أوراق من ذاكرة عسكري هارب
النديم
( رواية )









الطائف مدينة السماء وغابة الضياع، تشكلت على الصراع والتنافس عبر تاريخ أنغرز في خاصرة الزمان ولطف المكان وتنافر الإنسان، من خلال علة ثبات باطلة انتفى فيه الفاعل وبقي لذاته يرتقي كمكان آخر في تبدل الأوصاف التي تضيع في الفراغ.
يقال: ستكون فتن في آخر الزمان، خير الناس في ذلك الزمان من كان بجدران الطائف إلى عرقوب بجيله.





( شهر زاد تتحدث )
قالت شهر زاد: في الليلة الثامنة والعشرين بعد الألفين استأذنت أمينة ابنة الخامسة والعشرين ربيعا والدتها بأنها سوف تبقى مع زميلاتها بالكلية بعض الوقت، فلا تقلق خاصة إنها تم عقد قرانها منذ عشرة أيام، وأن حفل قرانها سوف يتم في نهاية الأسبوع الأول من إجازة الصيف التي تبدأ في التاسع من الشهر، وعندما يكمل زوجها رجل الأمن المبتعث وثائقها الرسمية عندها سوف ترافقه الغربة أربع سنوات.
قالت شهر زاد: قصة أماني المدعوة أمينة، طلبت من السائق الذي استأجره والدها لتوصيلها للجامعة أن يوصلها لمنزل خالتها في حي شهار، ولما ساعدها على فتح الباب عرف أن خالتها غائبة، وطلبت منه وسيارة زميلتها راوية تقف أن يحضر عصائر مثلجة وفطائر ومعجنات. تأخر في تنفيذ الطلب بسبب الزحام وعدم توفر المطلوب. فتحت أماني الباب ودخل محملا بالمطلوب وسمع قفل الباب يغلق. تريث باحث عن مكان لوضع الطلبات اقتربت منه ودلته على طاولة الطعام في غرفة السفرة.
قال: أين زميلتك ؟
قالت: رحلت.
قال: والأكل ؟
قالت: لنا.
عرف أنها رتبت اللقاء فكان أن استدعت صديقتها الخاصة لتوديعها، وهاهي تكمل برنامجها أمسكت بكفه.
قالت: تم بيعي
قال: إنهم يبحثون مستقبلك
قالت: وهل مستقبلي إلغاء ثلاث سنوات جامعية ؟
قال: هناك تواصلين
قالت: هناك سوف أبدأ من جديد وقد تأخرت
أخبرته وهي تجلس قبالته إنها مسافرة بعد أيام ثلاثة، وأن زوجها الذي لا تعرف عنه شيئا سوى أنه زميل أخيها المغترب في أمريكا منذ أربع سنوات وأسرته كانت تسكن جوارهم في حي اليمانية، ثم انتقلت شمال الطائف حتى مغادرتهم إلى الرياض.
وإنني ( الشخص ) الذي حفظها منذ كانت في المرحلة الثانوية ولما وصلت إليه، والآن تريد حمله معها إلى أرض الغربة.
اقتربت منه أكثر ليتشكل انطباع أخر كانت تتحدث بلغة سرية تبرر انسياقها في مطالب النفس والهوى بجهد من يردها عن سوء المطالب، أشعرته أنها لن تنثني عن تحقيق طلبها، ضمته وتدافع في أعماقها فتح المغلق ودفن في أحشائها ثمرته الذي خططت على حملها هوية أرض غربتها واسم زوجها.







__ 1 __
بينما أنا في طريقي إلى منزل زميلي في العمل عبد؛ هذه الزمالة تشكلت عندما رأس لجنة تفتيش في القرى والهجر القابعة بين الجبال شرق مدينة الطائف، وكنت قائد السيارة الحكومية التي اتفقت اللجنة على صلاحها للمهمة؛ في العاشرة ليلا للقضاء على ما تبقى في قنينة نبيذ حصلنا عليها وأخرى مازالت ترقد في مكانها السري من بائع أسمر يدعى يوسف بحي نخب في وادي النمل
وأنا انعطف بعربتي في شارع داخلي بحي العزيزية لمحتها تقف في باب مشرع، تمهلت حتى حاذيتها أقفلت الباب لم أتحرك لتوقعي أنها تنتظر أحدهم. فتحت الباب ورشقتني ببصقه عالية وأغلقت الباب. حركت السيارة جانبا وترجلت اقتربت من الباب بهدوء ليفتح للمرة الثالثة فهجمت عليها ودخلت لم تنبس بصوت ولم تقاوم.














( فائدة )
فكرت في يوم أن أعمل سقاء وهي مهنة شريفة تحتاج إلى فتوة وسرعة حركة، امتهنها اليمنيون بدقة وحرفه متناهية، والسقاء هو الوحيد الذي تشرع له أبوب المنازل فيوصل الماء إلى حنفية المطبخ وحنفية الحمام وزير المياه في فناء الدار، وتكشف النساء الذي يأتي صدفة في الغالب لا يمنعه من العودة، والزفة التي يحملها فوق أكتافه عبارة عن عصا غليظة يعلق بطرفيها صفيحتان من التنك أو الزنك لنقل الماء من البازان إلى المنازل وفق اتفاق مسبق.
محمد اليماني استلطفته إحدى السيدات فكان يلبي طلباتها في غير السقاية وأصبح مدير أعمالها في بيع جسدها، كانت تتنقل من مكان إلى آخر وهو يحرسها ويأخذ أجرتها مسبقا فتعطيه نصيبه الذي اقتنع به فقد وصل إلى مرحلة لم تعد صحته تمنحه القدرة على تأمين طلبات المنازل من الماء، إحداهن عشقت اليماني فلم يشبع طلبها إذ فقد قدرته الجنسية حفاظا على قوته الجسدية للعمل كسقاء فاكتفت بتولي شئونه والاهتمام بمظهره.



__ 2 __
لما هدأ عراكنا وتشابك أيدينا، أخذت تبكي بصمت قهرا ويأس من حماقة لا تدري عواقبها فأزداد نحيبها، طوقتها بذراعي تداعى رأسها على كتفي كنت لطيفا ولبقا وهاتف في داخلي ( يقول: سوف تصطلح لأمور فجميعنا منهك ) ولثمت شفتيها سكنت، كنت المحبوب البديل وفق علاقة الإمكان عبر انسجام قدسي محمل بالسر الضامن لاتحاد جسدين وامتزاجهما، وعرفت أنها على موعد مع صديق تأخر عن موعده الذي أقلقها لقضاء وقت تتسكع فيه لساعات طويلة عبر شوارع المدينة.
دعوتها لمشاركتي السهرة، تمنعت متوسلة بالمغفرة ولما عرفت اسم رفيقي وافقت وأخبرتني أن أسرته مسافرة، من هنا تشكلت السيطرة الصامتة وفق معايير عدالة اجتماعية أضعفت الأمن الاجتماعي وزادت هوة اتساع الواجب لتزداد سجلات المكتئبين.
لما شاهدها صديقي عرفها كانت كما هلل الغالية، ورحب بنا ولما ثملنا تركني معها في غرفة الجلوس نتجادل في معاني الأقوال في مغانم الأخذ والترك ، هل النسيم برائحة من رحيق فحاولت جاهداً أن أقول لنفسي إن ما يحدث خارج إرادتي، ولم أكن أتوقع إن صديقي الذي اعتاد كآبة الغرف الخاصة يراقبنا فلما غادرت الغرفة وجدته يجلس على كنبة في الممر يتجرع ما تبقى من مشروب وقد تجرد من ثيابه ماعدا سرواله الداخلي الأبيض الطويل.
عريه ونصاعة جسده واكتنازه لم يثيرا هواجسي وتوقفت أحدق فيه وعندها شعرت برغبة اكتساحه لم يقاوم تقبل اقتحامي مؤخرته بهدوء ولذة، معها خرجت المرأة من الغرفة لتجدني تجاوزت المتاح في مساحة شغبي.
توقفت وقد شوهت وجهها الذي تلون تكشيرة ظننت معها أنها ستبكي إنما تمالكت تحلل ما تشاهد وقد صدمها الموقف، ومع عدم مبالاتي والسلبية التي كسبتها عبر التصرف بلا اهتمام في شئون الحياة شيء في داخلي تهشم فانكمشت أبحث عن زاوية أدفن فيها اللحظة وأشعل فيها النار حتى لا يبقى أثر.




( فائدة )
وكما امتهن اليمنيون السقاية امتهن البعض العمل في المقاهي ما وفر فرصة استفحال دائرة اللواط، إذ المقهى كان ملتقى المتعبين ومكان رقاد من يقدم للعمل أو ملاحقة أمر يقضيه في المدينة ، ذات ليلة قررت النوم في المقهى، كان اليماني السهاري يدور بين كراسي الشريط المعدة للجلوس والسمر ثم النوم. ثم دخل مستودع الفرش وهناك لحق به احد الزبائن الرقود كنت كما جواد ناعس في مكان نتن فكان علي الاكتشاف، كان القهوجي المناوب يعرف بعض الزبائن شذوذه، ولما عرف إني زبون جديد تبسم كمن فك لغزاً.




