Warning: preg_replace(): The /e modifier is deprecated, use preg_replace_callback instead in ..../includes/class_bbcode.php on line 2958
قراءة في كتاب صناعة الشاهد الشعري عند ابن مالك الاندلسي

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: قراءة في كتاب صناعة الشاهد الشعري عند ابن مالك الاندلسي

  1. #1
    عـضــو الصورة الرمزية سعد الطائي
    تاريخ التسجيل
    15/01/2010
    المشاركات
    562
    معدل تقييم المستوى
    15

    افتراضي قراءة في كتاب صناعة الشاهد الشعري عند ابن مالك الاندلسي

    قراءة في كتاب
    صناعة الشاهد الشعري عند ابن مالك الأندلسي
    صنعه الدكتور نعيم سلمان البدري

    قبل الدخول

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ، محمد طه الأمين ، وعلى آل بيته الطاهرين وصحبه الغر الميامين ، من أول الخلق إلى يوم الدين ، أما بعد :

    بينما كنت في غمرة الغفلة والانبهار ــ شأني في ذلك شأن الكثيرين من طلاب العلم ــ بشخصية علمية بارزة في النحو العربي أثار فضولي العلمي وانتباهي عنوان لكتاب ألفه الأستاذ الدكتور نعيم سلمان البدري وجعل له عنوانا مثيرا للدهشة والاستغراب والتعجب وهو ( صناعة الشاهد الشعري عند ابن مالك الأندلسي ).

    ولا عجب ففي عنوان الكتاب أمران يثيران الدهشة والاستغراب أولهما : لفظة ( الصناعة ) وثانيهما : ( ابن مالك ) فأما الأمر الأول : فالصَّناعةُ : حِرْفة الصانِع وعَمَلُه الصَّنْعة ، والصِّناعة : ما تَسْتَصْنِعُ من أَمْر(1). وأما الأمر الثاني : فابن مالك الأندلسي وهو من الشخصيات التي يقف لها العلماء القدماء والمحدثون إجلالا وتقديرا لعلمه ومصنفاته وخلقه . ومن هنا فقد خطرت لي مجموعة تساؤلات منها :
    ــ إذا كان ما نقله لنا ابن مالك من الشواهد الشعرية صناعة ، فهل هناك صناعة للشاهد الشعري قبله ؟؟
    ــ أ كان ابن مالك يصنع الشاهد والقاعدة النحوية معا ؟؟ أم كان يصنع الشاهد فقط ؟؟
    ــ ما مدى تأثير هذه الصناعة على النحو العربي ؟؟ وما مقدار ما تمكن من صنعه من الشواهد إن سلمنا بأنه حقا كان حاذقا في صناعته ؟؟
    ــ ما رأي العلماء القدماء به ؟؟
    ــ ما سيرته وخلقه ؟؟
    ــ هل كان الرجل شاعرا وقد عرفناه ناظما في ألفيته؟؟ وما مدى هذه الشاعرية ؟؟

    كانت تلك الأسئلة تدور في ذهني ، وكنت أطلب لها جوابا ، فإذا كان ما ذهب إليه الدكتور البدري حقيقة فهذا يعني أن تراثنا العربي ــ أجمعه ــ يحتاج إلى قراءة جديدة ومعاصرة بعين ثاقبة ، تغوص في أعماقه ، وتضعه في دائرة الشك ، ولا أعني بالشك هنا غير الشك العلمي الذي يضع تراثنا في دائرة الضوء لكي نصل إلى الحقيقة التي هي مبتغى منهج البحث العلمي ، و القراءة المعاصرة قد تبيين لنا أسرار الجمال في النص الأدبي كما في الدراسات الحديثة للشعر الجاهلي على يد الدكتور محمود عبد الله الجادر ومن تلاه من الدارسين (2) أو لغرض توضيح مصداقيته كما في الدراسة التي بين أيدينا للدكتور نعيم سلمان البدري في كتابه (صناعة الشاهد الشعري عند ابن مالك الأندلسي) .


    أولا: ابن مالك والشاهد الشعري
    تناول المؤلف حياة ابن مالك الأندلسي ، ومصنفاته ، وخلقه وعلمه ، فابن مالك ولد في مدينة (جيّان) في الأندلس ثم رحل عنها شابا (وتنقل بين القاهرة والحجاز وحلب وحماة ودمشق واشتغل بتدريس اللغة والقراءات في المدرسة العادلية بدمشق) (3) وكانت وفاته فيها .

