المقاومة العراقية وإعادة تعريف المخاطر في العراق
الأربعاء, 15 سبتمبر 2010 12:03

د. خالد المعيني



- التهديدات الخارجية.

- التهديدات الداخلية .

- التهديدات المركبة .


لاشك إن انسحاب معظم القوات القتالية الأمريكية من العراق طبقا لتوقيتاتها المعلنة سيترك أثرا بالغا ليس على خارطة توازن القوى المحلية في العراق بل سيتعداها إقليميا من لبنان إلى أفغانستان ، ومن الواضح أيضا في ظل جدية هذا الانسحاب إن الكثير من الأطراف الرئيسية والثانوية السياسية والعسكرية اللاعبة على الساحة العراقية ستسعى إلى إعادة ترتيب أوراقها وتحالفاتها على وفق حجم الاختلال الحاصل في موازين القوى وتقييم الفراغ الذي سيتركه هذا الانسحاب وخاصة في شقه العسكري وما سيجره من إنزلاق تدريجي نحو الفوضى والاضطراب في كافة الميادين السياسية والاقتصادية والأمنية .

إن معظم أشكال هذه التهديدات سواء الخارجية والداخلية أو المركبة قد يمكن تصنيفها من الناحية النظرية وعزلها عن بعضها البعض، إلا إنها في حقيقة الامر متداخلة مع بعضها البعض من حيث التأثير.

التهديدات الخارجية

تتخذ المخاطر الخارجية في العراق نمطين, أحدها ذا مظهر دولي والاخر إقليمي ، على المستوى الاول يتقدم الاحتلال الامريكي في المرتبة الاولى كتهديد رئيسي للشعب العراقي من خلال استمرار التواجد الفعلي لقوات أجنبية على الأرض العراقية ، وبغض النظر عما يجري من انسحابات جزئية للقوات القتالية فإن بقاء خمسين ألف جندي من قوات النخبة المدعومة بقوة جوية ضاربة والمعززة بمئة ألف مرتزق حسب المصادر الأمريكية لتعويض القوات المنسحبة ، كافية لتبديد أية أوهام بأن الولايات المتحدة الأمريكية ستتخلى في المدى القريب أو حتى المتوسط عن العراق وعن مصالحها الإستراتيجية فيه ، خاصة إذا ما قارنا عدد هذه القوات مع القوات الامريكية المتواجدة منذ اكثر من نصف قرن في اليابان أوفي كوريا الشمالية وبموجب اتفاقيات مشابهة لتلك التي عقدتها الحكومة العراقية مع القوات الأمريكية .

ومن الواضح إن سحب هذه القوات سوف لن يمس الاهداف والمصالح الاستراتيجية الامريكية الثابتة في العراق وإنما يأتي فقط في سياق المناورة على مستوى الوسائل والاليات وفق معادلة تقليص الكلفة فهذا الانسحاب إنما يأتي على خلفية جملة عوامل يأتي في مقدمتها حجم الخسائر المادية والبشرية الباهظة التي تكبدتها قوات الاحتلال في العراق وانهيار معنويات الجندي الأمريكي في العراق الذي أدى إلى غياب إرادة القتال لديه أو وجود قضية يموت من اجلها ، والأمر الثاني هو الحاجة والاضطرار للمناورة بالقوة القتالية لتفادي الهزيمة الوشيكة لقوات الناتو في أفغانستان ، كما يأتي الاستحقاق الانتخابي ليعزز الالتزام بتوقيتات الانسحاب التي أعلنها الرئيس اوباما واستثمارها من قبل الديمقراطيين لضمان ولاية انتخابية ثانية .

