نظرة في رسالة كتائب ثورة العشرين
السبت, 11 سبتمبر 2010 18:31

د. عماد الدين الجبوري



أصدر المكتب السياسي لكتائب ثورة العشرين، بمناسبة إنتهاء شهر رمضان الكريم وحلول عيد الفطر المبارك، رسالته الموسومة "تهنئة وتهيئة" المرقمة 19 والمؤرخة في الأول من شوال 1431 هجري، الموافق العاشر من أيلول 2010 ميلادي؛ جاء فيها عدة نقاط هامة وخطيرة تستوجب علينا كباحثين نتابع الوضع الاحتلالي الأمريكي للعراق وما أفرزه من معطيات وأحداث أدمت الواقع وأخرت الشعب بمختلف مناحي الحياة، ولولا عزيمة الأبطال في فصائل المقاومة العراقية لِما كانت هناك بارقة أمل بالتصدي للعدو الغازي ومجابهة مخططاته المدعومة صفوياً وصهيونياً.

في الرسالة سبعة نصوص، إن تجاوزنا السرد التقليدي في المقدمة والخاتمة، فإن المتون الخمس يمكننا أن نعنونها من خلال مضمونها وفق الصيغ التالية:

أولا: الصبر والثبات. حيث يؤكد المكتب السياسي على هذين العنصرين "الصبر والثبات" في المضي قُدماً في طريق الجهاد. بل ويطالب من أشاوس المقاومة أن يكونوا "أكثر صلابة وإصراراً". خصوصاً وأن: ضربات أبناء المقاومة في سنواتها السابقة بدأت تؤتي أوكلها، وبدأ المحتل بسحب جزء كبير من قواته هرباً من الميدان وتخفيفاً على نفسه من الخسائر، وأخذ يحاول جاهداً إيهام العالم أن مرحلة الإحتلال قد إنتهت.

ثانياً: الإنسحاب الجزئي لا ينهي حالة الإحتلال. ولذلك فإن قيادة كتائب ثورة العشرين تقول بكل وضوح إن "المقاومة مستمرة حتى يتحقق هدفها بتحرير البلاد وإقامة دولة العدل ونشره بين العباد". ومثلما لم تنخدع الكتائب طيلة السنوات السابقة بمؤامرات الإحتلال الساعية إلى حرف بوصلة الجهاد، فإنها لن تنخدع اليوم بخطاب "إنتهاء الإحتلال". وعليه فلن تركن الكتائب إلى الظل أو تدعو إلى السلم، وهم وبقية فصائل المقاومة العراقية "الأعلون بإذن الله".

ثالثاً: مراقبة صفحات الإحتلال. أن المقاومة العسكرية لم تشغل الكتائب عن مراقبة: مشاريع الإحتلال السياسية والإعلامية والإقتصادية. وإن مشروع الاحتلال السياسي قد فشل، وما تداعيات ما يسمى الإنتخابات الأخيرة (في 7-3-2010) إلا خير برهان. ويتوقع المكتب السياسي للكتائب أن "تطول المدة أشهراً أخرى، بل وسيستمر الصراع بينهم حتى لو تحقق الإتفاق لإنه لن يكون إلا إتفاقاً شكلياً". وهذا ما يجعل الكتائب تؤكد على أن "السبيل هو التصدي لهذا المشروع وإلغائه وإستبداله بمشروع عراقي أصيل بعد رحيل الإحتلال".

رابعاً: قضية سد الفراغ. إن ما يشاع حول سد الفراغ كمرحلة ما بعد الإحتلال، حسب تصور قادة الكتائب، بأنه "فخ" آخر. والهدف منه: خداع بعض أطرف المقاومة والقوى المناهضة للإحتلال، والغرض منها إما حرف بوصلة الجهاد والإنشغال بصراعات جانبية أو ترك السلاح والقبول بالقليل. ولذلك تكرر الكتائب تنبيهها وتحذيرها كما فعلت في بيانها "بمناسبة الإنسحاب الأمريكي الجزئي" في 30-8-2010. حيث تنبه لهذا الخطر الذي سبق أن عكر على المقاومة في بعض مراحلها وأخرت تحقيق مشروعها لتحرير العراق.

خامساً: ورقة الفتنة الطائفية. إن ما يلوح به الإحتلال حول إثارة النعرة الطائفية، وكذلك بعض الدول الإقليمية المتدخلة في العراق والتي تطبل لها الأحزاب المستظلة بالإحتلال، فإن الرسالة تنص بلغة جازمة: إننا على ثقة كبيرة بأن شعب العراق قد بات أكثر وعياً وأشد تحصيناً من الإنزلاق لهذه الهاوية، وندعو جميع الأطراف أن تتعامل مع الموضوع من الآن بحرص شديد، فلاينبغي أن يهمل الأمر بل لابد من إعداد العدة لمواجهته مادياً ومعنوياً، مع الإنتباه إلى عدم إشغاله إياما عن عدونا فيأخذ كل المساحة في صراعنا مع الإحتلال، بل نتعامل مع الأمر كجزء من صفحات الإحتلال، فنعمل على زيادة الوعي عند أبناء الشعب العراقي، وهذا الجهد لا تختص به فئة دون غيرها ولا يتحمله طيف دون آخر، بل الواجب يحتم على الجميع القيام به وكل على قدر مسؤوليته.

سادساً: الوسطية. في تعبير صادق وصريح نقرأ هذا القول: نحن في كتائب ثورة العشرين لا نريد أن نفرط في الأمل وقد بات الإحتلال قريباً من الرحيل، ولا نحب أن نستسلم لليأس والخوف من مجهول القادم من الأيام، بل نتعامل كما علمنا ديننا بوسطية وتوازن، فمن جهة نعلم أن صراعنا مع الإحتلال ليس بالأمر الهين وطريقه طويل، وواجب الجهاد والمقاومكة لا يتوقف عند مرحلة القتال بل يتبعه واجب البناء، ومن جهة أخرى فإن جهادنا في السنين الماضية أثبت لنا ضعف عدونا وفشل مشاريعه الظاهرة والباطنة، وأعطانا دقة إيمانية باختبار قوتنا وثباتنا وصبرنا.

إن ما نستنتجه من فحوى هذه الرسالة أن كتائب ثورة العشرين ماضية بطريق الجهاد حتى يتحقق النصر المؤزر الذي وعد الله به المؤمنين. وهذا الموقف المبدئي يتفق عليه جميع المجاهدين في فصائل المقاومة، أي أن المقاومة العراقية مستمرة في ضرباتها، وإن الإنسحاب الجزئي الذي لم يتجرأ أحد من سياسيو وعسكريو الأمريكان بتفوه كلمة النصر، فإنه نصر قد حققه رجال المقاومة الأبطال. وبما أن المقاومة مستمرة بجهادها، ولقد تم إنسحاب جزء كبير من قوات الإحتلال، إذاً فإن المستقبل، بعون الله تعالى، سيكون لصالح المقاومة وحدها وبمفردها. فالأرض أرضنا والسماء سمائنا والمياه مياهنا، والصناديد بكل مكان يتصيدون الإحتلال وأذنابه.