    ولابن مالك مصنفات كثيرة في شتى علوم العربية كـ (النحو والصرف واللغة والعروض والقراءات ما يزيد على أربعين مؤلفا) (4) .

    أما خلقه ( فقد حظي ابن مالك بشهرة كبيرة بين النحويين وحاز على ثناء العلماء وتقديرهم ) (5) ، فهو عند اليونيني (أوحد عصره وفريد دهره في علم النحو والعربية ، ومع كثرة الديانة والصلاح والتعبد والاجتهاد... وكان مشهورا بسعة العلم والإتقان والفضل موثوقا بنقله) (6) . أما الذهبي فقد قال عنه : (وصرف همته إلى إتقان لسان العرب حتى بلغ فيه الغاية وأربى على المتقدمين وكان إماما في القراءات وعللها ... وأما اللغة فكان إليه المنتهى في الإكثار من نقل غريبها والاطلاع على وحشيها ، وأما النحو والتصريف فكان فيه بحرا لا يجارى وحبرا لا يبارى... هذا على ما هو عليه من الدين المتين ، وصدق اللهجة وكثرة النوافل وحسن السمت ورقة القلب وكمال العقل والوقار والتؤدة) (7) . أما الصفدي فقد نقل عن شيخه شهاب الدين محمود بن سلمان الحنبلي قوله يصف ابن مالك (أنه كان إذا صلى في العادلية لأنه كان إمام المدرسة يشيعه قاضي القضاة شمس الدين بن خلكان إلى بيته تعظيما له) (8).

    أما علمه ، فهو علم من أعلام عصره ، بل من أعلام العربية ، وقد تبين ذلك من كثرة مصنفاته التي زادت على الأربعين.

    بعد أن أورد الدكتور البدري شيئا عن حياة ابن مالك ، ومصنفاته التي وضّحت بشكل جلي علم الرجل ، وخلقه الذي حظي به عند القدماء ، وهو خلق لا تشوبه شائبة من ناحية الأمانة والنزاهة والصدق قال عنه : (لكن رأيي في خلقه غير حميد ، ذلك أن الرجل متهم عندي في أمانته ونزاهته وصدقه كما سنبين في قابل البحث) (9) .

    ونستطيع أن نلمس من خلال ما عرضه الدكتور البدري أمور عدة لعل أهمها :
    1ــ إيمان المؤلف القوي والراسخ بما ذهب إليه ، والذي سيعززه بما لديه من الأدلة.
    2ــ الأمانة العلمية في البحث والاستقصاء ، واتضح ذلك من خلال النقل الأمين والواعي لمحاسن ابن مالك التي ذكرها علماء العربية عن علمه وخلقه ودينه وصلاحه.
    3ــ ثقة المؤلف العالية بما يقوله.
    4ـــ لا يمكن لنا أن نشم في عبارات المؤلف رائحة التحامل على ابن مالك من خلال أمرين هما :
    أ ــ إن المؤلف وضّح مدى حظوة ابن مالك عند الأقدمين ، فالأقدمون يجلون خلق الرجل ويحترمون شخصه ويقدرون علمه .
    ب ــ إن المؤلف واثق من أدلته التي يحملها في جعبته ، لذا وجّه اتهامه لابن مالك في صناعة الشاهد الشعري بكل ثقة ويبدو أنه قد أسس على أرضية صلبة وأساس قوي.

    لم يجد المؤلف من بين الدارسين القدماء والمحدثين مَنْ يشكك في نزاهة ابن مالك أو يطعن في أمانته (10) إلا أن البحث والاستقصاء العلميين جعلاه يقف على أرضية صلبة وثابتة ليقرر أن القدماء (قد خدعوا به كما خدع فيه المحدثون وأن الرجل ــ كما سنكتشف ــ مزور كبير ، ومخترع أكاذيب من الطراز الأول ، وأنه صنّاع شواهد ، كان يخترع القاعدة النحوية ويصنع شواهدها معها على نحو يدعو إلى الاستغراب، ويثير العجب مستغلا في ذلك قدرة عجيبة على الكذب ، وموهبة في نظم الشعر ، استغلها أسوء استغلال ) (11) .

