السفير العراقي السابق بإيران: المقاومة العراقية أسقطت المشروع الصهيوأمريكي بالمنطقة
الخميس, 16 سبتمبر 2010 17:41

الإسلام اليوم - حوار/ أحمد عبد العزيز



- نطالب الدول العربية بالاعتراف بالمقاومة وعدم دعم سلطة المحتل.

- لا أتوقع تقسيم العراق وأراهن على وعي الشعب العراقي.

- ما يحدث بين أمريكا وإيران لعبة شد الحبل ومعركة داخل استوديو فقط.


الدكتور عبد الستار الراوي السفير العراقي السابق لدى إيران في الفترة من 1998 وحتى 2003 تاريخ الاحتلال الأمريكي للعراق، وقبل عمله كسفير فهو أستاذ للفلسفة بجامعة بغداد وله العديد من المؤلفات منها "فلسفة العقل" "أيام أبي" وصدر بالقاهرة 2005، كل هذا جعل منه واحدًا من العراقيين الذين يتمتعون بالرؤية الثاقبة والتحليل المنطقي المتزن للأحداث؛ فالمجالات التي عمل بها خلقت فيه شخصية السياسي والمفكِّر في آنٍ، وكذلك المتمتع برؤية ثاقبة وواعية للأمور؛ شبكة "الإسلام اليوم" أجرت معه حوارًا أدلى فيه بوجهة نظره تجاه العديد من القضايا المطروحة على الساحة، سواء ما يخص العراق أو إيران أو غيرها، لعلَّ من أبرزها ضرورة دعم المقاومة ضد المحتل، وكذلك عدم اعتراف الجامعة العربية بأي حكومة أرساها الاحتلال، وكذلك العديد من القضايا، فإلى نص الحوار:



المقاومة العراقيَّة تؤتي أكُلها



هل سيتأثر مستقبل المقاومة العراقية في ظل الحديث عن انسحاب أمريكي وشيكٍ من العراق؟



الانسحاب سوف يزيد المقاومة قوة وإرادة وإصرار، وأي نجاح يحدث سواء بانسحاب المحتل أو تراجع لوضعه داخل العراق فهو انتصار للمقاومة، وبالتالي فالمقاومة التي استطاعت أن تهزم أكبر قوة في العالم خلال السنوات الماضية بالتأكيد قادرة على هزيمة الأحزاب المعارضة لها وإلغائها؛ لأن ما يحدث لا يمكن وصفه بالديمقراطية، بل هي ديمقراطية المحتل والتابع له، وبالتأكيد الانسحاب كان بسبب ضربات المقاومة.



وهل ما زالت المقاومة على قوتها أم تراجعت أم أن ثمة تعتيم إعلامي متعمَّد لها؟



المقاومة لا تزال بخير، وهي في أفضل حالاتها، وهي في الشوط الأخير وفي سبيل تحقيق أهدافها، بل إن هذه الأهداف أصبحت قريبة المنال، ولعل الحديث الآن عن الانسحاب من العراق وبشكل جاد يعود في الأساس إلى المقاومة التي أفشلت مشروع بوش الاستعماري، ليس في العراق فحسب ولكن في المنطقة كلها، ومن هنا يمكن القول بأن المقاومة قاربت بالفعل على تحرير العراق، بصرف النظر عن مجيء أوباما من عدمه، فأنا أرى أن المقاومة آتت أكلها يوم إقالة رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي السابق ومهندس غزو العراق، وكان هذا مؤشرًا إلى بداية العد التنازلي للاحتلال في العراق.



ولكن يلاحظ في الآونة الأخيرة تراجع أخبار المقاومة العراقية وزخمها الإعلامي؟




قد يكون هذا راجعًا إلى أحداث أخرى خارج العراق مثل أحداث غزة وغيرها ولكن المقاومة العراقية ما زالت فتية وبحجمها كما هي، الشيء الآخر أن هناك تغييرات في تكتيك المقاومة لأكثر من سبب؛ أولها أن قوات الاحتلال تكاد تكون اختفت من الشوارع، وأصبحت متمركزة في قواعدها خارج المدن، الشيء الثاني أن القوات المنتشرة في الشوارع الآن هم من أفراد الجيش والشرطة العراقية، وبالتالي كان على المقاومة أن تعيد النظر في أساليبها، وكذلك مطاردة المحتل بالدرجة الأولى.



هل أنت متفائل كثيرًا بما قيل عن انسحاب أمريكي وشيك من العراق؟




علمتني الحياة ألا أقيّم نظامًا أو حزبًا من خلال تقييم ممارساته والمقياس الحقيقي هنا هو الاستقلال الحقيقي للشعب العراقي، دون وجود قواعد أمريكية أو اتفاقيات تجعل العراق رهينة لأمريكا، وما نريده هنا من أوباما أن تكون هناك علاقات متكافئة بين أمريكا والعراق، بل والعرب بصفة عامة، وليس علاقة التبعية وتنفيذ الأوامر.



