قراءة في عشر قصص قصيرة جداً للقاص التونسي إبراهيم درغوثي
القاص إبراهيم درغوثي
الأستاذ إبراهيم درغوثي من القصاصين البارعين في مجال القصة القصيرة و يظهر ذلك في مجموعته القصصية ( رجل محترم ) و في بعض قصصه القصيرة في منتدى واتا و في روايته ( القيامة الآن ) و لكن في مجال القصة القصيرة جداً لاحظت تباينا و اختلافا ، رغم أنه من المكثرين في هذا المجال . و لا عجب في ذلك ! إذ لا يمكن للمبدع أن يكون بارعاً في كلّ الأجناس الأدبية ..
ففي هذه القراءة ـ و كعادتي ـ لم أنتق نصوصاً معينة ، و إنّما كانت عملية الأخذ عشوائية ، تضم النّصوص التالية : [ إنكار ، ديمقراطية ، الشهيد ، سكين ، العاشقان ، أبدية ، الدينار، الجندي المجهول ، مالك الحزين ، المائدة ]
فأشير بادئ ذي بدء أن القاص ـ و كما سنلاحظ ـ يأتي بالقصة القصيرة جداً و بالخاطرة أو النكتة ( أحدوثةanecdote ) أو الكلام العادي الإخباري . و هذا أمر لافت للانتباه في قصصه القصيرة جداً ، هل هو أمر مقصود المراد به التجريب و البحث عن أشكال أخرى في التعبير . أم هو خلط و ارتباك ..؟؟
أرجح أنّ ما دفعه إلى هذا المنحى غياب النقد المنهجي الموضوعي . و كثرة التعاليق العامة التي تثني الثناء الأوفى على كلّ كتابة لأنها كتابة فقط ، و بغير وجه حق . إذ لا تقف عند خصوصيات الكتابة الفنية . و لا تميز بين الأجناس الأدبية ... و هكذا تغيب الخصوصية ، و الطابع الأثير المميز . فيجد القاصّ نفسه بين الاطراء اللامسؤول ، و النقد الذي يميل بعض الميل للتمجيد و المباركة اعتماداً على التحليل الدلالي، و التأويل الذاتي ، وليّ أعناق عبارات النص و تقطيرها.فلا غرو إذأ أن يبدع القاصّ في الاتجاه المعاكس ولا يبالي . لذا أردت من هذه القراءة ثلاثة أشيـاء :
1 ـ بالنسبة للقاص ينبغي أن يقف وقفة تأمّل ، و يجيل النظر فيما كتب في مجال القصة القصيرة جداً. علماً بأنه من المكثرين، و لكن ليست الكثرة هي القيمة الفنية. فمن القصاصين العالميين من كتب بضع قصص في حياته ظلت كنارعلى علم ولازالت .
2 ـ بالنسبة للقراء. إنه ليؤسفني أن أقرأ تعابير مثل : ( هذا عمل رفيع ، و جهد في غاية الدقة أتمنى أن أقرأ لك قصة أخرى .. ) ( لغة جميلة ، و أسلوب سلس بديع و قصة رائعة .... ) كم أتمنى من القارئ العزيز إن لم يكن من أهل النقد ، و الاستبصار التحليلي ـ و هذه موهبة ليست ملكا للجميع ـ فلا شك بعد القراءة أن تكون قد اعترضته اشكالات ما ، أو استفزته أفكار ما، أو استوقفته ظواهر أسلوبية ... فالأولى به أن يطرح ذلك للنقاش، و التّساؤل.لا أن يأتي بكلام عام فضفاض لا يفيد في شيء .
3 ـ بالنسبة للنقاد ـ على قلتهم ـ النص فيه الغثّ و السّمين . فلا ينبغي الميل كلّ الميل لجهة دون الجهة الأخرى . فالنص حين ينشر، يصبح وديعة بيد القارئ ، فإن كان ناقداً، فمسؤوليته أكبر وأعظم... إزاء المبدع أولا ، و القراء جميعـاً . فلا مجال للإخوانيات ، و المجاملات ... فذاك مدعاة لإفساد الذّوق العام . و إيهام المبدع بما لا ينطبق على انتاجه ، و تلك مفسدة الأدب و الفن ...فلا بدّ ممّا ليس منه بدّ إذا كنا ننشد الإبداع الرفيع . فماذا عن القصص القصيرة جداً للأستاذ إبراهيم درغوشي ؟
(1) انكــــار
سأل صحافي مشاكس أمنا " لوسي " عن أمنا
" حواء ".