    شواهد ابن مالك الشعرية كثيرة ، فقد عرف عنه الإكثار من الشواهد ولا سيما في كتابه شرح التسهيل ، فقد أحصى المؤلف لابن مالك أكثر من ثلاثة آلاف بيت ، مشيرا إلى التفات القدماء إلى عنايته بأشعار العرب وتعجبهم من شواهده وتحيرهم فيها ، فالصفدي يقول : (وأما اطلاعه على أشعار العرب التي يستشهد بها على النحو واللغة فكان أمرا عجيبا وكان الأئمة الأعلام يتحيرون في أمره ) (12) إن العبارة السابقة للصفدي تحتاج إلى إضاءة أكثر ، سواء من القائل أو المؤلف ، فهي عبارة مبهمة لا يمكن لنا أن نضعها في الاتجاه الذي يخدم ابن مالك أو الاتجاه المعاكس الذي يرومه المؤلف ، فنحن لا ندري سبب العجب (فكان أمرا عجيبا) كما أننا لا ندري لِمَ كان (الأئمة الأعلام يتحيرون في أمره) ؟؟ وإذا كان ما ذكرناه لا يصب في خدمة أحد الاتجاهين ، فإن تعليق أبي حيان الأندلسي على إعمال (لا) عمل (ليس) فهو ــ بلا شك ــ ليس في صالح ابن مالك ، قال أبو حيان الأندلسي : (والذي يحفظ من ذلك قوله :
    تعزَّ فلا شيءٌ على الأرض باقيا ولا وزرٌ مما قضى الله واقبـــــا
    أنشده ابن مالك ولا أعرف هذا البيت إلا من جهته) (13) .

    لم يكن العلماء العرب القدماء وحدهم مَنْ التفت إلى غرابة شواهد ابن مالك وكثرتها وتفرده بها ، فقد التفت العلماء العرب المحدثون إلى هذه الظاهرة ، إلا أن القدماء والمحدثين الذين أعجبوا به ، فتحيروا مرة وتعجبوا أخرى في أمر شواهده لم يكن أحد منهم يجرؤ على أن يذهب ما ذهب إليه الدكتور نعيم سلمان البدري ، فابن مالك ــ في رأي الدكتورــ ما هو إلا (مزور كبير، ومخترع أكاذيب ، وصنّاع شواهد ، كان يخترع القواعد النحوية ويصنع شواهدها معها ، وأنه أسرف في صناعة الشواهد حتى صنع ما يقرب من سبعمائة شاهد نحوي) (14) .

    عرّج المؤلف بعد ذلك على صناعة الشاهد الشعري قبل ابن مالك ، وذكر أن العلماء قد تكلموا على جملة من الشواهد الشعرية التي زعموا أنها مصنوعة قبل ابن مالك ، منها ما أشار إليه سيبويه ، والفراء ، وابن جني (15) . وقد حاول المؤلف أن يستقصي الشواهد الشعرية فوجد أن مجموعها لا يزيد على الخمسين شاهدا 0على أن المؤلف قلل من قيمة هذه الصناعة بقوله : (قيل أنها مصنوعة أو شك العلماء في صناعتها) كما قلل من قيمة هذه الصناعة لأن صناعها مجهولون غي الغالب إذا ما استثنينا القليل النادر، كصناعة خلف الأحمر لبضعة أبيات نحلها لبعض العرب وصناعة أبي عثمان اللاحقي أو صناعة ابن المقفع.

    في حديث المؤلف عن الشواهد الشعرية عند ابن مالك ، ذكر أنه (ابن مالك) اقتصد في الاستشهاد بالشاهد الشعري في بعض كتبه واعتدل في أخرى إلا أنه أسرف في الاستشهاد بهذه الشواهد في كتابه شرح التسهيل بل فاق النحويين المتقدمين في كتابه مار الذكر، الذي يُعد من كتب ابن مالك الأخيرة التي لم يمهله القدر حتى يتمه .

    إن الدراسة التوثيقية للمؤلف بينت له من خلال دراسة الشواهد الشعرية في كتاب ابن مالك (أن ستة وتسعين وستمائة شاهد شعري عنده لم ترد في أي مصدر من مصادر النحو أو اللغة أو التراث التي سبقته) (16) وبعد البحث والاستقصاء من قبل المؤلف في آلاف الكتب الإلكترونية وغير الإلكترونية وما تيسر للمؤلف الرجوع إليه من مصادر وشعر عربي في عصر الاحتجاج أقول إن المؤلف بعد البحث والاستقصاء لم يجد لها ذكرا قبل ابن مالك مما حدا به أن يجعلها دليلا كافيا (على الحكم بصناعة ابن مالك وأنها من مخترعاته) (17) .