وهل هذا معناه أنك لا تراهن على وعود أوباما؟




إنني أراهن على المقاومة وصمودها، وكل ما يمكن أن يفعله أوباما أن ينظم عملية الانسحاب تحت ضغط المقاومة وليس انسحابًا من طرف أمريكا ومن أجل عيون المالكي أو غيره، ولكن كما قلت لك فإن التفكير في الانسحاب جاء نتيجة طبيعية للخسائر التي لحقت بالقوات الأمريكية، وهذا أيضًا نتيجة لمقاومة صلبة وقوية الإرادة لم تستسلم للغزو، ولم تفقد الثقة في النصر، وها هو النصر يتحقق بالفعل، فما يقال عن انسحاب هنا وتراجع عن دعم للأتباع وغير ذلك، كل هذه مؤشرات نصر حقيقية ومقاومة وطنيَّة.



وماذا عن الوضع الأمني في العراق؟



طبعًا الواقع في العراق يعبِّر عن نفسه بوضوح شديد؛ ففي كل يوم قتلى وجرحى من العراقيين الأبرياء الذين يدفعون ثمن الاحتلال؛ حيث أصبح لا يجرؤ أي مسئول على التجول في شوارع العاصمة بغداد؛ فكلهم يقبعون داخل ما يسمى بالمنطقة أو الجمهورية الخضراء؛ في محاولة لتأمين أنفسهم، وكأن الشعب العراقي لا يعنيهم في شيء.



إيران ولغة "المصالح"



ننتقل إلى ملف إيران.. برأيك بعد مرور عام على وصول أوباما للسلطة هل سيكون هناك تغيير في السياسة الأمريكية تجاه إيران؟



من وجهة نظري أرى أن الذي سيتحكم في الصراع الإيراني الأمريكي هو لغة المصالح بينهما، وكل ما قيل عن معارك بين إيران وأمريكا هي معارك داخل استوديو تليفزيوني، ولم يتم تفعيل شيء في أرض الواقع لأن إيران –كما أعلمها جيدًا بحكم عملي هناك- تجيد لغة المصالح؛ فهي لا تعرف صديقًا، وفي المقابل ليس لها عدو بالمعنى المتعارف عليه، فالذي يحكمها في النهاية مصالحها، وليس عداءها لأمريكا أو ولاءها لدول أخرى.



على ذكر عملك بإيران، كيف ترى المجتمع الإيراني من الداخل من خلال عملك كسفير سابق للعراق بإيران لمدة خمس سنوات؟




بالنسبة للشعب الإيراني فهو شعب عملي ويتذوق الجمال، ويعنى بالفن عناية شديدة ومنظَّم في حياته وعملي، هذا بشكل عام، ولكن إذا أردنا أن ننظر للمسألة بشكل أعمق فإن المجتمع الإيراني ينقسم إلى ثلاث شرائح، شريحة تتوق إلى الحرية بمعناها الليبرالي، وأن تعيش وفق روح العصر سواء في الملبس أو المأكل وكذلك العادات والتقاليد، وهي تمثل طبقة واسعة، ومنطقة شمال طهران تمثل هذا المجتمع بوضوح، أما الشريحة الثانية فهي طبقة ما بين المدني والديني، أي أنها تنظر للحياة بشكل أكثر انفتاحًا وفي نفس الوقت تمتثل لقيم الثورة وشعاراتها، أما الشريحة الثالثة فهي تمثل ما يمكن أن نسميه جيل الثورة، وهذا الجيل منطلقاته كلها من منطلق ديني، ويحمل فكر الثورة ومتأثر بفكر الحوارات إلى حد كبير، وهذه الشريحة لا تمثل مساحة كبيرة في الشارع الإيراني.



وماذا عن القيادة الإيرانيَّة ورؤيتك لها من خلال التعامل المباشر؟



الحقيقة أن القيادة الإيرانيَّة تتعامل بشكل براجماتي، ورافسنجاني يعدّ واحدًا من أبرز القيادات الإيرانية التي أرست هذا المبدأ، وهذا ينعكس بشكل واضح في تصرُّفات هذه القيادات، فمن الممكن أن يتغير الموقف الإيراني ثلاث مرات في اليوم الواحد بحثًا وراء مكسب ما لصالح إيران، وهذا شيء جيد ولكنه مرهق، سواء لمن يمارسه أو لمن يمارَس معه؛ فبالنسبة لإيران فإن الثورة لا يوجد لها عدو دائم أو صديق دائم، فمن الممكن أن يحدث انقلاب من النقيض لدى المفاوض الإيراني حسب المصلحة في الزمان والمكان، وإن السياسة الخارجية ليس لها ثوابت جامدة أو محددة سلفًا تجاه أي منطقة، فالمهم هو المصلحة وأنا أستطيع أن أؤكد لك من خلال خبرتي بعقلية السياسة الإيرانية أنه من الممكن أن نفاجأ بإنهاء إيران تحالفها مع أي أحد في أي وقت إذا تصادم ذلك مع مصلحة إيران العليا، والدليل على ذلك أن الحوار الإيراني الأمريكي لم ينقطع على الإطلاق منذ العام 1999 من خلال السفارة الإيرانية في باريس والسفارة السويسرية الراعية للمصالح الأمريكيَّة في طهران، والخلاصة أن العقلية الإيرانية تقول: أنا ثم أنا ثم أنا.