قالت : لا أعرفها ؟؟؟
هذا النوع من القصة القصيرة جداً . يستفيد كثيراً من النكتة ANECDOTE و لقد برع في ذلك الإخوة المصريين على المستوى الشعبي . و انعكس ذلك تأثيراً في الثقافة و الآداب و الفنون ...و في رأيي أنه يجوز تقاطع الفنون و الاستفادة من بعضها البعض قدر الامكان دون أن يطغى أحد الفنين على الآخر فيفقده صبغته و طابعه الخاص . فهنا نحن أمام نكتة خالصة . من قبيل : ( سأل أحدهم عابر سبيل : من هو أوباما ؟ فقال : لست من هذا الحي . ) إذاً طغت روح النكتة و خفت روح السرد و الحكي . و لعل ما ساعد على ذلك الحرص الشديد على الايجاز و الاختصار . بمعنى لم يترك القاص لحمة سياقية أدبية . و اكتفى بأقل ما يمكن ، بل اكتفى بروح النّكتة و الدّعابة .. و ما تحدثه في النّفس من تداعيات ....
و قصة ( إنكار ) كموضوع تلمّح للقطيعة الابستمولوجية بين الحديث والقديم ( لوسي و حواء ) و هنا يحيلنا النّص بشكل غير مباشر إلى عملية التثاقف accultaration
التي أضحت مغيبة ، إن لم أقل منعدمة ، بين ما هو آني و ما طواه الزّمان . فيبدو ذلك الشّرخ الهائل في قول لوسي عن حواء : ( لا أعرفها !! )
و السّؤال الوجودي الخفي، المشبع بالتعجب الذي يستشف من النّص : كيف لا تعرفها و هي أمّهـا ؟ !
فيتّضح أنّ المسألة ليست في المعرفة أو عدمها ، و إنّما في إنكار المعرفة نفسها .
(2) ديمقراطية
زعموا أن الملك الأسد بعدما قتل وزيره الحكيم، الثور شتربة، ذكر قديم صحبته و جسيم خدمته ، فاغتم و حزن كما لم يحزن مخلوق من قبل . وبعد اعتكاف طويل، قرر أن يدعو مجلس وزرائه للاجتماع و النظر في هذا الأمر الجلل .مسالة توظيف الحيوانات ظلّت تغري الكتّاب منذ القديم سواء كانت هناك أسباب موضوعية تدعو إلى ذلك . أو أسباب فنية ترََغّب في ذلك ...
و أنه بعد مداولات صاخبة طلب فيها الملك من وزرائه أن يصارحوه القول، دعا المجلس الملك إلى التنحي عن العرش تكفيرا عن هذا الذنب العظيم .
و أن الملك فكر و قدر، ثم فكر و قدر ، و قرر... إعدام كل الوزراء
.
و القصة هنا ؛ تحيلنا على المخيل في قصص كليلة و دمنة . و تجعل من الحاكم صاحب اليد الطولى ، يبطش بمن يشاء و كيفما يشاء ...قتل الثور الحكيم و ندم على ما فعل . و قتل الوزراء و قد طلب منهم أن يخلصوا له النّصح . من تمّ نستشف ألا كلمة نعلو كلمة السّلطة . و أن العدل و الانصاف حلم المستضعفين الذي لا يتحقق ، في ظلّ الطّغاة و الجبابرة.و لكن السؤال الذي يثار هنا : هو ما علاقة الديمقراطية بالنّص؟
فإنّ دعوة الوزراء بتنحي الملك دعوة خيالية لا يقدم عليها وزير من الوزراء. و النظام المستبد لا تكون حاشيته إلا مستبدة . فلهذا يصبح عنوان النّص ( ديمقراطية ) مثار جدل . فهو لا يعكس مضمون النّص . و لا يستشفّ من السياق . اللّهم إذا كان المراد إقحام مفهوم الديمقراطية لتوصيف دعوة الوزراء التي لا يمكن أن تتحقق . و لا أن يفكر فيها الوزراء .
