الدكتور :
أحمد محمود كريمه
الأستاذ بجامعة الأزهر
من المباديء المقررة في الإسلام عدم الإكراه علي الدين مهما كانت الاسباب أو الظروف. قال الله تعالي- "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي" "البقرة : 256" . وحسن عرض جوهر وأصول ومقاعد الدعوة الإسلامية علي الغير دون إرهاب أو تعصب أو تشنج قال الله- سبحانه وتعالي- "ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن". "النحل: 125".
ومما يتصل بهذا : الحرية الدينية لأهل الكتاب - اليهودي والنصاري فقد أرسي الإسلام مباديء مهمة في علاقاته مع اتباع الشرائع الأخري منها:
أ- التسامح
ب- المحافظة علي الحقوق.
ج- تأمين العيش الكريم لكل من في الديار الإسلامية.
قال الله - عز وجل-: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين" "الممتحنة:8" وقال رسول الله -صلي الله عليه وسلم- من ظلم معاهداً او انتقصه من حقه أو كلفه. فوق طاقته. أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة.
وللتطبيق العملي لحسن معاملة أهل الكتاب والشريعة الإسلامية الأكل من طعامهم والتزويج من نسائهم- قال الله "عز وجل" : "وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم" "المائدة 5".
- الإجماع قائم علي إبقاء معابد أهل الكتاب.
- وأجمع أهل العلم- لا خلاف بينهم ولا تنازع- علي أن أهل الذمة من اليهود والنصاري إن سألوا الإقرار علي دينهم. فإن الإمام يقرهم علي دينهم.
- واتفق العلماء علي أن أهل الذمة إن تقيدوا بأحكام عقد الذمة فقد حرمت دماء كل من وفي بذلك وماله وأهله . وأجمعوا علي انه يجب علي الإمام أن يدفع عنهم من أرادهم بظلم وأراد حربهم من الأعداء".
وأجمع العلماء علي جواز معاملة المسلمين لغيرهم إذا وافق ما يحل في دين الإسلام سواء في ذلك البيع والشراء والهبات.
واتفق العلماء- في الجملة- علي رد تحية غير المسلمين إذا سلموا.
ولم يسع الإسلام إلي إلغاء الغير. والنصوص كثيرة والشواهد غزيرة مستفيضة منها:
"إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصاري والصابئبين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون" "البقرة: 62".
"يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا" "النساء: 47".
"والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله غفوراً رحيما" "النساء: 152".
"إنا أنزلنا التوراة فيها هدي ونور يحكم بها النبيون الذين اسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء" "المائدة: 44".
" وليحكم أهل الأنجيل بما أنزل الله فيه" "المائدة : 47".
"لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلي الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون" "المائدة : 48".
"فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك" "يونس: 94".
"قل يا أهل الكتاب لستم علي شيء حتي تقيموا التوراة والإنجيل" "المائدة: 68".
واتفق الفقهاء علي تكفير من نفي الكتب السماوية المتواترة أو جحدها.
والقاريء للتاريخ بعين الإنصاف يدرك سماحة الإسلام مع غير المسلمين وعدم إكراههم علي ترك معتقداتهم. ولو كان الإسلام انتشر بحد السيف كما يقول المرجفون مابقي يهودي ولا نصراني في بلاد العرب والمسلمين وما بقي معبد واحد لهم.
ومع التعايش مع الغير- من حل الأطعمة من نسائهم. والمعاملات المالية وشبه المالية. في ضوء مباديء وقواعد الشريعة الإسلامية. ومع عدم السعي لمحو غير المسلمين ولا إكراههم علي ترك معتقداتهم - إلا أن الواجب الشرعي علي أهل العلم من المسلمين عرض الدعوة الإسلامية علي غير المسلمين بمنهج "ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" "النحل: 125".
"ولتكن منكم أمة يدعون إلي الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر" "آل عمران: 104".
إن تحريم وتجريم الاعتداء علي الأحبار والرهبان- ومن يماثلهم من الرتب والوظائف الدينية- المسالمين. أو المنعزلين والإبقاء علي حياتهم. وعدم إعدام صحائف كتبهم- مما فصلته المصنفات الفقهية الإسلامية- يبرهن بوضوح لا لبس ولا غموض علي نظرة الإسلام الحانية التي لا تعادلها نظرة في احترام علماء أهل الكتاب. لقد اقتلع الإسلام من القلوب جذور الحقد المنسوب إلي الدين وأقر- كما سلف- ما يمكن تسميته "زمالة عالمية" بين الأديان ولم يمانع أن تتعايش الشرائع جنباً إلي جنب. ومع إقرار هذا الأصل فإن الدعوة للحق والخير والبر. قال الله "عز وجل" : "يا أهل الكتاب تعالوا إلي كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد. إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون" "آل عمران: 64".
وقد سماهم التشريع الإسلامي أهل ذمة: لأن لهم ذمة الله ورسوله والمسلمين: وقد فقه فقهاء الشريعة الإسلامية ذلك فقرروا ما قاله ابن حزم في كتابه "مراتب الإجماع".
"إن من كان في الذمة وجاء أهل الحرب إلي بلادنا يقصدونه وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالكراع .والسلاح ونموت دون ذلك لمن هو في ذمة الله ورسوله -صلي الله عليه وسلم- فإن تسليمه دون ذلك إهمال لعقد الذمة".
وقال القرافي في كتابه: "الفروق" "إن عقد الذمة يوجب لهم حقوقاً علينا لأنهم في جوارنا وفي خفارتنا وفي ذمة الله وذمة رسوله -صلي الله عليه وسلم- ودين الإسلام . فمن اعتدي عليهم ولو بكلمة سوء أو غيبة في عرض أحدهم أو أي نوع من أنواع الأذية. أو أعان علي ذلك. فقد ضيع ذمة الله وذمة رسول -صلي الله عليه وسلم- . وذمة دين الإسلام".
ووقائع التاريخ تشهد بسماحة وعدالة المسلمين مع أهل الكتاب فقد حافظ المسلمون الفاتحون علي معابدهم وكتبهم. وحرم الإسلام التعرض لرجال الدين ولو في الحرب. وجعل للفقراء والضعفاء منهم راتباً من بيت مال المسلمين. مثل ما فعله عمر بن الخطاب مع اليهودي الهرم الفقير. ومثل ما كتبه خالد بن الوليد لأهل الحيرة "أيما شيخ ضعف عن العمل أو اصابته آفة. او كان غنيا فافتقر. وصار أهل دينه يتصدقون عليه طرحت جزيته وعيل هو وعياله من بيت مال المسلمين. وما كتبه عمر بن عبدالعزيز إلي عدي بن أرطأة عامله علي البصرة "وانظر قبلك من أهل الذمة من كبرت سنه وضعفت قوته وولت عنه المكاسب من الحق له أن يجري عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه.."
وعلي هذا: فالحرية الدينية والعدالة مع أهل الكتاب مكفولة في الإسلام دين الرحمة العامة".
أبو إبراهيم1
مشاهدة الملف الشخصي
ابحث عن جميع مشاركات أبو إبراهيم1