__ 3 __
بعد أيام ثلاثة كنت عند صديقي بعد العاشرة ليلا وفي سيارتي قنينتا نبيذ، لم يكن هناك أحد سوانا، شربنا وقد تنوع حديثنا ثم تقطع ليخيم الصمت، فتوجست صدمت الاكتئاب وقد فقدت الدعم في محيط اجتماعي أخذ يتنصل من قيمه. صديقي الذي تجاوز لذة السكر بلذة الامتطاء، كان يفيض بمشاعر الود الى غير حد فولد قيما جديدة احببتها بالرغم من غرابة اطواره التي تبدت في اهتمامه بي، فلم اعد فيما بعد اشعر بحرج كلما زرته نمارس شغبنا.
وفي صباح يوم عدته كان منهكا ووجد في حضوري ترياقاً يعيد إلى أعماقه الحيوية التي فقدها بسبب إشكال عائلي في قضية اجتماعية لم يجد لها حلاً حاسماً، قل فيها وضوح الرؤيا وانشطر ذاتيا فوصل إلى اليأس. واسيته وتقبل اهتمامي ثم ران الصمت وقد نجحت في اكتشاف العلاقة بين اللغة والتفكير كان إنصاتي مصدر بهجته، ولم أتنبه أن زوجته كانت تتلصص، فلما اكتشفتها انسلت ساخرة من حفري ذاكرة زوجها وإعادة تشكيلها، بقيت بجواره وهو يتجرع ما تبقى من مشروب ويتمطى ثم تركني بداعي الذهاب للحمام ولم يعد.
غادرت غرفة الجلوس محملا بتراكم معرفي متعدد الأشكال والأبعاد وفق رؤية طبيعية لحل إشكال صديقي عبد وتلصص زوجته؛ وتلفت حولي، لم يكن هناك أحد. غادرت الدار غير مهتم بما يحدث وانشغلت بأموري العملية كسائق سيارة أجرة وصل لليأس، يتمهل السير في عامه الأخير من عقده الرابع ولم تستقر أفكاره فأنا مأساة متحركة يأنف الضمير الإنساني المتحضر من التفكير بها.



__ 4 __
وفي مساء مطرز بالبهجة بمناسبة زواج ابن احد الأصدقاء التقيته حدق في ثم عانقني، سلبني من حولي عنه فلم أجد الإجابة الشافية، وكان أن جاء تجديد لقاء العاشرة، كان علينا بعد العشاء الذهاب إلى وادي النمل حيث المساكن العشوائية لنتزود بما يساعدنا على الفرح.
كان البائع الأسمر يستضيف بعض أقاربه القادمين من مكة، لفت نظري فتى أسمر بينهم، تقاسيم وجهه وبنية جسده الشبيهة بالبنات، غمز مضيفنا وعرفت أنه لحظ اهتمامي، أمره بإحضار طلبنا من المستودع وطلب مني اللحاق بحسن للمساعدة في تحديد طلبي.
في الطريق عرفت أن مرافقي يستعجل الطريق فمشاعره المرتبكة وكفه البيضاء المتقدة تصهر فخذي وترسم معالم أحاسيسه المترفة والزائفة بثقل الادعاء؛ وعرفت أن زوجته الهنوف وأطفاله في المنزل، وأن إحدى أخواته موجودة، وخالته غالية التي كانت شريك سهرة سابقة موجودة، وهنا عرفت لم لما اقتربت منها؛ غادر الغرفة وتركنا بمفردنا.
فعلا كان المنزل يعج بالحركة والصوت دخلنا المجلس الذي اقفله بالمفتاح كما هي عادته إذ يخشى اقتحام احدهم خلوتنا أو أن يصدر منا تصرف يزعج الآسرة ويثير الريبة، وطرق الباب فتمهلنا وجاء تأخرنا فرصة للطارق أن يترك ما يحمل بين يديه عند الباب.
وفتح الباب سمعته يحادث أحدهم كان ثقيل اللسان فخرجت أستطلع وإذا بها زوجته الهنوف، كانت جميلة بتلك الخصلة الكثيفة فوق جبينها فخلخل وجودها لحظة الصفاء وتشكلت الذات ضمير الإنسان بغربته وقلقه وهو يجتاز المنافي برؤية هيمنت عليها مظاهر التكرار؛ حدقت في وانسحبت وهي تضحك، ظننت أول وهلة إنني أحلم ولكن تيقنت والظلام الحالك يعم الفضاء أنها شيء نوراني.




__ 5 __
تناولنا العشاء في صمت تصلنا أصوات عرك الأطفال وأبواق السيارات التوتر الذي يتصاعد في داخلي هذه الليلة ضخم الأشياء فزاد الصمت عمقا وأرتفع دوي مجهول في الفضاء، جدران الغرفة غدت شفافة لا تحجب الحراك ولم تعد ملاذاً أمن. و كما هي عادته نام في زاوية من زوايا الغرفة، تريثت وأنا أعيد ترتيب ملابسي والتأكد من قدرتي على قيادة سيارتي إلى منزلي فتحت الباب وبحثت عن حذائي وإذا بخالته تطالبني بإيصالها لمنزلها.
لم يشاركنا الطريق القصير أحد، ولما وصلنا طلبت مني التريث واختفت دقائق ثم عادت طلبت مني الدخول أمسكت بكفي وسرت خلفها وأدخلتني مخدعها تمددت على الفرش الوثير بدلت ملابسها وتمددت بجواري
قلت: أين المشروب ؟
قالت: أنا اكرهه.
قلت: وكيف تشعرين باللذة ؟
قالت: عندما يمزقني ويغوص في أعماقي.
التصقت بها كانت مشاعاً كسوق حرة مزدهرة بمكوناتها وجودة منتجاتها وأناقة معاييرها، ومررت أناملي على الجسد المتوتر، فوجدتها تتوهج وتغمغم بمشاعرها عبر انجذاب السقوط في بئر الرغبة متجاوزة انبثاق روحاني تشكل في داخلي، راصدة وسيلة تواصل اجهل اين تقف، ولما دخلت أعماقها ندت عنها صرخة مكتومة وانهارت قواها وخفت همسها فتناغم عطاؤنا ونمت في الفراش.
كان زوجها رجل الأعمال المعروف في رحلة استجمام مع مرافقيه خارج المدينة بعد وعكه صحية دمرت كل شيء فيه، فلم يعد يهتم بها فشعرت بنفسها ضائعة وسط مجتمع ينتظر حكمها، كانت تبحث عن سؤال حاسم تعرف أنها ستنتظر الوعد الذي سيصبغ بالألم أو الوحشة، إنها في سباق بلا هدف إذ سيبقى الحاضر غير محتمل، والشمس تتدفق أشعتها كانت تهزني وتدفعني للمغادرة.
في ظهر يوم وأنا أجلس في مجلس الأسمر الذي يزودنا بقناني المشروب داهمتنا الشرطة وبما إنني لا علاقة لي بالأمر فقد تم سجني أربعة أشهر تحت التوقيف بحثا عن سوابقي وشهرين للقناعة بحسن أخلاقي وأفرج عني حيث لم تكن لي سوابق عندها تذكرت صديقي الذي لا أعرف سوى اسمه وأنا أقف في الشارع واحدهم يترجل من سيارتي وينقدني أجرتي.
قلت: هل عبد هنا ؟
قال الراكب: عبد مين ؟
أشرت بأصبعي نحو الباب الأخضر الحديدي الذي أعرف أن هناك فناء وغرفة تحمل أنفاسي.
قال: نعم الرجل منوم بالمستشفى.
قلت: ووالده ؟
قال: لا أعرف شيئا
تحركت ثم أوقفت السيارة في الشارع الثاني وطرقت الباب، فتحه طفل في الخامسة عرفت أنه ابن عبد وأثناء الحوار شممت عطراً نسائياً، رفعت صوتي وأدركت من اختفاء الطفل أن هناك من يعرفني.
قالت: تفضل !
قلت مترددا: نعم ؟
قالت والباب يشرع: تفضل.
دخلت كانت الهنوف بثوب فضفاض حريري الخامة أحمر بخطوط سوداء تغطي وجهها بطرحة سوداء شفافة التف جزء منها على شعر رأسها، تسير أمامي متجهة للغرفة التي أعرف، كانت زوجة عبد بكل ما فيها من عبق، عرفت إن عبد دخل المستشفى منذ عشرة أيام وهو في العناية المركزة بعد تناول مشروب فاسد، لم أجد في حديثها الذي يتهمني بحالة زوجها أي عاطفة؛ أخبرتها إني كنت في السجن أشهراً ستة وخروجي جاء منذ يومين، عرفت الكثير عني، عندها طلبت مني الاتصال في الثامنة ليلا وزودتني برقم هاتفها.
تذكرتها في التاسعة عاتبتني على عدم الوفاء، علمت أن عندها أقارب، استمهلتني وفي الواحدة صباحا كنت أقف عند الباب الذي فتح وتسللت، كانت الغرفة معتمة والهدوء يخيم على المنزل، كانت كمن تلقى لكمة على الرأس أفقدها الذاكرة، معها تعلقت ببعض ما تبقى، في أعماقها تلتهب شهوة وقد جرى إبليس منها مجرى الدم، طابت نفسها أن تقضي أربها بعد تمنع لم تجد فيه سوى اضطراب نفسها وتعكر مزاجها.
كانت ترتعد مما حل بها ثم فتحت أزرار عباءتها المنسدلة على أكتافها ثوبها الذي ضم جسدها، بنعومته ورقته يشف عن غناها بجمال تجاوز المتخيل فتصلب نظري على أعاجيبها. واقتربت منها وأخذت أقبلها مما زاد اندهاشي بجمالها وحسنها ونعومة ملمسها واختلطت رغبتي مع هباتها الحميمة والسعادة التي تمنحنا وهم بدء جديد، وعندما تشكل لها المشهد وفق أشكال هندسية غير مألوفة، خر جسدها وسكن نبضها.
انبثقت المرأة الانفعالية التي تجهش في البكاء عندما تصل إلى لحظة لم تعد تجد فيها ذاتها حيث تموت ببطء، تجاوزت الضعف عادت شخصا نبيلا تمتلك روحا متطلعة ترفض الطيش يرتقي الحس الأخلاقي بقلق من يبحث عن قدرة الاستيعاب؛ وذهبت في غفوة لما تنبهت منها.
قالت: كم أنني بائسة.. ماذا أصابني ؟
قلت: هل أنا من أحزنك.
قالت: ليس هناك ما ينبغي توضيحه.
أخذت الدموع تنساب على وجنتيها غدا وجهها الصبياني الأعزل كتلة ألم، نهضت ووقفت في فم الباب تغطي جسدها بثوبها وتلف رأسها بشال أحمر كان على الطاولة الصغيرة في مدخل الغرفة، لتغطي عريها وطلبت مني المغادرة، لما حاذيتها طوقتها بذراعي ولثمت فمها، استكانت في متاهات اختبار لمسي وبصري.