(3) الشهيد
وأنا أدخل باب الجبانة واجهتني الحفرة كجرح نازفلأشدّ ما يزعجني : النّص المفتوح . الذي يعطي كلّ شيء دفعة واحدة . إذ ماذا يمكن أن يستقرّ في ذهن القارئ و قد قرأ النّص إلى آخر كلمة؟ : تشابهت القبور على حارس المقبرة فأرشد الرجال المهمين إلى قبر ( حركي ) خائن ، بدل قبر الشّهيد فنقل جثمان الخائن إلى مقبررة الاستقلال خطأ . و بقي جثمان الشّهيد في مقبرة الغرباء غريباً . و لكن ماذا بعد ؟
منذ بدء الخليقة ، فذهبت أسأل حارس المقبرة عمن نبش هذا القبر .
قال إن رجالا مهمين جاءوا منذ يومين يجمعون بقية عظام شهداء الثورة ليدفنوها في مقبرة الاستقلال.
فقلت له إن هذا قبر الحركي الذي دل جيش فرنسا على مكان اجتماع الثوار فهاجموهم على حين غرة وقتلوا هذا الذي مازال راقدا هنا تحت التراب بينما فر بقية رفاقه تحت جنح الظلام.
قال : تشابهت علي القبور فأشرت عليهم بهذا ، وأشار إلى الحفرة التي حوت قبر الرجل الذي عاد الثوار فذبحوه بعدما غادر جيش فرنسا الحي
وقال : لقد ضرب له ضابط ، سلام تعظيم ، بعدما غلفوا الصندوق الذي حوى رفاته بعلم الوطن .
نظرت إلى قبر الشهيد الراقد في جبانة الغرباء وابتلعت لساني
هذا ( الما بعد ) هو لبّ القصة ، أي قصة : قصيرة جداً ، أو قصيرة ، أوقصة طويلة و هو جوهرها المستتر و مدلولها الخفي .لأنّ العمل الإبداعي القصصي إذا لم يترك أثراً قابلا للقراءة ، و التّأويل ، و استنطاق الأحداث ...هو كلام عادي ،إخباري ، تقريري ....ليس إلا..
أما لغة النص فبسيطة متداولة و السرد مباشر recit direct ما ساهم في الوضوح و الانفتاح و التقريريه بل جاء بكلمتين قد لا يفهمهما غير المغاربي و هما ( الجبانة و الحركي ) و يقصد بالأولى المقبرة و بالثانية الخائن الذي خان وطنه و شعبه .
عموماً يبقى النص في حاجة إلى صياغة ، و إعادة معالجة .
(4) سكين
هل كانت هذه السكين تعرف، عندما كانت حجرا أسود
حقير في جبال كولورادو، أنها ستسافر بالطائرة إلى بلاد الشمس الحارقة و أنها ستستجم في " سوبر مارك " فخم و أن " شريفا " عربيا من رعاة الإبل سيقطع بها رقبة فاتنة لحورية غافلت حراس الجنة و هربت لدنيا الناس قبل الأوان،
هل كانت تعرف أن رجلا من بلاد العجائب سيدفع فيها مليون دولار ؟؟؟
نص يفتقر إلى مقومات القص ، و يغرق في متاهة التّساؤل المباشر ، و هو أقرب إلى الخاطرة البسيطة من حيث الدلالة ، و إلى لغة المقالة من حيث اللّغة .
(5) العاشقان
كانا يقفان أمام موظف الاستقبال في ساحة النزل الفاخرة . ثيابهما غريبة تشبه ملابس الكهنة .
كان كل واحد منهما يضع في رجليه خفا من الجلد مثل تلك التي مهر في صناعتها عندنا في تونس ، سكان الصحراء المتاخمة جنوبا لشط الجريد . والعامل بالبزة والكاسكيت واقف وراءهما ، يحمل حقيبة كبيرة وجديدة .
المرأة السافرة تضع نظارة عاكسة للشمس .
والرجل بجانبها يغطي وجهه بلثام التوارق .
طلب منهما موظف الاستقبال الأوراق الشخصية : بطاقة تعريف وطنية أو باسبورت. قال ذلك وهو يبتسم ويرحب بهما .