على المستوى الإقليمي يأتي النفوذ والمشروع الايراني للهيمنة على العراق في مقدمة التهديدات ، ولدى العراقيين الكثير من الأسباب الواقعية للتشكيك في النوايا الإيرانية ، فإيران تدعم منذ سبع سنوات حكومات الاحتلال المتعاقبة وفق مبدأ المحاصصة ، وتحاول بكافة الوسائل أن يبقى الحكم في العراق من حصة الأحزاب الموالية لها ، كما إنها تدعم مباشرة الكثير من الميليشيات العسكرية كعصائب أهل الحق او كتائب حزب الله في العراق ، وهي أيضا من يتحكم بالهدنة التي يتم تجديدها دوريا كل ستة أشهر بين ميلشيا جيش "المهدي" من جهة والقوات الأمريكية والحكومية من جهة أخرى ، وإيران إذ تمسك بهذه الأوراق بقوة منذ سبع سنوات وتناور بها داخل العملية السياسية و خارجها, إنما تعد نفسها فعليا في ظل الغياب العربي لملء الفراغ في حال انسحاب القوات الأمريكية وانحسار دورها تدريجيا في العراق .

كما يضع انسحاب هذه الأعداد الكبيرة من القوات الأمريكية جنوبا نحو قواعدها في الكويت بهدوء من العراق دون معوقات إيرانية ، الكثير من علامات الاستفهام ودوائر الشك في إحتمال حصول تفاهمات أمريكية إيرانية تحت الطاولة لغرض تامين ظهر هذه القوات ، والاتفاق على حكومة في بغداد تقبل القسمة على الطرفين من حيث الولاء المزدوج وتقاسم النفوذ وتأمين المصالح المشتركة .

التهديدات الداخلية

لا تقل العملية السياسية الجارية في العراق خطورة وتهديدا عن الاحتلال العسكري ، فهي بمثابة الصفحة السياسية للاحتلال والهدف النهائي له ، ويأتي الدستور كتهديد رئيسي لوحدة البلاد من خلال ترسيخ مبدأ المحاصصة الطائفية والعرقية في كافة مفاصله ليشكل وصفة جاهزة لتقسيم وتفتيت العراق وتحويله مع مرور الزمن فيما لو بقي هذا الدستور إلى كيانات هزيلة متناحرة فيما بينها على السلطة والثروة ، فالفيدرالية والطائفية والعنصرية وهي مقومات الدستور الحالي تعد اليوم أشد مخلفات الاحتلال الأمريكي خطورة وفتكا بمستقبل العراق وأجياله القادمة .

كما تأتي طبيعة القوات الحكومية الحالية التي تشكلت بإشراف الاحتلال بعد قرار حل الجيش العراقي الوطني لتضع تهديدا إضافيا على المستوى الداخلي ، فعوضا عن أن تكون هذه القوات صماما لأمان الوحدة الوطنية ، حرص الاحتلال منذ اللحظة الأولى على أن يتم تشكيل نواة هذه القوات من ميليشيات الأحزاب التي تعاونت وتواطئت معه .

فهذه القوات التي تجاوزت المليون جندي تفتقر إلى عقيدة عسكرية وطنية جامعة بما يكفي لصيانة الوحدة الوطنية ومواجهة الأطماع والعدوان الخارجي ، فقد صممت أصلا وفق مقاسات المحاصصة الطائفية والعرقية وتم حرمانها على الرغم من مرور سبع سنوات من أية فرصة للتسليح أو التدريب أو استكمال بقية صنوفها القتالية ، والغرض من كل ذلك بقاء هذه القوات بحاجة دائمة لإشراف إدارة الاحتلال ، بالنتيجة أصبحت هذه القوات أقرب في الوصف إلى قوات مكافحة الشغب وقمع القوى الوطنية منها إلى وصف جيش وطني وفق المعايير الدولية ، الأمر الذي قد يجعل منها برميل بارود وقنبلة موقوتة لتفجير البلاد بدلا من ان تكون ضمانة لوحدتها وخاصة في ظروف انزلاق البلاد إلى الفوضى حيثما خفت قبضة الاحتلال أو زالت ، لاسيما إن معظم قيادات هذه القوات تدين بولائها لأحزاب السلطة الطائفية والعنصرية ذات النزعة الانفصالية .

وقد تبدو الميلشيات والتنظيمات الإرهابية المتطرفة والمجاميع الخاصة القادمة من خارج الحدود غير ظاهرة للعيان في المرحلة الراهنة ، وهي تعمل تحت الأرض إما على هيئة خلايا نائمة أو ترتبط بهدنة مع الاحتلال إلا أنها في الواقع تشكل دولة داخل الدولة ، وفي حالة الفوضى والأضطراب الامني وهو المناخ المناسب لظهورها فإنها لن تستغرق وقتا طويلا لكي تطفوا على السطح لاستعادة مسك الأرض وملء الفراغ من جديد ، خاصة وان القوات الحكومية العراقية الحالية والتي لا تتجاوز أهليتها وجاهزيتها القتالية 10 % غير قادرة على إدارة الملف الامني في عموم العراق من جهة ومخترقة من قبل هذه الميليشيات من جهة اخرى .

ثمة أنماط اخرى من التهديدات المحلية غير ظاهرة للعيان تاتي في مقدمتها ذلك الكم الهائل من الجواسيس الذين تم تجنيدهم لصالح قوات الاحتلال او من قبل أجهزة السلطة أوعشرات الاجهزة التابعة لاستخبارات دول اجنبية وفي مقدمتها الموساد الإسرائيلي .

التهديدات المركبة

وهي من أعقد أنواع المخاطر على الإطلاق حيث تتلاقى وتتلاقح مصالح جهات داخلية ومحلية مع مصالح جهات خارجية ، ففي الوقت الذي قد يرحل فيه الاحتلال سواء برفض الشعب العراقي أو تحت استنزاف ضربات المقاومة المستمرة ، وفي الوقت الذي قد تجد بعض أنماط التهديدات الداخلية طريقها إلى الحل من خلال المصالحة الوطنية او الاتفاق على عقد سياسي وطني جديد يضمن إعادة الثقة والاطمئنان بين كافة الأطراف والفرقاء ، فان بعض الأحزاب والجهات المحلية تلتقي أصلا في أفكارها ومصالحها وعقائدها مع مصالح دول وجهات خارجية وتتفق معها في ضرورة تفتيت العراق وإزالته كقوة وحجر زاوية سواء في معادلة توازن القوة في المنطقة أو من معادلة الصراع العربي الصهيوني .

ومثل هذا الخطر المركب ينطبق اليوم في الساحة السياسية العراقية تحديدا على الأحزاب الكردية العنصرية ذات النزعة الانفصالية في شمال العراق والمتحالفة استراتيجيا ومصيريا مع اسرائيل ومع الاحتلال الأجنبي والتي تعتبر تقسيم العراق هدفا استراتيجيا بالنسبة لها ، وكذلك الأحزاب الدينية الطائفية التي تم تصميمها وتصنيعها في ايران وتعتبر نفسها جزءا من المشروع التوسعي الإيراني القومي على حساب العراق .

إن مظاهر التهديد والمخاطر التي تحيق بالعراق لا تقتصر فقط في أنماطها على ضفة الاحتلال ومن يتعاون معه ، بل تكمن كذلك في بعض جوانبها في ضفة القوى الوطنية العراقية المقاومة والمناهضة للاحتلال من خلال عدم تبلور قيادة موحدة لغاية الآن في إطار جبهة عمل واحدة ، الأمر الذي عطل لغاية الآن رغم توفر الظروف الموضوعية إلى أنتاج المكافئ السياسي الوطني والبديل الواضح لمشروع الاحتلال وهو الطريق السليم والخيار الاستراتيجي الوحيد المتبقي أمام الشعب العراقي لملء الفراغ وتقصير عمر الاحتلال وتحقيق الاستقلال الناجز .