( شهر زاد تتحدث )
قالت شهرزاد: في الليلة الرابعة بعد الألفين لما أمر الله جبريل بنقل غوطة الطائف من جنان الشام لم يحسب أنه نقل معها في المروج أفعى تدعى دليلة وهي من قص شعر شمشون ففقد قوته وتجمد ولم يسلم من سحرها سوى لسانه وعينيه، فكانت تحضر عشاقها وتنادمهم فيرى ويشتم وهي تضحك وتزداد نشوة؛ الغالية وهي حفيدة دليلة أدمنت وجدها لما عاث المرض بجسد زوجها.
ويقال: وأصل الطائف أن جبريل عليه السلام اقتلع الجنة التي كانت لأصحاب الصريم باليمن، فسار بها إلى مكة، فطاف بها حول البيت، ثم أنزلها حيث الطائف فسمي الموضع بها.







__ 6 __
في اليوم الرابع اتصلت في الثامنة صباحا جاء صوتها خدرا وعرفت منها أن عبد خرج من العناية المركزة فطلبتها السماح لي بزيارته، وهناك وجدتها متلفعة بالعباءة أشعر أنها ترصد حراكي وتعيد صياغة حديثي حتى تفسر كلماتي من غير أن تترك أثراً ليتشكل انطباع لا يمكن إدراكه، لم أمكث طويلا وغادرته على موعد جديد.
بحثت عن الأسمر في وادي النمل بحي نخب الذي أتزود منه فلم أجده إذ لم يزل في السجن، إنما لحظت حسن الفتى في الشارع، اقتربت منه، كان حذرا غير أنه عرفني وأنني قابلته في منزل قريبه يوسف ووصفت له غرفة المخزن.
أركبت الفتى العربة وأخذت أتقصى أخبار الأسمر، لم أستفد شيئا، تزودنا بالوقود ومنحته ريالات لشراء مشروب غازي وعلبة بسكويت كان جائعا رث الثياب وفي المكان الذي التقيته أمرته بالنزول وتوجهت إلى منزلي في أطراف الطائف على مشارف الحوية الذي أراه خلوة فيها أتأمر على حياتي وأستغرق متأملا في اكتشاف ذاتي باحثا عن العلة المطلقة في وجودي متشردا ينوء عاتقي بخنجر غدر وأثر هزيمة وخذلان صبغ أيامي بلونه النحاسي في مكان يسعى لإعادة خلقي.
عرفني الفتى أثناء تجوالنا على منزل بائع جديد للمشروب باكستاني لديه ولد في مثل سنه وبنت صغيرة يلاحقها صبيان الحي وزوجته لا تمانع من الرقاد مع أي طالب متعة؛ كما إنها تعرف أخريات يبحثن عن المتعة.
لما خرج عبد من المستشفى قرر الرحيل إلى الرياض حيث أستقر والده بعد التقاعد ويواصل العلاج من مرض لم يستطع أطباء المستشفى العسكري بالطائف تحديده، وقد سبقته التقارير الطبية للمستشفى العسكري بالرياض حيث يعمل أخوه الأكبر ونسخة منها لمستشفى الملك فيصل التخصصي لمزيد من الفحوصات، ولم أوفق في الخلوة به لوجود إخوته وأقاربه، كان يحاول أن تكون هناك فرصة غير أنهم أخذوه بالسيارة على إن تلحق به زوجته وأبنه وأبنته، مع انتهاء الفصل الدراسي الذي لم يبق عليه سوى أسبوعين؛ تقوم فيها بتخزين الأثاث وفرز ما ينبغي نقله من ملابس وحلي لها ولباقي أفراد الآسرة وما يمكن شحنه من مستلزمات.
هنا سنحت الفرصة لموعد جديد مع سيدة البيت، التي رتبت اللقاء الذي ضمنا في غرفة نومها كتأكيد حي لذاتها تثبت فيه وجودها بقوة واثقة ،وقد أفضى بها ذلك إلى التعرف على نفسها عبر مشاعر تحاول الآن أن تذوب فيها، متجاوزة آلامها النفسية في ألق إحساسها بذاتها حتى تشعر أنها تقوم بدورها على أكمل وجه لتتشكل هويتها الحقيقية كبطلة، كان غياباً أبديا لكن كل ما توصلت إليه هو هذا الفراغ الذي يأخذها إلى هوة العدم المشتعلة بأنوار زائلة.
سمعنا الباب يطرق كانت الخادمة النيجيرية السوداء تحمل طبق العشاء، ولما فرغنا عدنا للعبة القط والفأر عبر مربع لعبة الشطرنج الماهرة فيها والحديث عن انتقالهم إلى مدينة الرياض وكيف تدبر أمورها، حدثتني عن أسرتها الثرية وإخوتها رجال الأعمال ومزرعتهم في الدرعية، ولما شكرتها على استضافتها لي مضيفا خشيتي إني قد لا أتحرر منها كانت الطائف مسجونة بين جدران أربعة، وعند أذان الفجر كنت أتسلل من الدار.
بعد أعوام ثلاثة التقيت عبد وزوجته في السوق المركزي، تغير شكله وضمر جسده وذهب بياضه وخط الشيب شعره، يتنقل من محل تجاري لأخر، شككت في الأمر، وأمام فضولي اندفعت إلى اللحاق بهما؛ وهناك ضمني ولم تتمالك زوجته من مد كفها لمصافحتي، كان في زيارة عائلية لحضور زواج ابن خالته.
رتبنا لقاء غير أن الوقت لم يسعفنا لارتباطه بمواعيد وزيارات، وزودني بهواتفه وزودتهما بهاتفي ورسمت لهما سكني في شمال الطائف في حي شعبي مختلط يمتلئ بما ليس في الخاطر، توهمت من مشاركتها في الحديث وتبسطها أنها سوف تأتي فسارعت إلى القيام بترتيبه وتنظيفه وتعبئة الثلاجة بالمرطبات والبسكويت.