أخرج الرجل من جيبه جوازي سفر وقدمهما للموظف . وطلب غرفة فسيحة تطل على البحر مشترطا أن تكون في الطابق العاشر .
وافق الموظف بحركة من رأسه وبدأ يملأ الاستمارة . كتب على رأس الورقة الأولى : أساف .
وكتب على الورقة الثانية : نائلة .
هامش : أساف ونائلة ، رجل وامرأة من العرب العاربة ، اقترفا الحب في الكعبة فمسخا صنمين
.
نص يصلح كمقدمة لقصة قصيرة . و لكن لا علاقة له بالقصة القصيرة جداً . لعدم توفر المقومات الفنية .
ـ أولا غرق في الوصف الذي لا يخدم النّص . بمعنى الوصف من أجل الوصف . لنتأمل : ( كان كلّ واحد منهما يضع في رجليه خفاً من الجلد مثل تلك التي مهر في صناعتها عندنا في تونس ، سكان الصّحراء المتاخمة جنوباً لشطّ الجريد . والعامل بالبزة والكاسكيت واقف وراءهما ، يحمل حقيبة كبيرة وجديدة .
المرأة السافرة تضع نظارة عاكسة للشّمس .
والرجل بجانبها يغطي وجهه بلثام التوارق . )
ـ ثانيا : المحاولة برمتها : (أخرج الرجل من جيبه جوازي سفر وقدمهما للموظف . وطلب غرفة فسيحة تطل على البحر مشترطا أن تكون في الطابق العاشر .
وافق الموظف بحركة من رأسه وبدأ يملأ الاستمارة . كتب على رأس الورقة الأولى : أساف .
وكتب على الورقة الثانية : نائلة .)
ما معنى هذا ؟ إذا كان المراد أن نقف عند دلالة الاسمين . فالهامش قد وضحها . و لكن ماذا بعد التّوضيح ؟ ما علاقتهما بالوصف السّابق ؟ ما هو الخطاب من وراء كلّ هذا ؟ أين المتعة الفنية القصصية؟ أين الحدث ؟ هل نحن أمام كتابة من أجل الكتابة ؟ ! أم أمام كتابة بيضاء ecriture blanche ؟ !
(6) أبديــــــــــة
إلى داروين الحكيم.
هذا الجسم الذي يتحلل الآن داخل القبر تتصارع بين جنباته ملايين الخلايا.
يفني بعضها البعض.
وحدها، خلية كالهباء تنجو من الهلاك.
تظل متيقظة في عزلتها تنصت لصرير الحياة
من خلال الظلام
النص ليس قصة قصيرة جداً . و لكن من الممكن أن يكون خاطرة غرائبية exotique أو لغز logogriphe في حاجة إلى معرفة . و لكن لا أظن القارئ سينفق وقته في البحث عن خلية كالهباء في رميم وأشلاء منحلة ، ليعرف كنهها و معناها ...
(7) الدينار
ظل يجمع ملاليمه المغموسة بالعرق مليما وراء مليم... وحين استوت دينارا يسر الناظرين ، اقتلعتها من قلبه وزرعتها في قلبك.
هذا النص جاء على خلاف ما سبق . يستجيب للتكثيف اللّغوي و الايجاز و الاقتضاب و اللّغة المجازية figurative langage و يحمل دلالة واضحة .
فقط ملاحظة حول الجملتين الأخيرتين : ( اقتلعتها من قلبه وزرعتها في قلبك.) فرغم شاعريتهما فإنّ المعنى لا يستقيم بهما : فالمستغل الافتراضي الظالم ، لم يقتلع شيئاً من قلب الكادح ، إنّما اقتلع من جيبه . فالكادح لازال و سيبقى قلبه يهفو إلى الملاليم و جمعها قدر الإمكان و حسب المستطاع . و كذلك الظالم المستغل لم يزرع الملاليم في قلبه و إنّما أضافها إلى رصيده . فقلبه لم يكن يوماً أرضاً جذباء في حاجة إلى الزّرع فهو معتاد ـ سلفاً ـ على المال الحرام و تكديسه ، و بشتّى الطرائق ..فلو أصبحت العبارة : ( اقتلعتَها من جيبه و أضفتها إلى رصيدك ) كان المعنى واضحاً. و إن كان أقلّ شعرية . poétique
(8) الجندي المجهول
إهداء :
إلى 21 /09/ 2008
في ذكرى اليوم العالمي للسلام
جسمه المفتول الذي سرقه الغزاة من فوق سرير الحبيبة طار فتافيت كسرب فراش فوق حقول الألغام التي زرعها جنود هتلر تحت سماء فرنسا الكئيبة.