    لم يكتفِ المؤلف بما توصل إليه من نتائج بهذا القدر لكي يتحقق لديه الاطمئنان فعمد على عرض ألفاظ هذه الشواهد المصنوعة على الشعر العربي في عصور الاحتجاج بدافع أن لكل عصر ألفاظه وتراكيبه وأساليبه فتبين.. أن (597)
    لفظة من ألفاظ هذه الشواهد لم ترد في شعر عصور الاحتجاج وأن (428) لفظة منها وردت في أشعار قيلت بعد عصور الاحتجاج وأن (169) لفظة منها لم ترد في شعر قط (18) ، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن هذا الشعر لا يمكن له أن ينتمي إلى شعر تلك الحقبة . ثم إن طائفة من تلك الألفاظ تكرر ورودها عند شعراء عباسيين عاشوا بعد عصور الاحتجاج وشعراء آخرين متأخرين عاشوا قبل ابن مالك (19) .

    ولكي يزداد المؤلف يقينا لم يكتف بهذا القدر من الأدلة ، وإنما ذهب إلى اختيار أربعة علماء نحو ، أحدهم عاش قبل ابن مالك بأكثر من قرن هو (الزمخشري) وآخران تأخرا عنه بقرن هما (ابن هشام) و (ابن عقيل) وآخر معاصر له ، هو أستاذه (ابن يعيش) ، ثم درس كل شواهد السابقين والمتأخرين ومائتي شاهد من شرح المفصل لمعاصره ابن يعيش ، فتأكد للباحث بما لا يقبل الشك (أن ابن مالك كان بدعا بين النحويين المتأخرين في الاستشهاد بأشعار لم ترد في كتب السابقين) (20) ذلك لأن الشواهد عند هؤلاء العلماء كانت قد وردت في كتب العلماء السابقين لهم ، بمعنى آخر أن هؤلاء العلماء استقوا شواهدهم من كتب العلماء الذين سبقوهم ، فلم لا نجد مثل هذا في شواهد ابن مالك؟؟ وهل يمكن للمتأمل أن يفسر هذا الأمر بغير (الصناعة)؟؟ ذلك ما أراد قوله الدكتور نعيم سلمان البدري .

    كما أن المؤلف انتبه إلى مسألة أخرى ، بدت طريفة له ــ وهي كذلك ــ أن أربعة وعشرين شاهدا من شواهد ابن مالك (نسبها إلى رجل من طيئ أو إلى بعض الطائيين) (21) والغريب أنه لم ينسب أياً من هذه الشواهد إلى رجال من قبائل أخرى ، ويبدو أن الرجل (كان صادقا في زعمه حين نسب تلك الأبيات إلى رجل من طيئ أو إلى بعض الطائيين إذ كان يعني بذلك نفسه فهو من طيئ) (22) كما سلف ذكره.

    بقي لنا أن نتساءل ــ كما تساءل المؤلف ــ ألا يمكن أن تكون تلك الشواهد التي بثها في كتبه ، والتي أتهم بصناعتها ، قد استقاها من مصادر لم تصل إلينا ؟؟ لم يكن الجواب عند الدكتور البدري غائبا كما لم يغب عنه التساؤل لذا رأى (أن هذا الفرض بعيد غاية في البعد ذلك أن وصول هذه الشواهد إليه يلزم منه أن يكون ابن مالك قد استخرج تلك الشواهد من آلاف القصائد التي وصلت إليه وحده ولم تصل إلى أحد قبله أو بعده0فالشاهد الشعري يستخرج عادة من بين عدد كبير من النصوص الشعرية ، مع ملاحظة أن أكثر من 95% من هذه الشواهد الشعرية المصنوعة هي أبيات مفردات لم تنسب إلى قائليها) (23) .

    ذكرنا سابقا أن القدر لم يمهل ابن مالك ليتم كتابه شرح التسهيل مما حدا بابنه بدر الدين (ابن الناظم) أن يتمه ، وهنا يقفز إلى الذهن تساؤل آخر عن الجزء الذي أتمه الابن ، فهل وردت فيه شواهد مصنوعة ؟؟ وكان الجواب عند الدكتور البدري(أن بقية الشرح قد تضمن أيضا جملة من الشواهد الشعرية المصنوعة) (24) وقد وجد المؤلف ــ بعد الدراسة والتمحيص ــ أن بدر الدين (ابن الناظم) قد استقى شواهده المصنوعة من كتابي ابن مالك (شرح عمدة الحافظ وعدة اللافظ ) و (شرح الكافية الشافية) .

