بغداد غير مؤهلة لاستقبال القمة العربية
الأربعاء, 25 أغسطس 2010 16:31

د. أيمن الهاشمي



العراق مازال بلداً محتلاً وأي تواجد عربي رسمي بمستوى القادة على أرضه يعني مباركة الاحتلال

في البدء لابد من التأكيد على حقيقة مفادها أن انعقاد اي قمة عربية في اي عاصمة او مدينة عربية هو شرف لذلك البلد ولتلك العاصمة او المدينة من دون شك, وبغداد سبق لها أن احتضنت اكثر من قمة عربية وكانت من القمم المتميزة لما عرف عن العراقيين من كرم وفادة واهتمام بالضيوف, ولكون قضايا العروبة تقع في مقدمة اهتمامات المواطن العراقي وقبل قضاياه الداخلية. ففي بغداد 1978 انعقدت قمة نقل مقر الجامعة العربية من القاهرة الى تونس, وفي بغداد ايضاً انعقدت قمة العام 1990 والتي اعادت مقر الجامعة العربية الى القاهرة, علما انه في قمة 1978 تم إسكان الرؤساء والملوك والامراء العرب في قصور اشهر اثرياء بغداد بمنطقة المنصور, وطبقا للتسلسل الدوري الهجائي كان يفترض ان تعقد قمة 2010 في بغداد بعد قمة الدوحة, إلا ان الظروف الأمنية في العراق ادت الى إرجاء الاستضافة الى عام, وتم تقديم ليبيا لكي تستضيف قمة 2010 على ان تعقد قمة مارس 2011 في العاصمة العراقية بغداد, وازاء استمرار توتر الاوضاع الامنية في بغداد وعدم استقرار الأوضاع طرحت بعض الاوساط ان يتم عقد القمة في شمال العراق المسمى كردستان العراق وتحديداً في مدينة اربيل عاصمة الاقليم, إلا أن الفكرة لم تلق القبول الكافي عربياً فبقي التأكيد على ان تعقد القمة في بغداد في مارس 2011.

وفي بغداد العاصمة القلقة التي لا تعرف طعم الراحة ولا معنى الأمان, قيل ان حكومة المنطقة الخضراء ستنفق 300 مليون دولار لإعادة تأهيل اكبر ستة فنادق كبيرة الى المعيار الدولي في بغداد استعدادا للقمة العربية المقرر عقدها في اواخر مارس 2011 في العاصمة العراقية. والفنادق المعنية هي الرشيد الواقع داخل المنطقة الخضراء (التي تضم مباني الحكومة ومقار سفارتي الولايات المتحدة وبريطانيا) والمنصور وفلسطين والشيراتون وفندق بغداد. وقد تعرضت جميع هذه الفنادق لهجمات بسيارات مفخخة او بصواريخ منذ العام 2003. وجميع الفنادق تابعة للقطاع المختلط العام والخاص باستثناء فندق الرشيد التابع للدولة. واعلن متحدث رسمي ان هناك خيارات عدة منها بناء مجمع يضم فيلات بالقرب من مطار بغداد, او استقبال الرؤساء العرب في أربيل, لكن تقرر القيام بذلك في بغداد". وقد شيدت هذه الفنادق الستة في سبعينات وثمانينات القرن الماضي, فقد بني فندق الرشيد وقصر المؤتمرات المجاور له عام 1983 لاستضافة مؤتمر القمة السابعة لحركة عدم الانحياز, ولكن بسبب الحرب بين العراق وايران تم عقد هذا المؤتمر في نيودلهي بدلاً من بغداد.