__ 7 __
وأنا في منزل الباكستاني أسامر زوجته سابراً أغوارها للغوص في أعماقها نازعا بعض خواطرها، بحثا عن زمان التقينا فيه. جاء تبسطها العفوي وشيجة إخاء بعث في أعماقي سكينة مخضبة بخضرة التعاطف ونهل معرفي لم أغلق بابه منذ بدء غربتي.
وأبحث عن ابنه الفتى الذي هل مع والده فتركتها لمعرفة ثمن المشروب، الذي أبحث عنه فأمر الفتى بإحضار طلبي فلحقت به إلى غرفة السطوح لأخذ النوع الذي أبحث عنه من المشروب.
وأنا أفتح باب سكن الباكستاني للخروج، طوقني رجال الشرطة في مداهمة للمنزل ركبت الجيب القفص وبجواري الباكستاني وزوجته وآخر كان ينتظرنا، عرفت فيما بعد أنه المخبر الذي اكتشف أعمال الباكستاني بعد تفتيش المنزل الذي كان في أحد غرفه قناني المسكر وعلب من الكرتون دس فيها حبوب مخدرات وحشيش.
كنت صاحيا وسليما، وتمسكت بأني صاحب سيارة أجرة يستأجرني الباكستاني لنقل ابنه وبنته للمدرسة الباكستانية، لقد كنت بالفعل متعاقداً على نقل طالبين باكستانيين من حي آخر، والدهما مهندس في شركة الكهرباء تعرفت عليه بعد احتراق عداد الكهرباء بمنزلي، هذا العذر التبس على المحقق ورجال الشرطة ولعدم قناعة المحققين وسابقتي في منزل المروج الأسمر حكم علي بالسجن سنتين. كان المؤلم غياب الأصدقاء والعزلة التامة عن الحياة وفق ما أريد. لاما يريد السجان، هنا شعرت بانقطاع العلائق الذي معها فاتني الكثير من الحقائق، فكرست وعيي باحثا عن الصلاح راسما لعقلي شيئا من الصفاء، ولما خرجت من السجن كان اتصالي المتكرر على هواتف الأرقام التي أحفظ؛ ومنها هاتف عبد وزوجته فلم يرد احد.
غير أني بعد ثلاثة أيام كان أخذي من موقف سيارات الأجرة في المطار، إلى إدارة الشرطة وتنقلت ومرافقي العسكري من مكتب إلى آخر، وهناك جاء اتهامي بقتل عبد بعد استقبالي له في منزلي، ومن الحوار عرفت أنه بعد القبض علي في منزل الباكستاني داهمت الشرطة منزلي بعد بلاغ من زوجة عبد تتهمني بخطف زوجها وتخشى أني قتلته.
بعد شهرين من التوقيف وتأكيد براءتي لوجودي في السجن قبل مقتله بساعات تم إطلاق سراحي وتابعت الموضوع، عرفت أن عبد وجد مقتولا في منزلي ومن البراهين قنينة مشروب عرق مغشوش وسجائر حشيش وأثار سهرة موبوءة لم يكن فيها سوانا.
جريمة مدبرة؛ هكذا قال أحد الأصدقاء، وتذكرت خالة عبد ولكن كيف الوصول إليها وهي زوجة أكبر رجال الطائف حكومة ومالاً وأنقذني سالم ساكن جبل الحبالى وهو جزء في حي العزيزية الراقي يعج بالغرباء من مجهولين الهوية وذوي المهن المتدنية، وان اشتهر بفرق الغناء والرقص النسائية التي تحيي حفلات الزواج والمناسبات الخاصة بالنساء، من مختلف الألوان غالبيتهن سمر البشرة ووافدات اندسسن بينهن لمزيد من الدخل وإزجاء الوقت، سالم يقيم في منزل والدته القديم في أعلى مكان عبر أزقة ملتوية؛ تعرفت عليه مؤخرا متشرداً يتنازل عن كل شيء لمجرد كأس مشروب ولفة سيجارة حشيش.
كانت زينب زوجة سالم المفتاح، جاء الترتيب بعد جلوسنا كثلاثة نرتب للوصول للحقيقة. كنا خارج الطائف المأنوس بين الجبال في الهدى والطبيعة الخلابة التي تنصت لحوارنا وحسيس الأشجار يشاركنا البحث عن الحقيقة الغائبة منذ خلق الله الإنسان، في دعوة رتبتها على حسابي، فيها حققت لسالم مطالبه، قارورة عرق بلدي ولفافة حشيش مغشوش وسجائر فاخرة تشاركنا زوجته مزها، ووجدت في زوجته الكنز الذي معه تتجاوز جوعها وعوزها، لم أجارهم في الإغراق في الشرب متنبها لما حولي مدركا أنني ارشف من نبع كدر.
بعد قيامي بترميم جسد زوجة سالم بشراء ملابس وعطور تدخلت في اختيارها، وأخذها إلى مركز ماكياج نسائي، خلقت منها امرأة مجتمع لم يهتم سالم باستحواذي عليها وتوجيهها بمطالبي وأمليت عليها حركتها ودورها وأعدت الأمر مختصرا عليها في السيارة ونحن نقف أمام بوابة منزل خالة عبد مع قرص قوي على لحم فخذها أخذت تدعك أثره، وقد كشفت فخذها الأسمر لتريني البقعة الحمراء التي تشكلت، فبللت سبابتي بريقي ومسحت الأثر وأنا أعتذر عن قسوتي فتوعدتني بالثأر.
كانت الخالة غبية بكل ما توفر لي من نعوت، أو أنها واثقة أنها تملك زمام الأمور وتستطيع تحريك ونقل القطع وإعادة رسم الصورة، وقد أثر فيها لطف ومجون زوجة سالم الشابة التي وجدت فيها منتجاً جديداً لغرائزها، وبعد عدة لقاءات كان علي دعوة الاثنتين لسهرة في إحدى الاستراحات الخاصة والغنية بمياهها وكرومها وورودها في بساتين وحدائق المثناة، أمنت الفرصة للاثنتين للبقاء وقتاً أكثر لمزيد من التأمل في جدلية الاندماج بين الروح والجسد والعبث.
كان دوري إحضار العشاء ووجدت في عيون الاثنتين الرغبة فلم أمنحها لهما وأنا أحثهما إلى مزيد من الحديث عرفت منها أن زوجة عبد هي من رتب مقتله مع إخوته، بعد تعرضه لمرض خطير وانتشار خبر شذوذه بين أفراد العائلة، وتأكدها لما تلصصت ووجدتني الشخص المناسب للدور الذي شكلته عني فكان اتهامي، وجاء اتفاقها مع إخوتها وإدانتي بعد ادعائها أنني اغتصبتها، وبما إن الأسرتين متقاربتان ولسيرته التي يتحفظ عليها أهله جرى حفظ القضية والتنازل، وخفض مدة سجن الحق العام عن زوجته التي اعترفت إنها المحرك الرئيس للتدبير.
كانت الخالة في عنفوانها وكنت أجد في جسد زينب الفتي زوجة سالم ما أبحث عنه، من خلال اكتناز أردافها تشاركني رغبتي في اقتحام مؤخرتها والتمتع بما تملك من وهج يجعلها تختار فريستها وهي تطالب بشراسة بشيء تلمسه عبر وجنتيها السمراوين وأهدابها الطويلة، وانجذاب وتدله وأوصلت الاثنتين الخالة لمنزلها، وقد أغرتني بلقاء جديد.
بينما زوجة سالم تستقر بجواري ولما أوصلتها لمنزلها دعتني للدخول فسالم وأولاده عند أمه كانت كريمة وهي تأخذني للفراش وقد مسحت جسدها بعطر نفاذ، ولما سمعنا الباب الخارجي يفتح ادعينا النوم هي في الفراش وأنا ارقد على الأرض مغطيا جسدي لحاف خفيف متوسدا مجموعة من الملابس ذات الرائحة النتنة؛ وقف سالم مضطربا ثم غادر الغرفة وبعد وقت وأنا أغادر الدار وجدته يرقد في غرفة الجلوس.





__ 8 __
أصبحت مراقباً أمنيا، ومن هنا أعدت ترتيب وقتي، بين العمل كموظف براتب عامل يقوم بمهام جسيمة في إدارة فقدت صبغتها من خلال مهندسين ومراقبين فنيين متعاقدين عرب وأجانب اتفقت مصلحتهم فسهلوا لبعض النافذين في الإدارة التنازل عن شروط عقود عمل لقاء عمولات ورشاوى يراها الجميع ولا يقدر على إثباتها أحد، وسائق سيارة أجرة يتنازل عن حقوقه عندما يجد من يلفت نظره وكسب وده اتباها بموقفي؛ وأنا خجل من تشردي.
الخوف ولد أصدقاء المقهى حتى ساعة الإغلاق، ثم التجول في الشوارع الممتدة والملتوية أعد الحيوانات السائبة من كلاب وقطط مكومة عند براميل النفايات، عبر أحياء تحمل اسم جهة قاطنيها اليمانية والبخارية والشرقية في تشكل عشوائي يؤرخه كل من تعامل مع المدينة كموقع جغرافي وإنساني تشكل اجتماعيا وفق وهم المجاورة أولا وثقل الذنب، إذ تم رد الرسول محمد بن عبد الله وقد أدمت الحجارة عقب قدميه ؛ وشارع الملك سعود يتمدد بلا هوية كعامود فقري المدينة، السير في كسل وعدم رغبة إلى مسكني المتواضع حيث يتشكل اعتصامي وفق حالتي النفسية إذا تلبسني حزن الفقد.
إنما هذا السكون والقرف قطعه موافقة فتى أشقر ممتلئ الجسد لم يبزغ شاربه اعترض طريقي لمشوار لم ينجح في تحقيق أهدافه على قبول دعوتي، في الطريق شريت طعام وبعض علب العصير وفي المنزل المترب شعر الفتى بالوجل فتركته لأفكاره، ونمت في فراشي وبعد وقت طويل اندس في الكنبة الطويلة بصالة الجلوس أمام التلفزيون، لما تنبهت صباحا كان فقط بسرواله القصير مررت كفي على صدره تنبه فأخذ يضحك كفي تتحرك بقلق وهدوء فوق جسده.
نهض ووقف في وسط الغرفة جلست على طرف الكنبة وفي داخلي خواطر متضاربة قررت التعامل معها بصورة منفصلة وفق نظام التعرف على الصور دخل الحمام سمعت الماء ينهمر، توجهت للمطبخ أعد الشاي وإفطاراً خفيفاً وأثناء غليان الماء لمحت باب الحمام موارب دفعته، الماء يسكب على الجسد العاري أخذت أدعكه بالصابون كان صفحة بيضاء وأنا بأفعالي اكتب عليها تجربتي الذاتية . اخذ يتناغم مع حركاتي بمشاعره وأفكاره، وفق تلذذ مرتبك تجاوز لحظة العداء كتميمة واقع قائم.
بقي الفتى أربعة أيام كنت أخرج لقضاء مهامي وإحضار الأكل، وكان يقوم بالنوم وإعادة ترتيب المنزل.
قلت: أنت زوجة جيده.
قال: تربية أمي.
قلت: وأينها ؟
قال: مع زوجها في رحلة عمل.
قلت: وأنت ؟
قال: جئت لقضاء بعض الوقت عند أختي.
قلت: كيف ؟
قال: أختي طبيبة بمركز طب أهلي.
قلت: ألا تفقدك !
قال: مشغولة بعملها وهي تظنني الآن عدت لأمي.
مع صباح اليوم الخامس رافقني الطريق وفي موقف السيارات المتجهة إلى مكة، فزوج أمه عضو في هيئة التدريس بالجامعة وأمه عضو لجنة خيرية تحت إشراف جمعية نسائية، نزل بعد أن دسست في كفه بعض النقود.





( أوراد النفري )
من مرويات النفري: أن جاري شخص ظريف بشوش مبتسم يدعى عبد الله، منزله مثل منزلي شعبي مكون من الطوب والخشب، يشمل أربع غرف متلاصقات وفناء يضم المطبخ والحمامات، يطوقه سور لم يرتفع كثيرا عن الأرض، يستر ما بداخله، يحرص على دعوتي في مناسباته ومن هنا اعتبرتني زوجته أخاها الغائب وابنته وأولاده الأربعة شقيقهم الأكبر. من جلوسنا المتقطع عرفت أنه موظف كقهوجي ومراسل على مستويات وظائف خارج الهيئة، وزوجته مزون تتقن عمل البيوز وتطريز الطرح وترتق ملابس أسرتها من خلال مكينة خياطه يدوي.
ومن مرويات النفري: وأنا أوصل مجموعة من النساء إلى منزل أحد الشخصيات يتجمع عند بابها الناس ذكور وإناث في الصيف للصدقة لمحت جاري وزوجته ضمن المكومين، شعرت بالحزن وغصيت بالألم تجاوزته ولم أوفق في قضاء بقية يومي فقد غادرت الطائف شمالا، الطريق المزفت يمتد أمامي في تقلص العمران واتساع الفضاء، وانزويت في مقهى مسافرين أدخن وأتجرع الشاي، وأفكر فيه، وفي حالته، مع العشاء كنت أقف عند مسجد الحي الذي تتقطع زياراتي له كان جاري عبد الله يسير بتثاقل تركته يدخل ثم لحقت به، وبعد صلاة العشاء جلست بقربه وقد غادر معظم المصلين المسجد، عرفت أنه منذ ستة أشهر أحيل للتقاعد لبلوغه الستين وفشل في التعاقد ومعاش التقاعد لم يتجاوز نصف راتبه السابق وأرهقه الجلوس في المنزل وحاجيات أولاده، فالبنت تأخر زواجها وولدان في الجامعة وولد في الابتدائية والرابع في المتوسطة شعرت بهمه
قلت: الحل عندي !
قال: كيف ؟
قمت باستئجار دكان في عمارة سكنية على الشارع الرئيس بضاحية الحويه، وحصلت على رخصة فتح بقاله تموينات من بلدية الحوية الفرعية، وجهزته بما لا يتجاوز عشرة آلاف ريال من المواد الغذائية والمستلزمات المنزلية، وأخذته وابنيه في الجامعة إلى الدكان وطلبت منه إدارته وتولي شئونه واستشهدت ولديه، رفض إنما لما ناقشته في فراغه المرعب لم يقتنع بحججي ولما انشغل الولدين بالتعرف على أسعار المواد.
قلت: هذا أفضل أم الشحاذة ؟
قال: خاف الله.
قلت: منذ يومين وفي القايله شفتك أنت وأم العيال عند قصر الشيخ.