    **************

    ثانيا:نماذج من شواهد ابن مالك المصنوعة
    ذكرنا سابقا أن ابن مالك الأندلسي صنع ما يقارب سبعمائة شاهد نحوي ، وكلها من مخترعاته ، وبثها في أبواب متفرقة كالنحو والصرف، وسنكتفي ببعض الشواهد التي أوردها الدكتور نعيم سلمان البدري في كتابه صناعة الشاهد الشعري عند ابن مالك الأندلسي.

    ــ دخول نون التوكيد على الفعل الماضي : وشاهده المصنوع ، قول الشاعر:
    دامنَّ سعدك إن رجمت متيماً لولاك لم يك للصبابة جانحا (25)
    دخلت نون التوكيد على الفعل (دام) لأنه دعاء ، والدعاء لا يكون بمعنى الاستقبال ثم أنه لم يرد في أي من المصادر قبله.

    ــ تسكين الخاء من (أخو) : وشاهده قول رجل من طيئ :
    ما المرء أخْوَك إن لم تلقه وزراً عند الكريهة معوانا على النوب(26)

    ــ تضعيف (الميم) في (الدم) : وشاهده المصنوع على ذلك ، قول الشاعر:
    أهان دمَّك فرغا بعد عزتهيا* عمرو بغيك إصرارا على الحسد (27)

    ــ سقوط نون المثنى لتقصير صلة : وشاهده المصنوع ، قول الشاعر:
    خليلي ما إن أنتما الصادقا هوى إذا خفتما فيه عذولا وواشيا (28)
    وعند ابن مالك تسقط نون المثنى ليس لتقصير صلة فحسب وإنما للإضافة أو للضرورة .
    ــ سقوط نون جمع المذكر السالم للضرورة : وشاهده المصنوع ، قول الشاعر:
    ولسنا إذا تأبون سلما بمدعي لكم غير أنا إن نسالم نسالم ِ (29)
    وعند ابن مالك تسقط نون جمع المذكر السالم ليس للضرورة فحسب وإنما للإضافة أو لتقصير صلة .

    ــ جواز الاتصال والانفصال في الضمير المنصوب في ثاني مفعولي أفعال القلوب : فمن شواهده المصنوعة للمثال الأول (الاتصال) قول الشاعر :
    بُلّغتُ صنع امرئ بَر أخالكه إذ لم تزل لاكتساب الحمد مبتدرا(30)
    فالهاء في الفعل أخال هي المفعول به الثاني للفعل ، وقد جعله متصلا.
    ومن شواهده المصنوعة للمثال الثاني (الانفصال) قول الشاعر :
    أخي حسبتك إياه وقد ملئت أرجاء صدرك بالأضغان والإحنِ (31)
    فالضمير المنفصل إياه هو المفعول به الثاني للفعل حسب وقد جعله منفصلا .

    ــ حذف ياء الذي وتسكين الذال: وشاهده المصنوع على ذلك ، قول الشاعر:
    ما اللذْ يسوؤك سوءا بعد بسط يد ٍ بالبر إلا كمثل البغي عدوانا (32)
    ومثل هذا الشاهد له نظير في كتب النحويين قبله ولا حاجة لصناعته .

    ــ حذف ياء التي مع بقاء التاء مكسورة : وشاهده المصنوع على ذلك:
    شغفت بك الت ِ يتمتك فمثلما بك ما بها من لوعة وغرام(33)
    ولا حاجة لصناعة مثل هذا الشاهد لوجود نظير له في كتب النحويين قبله.

    ــ حذف ياء التي وتسكين التاء: وشاهده المصنوع على ذلك:
    أرضنا اللتْ أوت ذوي الفقر والذل (م) فأضوا ذوي غنى واعتزاز(34)
    وهذا أيضا مما له نظير في كتب النحويين قبله ولا حاجة لصناعة مثل هذا الشاهد.

    ــ دخول (ال) التعريف على الفعل المضارع : وشاهده المصنوع على ذلك ، قول الشاعر:
    ما كاليروح ويغدو لاهيا مرحا مشمرا يستديم الحزم ذو رشد (35)
    وقد توصل (ال) (بالجملة الاسمية ) أو (الظرف) في ضرورة الشعر وذكر ابن مالك شاهدا شعريا على كل منهما (36)
    ــ الاستغناء بالاسم الظاهر عن الضمير العائد على جملة الصلة : وشاهده المصنوع على ذلك ، قول الشاعر:
    إنَّ جُمل التي شُغفتَ بجُمل ٍ ففؤادي وإن نأت غير سال ِ(37)
    وصنع شاهدا آخر لهذا الاستغناء بقوله :
    سعاد التي أضناك حب سعاد وإعراضها عنك استمرَّ وزادا(38)
    فالتقدير في البيت الأول على رأي ــ ابن مالك ــ إنَّ جُمل التي شُغفتَ بها ، وفي البيت الثاني سعاد التي أضناك حبها .