المواقف العربية الرسمية لم تتبلور بعد بوضوح, وان كان الشك والريبة هما السائدان ازاء جاهزية بغداد حقاً لاستقبال الملوك والأمراء والرؤساء العرب في قمتهم القادمة التي لم يبق عليها سوى 6 أو 7 أشهر, وبعض المواقف المعلنة التي تعلن عدم الممانعة من حضور القمة ببغداد لا تخلو من المجاملة أو بالأقل انتظار قرار الساعات الأخيرة, ولكن قرار الجزائر الاخير التي اعلنت بكل صراحة انها لن تحضر القمة العربية المقبلة المقررة في مارس 2011 ما دامت القوات الاميركية موجودة في العراق كان تأكيداً وإثباتاً للقلق العربي العام والشك بقدرات حكام بغداد على تأمين أمن القمة العربية المقبلة. حيث المعلوم ان جلاء القوات الاميركية لن يتم - ان كان فعلا سيحدث - قبل 31/12/2011. ونقلت صحيفة جزائرية عن مصدر مسؤول قوله: لن تشارك الجزائر في القمة العربية إذا لم تنسحب القوات الأجنبية المتواجدة في العراق, لكنها في حال انعقادها في أي مكان محايد أو في بلد المقر مصر, فإن موقفها سيتغير" وكشف المصدر أن المندوب الدائم للجزائر في جامعة الدول العربية, السفير عبد القادر حجار, قال لوزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري بأن الجزائر "ترى بأن العراق لا يزال بلداً محتلاً وأن أي تواجد عربي رسمي بمستوى قادة ورؤساء وملوك على أرضه يعني مباركة للاحتلال".

إن التخوف من عقد القمة العربية المقبلة في بغداد يبدو مبرراً ومنطقياً, فالقلق لدى كثير من المراقبين ليس فيه مغالاة أو تعصب طالما أن الفساد المالي والإداري في العراق أصبح ظاهرة شاملة تقودها خلايا الفساد المنظم في كل جزء من الهياكل الحكومية, والعراق صار (عَلَماً) في قائمة الفساد العالمية, وبالتأكيد فإن ال¯ 300 مليون دولار التي ستنفق لتحسين الفنادق سوف ينالها نصيبها الأوفر من الفساد الإداري وبالتالي سوف ينعكس هذا على مستوى التحسين الذي سيحصل "إن حصل". ومن يدري هل ستتضمن المبالغ تخصيصات شراء محصنة ألكترونيا ضد التفجيرات, أم شراء بدلات واقية ضد الرصاص والتفجيرات للقادة العرب ووفودهم, فالحكومة لم تستطع ضمان أمن المنطقة الخضراء التي تسكنها فكيف ستتمكن من تأمين فنادق خارج المنطقة الخضراء?.. وهل سيجد القادة العرب ووفودهم أمناًً وسلاماً في بغداد بعد ستة أشهر في مدينة اعتبرتها الأمم المتحدة المدينة الأسوأ من حيث الامن في العالم?, وأي مؤتمر هذا الذي يقام في بلد تحكمه أو تقوده اياد فوضوية, غير مرئية, غير قادرة على ضبط حتى حركة المرور في شوارع عاصمتها. التي ما زالت تعاني من أوضاع إرهابية ومن مناظر خراب مأساوية ومن زعيق صفارات الإنذار والمفخخات والعبوات الناسفة وقذائف الهاون, تعصف بسمائها وأرضها, ليلا ونهارا.

إن الإصرار الغريب من لدن حكام العراق اليوم, ممن يضمرون الكراهية للعروبة والولاء لإيران التي يهمها افشال أي قمة عربية, هذا الإصرار ليس له سوى تفسير واحد هو استغلال تظاهرة انعقاد قمة عربية في بغداد كدعاية زائفة لإثبات وجودهم في الساحة العربية, والتمظهر بمظهر (الدولة) التي لا يمتلكون من مقوماتها شيئاً, وهم غير قادرين بالتأكيد على شرح ابسط معنى من معاني السياسة العراقية الراهنة المسحوقة بالغموض والتحايل الطائفيين. نعرف جيدا أن مؤتمرات القمة العربية ما هي إلا تظاهرات دعائية وأن مصيرها إلى فشل ذريع عقب كل مؤتمر, وأن نهايته حرب إعلامية بين العرب أنفسهم. وفي الوقت الذي نتشرف فيه بحضور القادة العرب في بغدادهم عاصمة مجدهم التليد, نحذر من استغلال الأمر من قبل حكام بغداد الفاشلين كي يثبتوا كفاءتهم واهليتهم الزائفة ونحذر من أن الوضع الأمني لا يسمح باستقبال القادة وندعو الى عقد القمة في اي مكان آخر وحفظ حق بغداد باستضافة أول قمة بعد تحسن الأوضاع الأمنية في العراق.