__ 9 __
بحثت عن المركز الطبي وسألت عن الطبيبة، لم تكن في رواء وجمال أخيها اختلقت قصة عن أخيها، تذكرت إني اجهل اسمه، الذي لم يسدد أجرة بعض المشاوير من حراكها وأفعالها عرفت أنها تتناول مسكنات فأخرجت من علبة سجائري لفافة حشيش أشعلتها وقدمتها لها، تلفتت حولها فنحن في حديقة المركز الطبي الصغيرة والتي يمر بها المرضى لنافذة الصيدلية ويدخن بها الأطباء والممرضين وبعض المراجعين من المرضى.
بعد انتهاء السيجارة أشعرتها برغبتي في لقاء جديد أكمل فيه حكايتي مع أخيها زودتني ببطاقة عليها اسم ورقم المركز الطبي، وبقلم جاف أخرجته من جيبها دونت اسمها ورقم هاتفها ناولتها لفافة أخرى وأبقيت كفها في كفي حتى تشعر بصدمتي، لفت نظري نحولها واصفرار بشرتها أدركت إنها سحاقية لم تأخذ حقها فيمن تحب.
بعد أيام لا أذكر عددها كنت أنقل الدكتورة في سيارة المهام الخاصة، إذ أملك سيارتين الأولى تاكسي أجرة والثانية خاصة قليل استخدمها إلى منزلي قدمت لها عددا من سجائر الحشيش وكأس مشروب تمنعت ثم تجرعته سرى الخدر في جسدها، أخذت تهذي بأشياء عاشتها كاشفة عوالم كنت أتخيلها في منامي وأدرك إني لم أغب عنها، وأغمضت عينيها لم اهتم بمشاعر التأزم والتمرد والانسحاق والمعاناة كانت تعاني من سلبية فاحشة فخلقت في الفعل ارتعدت أطرافها شعرت إنها المرة لأولى التي تضاجع فيها رجل بكامل رضاها عبر قيم التناهي وخصوبة اللحظة بحثا عن الحقيقة عبر الحق.
شاهدها سالم تترجل من سيارتي، لما عرفني اقترب، عرفت " انه يعمل رجل امن " بالمركز
قال: الدكتورة تحب زوجتي.
قلت: وزوجتك ؟
قال: تبتزها
قلت: كيف
قال: عندما نحتاج فلوس تتمنع
قلـت: والدكتورة ترضيك
لم أفكر في استغلال الحالة وتذكرت زينب زوجة سالم التي يأتي حديثها همسا وفي جمل استفهامية قصيرة وكما زقزقة العصافير، ويشتعل جبينها ضياء بكيمياء السكون الذي معه يتحول الحديث إلى شريان حياة، فاتجهت إلى منزلها قرعت الباب فلم يرد أحد وبينما أنا أغادر الشارع، لمحتها تنزل من عربة أخرى لم تلاحظ وجودي انتظرتها حتى دخلت فعدت لقرع الباب، لم أنتظر تفوهها بالكلام دفعتها ودخلت سحبتها خلفي كانت مدينة لم تصلها التغيرات وفي داخلي كم من الصراعات الاجتماعية وعلاقاتها المتداخلة لمسخ هويتي، قدمت جسدها فريسة لرغبتي وقد ضاعت ابتسامتها في الفراغ. تكلمت عن الحب والصداقة فحمل صوتها المبهم سخرية حاقدة.
كانت مستسلمة كما امرأة تبيع روحها وتمنحها لمن يجد فيها شقاءه دون شفقة وهي تتهم عجزها عن إنقاذ ذاتها وعن مبرر لوجودها في هذه الساعة، ودخلت الحمام سمعت الماء يتدفق خرجت وغادرت الحي، أدركت أنها مسطولة فاقدة لمشاعرها بسبب تناولها جرعة مخدر لم تعتده قدمه لها من أقنعها بمرافقته.
وشعرت بالإرهاق فقررت العودة للمنزل. كانت السادسة وقت المغرب ونمت لأتنبه على قرع متواصل على الباب، كانت الدكتورة صباح القادمة من الشام وأخيها ومعهم العشاء كانت العاشرة ليلا جهزا الشاي والعشاء،جلسنا ثلاثتنا نتبادل الحديث والطرائف، برجوازية مثقفة تعيش خواء وجودي، تغلي بثورة ملؤها الغضب في مجتمع لم يستطع أن يفرز النموذج، وقد تعطلت إمكانياتها في الخلق والمشاركة فجاء التمرد السلبي، شعرت بحاجتها إلى سيجارة حشيش قدمتها لها ومع امتزاجها للمخدر تركتنا ودخلت غرفة النوم ورقدت.
جلسنا بعد العشاء أنا والفتى متجاورين أمام التلفزيون، ثم تداعى وجلس على الأرض ورأسه على ركبتي كانت أنامله تمس شعر ساقي وتصعد إلى فخذي، في غرفة أخرى بها سرير صغير دفعته أمامي وأغلقت الباب بالمفتاح .
في الصباح تناولت الدكتورة السيجارة الثانية وحثتني بعينين مفتحتين لكنهما لا تريان وقد فقدت قدرة إيجاد الأشياء مفرطة في انخطافها في زمن تقرير المصير؛ على إيصالها وآخيها إلى المركز الطبي عرفت أن أمها وزوج أمها في إجازة نهاية الأسبوع استضافتهم في إحدى الشقق المفروشة في أحد منتجعات الهدى، لم أستفسر متى نلتقي عرفت أنها وهي تلوح لسالم بكفها على موعد مع زينب الذي أخبرني أن الدكتورة مناوبة وأن زوجته سوف تأتي للجلوس معها لإزجاء الوقت والعبث الذي معه تشبع غرائزها.
قلت لها: هل تستحق أمك المغامرة ؟
قالت: أخت زوجها
قلت: كيف ؟
قالـت: زوج أمي تزوج أخي أيضا وأخته العانس تزوجتني
قلت: إذا " مكملين " بعض
قالت: أخت زوج أمي المشرفة على بحث التخرج
قلت: طبيبة
قالت: أستاذة جامعية تكره الرجال
قلت: أكيد نسره ! !
قالت: بس أنت فجرتني لم أتخيل إنسان يملك هذه القدرة على التبديل
قال أخيها: ول مزقني
قالت: لكن استأنست ودليل هذا انك البارحة نمت في غرفته
قلت: تركتينا أيتام
قالت: العوض بعد أربعة أيام عندي إجازة
بعد أربعة أيام كان منزلي يضم الدكتورة صباح وسالم وزوجته زينب التي أخبرتني إنها التقت الغالية خالة عبد في مشغل نسائي تمتلكه ويديره فتيات مغربيات ولبنانيات بقروا يستفيد من تجاوزاتهم سائق سوداني طلب منها وقد لفت نظره تناسق جسدها وجمالها العمل في المشغل كمرافقة للعاملات في المناسبات الخارجية ؛ وإنها تود مقابلتي في انشغال المرأتين بترتيب الجلوس وإعداد المشروب والعشاء، دخل سالم غرفة النوم ولحقت به شعرت برغبة في تملكه كان يتفقد الغرفة ويبحث عن شيء لم يحدده.
الخالة بعد انتقالها وأسرتها إلى جده، تزايدت الإشاعات عنها وقد أغلق المشغل الذي سجلها التجاري يشمله وكونت لها عدداً من المباني التجارية وزوجها المقعد يتابع بصمت حراكها وأثرها في بناتها وأولادها، كان سكرتيرها الخاص وسائق سيارتها الأمين فتى مجهول الهوية بسطوتها منحته الجنسية، أسمر اختارته من بين مجموعة ممن تقدم للعمل في قصر زوجها، يمنحها المتعة التي تبحث عنها في شاليه على البحر خلال يوم خاص، في الشهر تترسم طقوسه بعناية وفي احد هذه الأيام أرسلت السائق لإحضار وجبة سمك كعشاء فغطست في المسبح وداهمتها نوبة قلبية قضت عليها .
مررت كفي على ظهره التفت نحوي، من تصرفه توجست أنه مصاب بالاكتئاب فقد تحولت ابتسامته إلى ملامح أسى وحزن أو مصاب برهاب اجتماعي فقد شعر بالحرج من بحثه غير المحدد داخل الغرفة وكأني وجدته متلبسا جرم لم يقم به، كانت عيناي تغوصان بحثا عن عالم فقدت معالمه، كانت أشباحها تتجلى بغتة وتختفي وكنت أعرف كيف احتقر ذاتي، اشتد هوسه فأخذ يدق رأسه في المرآة كان ينكمش ويتمدد وحديث المرأتين يصلنا ثم انقطع.
تمددت في الفراش وجلس على كرسي التسريحة، ودخلتا لم يفاجئهما صمتنا وقفت الدكتورة بجوار سالم بينما زوجته جلست على طرف السرير وقد اصطدمت مؤخرتها بساقي.




