي لكاتب عبري خاض غمار المعارك وذاق اهوال الحرب، يكشف عن مزاج كراهية الحرب الذي يعم نسبة غير محددة من المستوطنين اليهود التواقين للعيش في دعة وسلام والذين لا يريدون ان يدفعوا حياتهم ثمنا لاطماع توسعية يرون انها لا تعني شيئا بالنسبة لهم، ولكن هذا على العكس تماما من وجود نسبة اكبر من المستوطنين اليهود المتشعبين بالفكرة الصهيونية والتواقين للحرب والعنف ضد الشعب العربي الفلسطيني وبالطبع فان لهؤلاء ايضا ادباء وكتّاب يروجون لهذه المبادئ العنصرية والعدوانية.
    وهكذا يتضح ان احداثا كالحرب والعنف قد جعلت كثيرا من الادباء العبريين اكثر تطرفا في تعصبهم ( القومي ) وفي الحث على اخضاع العرب نهائيا، ونجد بين الحين والاخر الكثير من الاعمال الادبية العبرية التي لا تزال تنظر الى العرب باستعلاء وازدراء، وان كل هذا نابع من حقيقة مهمة هي ان الاديب العبري- الصهيوني- يختلف بشكل واضح ومحدد تمام الاختلاف عن غيره من الادباء في العالم بما تربى عليه من ميل للغطرسة والتعصب والعدوانية، والاعمال الادبية العبرية الكثيرة والمتواترة منذ اجيال تشهد على هذه الحقيقة، ومع ان طبيعة الامور تقتضي من الاديب ان لا يكون في صف العدوان والظلم على حساب الشعوب الاخرى وقمع الحريات الانسانية، الا ان الاديب العبري، المتشبع بالفكر الصهيوني، لم يتخذ مثل هذا الموقف، بل حسم امره في كثير من الاحداث، لصالح تاييد العدوان والاحتلال والاستيطان وأسهم بأناشيده وكتاباته الحربية وتزييفه للحقائق في تكريس الاستيطان والاحتلال(33).
    والامر الاخر الذي يسعى الادب العبري الى تحقيقه هو ان الشخصية اليهودية ستظل بحاجة الى الشخصية القوية التي تخزن في داخلها كل مقومات العنف والقسوة والتي ترى فيها الدرع الوحيد الذي تثق فيه وتثق في قدراته على الدفاع عن الوجود اليهودي الاستيطاني في كل مراحل التاريخ.

    (*) يمكن الحصول على قائمة المراجع من الباحث نفسه .. مع الشكر والتقدير


  2. #2
    عـضــو الصورة الرمزية سعد عبد السادة
    تاريخ التسجيل
    23/06/2010
    العمر
    49
    المشاركات
    350
    معدل تقييم المستوى
    14

    افتراضي رد: الانتفاضة الفلسطينية والادب العبري(*)

    أخي العزيز الاستاذ عبد الوهاب الجبوري
    بوركت على هذا الطرح الراقي


  3. #3
    باحث ومترجم وأكاديمي عراقي الصورة الرمزية عبدالوهاب محمد الجبوري
    تاريخ التسجيل
    30/01/2008
    المشاركات
    2,549
    معدل تقييم المستوى
    19

    افتراضي رد: الانتفاضة الفلسطينية والادب العبري(*)

    حياك الله اخي المتالق المبدع سعد عبدالسادة ... وبارك فيك ورعاك .. مع خالص مودتي


+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •