العلياء ترتقي قمة العلياء




كاظم فنجان الحمامي

موقف إنساني رائع سجلته السفينة العراقية (العلياء) في عرض البحر, ارتقت به قمة المجد والعلياء, وتسلقت فوق منصة العز والشرف, بمبادرتها النبيلة التي تجسدت بإنقاذ أرواح طاقم إحدى السفن المنكوبة وسط الخليج العربي وكانوا جميعا على قيد الحياة.
السفينة (العلياء) من سفن الحمولات العامة المسجلة في بنما, وتعود ملكيتها لشركة (الرحيل), وهي من الشركات العراقية الفتية, والسفينة يديرها طاقم عراقي من شريحة القطاع الخاص, بإشراف الربان جاسم محمد عبد الله الزيدي.
غادرت (العلياء) ميناء (جبل علي) في الإمارات, ورسمت مسارها باتجاه الموانئ العراقية, فشقت طريقها في عرض البحر, وسلكت الممرات الدولية القريبة من (رأس المطاف), وكانت الظروف الجوية مؤاتية جدا, فالبحر هادئ تماما, والرياح شمالية غربية معتدلة السرعة.
وما أن انتصف نهار اليوم التالي (1/9/2010) حتى بدأت سحب الدخان تتصاعد من مكان بعيد خلف الأفق, في الوقت الذي كانت فيه (العلياء) تحث الخطى في مسارها المتوازي مع الساحل الإيراني, وكان مرفأ (عسلّو) يحاذي جناحها الأيمن على بعد 15 ميلا بحريا. وكان من السهل على ربان (العلياء) التقاط إشارات الاستغاثة, فسمع نداءات طلب النجدة, تذاع على الترددات اللاسلكية العامة برسائل متكررة باللغة العربية والفارسية والانجليزية:

((نداء, نداء, نداء عاجل جدا, في الجوار سفينة إيرانية قديمة تحترق, على خط عرض كذا وكذا شمالا, وخط طول كذا وكذا شرقا, واسمها (الماجد), واسم ربانها (عبد المانع هاشم), وقد غادرها طاقمها المؤلف من سبعة بحارة, الرجاء من السفن القريبة تكثيف المراقبة, ومشاركتنا العثور عليهم, وتقديم المساعدة الإنسانية لانتشالهم من الغرق, وإعلامنا)).

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

واصلت المحطات البحرية الساحلية إطلاق نداءات الاستغاثة, وشاءت الأقدار أن تكون (العلياء) أولى السفن التي وصلت إلى مسرح الحادث, وحالفها الحظ في العثور على أفراد الطاقم المنكوب, وقد تفرقوا على وجه الماء, وتشبثوا بأطواق النجاة, وجرفتهم التيارات المائية بعيدا عن سفينتهم الخشبية, التي كانت محملة بالأعلاف الطبيعية السريعة الاشتعال, وكانت النيران قد نشبت فيها, والتهمتها تماما, وأتت على ما تبقى من بدن السفينة, فتفجرت براكين الشهامة العراقية النقية, واندفع العراقيون نحو زوارق النجاة,
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
وما هي إلا لحظات معدودات حتى اكتملت عملية الإنقاذ, وتكللت بالنجاح, ثم جاء دور تقديم الإسعافات الأولية, ومعالجة الإصابات الطفيفة, فسارع الربان (أبو محمد) لإبلاغ المحطات الساحلية بالعثور على البحارة المنكوبين وانتشالهم أحياء من مخالب البحر وأعماقه السحيقة, فتحركت زوارق الدورية الإيرانية وسفن خفر السواحل, التي كانت تحرث البحر في مهمة البحث والتفتيش, تحركت هذه الزوارق والسفن كلها نحو موقع (العلياء), واصطفت من بعيد في موكبٍ مهيب تقشعر له الأبدان, لتؤدي التحية البحرية العسكرية المتعارف عليها, تؤديها لراية العراق في عرض البحر, نعم هذه هي الأعراف البحرية الصحيحة, وهذا هو استحقاق راية العز والشموخ, التي حملها أبناء الرافدين فوق ناصية المجد, وحملتها السفينة (العلياء) على قمة ساريتها العلوية, فسجلت بهذا الموقف المشرف مأثرة عراقية جديدة ستضاف إلى مآثر الأسطول البحري العراقي, الذي كان ولا يزال رمزا من رموز المحبة والسلام بين الشعوب والأمم.
اللهم اجعل الخليج العربي بحر سلام ووفاق, يحمل على أمواجه سفن الوئام والمحبة, لتستعيد المنطقة ألق ماضيها الزاهر وعبق حضارتها.