    ــ الاستغناء عن ميم (ذلكم) بإشباع ضمة الكاف: وشاهده المصنوع على ذلك ، قول الراجز:
    وإنما الهــــالك ثم التـــــــالك ُ
    ذو حيرة ضاقت به المسالك ُ
    كيف يكون النوك إلا ذلك ُ(39)
    ولا يمكن أن نعد (ذلكُ) الواردة في الرجز إلا (ذلكم) لأن (ذلكَ) في الشعر إذا وردت في القافية تكون (ذلكا) ، ثم إن ابن مالك نفسَهُ قرر هذا بقوله : (أراد ــ أي الراجز ــ ذلكم فاشبع الضمة واستغنى عن الميم بالواو الناشئة عن الإشباع)(40)

    ــ ثبوت خبر المبتدأ بعد (لولا) وجوبا : وشاهده المصنوع على ذلك ، قول الشاعر:
    لولا زهير جفاني كنت منتصرا ولم أكن جانحا للسلم إذ جنحوا (41)

    ــ وقد يتحد المبتدأ بالخبر لفظا : وشاهده المصنوع على ذلك ، قول رجل من طيئ :
    خليلي خليلي دون ريب وربما ألان امرؤ قولا فظُن خليلا (42)

    ــ تعمل (زال) عمل (كان) إذا سُبقت بنفي أو شبه نفي (نهي) : وشاهده المصنوع على ذلك ، قوله في إعمالها بعد النهي :
    صاح شمّر ولا تزلْ ذاكرَ (م) الموت فنسيانه ضلال مبينُ (43)
    ولا أدري كيف يستسيغ لسان ابن مالك عمل زال المجزومة بـ (لا) الناهية الجازمة ؟ فلا إشكال لو كانت مع النفي (لا يزالُ صاحبي ذاكر الموت) ، وربما جعلها عاملة بعد النهي قياسا على (أختها) كان التي نقول فيها : (لا تكن لينا فتعصر ولا تكن يابسا فتكسر) ، وهذا غيض من فيض.



    الخلاصة

    وبعد : فقد ذكرنا عشرين شاهدا شعريا من أصل ستة وتسعين وستمائة شاهد شعري استطاع مؤلف كتاب (صناعة الشاهد الشعري عند ابن مالك الأندلسي) الأستاذ الدكتور نعيم سلمان البدري أن يجمعها ويبحث لها عن نظير في كتب النحو أو اللغة أو التراث التي سبقت ابن مالك الأندلسي فتبين له بعد البحث والاستقصاء في دراسته التوثيقية أن جميع شواهد ابن مالك لم ترد في أي مصدر من مصادر القدماء.

    إن الجهد المبذول في الدراسة التي قدمها الدكتور البدري ليس بقليل ، ويستحق بالمقابل أن يطلع المختصون على الكتاب بعين ثاقبة ، وتأمل طويل ، يرافقهما الصبر والأناة ، لكي تكون النتيجة مقنعة للغتنا العربية الجميلة ، لغة الآباء والأجداد ، ولكي تشذب هذه اللغة من الدرن الذي ألحقه بها بعض أبنائها العاقين.

    إن ما صنعه ابن مالك ، وغاب عن أذهان النحويين القدماء والمحدثين ، أمران ، الأول : أنه صنع القاعد النحوية وصنع لها الشاهد الشعري ، وهذا ــ حسب رأيي ــ هو الطامة الكبرى ، كما في صناعته للقاعدة والشاهد بقوله:(من الخفيف)
    صاح شمّر ولا تزلْ ذاكرَ (م) الموت فنسيانه ضلال مبينُ
    والثاني : أنه صنع الشاهد الشعري ، ولم يكن بحاجة لصناعته لأنه موجود عند مَنْ سبقه ، كما في صناعته للشاهد : ( من البسيط)
    ما اللذْ يسوؤك سوءا بعد بسط يد ٍ بالبر إلا كمثــــــل البغي عدوانا