__ 10 __
مع ارتفاع صوت غلاية الماء غادرا سالم وزوجته الغرفة قامت الدكتورة بفتح علبة تقبع على الكمدين واستلت سيجارة حشيش تأملتها ابحث عن تدرج المنازل بيننا الأربعة وفي هذه اللحظة ومن منا ندين له بالولاء وأهمية وخواء كل مركز ولحقت بهم
أخرجت من ثلاجة الغرفة الصغيرة قنينة نبيذ وكان على الطاولة في غرفة الجلوس عدة كؤوس وقناني مياه أعددت أربعة أكواب، تناولت أولهم وجلست متأملاً اللحظة في جرأة وثقة بالنفس في هذه الصلة الحميمة التي نستضلها راشفا محتواه ، جاء سالم وجلس وأخذ الثاني جاءت الدكتورة وأخذت الثالث لما لمحتنا زوجة سالم من باب المطبخ جاءت وأخذت الرابع واستندت على المقعد الذي أجلس عليه شعرت بالعدم؛ نحن اثر في لاشيء بينما الحقائق هي الوجود الذي نحن عليه وعلينا اكتشاف ذالك.
بينما التلفزيون يعرض فيلماً أجنبيا وقد انبهر الجميع بأحداثه لمحت إن القنينة فارغة فنهضت لإحضار الثانية ولحقت بي الدكتورة اتجهت إلى علبة السجائر فأخذت لفافة وتمددت في الفراش وبعد تجرعنا الكأس الأول من القنينة الثانية، طلبت من سالم اللحاق بالدكتورة تردد فطوقت زوجته بذراعي عندها تجاسر ونهض جلست زوجته في المقعد المجاور نتجرع كأسا واحدة.
تنبهت الدكتورة من غفوتها وسالم يقف فوق رأسها قدرت الموقف فكان عليها إثبات وجودها تجاهلته منتظرة فعله لتكون ردت فعلها وقد قررت إيجاد وسيلة للتحدي والانتصار، جاء فعله الانكفاء والعودة للجلوس أمام التلفزيون، زوجة سالم نهضت وأمسكت بكفي ودخلنا الغرفة الثانية وقد تجاوزت معان معقولة كنت رسمتها حولها في تقدير الحقيقة كمفهوم ذهني فكانت تتلذذ بصمت.
قال سالم: أمي أشغلت فكري وكذلك أولادي.
قلت: لم ؟
قال: يمكن الولد الصغير أرقها
كانت الساعة الثانية صباحا سلمته مفتاح سيارة المهمات وغادر مع زوجته التي كانت تفضل البقاء ويذهب سالم ويحضر الأولاد.
وأنا أرقد في الغرفة الثانية نبهتني الدكتورة تسأل عن الآخرين أخبرتها بما تم . ها إنها تضحي في غياب ابدي، أحست إن شيئا قد حدث لم تغط كامل جسدها بالمنشفة المعلقة بالشماعة، في ذهول راقبت مؤخرتها وهي تدخل الحمام ، تخلصت من ملابسي ولحقت بها الماء ينثال ونحن ندعك جسدينا بسلوكيات ونشاط بدون هدف واضح يكشف عن جمال اللحظة، ووصف عقلي لا يمكن أن يفي العقل؛ حملتها والماء يقطر من جسدينا إلى الغرفة وغطيتها بلحاف أبيض لتجفيف جسدها كانت ساكنة ومستسلمة أشعلت سيجارة دخان تشاركنا في مزها بدلت ملابسها وطلبت مني أن نتجول بالسيارة غادرنا الطائف عبر الطريق الدائري كفها تربض على فخذي أناملها تتحرك بهدوء وفق موسيقى الأغاني الصادرة من مذياع العربة ونحن نقترب من المركز الطبي، ترجلت في الشارع الكبير لتتجول قليلا في المحلات التجارية.
مع امتداد شارع خالد بن الوليد شرقا كنت أتابع تعليمات راكب أسمر وآسرته تجاوزنا السوق وعلى مشارف المسلخ ومقر البلدية دخلنا يمينا، وبعد منعطفات جبلية لم أعدها أمرني بالتوقف وترجل الجميع، واصلت سيري كانت الواحدة ظهراً ولمحت حسن الفتى الأسمر والبنت الباكستانية يسيران في شارع خال من المارة، لمحني الفتى فتوقف وواصلت البنت السير حياني وعرفت أنه يتمشى على غير هدى، عرفت أن البنت تقيم مع أخيها عند أسرة من جماعة أبيها المسجون، دعوته للصعود اقترح مرافقته للبنت لحق بها ودعاها، اندس الاثنان في السيارة اتجهت لمنزلي أعرف أن لا أحد هناك ففي الظهيرة يسكن الحي وتتنقل الأرواح الشريرة بأنفاسها بين البيوت فيفقد الجميع إحساسهم، بما حولهم اخزن في ثلاجة المنزل ماء وعلب عصير وبعض البسكويت والفواكه.
بعد مضي بعض الوقت قام الفتى وامسك بكف البنت واتجها إلى المطبخ تصاعد حراكهم ورائحة طبخ يعج في المكان.
بعد العصر وأنا نائم في الغرفة الثانية نبهني تدافعه في الحمام تحت الماء، وكشخص مختل العقل يحدق أمامه في الفراغ غادرت الفراش؛ البنت تجلس منتظره أمام شاشة التلفزيون انشغلت عنها بتجرع الماء وجدتها فتاة طيبة خطف عمرها زمن أسود تخيلتها جبارة كما البحر الذي تمتد مياهه إلى غير حد جاء صوتهم من مكان بعيد، قدما بتوهج أطباق الغداء بتوليفة مطبخ متميز وطلبا إيصالهم للمكان الذي أخذتهم منه البنت التصقت بي تدغدغ كفي بأصابعها شممت شعرها ولثمت فمها كنت إنساناً تعذبه شياطينه كغضب ينزوي في أعماق الشرايين، وقبل نزولهم من السيارة دسست في كف كل واحد منهم مئة ريال.
في المقهى والساعة الحادية عشرة ليلا وأنا العب البلوت وأمارس تدخين الشيشة، لمحت الفتى الأشقر مع شابين الأول أسمر والثاني أبيض لم أهتم بوجوده، تصاعد الغضب في داخلي و تخيلت بغباء أنه نسي شكلي لما أنهى مرافقاه التدخين وشرب الشاي نهضا ولحق بهما كان يتمهل حتى أرصده، لم أهتم بتصرفه، وهنا قال أحد الجلوس: الشباب معهم صيد ثمين، تبسمت وأطرافي ترتعد من البرد الذي انصب علي فجأة وقررت الانهزام في اللعب متحملا شتائم رفيقي في التحدي ومغادرة المقهى بدعوى الإرهاق.
جاء اتصال سالم يخبرني أن خالة عبد تنتظرني في العاشرة ليلا، كان في المنزل وحيدا وزوجته وأبناؤه عند والدته المحتفلة بمولود جديد لشقيقته الكبرى، وانه سوف يشاركهم حفلهم، كانت الساعة الثامنة ليلا، طلبت منه انتظاري، كان ينز عطرا وألقا، ضممته إلى صدري، وجلسنا أخرجت لفافة من علبة السجائر تشاركنا مزها، شيء فيه يذكرني بعبد سألته عنه عرفت إنهم أصدقاء طفولة ومدرستهم الابتدائية تمتص ذاكرتهم، وفي الساعة التاسعة خرج متذكرا الموعد، لم ينبس بكلمة إنما تركني في مكاني غير مبال بحرجي، لما سمعت الباب يغلق تنبهت فلحقت به؛ منزل خالة عبد قريب ويبقى ساعة عن الموعد، اتجهت إلى حديقة الحي وجلست في السيارة أرتقب وأراقب الزوار، كانت الصور تتعدد وتتنوع تكشف عن عالم غائب عن الرؤيا غني بمواهبه، وفي عنف الانفعال كنت أجتهد في إقناع ذاتي بمعرفة ماذا بقي وهل أدمج ذاتي في قائمة المحتلين أم أنا مجرم فقد فريقه فأخذ يمارس غوايته غير المشروعة بما تولده الصدف من أبواب أمنه.