ترى هل ستتمكَّن هذه البراجماتيَّة الشديدة إيران من إدارة أزمتها الحالية مع أمريكا بطريقة ناجحة؟




ربما يحدث هذا لسبب مهم، وهو أن كلًّا من أمريكا وإيران يسعى للوصول إلى نقطة مشتركة يتمكن من خلالها نزع فتيل الأزمة؛ لأن كلًّا منهما يخشى من انفجار الموقف؛ فكلاهما له مخاوفه وله مصالحه التي يحافظ عليها في المقابل، وعمومًا هما يلعبان معًا لعبة شد الحبل، وما يُحسب لإيران أنها تتمتع بسياسة النفس الطويل والمراوغة والحرص على المصلحة القوميَّة.



ولكن ما طبيعة السيناريو الذي يمكن أن تنتهي إليه الأزمة الحالية بين البلدَيْن؟



السيناريو لن يكون بالحجم والضخامة التي يتصوَّرها الكثيرون، وإنه إذا كان هناك سيناريو عسكري فلن يزيد عن ضربة عسكرية محددة لبعض الأهداف الإيرانيَّة، ويمكن أن تقوم بها إسرائيل بالوكالة، ولكن إيران لا زالت تراهن على الدقيقة الأخيرة، وفي المقابل فإن أمريكا ليس لديها استعداد لتكرار ما حدث في العراق على الأقل في هذه المرحلة، وما يمكن أن أؤكده أن إيران تريد اعتداء محدودًا عليها من جانب أمريكا وإسرائيل حتى تستثمرَه وتسوقه من خلال توجه أيديولوجي وسياسي دعائي يعيد إلى الذاكرة مبدأ تصدير الثورة إلى البلدان المجاورة.



وكيف تقيِّم الموقف الإيراني تجاه ما يحدث في العراق؟



كنت أتمنى لو أن إيران درست موقفها دراسة عميقة وراجعت نفسها أكثر من مرة قبل أن تزج بنفسها في العراق لأنها لو فكرت قليلًا فسوف يكون لها شأن إيجابي، ولكن الواقع يقول أن أجهزتها الاستخباريَّة والتعبويَّة وتنظيماتها العسكرية (الحرس الثوري) تقوم بتمزيق وحدة العراقيين وإيذاء مشاعرهم والتورُّط في عمليَّات تصفية ذميمة من طراز قتل الطيارين والعلماء وكبار الضبَّاط وأساتذة الجامعات كرد فعل قصير المدى، وهذا يؤكد الدور غير الحضاري والإنساني تجاه العراق وشعبه، ونتمنى أن تراجع إيران دورها وموقفها هذا وتتخلى من مساندة فرق القتل ومليشيات الموت وتعود لتنظر إلى مصالحها من خلال إقامة علاقات إيجابيَّة مع الشعب العراقي وليس مع قاتليه.



نحو وحدة وطنية عراقيَّة



على ذكر تمزيق العراق، هل هناك مؤشرات لتقسيم العراق؟



أنا أثق بشعبنا الواعي المتحضر والمتوحِّد، والذي يرفض أي محاولة للتقسيم على أي أساس، ويدرك أن وحدته الوطنية هي هويته، وكانت الوحدة دائمًا تعني الوطن والحضارة والإبداع والمستقبل.



وماذا عن الموقف السوري تجاه ما يحدث في العراق، خاصة أن سوريا لها علاقات وثيقة مع إيران؟



الحقيقة ورغم هذه العلاقات مع إيران إلا أنني أرى أن الموقف السوري من المواقف الإيجابية تجاه الشعب العراقي، فلم يصدر من دمشق ما يمكن أن يكون موضع نقد، بل إن سوريا فتحت أبوابها لكافة العراقيين ووفرت لهم ملاذًا آمنًا لمن أقاموا بها.



هل تراهن كثيرًا على الموقف العربي في حل مشكلة العراق؟



أتمنى من الدول العربية والجامعة العربية أن تعترف بالمقاومة وأن تهتم بمشكلة المهجرين، و أن تسهم في درْء العنف والذبح اليومي الذي يُمارس ضد الشعب العراقي، وكذلك مراجعة الاعتراف بأي حكومة أتت في ظل الاحتلال.