    يمكن لنا أن نستدل من تمحيص الأبيات الشعرية التي جعلها ابن مالك شواهد شعرية وبثها في كتابه أنها مصنوعة ، إضافة إلى الأدلة القوية التي جاء بها الدكتور نعيم البدري ، أن هذه الأبيات على الرغم من كثرتها ، وعلى الرغم من ادعاء ابن مالك أنها لعدد من الشعراء وأغلبهم مجهولون أو من طيئ ، إلا أن هذه الأبيات (الشواهد) يمكن ملاحظة ما يأتي بها :

    1ــ يكتنف الأبيات ويجمعها أسلوب واحد ، وطريقة واحدة ، فإذا كنا مؤمنين بفكرة (الأسلوب هو الرجل) فليس من شك أن كاتب الأبيات لا يعدو أن يكون رجلا واحدا.
    2ــ يحمل كل إنسان في ذهنه قاموسا يختلف عن الآخرين بغض النظر عن سعته أو ضيقه ، وهذا القاموس فيه مفردات قد تتكرر عند ه ، وهذا ما كان عند ابن مالك.
    3ــ الحث على الكرم والفضيلة والشجاعة والتزام الحق ومخافة الله وما شابه من الأخلاق الحسنة والحميدة كانت القاسم المشترك بين الأبيات وهذا يعني أن الشاعر واحد ، وقد تقدم أن ابن مالك من ذوي الديانة والصلاح والتعبد0ويبدو أن هذا التعبد لم يمنعه عن صناعة الشواهد لأنها في رأيه ــ على ما أظن ــ تبسيط للغة .
    4ــ لكل شاعر مجموعة بحور يفضل استخدامها ، وما لمسته عند أغلب الشعراء استخدامهم للطويل والبسيط والكامل والوافر بكثرة وهذا عين ما فعل ابن مالك . لقد استقصيت مائة بيت من الشواهد الشعرية التي صنعها الرجل فكانت النتيجة ما يأتي:

    أ ــ احتل البحر الطويل المرتبة الأولى وحصل على نسبة (40%)
    ب ــ احتل البحر البسيط المرتبة الثانية وحصل على نسبة (36%)
    ج ــ احتل البحر الخفيف المرتبة الثالثة وحصل على نسبة (7%)
    د ــ احتل البحر الكامل المرتبة الرابعة وحصل على نسبة (6%)
    هـ ــ احتل البحر الوافر والرجز المرتبة الخامسة وحصل كل منهما على نسبة (4%)
    و ــ احتل البحر المتقارب المرتبة السادسة وحصل على نسبة (3%)

    ختاما ... فإني أذكّر المختصين بدراسة النحو ودراسة الأدب أن يطلعوا على الكتاب بروية ويدرسوه دراسة متأنية لكي يصلوا إلى الحقيقة التي تطالبهم بها لغتهم الجميلة ، ويكون الله من وراء قصدنا وقصدهم 0


    اخوكم
    سعد هاشم الطائي


    الهوامش

    (1) لسان العرب : مادة صنع
    (2) ينظر دراسة الدكتور كاظم حمد محراث في كتابه (دراسات في الأدب العربي القديم)
    (3) صناعة الشاهد الشعري عند ابن مالك الأندلسي ص 9
    (4) المصدر السابق ص 10
    (5) المصدر السابق ص 10
    (6) المصدر السابق ص 10
    (7) المصدر السابق ص 10
    (8) المصدر السابق ص 10
    (9) المصدر السابق ص 11
    (10) ينظر المقدمة ص 5
    (11) المقدمة ص 6
    (12) صناعة الشاهد الشعري عند ابن مالك الأندلسي ص 11
    (13) المصدر السابق ص 11
    (14) المصدر السابق ص 11
    (15) ينظر المصدر السابق ص 12ــ 13
    (16) صناعة الشاهد الشعري عند ابن مالك الأندلسي ص 18
    (17) المصدر السابق ص 18
    (18) ينظر صناعة الشاهد الشعري عند ابن مالك الأندلسي ص 19ــ 23
    (19) ينظر المصدر السابق ص 23، 24
    (20) صناعة الشاهد الشعري عند ابن مالك الأندلسي ص 24
    (21) المصدر السابق ص 24
    (22) المصدر السابق ص 24
    (23) المصدر السابق ص 25
    (24) المصدر السابق ص 25
    (25) المصدر السابق ص 26
    (26) المصدر السابق ص 28
    * هكذا وردت وأظنها (عزتها) لكي يستقيم الوزن
    (27) صناعة الشاهد الشعري عند ابن مالك الأندلسي ص 29
    (28) المصدر السابق ص30
    (29) المصدر السابق ص 30
    (30) المصدر السابق ص 38
    (31) المصدر السابق ص 38
    (32) المصدر السابق ص 41
    (33) المصدر السابق ص 42
    (34) المصدر السابق ص 42
    (35) المصدر السابق ص 45ــ 46
    (36) المصدر السابق ص 46
    (37) المصدر السابق ص47ــ 48
    (38) المصدر السابق ص 48
    (39) المصدر السابق ص 52
    (40) ورد الكلام في شرح التسهيل 1: 239 كما أشار الدكتور نعيم البدري في كتابه
    (41) صناعة الشاهد الشعري عند ابن مالك الأندلسي ص 54
    (42) المصدر السابق ص 56
    (43) المصدر السابق ص 60