جسمه المفتول المتوهج بنور شمس إفريقيا،
ذوى فوق ثلوج بلاد الرجال ذوي العيون الزرق
دون أن يجد من يقرأ على روحه سورة الفاتحة
مجرد خاطرة بمناسبة ذكرى و ليس كلّ خاطرة قصة قصيرة جداً.
(9)مالك الحزين
قيل لمالك الحزين لماذا لا تضع ساقك الثانية على الأرض؟
هز رأسه عدة مرات كالهازئ من السائل وقال :
أخاف أن تزلزل الأرض زلزالها...
هذا النص مجرد كلام أو في أحسن الأحوال كلام فني ... و لا علاقة له بالقصّة القصيرة جداً .و لا أرغب في فلسفة موقفها و مضمونها ، و استنباط ما أشاء ـ كما فعل البعض ـ لأنّ ذلك لا يغري و لا يبعث على التأويل . و لا أدري لماذا يعد الكاتب نصوصاً مشابهة و يضعها في متصفح القصة القصيرة جداً !!
(10)المائدة
عندما يبدأ المؤذن في ترديد : الصلاة خير من النوم يا عباد الله ، تنفض عن وجهها النوم وتقوم واقفة . تغتسل وتصلي ، ثم تذهب إلى المطبخ فتعد له قهوة الصباح وتبدأ في تسخين الماء الذي سيغتسل به بعد عودته من وردية الليل داخل منجم الفسفاط .
عند الساعة السادسة تكون قد انتهت من أشغالها فتبدأ في إعداد المائدة تختار فناجين القهوة وتحرس دائماً على أن يكون البراد نظيفاً يلمع ببريق يخطف الأبصار. ثمّ تذهب إلى الحمام فتستعرض المنشفة و الغسول والصابون وترمق البخار المتصاعد من سطل الماء السّاخن فيفتر ثغرها عن ابتسامة رضاء.
بعدها تعود للجلوس أمام المائدة إلى أن تعوي صافرة المنجم منادية فريق عمل الصباح فتقوم تفتح الباب للقادم من جوف الجبل .
هذا القادم الذي نسي طريق العودة …
لم يعمد القاص في هذا النّص إلى مقص الحذف و التّشذيب . لأنّ الغاية عنده إبراز عمل الزوجة منذ أذان الفجر إلى وقت رجوع الزوج من المنجم بعد انتهـاء وردية اللّيل . هذا الزّوج الذي ـ لأمر ما ـ نسي طريق العودة . إشارة إلى أنّه سلك طريق اللاّ عودة و ذاك قدر المنجميين في أي مكان و في أي زمان( الداخل المنجم ميت و الخارج منه حي ) و الأجمل في هذا النّص هذا الوصف المسهب نسبياً الذي نادراً ما نصادفه في القصة القصيرة جداً . و لكن هنا كانت له وظيفته الفنية و الموضوعية . و الأجمل أيضاً هذه القفلة غير المنتظرة : (هذا القادم الذي نسي طريق العودة... )
كما أسلفت في المقدمة ، إنّ الأستاذ إبراهيم درغوشي يملك موهبة في القصّ لا شك أنّها رائقة و ممتعة. فحبذا لو يخص بها القصة القصيرة . أما القصة القصيرة جداً و إن كان فيها مكثراً ، فإني أجدها كالسّمكة تنفلت من كفّه فيضطرب و يرتبك فلا يعرف كيف يلتقطها . و قد لاحظنا من خلال هذه النّصوص التي انتخبت عشوائياً أنّ أغلبها يطغى عليها نسق الخاطرة و النثر العادي ، و الكلام المباشر إلا محاولات جاءت مختلفة ، و نخص منها حسب الترتيب في الجـودة : ( الدينار ، و انكار، و المائدة .)
د مسلك ميمون
المفضلات