__ 11 __
عرفت من سالم إن أمه مطربة ومغنية أفراح مشهورة، ولها تسجيلات ولديها فرقة بنات من الطائف ومكة وجدة عندما يطلب آهل المناسبة مغنيات مشهورات، وان زوجته زينب من بنات مكة اختارها من بين أعضاء الفرقة، عندما كان سائقا لسيارة الفرقة طلبت منه تبليغها سلامي لا أدري ماذا قال لها إنما وجدتها أمامي في العاشرة صباحا اثر مها تفتها لي على العمل، كانت تنتظرني في محل تجاري في شارع البريد تبادلنا الحديث .
قالت: أقبل دعوتك.
قلت: بشرط تغنين.
قالت: صوتي اختفى.
قلت: مصر أسمعك.
اتجهت إلى منزلي الشعبي تجولت فيه انتقلت من عالم اليقظة إلى الحس؛ جلست على أحد مقاعد الجلوس وجلست قبالتها أنتظر هطول الوحي وتغني، همهمت بأغنية اشتهرت بها أحضرت من الثلاجة قنينة نبيذ وكأسين أبقت كأسها على الطاولة لم تلمسه وتجرعت كأسي، اقتربت منها فتحت مقلتيها، ووقفت بنهم مدت كفها تلامس الفراغ تتحسس شيئا رصدته، وضعت كفي على رأسها وجررتها بشعرها المصبوغ بالحناء وقد نبهتها الدهشة إلى غرفة النوم، وتدافعت في أعماقها كانت عجوز قوية تجاربها تجاوزت قدرتي، كانت في رحيلها الدائم في حالة بالغة الشفافية، كانت تمنحني المزيد من الثقة بالذات عبر تعليمات نفذتها في عوالم أخرى.
وفي العاشرة كنت أقف عند بوابة القصر الكبيرة التي انفرجت فتسللت كانت قد ازدادت نحولا وتجاعيد محافظة على رشاقتها ونعومة جلدها وطراوة صوتها، لم تأخذني إلى غرفتها إنما إلى غرفة استقبال تمددت الفرش والمخدات والمساند في جوانبها، وفي زاوية منها كانت تقبع علب عصير فواكه ومشروبات غازية ومياه وحلويات، أغلقت الباب بإحكام وفي زاوية الطاولة جلسنا متقابلين كانت تتحدث وأنا أنصت، اكتشفت أني اكتم السر، وأناملي تعبث بين أطرافها منشغلا بوصفها وأنا أحدق فيها وأرصد ظلها الذي يتحرك وفق حديثها في سياقات مختلفة في ربط بما تقول: بجهلها بمن أكون أطرافها كانت ترتعش لاصقتها بالجدار وألصقت فمي بعنقها فككت رباط شعرها وأزرار ثوبها.
تهدل صدرها وتعرى جسدها لم أنتظر حتى أتخلص من ملابسي كانت كفرس حائل تتفتح مسامها الواحدة تلو الأخرى وكأنها من طول المكث لم تعد تملك نفسها ولما تقطعت أنفاسها تمهلت وابتعدت عنها أخذت تسترجع قواها.
كانت هنا ذلولاً مطيعة جرى عسفها تتبع همز قائدها، فالمدلول هو المفهوم ونحن نرى وفق خلق لغتنا وتصور أفكارنا كان رأسها يتدلى في الجانب الأخر من المخدات وثدياها مسحوقان بين ثنايا المخدات، في تعامل وجودي متميز عبر حالات الواقع الاجتماعي واغتراب نابع من الفعل الإنساني.
تركتها على حالها وتمددت بجورها أنقل بصري في تشكيل الغرفة والضوء الخافت يحجب الأشياء وتنبهت عليها وهي تقعد متجاوزة الطبيعة القمعية المغتربة واصلة إلى الشكل الأمثل فانكبت على وجهي تقبلني وتمص لساني.
قالت: وقد عدنا جلوساً متقابلين: هل لك زوجة ؟
قلت: لم أتمكن.
قالت: شباب وفتوة.
قلت: الفقر والجوع.
قالت: حبك للبزران.
قلت: هو جزء من حياتي.
قالت: هل لك صديقه ؟
قلت مواريا: نعم.
قالت: تقابلها ؟
قلت: عندما يخطط القدر.
قالت: وهي ؟
قلت: عندما تشتاق.
هنا اقتربت ووجدت عندها رغبة في مساعدتي طلبت مشاهدة حفيظة النفوس وبطاقة العمل لمعرفة اسمي كاملا وسني وهل أنا موظف، تذكرت جماعتي في أقصى الشمال، والدي عسكري تدرج في الجيش حتى أصبح قائد المنطقة، أمي لم يرزقها الله غيري، وتزوج والدي ثانية وثالثة وشكل مع أولاده من زوجتيه حياة جديدة لم أتوافق معها فألحقني وأنا في السادسة عشر من العمر بالجيش عسكري، والدتي عثر عليها ميتة في قاع بئر بمزرعة أخوالي.
قالت: عامل حكومي.
قلت: نعم وعسكري سابقا.
قالت: وعمرك خمسة وأربعين.
قلت: وأعزب.
قالت: اعرف انك متزوج نسوان حارتنا.
قلت: واحده فقط.
قالت:المشكلة انك كذابا ولكن كلامك مقنعا.
لم اعلق وأنا استرجع تجربتي الأولى بعد تجمع الجيش في الطائف، كنت مع الفرقة القادمة من الشمال والدي تقاعد. كنت في الثامنة عشرة بعد صلاة المغرب في مسجد ابن عباس لفت نظري مسجد صغير مقابل الباب الشمالي للمسجد كتب على جداره مسجد الوزير، لم تغلق أبوابه دفعني فضولي لدخوله ووجدت مجموعة يتوسطهم رجل أسمر في ثياب بيضاء، كان يحفظهم القرآن ويعلمهم الكتابة وقصصاً عن الحب واهتياج القلوب إلى لقاء المحبوب، وأن هناك بذرة طيبة تظهر ثمرتها العبقة عند من يستطيعون أن يعرفوا وأن يعشقوا؛ صليت معه العشاء وطاب لي حضور مجلسه.







__12 __
في خلوته الملاصقة للمسجد كانت أخته تدرس الفتيات، اعتبرني أحد حوارييه وطلابه المفضلين وأخته الملتفة بالبياض تركز نظرها علي وتتحدث كثيرا، كانت سمراء تميل للبياض ناصعة في اكتناز مثير، بعد عام من التواصل انقطعت عن معسكري ولم أهتم سوى بسماع أحاديث الرجل ودردشة أخته التي أصبحت أحلم بها في صور متعددة.
ذات يوم مرضت وانقطع درسها وفشل أخوها في رقيتها، فقرر بعد صلاة فجر الخميس السفر إلى مكة لمشاورة من يعرف في حالتها وعمل مندل لكشف حالتها والمساعدة في علاجها وقد قرر أنها مسحورة وسكنها عاشق من الجن النصارى؛ وسوس الشيطان فرتب مساعدتي لها وأنا واثق إنني جننت كنت أمرر كفي على رأسها وأحوقل.
قالت: ماذا تفعل ؟
قلت: أرقيك.
قالت: مرضي أكبر من علمك.
قلت متحديا: سوف تشفين فقد عرفت السبب.
تبسمت فتركتها في حيرتها ولما توسط الليل كنت أجلس عند رأسها، أزحت الغطاء عن جسدها وكشفت وجهها كان شعرها منسابا حاولت تغطيته فمنعتها، شرحت لها أن حركة التقدير كانت قريبة، وأن ابتداء مرضها كان يوم الثلاثاء ومن هنا كان للنفس الواحدة قوتها في الشأن الايلاجي، إنصاتها جاء وفق التحليل الذي وصلت معه إلى لحظة الغامرة .
قلت: دواك عندي.
قالت: نعم.
قلت: وأنا نائم زارني شيخي ووصف علاجك.
قالت: وهل اقتنعت.
قلت: المهم استعدادك.
وصفت لها أن العلاج في داخلي وقد حاول أحد الغيلان السود سرقته إنما العارف حماني وازددت قوة ويقيناً فكان لقولي التأثير، فواصلت وأنه يجب علي حقنها به وعليها القبول في المرة الأولى والاستسلام في المرة الثانية، وبما أنها عانس تجاوزت الأربعين ولا تعرف لذة الجسد سوى نظريا من خلال حكايات العشق الرباني فقد تورطت في فهم رسالتي.
قالت: كيف.
قلت: سوف أعدك.
أمرتها بدخول الحمام ودلق الماء على جسدها والتعطر وكنت أثناء سماعي للماء ينسكب أقوم بطي فراشها لما خرجت كانت بثوبها الأبيض الواسع ورأسها ملفوف بشال أسود وجدت فراشها مطوياً فجلست عليه وأنا جلست عند قدميها، دعكت أصابع قدميها طاردا النفس الخبيثة، وعبر الحدس كنت أسيطر عليها، أدهشني صمتها فكانت القابلة وكنت المقبول ثم دسست في أنفها فركه من مسحوق السعوط عندها عطست وفي الثالثة وقفت وجعلتها تقف أمامي ثم أدرت وجهها للجدار وطلبت منها التمدد محنية فوق الفراش على بطنها رأسها المنحني على الأرض يحاذي الجدار.
قلت: تحملي.
قالت: أمرك.
رفعت طرف ثوبها من خلف وأسدلته على رأسها وسحبت سروالها اقتحمت مؤخرتها، جاءت ردة فعلها باردة وقد فاجأها تصرفي وتدفقت في داخلها شعرت بخطر فعلي وابتعدت عنها رفعت سروالها وأعدت ثوبها، لم تتحرك اقتربت منها ورفعت رأسها أعدت ترتيب شعر رأسها ولف الشال حوله.
قلت: هذه الحقنة الأولى
لم تنبس بكلمة درت حولها وأنا أحوقل طأطأت رأسها كانت تلهث، العرق يتصبب من جبينها صوتها المتهافت أرعبني ولما رفعت يدها اليمنى توقفت وعانقت كفي اليمنى كفها وتخللت أصابعي أصابعها؛ رفعت رأسها مغمضة العينين مررت أصابعي على صدغها وقفت حدقت في بنظرة فارغة، مددت فراشها تمددت غطيتها باللحاف الأبيض الذي كنت قد أحضرته كوسيلة من وسائل العلاج وكفي تتحسس كتفها المرتعش.
قلت: الحقنة الثانية قبل الفجر بساعة
تركتها ودخلت المسجد حيث أنام، وفي الموعد إذا بها تنبهني عرفت إن أخاها تأخر وهذا يقلقها ومنعها من النوم وكما تم أثناء إعدادها لتلقي الحقنة الأولى نفذنا عمل الحقنة الثانية وأنا مطمئن فنمت في خلوتها أراقب أثر ذلك متحسسا أنفاسها والرعب مزروع في داخلي خوف كسرها، ومع تباشير الصباح خرجت ليستقبلني أفراد دورية للشرطة العسكرية أحد أفرادها عرفني فكان سجني أشهراً ستة لهربي من العسكرية وتم تسليمي وثيقة فصلي.
بعد شهرين وأنا في المكتب كان رجل اسمر يسأل عني صافحني بحرارة وطلب مني مرافقته كانت سيارته الفارهة في فناء الإدارة دعاني للركوب وبعد شارعين من مبنى نجمة التعليمي وإدارتي التي ترتبط بقسم الهندسة والصيانة توقف أمام باب منزل أعرفه إنما تغير لونه فتح الباب تنقل نظري في الفناء والملحق الذي كنت اجلس فيه منذ أكثر من عشر سنوات؛ كل شيء جديد أصباغ الجدران وأبواب الغرف صعدنا الدور الأول غرف نوم وغرف جلوس بستائر جديدة ومطبخ سطع نورا وبهاء عدنا للدور الأرضي غرف واسعة ومائدة طعام ومطبخ مؤثث وفي الجانب الأخر تقبع في الفناء سيارتان جديدتان وأخرى مستعملة.
سالم عثر عليه ميتا في منزل والدته في حي ابن بكر بجوار مثلث البياشى اثر جرعة هيروين زائدة، قيل إن زوجته أحضرتها له، بينما أمه لم تتهم أحداً فضلت الصمت وضم أطفاله الخمسة ثلاثة أولاد وبنتين أكبرهم ابنة في الرابعة عشرة زرت زوجته في منزلهم القديم وقد اتصلت بي حيث كانت تجهز بعض الملابس وحاجاتها للبقاء مدة أطول في منزل والدة سالم، عرفت إن شقيق سالم الأكبر يرغبها زوجه من أجل الأولاد. كما عرفت أن والد سالم كان جندي في الشرطه ومتعاون مع مكاتب تأجير المنازل وبيع الأراضي . وسالم في الثانية من العمر سافر بمرافقة مصطاف إلى الرياض، أغراه بالثراء بوجود فرص عمل تبحث عن المغامرين ولم يعد فقد الجميع أثره، واختفى ذكره في المنزل.








( شهر زاد تتكلم )
قالت شهر زاد: سالم في عمر عبد ودرسا المرحلة الابتدائية في مدرسة واحدة وهذه الزمالة ولدت صداقة استثمرها عبد الرحمن شقيق سالم وهو يكبر الاثنين بسنوات أربع فتقرب من عبد حتى تمكن منه وتعود عبد استيلاء عبد الرحمن على مصروفه المدرسي وعلى جسده وكان عندما يساومه أحد صبيان الحي على عبد يتفق الاثنان وفي سطوح دارهم يتناوب الاثنان اقتحام مؤخرة عبد.
قالت شهر زاد: لما وصل عبد المرحلة الثانوية كان عبد الرحمن حارسه الأمين ومخزن أسراره، فلما تولى أخو عبد الأكبر صالح تكوين فريق كرة قدم بمسمى ثقيف تولى سالم حراسة المرمى وكان شقيقه عبد الرحمن القائد كمهاجم وفي مباراة للفريق مع فريق أبناء عمومة عبد في جده وانتصارهم جاء حفل أربعة من أعضاء الفريق في غرفة أحد الفنادق تجاوز الحد مما دفع إدارة الفندق إلى استدعاء الشرطة، ولما حل الفريق بعد التعليمات الجديدة انتظم صالح في الجيش وانتقل للرياض.
قالت شهر زاد: عبد التحق بالعمل بعد الثانوية وفشل في دخول المدرسة العسكرية وتزوج بنت عمه المقيم في الرياض كان الحفل فارها من شقين الأول في الرياض والثاني في الطائف سالم وعبد الرحمن توليا الإشراف على الحفل وفي غرفة الفندق لم يقاوم رغبة عبد الرحمن في تجهيزه لليلة العمر بتسامح أو حتى بتجرد وفق شكليات اجتماعية الزواج والثراء مبعثه الخلاص من نكران النفس في صخب وشعور مشترك غمرتها عذوبة ووهج شهوة متوحدة.






__ 13 __
الحقيقة إنني فقدت أحاسيسي وأشعر بالعطش، سبقته إلى الممر المؤدي إلى غرفة الملحق بمشاعر مختلفة معها يسري حولي تحسن استحقه إنما مخيف الذي معه جسدي يرتعش فلم أعد هذا الزمان وقد غاب المكان؛ إنني مريض عقليا وعلي أن أركن للنسيان.
قال: الفيلا وما تحتوي غدت ملكك.
قلت: نعم.
قال: على الطاولة في الملحق حقيبة كل ما فيها لك.
قلت: كيف ؟
قال: عندما تتفحص الأوراق ادع لعمتي.
تركني مذهولا فتحت الحقيبة بها صك تملك الفيلا واستمارات السيارتين ورقم حساب في البنك يضم مئة وخمسين ألف ريال، نسيت سيرتي في فضاء كما كتلة هلامية أقرب إلى الحقيقة وفق شروط المنطق والأدلة؛ ونمت على الأرض لم أشعر بالجوع ولم يسعفني فكري بحل اللغز، اعرف أن عبد كان يسكن هنا وفي الممر بين الملحق والحمام كان اقتحامي الأول لمؤخرته، وسفره وموته الذي أجهل كيف نفذ، بحثت عن الغرفة التي عاشرت فيها زوجته التي كان في إمكانها أن تقاوم إنما الرغبة التي تملكتها فظهرت عاجزة بلا قناع غير أنها لم تفقد شراستها هكذا كانت؛ فلم أتمكن من تحديدها حل الظلام وقرصني الجوع.
لم أفكر في حياتي الجديدة أنا الآن في العقد الخامس لم أترك أصدقاء المقهى وسيجارة اللف وقنينتي النبيذ أو العرق البلدي عندما تقفل الطرق إنما أصبحت حذراً تذكرت الدكتورة هاتفتها أخبرتني إنها تعد نفسها للتمتع بإجازة تقضيها في الشام، دعوتها للعشاء استمهلتني ثم وافقت، لم أحدد المكان الذي نجلس فيه منزلي القديم أم الجديد عندها أخذتها لمنزلي الجديد دخلت بالسيارة الفناء.
قالت: وعلى وجهها قلق استغراب . . كيف !
قلت: انتظري.
حملت العشاء الذي اقتنيته من أحد المطاعم إلى غرفة الملحق حيث طاولة أكل بمقاعد أربعة ثم عدت لها وفتحت الباب وحملتها تعلقت برقبتي، تناولنا العشاء ثم أمسكت بيدها وسحبتها خلفي صعدنا الدور الأول متفرجة وكانت غرفة النوم تشرع بابها لنا كنت اقتحمها كأول مرة وكانت تعالج تضخمي في أعماقها بالحركة، بدت كطفلة سعيدة أحست برغبة جامحة وغامضة تجتاحها وإنها في الجنة، الولدان يطوفون بها فيستخفها الفرح أنها تقفز درجات العلو لا يسبقها أحد ترفل في النعيم واللذات والسرور الذي لم تتخيله.
سافرت الدكتورة صباحاً وقد قررت الزواج بها، وكنت أتنقل في نومي بين المنزل القديم والمقهى عندما تزعجني الوحدة ويتلبسني الخوف، والفيلا ومع علامة استفهام جاء اتصال زينب زوجة سالم بأن العمة سوف تزورني، نسيت من تكون العمة ومع ارتباكي قررت البقاء في الفيلا حتى العاشرة، فإذا جاء اتصال جديد أكون قريبا لمعرفة الساعة والمكان لأجدها وفي العاشرة تنتصب أمامي بجسمها النحيل وصوتها الخدر وعلى وجهها ابتسامة انتصار.
قالت: هلا.
قلت: مرحبا.
جلست بجواري وقد تهدلت عباءتها وانداحت على الأرض مع الغطاء، ترتدي بنطلون جنز وقميص مقلم، صدرها الصغير تعامد ينتظرني، وشفتاها خاليتان من الأصباغ أنفاسها تلفحني؛ ذلك المطر الخفيف الدائم تسرب إلى أعماقي، لم تكن تدري ماذا عساها تفعل بجسدها وأفكارها ليس من السهل أن نحدد معنى التمسك بشخص ما، كانت تتكلم عنه لا أدري من هو تجاوزت في انبهارها به المستحيل؛ كانت تنظر إلى داخلها لا يمكن تصور أي شق يمكن أن ينسل القلق من خلاله.
قلت: حائل.
قالت: نعم.
قلت: كيف هذا.
قالت: انتقلت الأسرة إلى جدة وغدا مغادرة وهذه باقي مفاتيح بيتك.
قلت: وأنا أناولها كأسي تشاركيني الشراب: أرو عطشك.
تمنعت فكررت دعوتها للشراب، وجدت نفسها في لحظة غياب، قمت بلعق عنقها وعض شحمة إذنها، التصقت بها وهي تلامس برقة شعري؛ كان كما تقول: ويستحق كل ما قدمت. ومشاعره الطيبة كانت هي من يتصل ويبحث. وكان يستجيب بسذاجة وعفوية، تقارن نقاط ضعفها في وجوده بما يملك من قدرة على التسامح والنسيان، ابتسمت لي ابتسامة وجد أعرف صدقها؛ تلبسها إحساس بالحياء وأنا أنسل في داخلها؛ وفمي على فمها، العتمة حولنا وزفيرها وشهيقها يتردد بين الجدران التهبت تشتمني وتتهمني بأنني من دفعها للباطل فارتقت معراج الردى غلبة وقهراً بهوس أوردها اليأس واحمرت وجنتاها؛ ثم انهارت لم أكن بهذه القسوة.
بتصرفها يحكم عليه؛ فاستعادته بكليته في قوته ووضوحه لكن حتى ذلك الانسجام التام الذي استعاداه لم يرد لها السعادة شعرت بنفسها رهفت، وخائرة أمام احتمال تعقيدات جديدة.
صحوت صباحا فلم أجدها، كنت كما شجرة نبتت بنفسها من غير غارس كثر ورقها ولكن لم تثمر وأن تبدلت الفصول وازدهرت.
وفي مناقشة لقول: إن كل نسق لابد أن يتكيف مع بيئته كانت صورتها المحببة إلى النفس، في ذهني تغيب معالمها تنمحي رغما عني فأدركت إني انتقل إلى حياة جيدة فيها اقفز على قدم واحدة كطائر المطر؛ ولما عادت الدكتورة فاتحتها بالزواج فلم تمانع وكان أخذ الآذن عجيبا فقد تيسر خلال عشرة أيام وكان عقد النكاح في المحكمة بحضور أمها وزوج أمها وأخيها وزينب شركاء حفلنا الصغير. &&


**** ****
+++
=