  2. #2
    أديب وناقد وباحث
    عضو القيادة الجماعية
    الصورة الرمزية عبد الرحمان الخرشي
    تاريخ التسجيل
    10/04/2008
    المشاركات
    1,024
    معدل تقييم المستوى
    10

    Post رد: قراءة في كتاب صناعة الشاهد الشعري عند ابن مالك الاندلسي

    بسم الله الرحمن الرحيم


    أخي المكرم الأستاذ : (( سعد هاشم الطائي ))


    حفظك الله ورعاك


    قرأت سلفا هذه القراءة الرصينة التي تفضلتم بها علينا هنا لكتاب (( صناعة الشاهد الشعري عند ابن مالك الأندلسي )) .وقد استفدت منها أنكم تطرحون قضية هامة وشديدة الحساسية ؛ أعني قضية ( الموقف من التراث ومنهج التعاطي معه في الجامعات العربية ) هاته التي لازالت تشتغل على آلة ابن مالك الأندلسي المتوفى عام 672 في دراسة النحو العربي باعتبارها المقدس قي ضبط لغة يعرب بن قحطان .. إن كتاب الدكتور السوري نعيم سلمان البدري وكما أشار لذلك غير واحد من الدارسين والكتاب يعتبرعلامة فارقة في تقديس تلك الشواهد التي رأى المؤلف - بعد بحث شاق في كتب النحو والمعاجم والموسوعات والدواوين الشعرية عن الشواهد ... - أن ما يزيد على سبعمائة بيت شعري اعتمد عليها ابن مالك في الاستدلال على القواعد النحوية كانت من اختراعه هو ، صنعها ونسبها إلى عرب كانوا يعيشون في عصر الاحتجاج ، بل ورأى أن ما يعطى للرجل من قدسية لايغني عن وضعه قي قفص الاتهام اليوم منتحلا . وتلك لعمري من أخطر أنواع الانتحال الذي لاشك أنه سيقود إلى استنتاج قاعدة نحوية جديدة .

    وصفوة القول أخي إن هذا الكتاب سيكون له شأو مهم في مراجعة كتب النحو العربي بعامة . وهو دعوة لمراجعة الذات في هذا الجانب المهم من علومنا التي نفتخر بها ، مادامت الغاية إيجابية ومعروفة

    دمت باحثا ودارسا لك شخصيتك الأصيلة في الدراسة والبحث .

    شكرا لك على الدعوة .




    ***




    .

    كــــن جــمــيـــــلا تــر الـوجــــود جــمــيـــــلا
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    ..

  3. #3
    عـضــو الصورة الرمزية سعد الطائي
    تاريخ التسجيل
    15/01/2010
    المشاركات
    562
    معدل تقييم المستوى
    15

    افتراضي رد: قراءة في كتاب صناعة الشاهد الشعري عند ابن مالك الاندلسي

    الأستاذ الفاضل
    عبد الرحمان الخرشي
    شكرا لقراءتك الجادة لما خط قلمي من كلمات بسيطة لا أرجو منها إلا خدمة الحقيقة التي بحث عنها بعض الدارسين
    ومنهم الأستاذ الدكتور نعيم سلمان البدري وأحب أن أنوه هنا إلى أن الأستاذ الباحث هو عراقي الجنسية وهو أحد أساتذتي الأفاضل
    الذين تتلمذت على أيديهم وتعلمت منهم الكثير مما كنت أجهله في عالم الأدب واللغة.
    ولكم خالص الشكر والتقدير
    ودمتم لكل خير


+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •