ثقافة العيب بين الصواب والخطأ
من قلم / غالب أحمد الغول
@@@@@@@@@@@@

العيب مفردة عربية لها معناها اللغوي الواضح , ولا يمكن تجاهلها في حياتنا اليومية , كما لا يمكن حذفها من معاجم اللغة , لحاجتنا إليها في النثر والشعر والمقالات الأخرى , والأمثلة .
فكل شيْ يُعـْرضُ قد يتخلله عيب ما , فالجسوم , والبضائع , والأراضي , والطبائع , والمقالات , قد يتخللها عيوب , تجعلنا نبتعد عنها , أو نخفف من عيوبها , وهذه العيوب تعادل عدم الكمال , كالنقص في محتواها أو في ظاهرها بشكل عام .

قال الشعر :
لا تنه عن خلق وتأتي مثله
عار عليك إذا فعلت عظيم .

والعار درجة من درجات العيب , بالرغم من أن لكل مفردة خصوصية خاصة .

وقال الشاعر أيضاً :

لسانك لا تذكر به عورة امرئ
فكلك عورات وللناس ألسن

والعورات , درجة من درجات العيوب أيضاً بالرغم من أن لكل مفردة خصوصية خاصة .

ويقول الشاعر أيضاً :

نعيب زماننا والعيب فينا
وما لزماننا عيب سوانا .

والعيب هنا درجة من درجات النقص والذم في الأنفس .

ولقد خلط الناس خلطاً كبيراً بين العيب والحرام , فيقول أحدهم للبنت المتبرجة , ((( لا تعملي هذا , لأنه عيب ))) وتجاهل قوله (( حرام عليك التبرج يا بنت )))) ومن مثل هذا كثير من القياسات التي بها عدم وضع الحدود بين الحرام والعيب , ولم يصلوا بعد إلى مرحلة معرفة الصواب أو الخطأ في استعمال كلمة ((( العيب )))) .

وليس مقصد هذا البحث هو معرفة حدود المعنى اللغوي لكلمة العيب فحسب , بل علينا أن نعرف فاعلية هذه الكلمة وتأثيرها اجتماعياً وما تخلفه من مخاطر على المستويين المعيشي والنفسي , ليكون مفهوم العيب يختلف كلياً عن مفهوم الحرام , وإن الخلط بين المعنيين لكبير جداً , وله مخاطر واسعة , لكي لا يهيمن العيب على السلوك عامة حلالها وحرامها , ليرضي المجتمع بشرائحه المختلفة دينياً وعرقياً وسلوكياً لأنماط شتى من البشر , لأن العيب لآ يغضب الله سبحانة , بينما الحرام فيه غضب الله ومقته , بل قد يكون العيب مباحاً دون وعي من المجتمع , بينما الحرام لا يباح إلا بما يفرضه المشرع , وهذا نادر الحدوث , ويا حبذا لو كان كل الحرام عيباً , ونترك العيب لمعادلة ما نحتاجة من خير لآنفسنا ومجتمعنا , ونضعه بميزان يخدم المجتمع ويسير على نهج الصلاح , فما أكثر المحرمات التي استهان بها البشر , مع أنها حدود الله , وما أكثر العيوب (المزورة) التي منعتنا عن المسيرة التي بها صلا ح المجتمع , مع أنها أكذوبة المجتمع المعاصر .

ومن هنا نستطيع القول :
ليس العيب أن تحب , ولكن العيب عدم معرفتك لمعنى الحب , ولا تعرف طريق الأمن لهذا الحب .
وليس العيب أن تسقط عن شجرة عالية , بل العيب أن لا تحاول الصعود مرة ثانية .
وليس العيب أن تكون فقيراً , بل العيب أن لا تبحث عن العمل مهما كان نوعه . حتى ولو حملت حبلاً لتحتطب الحطب وتبيعة , أفضل لك من أن تسأل الناس أعطوك أو منعوك , وهذا هو معنى حديث رسول الله .

وليس العيب أن تبني المجد بيديك , بل العيب أن تجلس قعيد بيتك بلا عمل , وتقول في نفسك .
كما قال الشاعر :
وقعدت مكتوف اليدين
تقول حاربني الزمن .
وسبب قعودك . هو عدم قبولك لمهنة لا تناسب ثقافتك ومقامك , وهذا ما نسميه (((( ثقافة العيب )))), التي نعتبرها ظاهرة لا أساس لها من الصحة , حتى ولو كنت وزيراً أو رئيساً , فلا ما نع من أن تعمل بيديك لتصلح سيارتك أمام مجتمعك وأفراد اسرتك , لتكسب , أفضل من أن تبذر مالك , هذا إذا حاولت أن تسير بمنهج صلاح المجتمع وتقدمه مادياً وحضارياً بشكل عام .
لأنك لن تكون أفضل من عمر بن الخطاب رضي الله عنه , الذي حمل الزيت والدقيق والمواد التموينية للمعوزين والفقراء , ومن هنا يمكن القول أيضاُ . إذا كان كل منا يسعى ليكون وزيرا , فمن منا الذي سيقود بعيرا.؟؟