هل ستشن إسرائيل حرباً على غزة؟
صالح النعامي
تزداد حدة تصريحات المسؤولين الإسرائيليين المهددة بشن عمل عسكري كبير في قطاع غزة رداً على تواصل إطلاق القذائف الصاروخية من قطاع غزة باتجاه إسرائيل، والتي كان آخرها التصريحات التي أدلى بها الجنرال سامي تورجمان قائد أذرع القوات البرية في الجيش الإسرائيلي الذي تحدث عن حرب مؤكدة ضد حماس وحزب الله وقدم بعض التفاصيل حول التدريبات التي تقوم بها القوات الإسرائيلية استعداداً لهذه الحرب، علاوة على التهديدات التي يطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والتي يؤكد فيها أن حماس ستدفع ثمناً كبيراً لقاء تواصل إطلاق الصواريخ.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل إسرائيل جادة حقاً في تهديداتها بشن عمل عسكري ضد قطاع غزة؟
ويمكن القول أن صناع القرار في تل أبيب جادون حقاً في هذه التهديدات، وإن كان العمل العسكري الذي يخططون للقيام به في القطاع سيكون مختلفاً عن الحرب الأخيرة التي شنتها إسرائيل على القطاع. فعلى الرغم من الأضرار الهائلة التي أصابت إسرائيل في أعقاب الحرب الأخيرة على القطاع والتي أدت إلى تدهور مكانة إسرائيل الدولية بشكل غير مسبوق، فإن مصممي السياسيات في تل أبيب يرون أنه يتوجب شن عمل عسكري كبير على القطاع للأسباب التالية:
أولاً: بخلاف حكومة إيهود أولمرت فإن حكومة بنيامين نتنياهو أقل حماساً للقضاء على حكم حركة حماس في قطاع غزة، على اعتبار أنها غير معنية بتسوية سياسية يمكن أن تعيد الوحدة السياسية للضفة الغربية وقطاع غزة، لكن هذه الحكومة تبقى ملتزمة بإضعاف حكم حركة حماس وتقليم أظافر الحركة وأضعافها إلى أبعد حد وإيجاد بيئة أمنية في القطاع تجعل الحركة مشغولة بذاتها وتمنع جناحها العسكري من تطوير قدراته الذاتية، سيما في ظل التقديرات الاستخبارية التي تؤكد أن حماس تواصل تطوير قدراتها العسكرية، وتحديداً في مجال الصواريخ، ورغبتها في التزود بقدرات عسكرية تكسر التوازن الاستراتيجي الذي يميل لصالح إسرائيل بشكل كاسح، مثل التزود بصواريخ مضادة للطائرات أو بصواريخ ذات قدرة على حمل رؤوس كبيرة وتصل حتى تل أبيب. وهنا يتوجب الإشارة إلى أن حكومة نتنياهو قد تتجه نحو العمل على إنهاء حكم حماس في حال قبلت سلطة رام الله بفكرة الدولة في حدود مؤقتة والتي تمكن عباس من الإعلان عن دولة في مناطق محددة في الضفة وفي قطاع غزة، وهو ما يستدعي العمل بقوة نحو إنهاء حكم حماس في غزة بشكل كامل.
ثانياً: يشكل بقاء ملف الجندي الإسرائيلي المختطف جلعاد شليت مفتوحاً مصدر قلق كبير لدى نتنياهو وحكومته، سيما وإن نتنياهو لا يبدي استعداداً للتوافق مع المطالب التي قدمتها الفصائل الآسرة للجندي. وقد زادت الأمور تعقيداً بعدما اضطرت الحكومة الإسرائيلية للتخفيف من مظاهر الحصار المفروضة على القطاع في أعقاب أحداث أسطول الحرية، حيث أن عائلة شليت ومعها قطاع واسع من الرأي العام والصحافة الإسرائيلية تقول أنه لم يعد في يد إسرائيل روافع لمواصلة الضغط على حركة حماس لإبداء مرونة في كل ما يتعلق ملف شليت، وهذا ما يشجع نتنياهو على عدم التسليم بالأمر والتفكير بشن عمل عسكري كبير، إذا لم يؤد إلى الإفراج عن شليت، فإنه على الأقل يشكل دليلاً أمام الرأي العام الإسرائيلي وعائلة شليت على أن حكومته بذلت جهوداً كبيرة في هذا المجال، وقد يهدف العمل العسكري بشكل خاص إلى أسر عدد من قادة الحركة للمساومة على شليت ولتقليص مطالب الحركة.
ثالثاً: في حال كانت إسرائيل قد قررت التحرك ضد المنشآت النووية الإيرانية فإن ضرب القدرات العسكرية لحركة حماس وحزب الله يبقى متطلباً سابقاً لهذا التحرك، على اعتبار إن إسرائيل تفترض أن إيران ستوظف كلاً من حماس وحزب الله في الرد على الهجوم الإسرائيلي.
رابعاً: من الواضح أن تواصل إطلاق القذائف الصاروخية من قطاع غزة على إسرائيل عامل ضاغط على نتنياهو لشن عمل عسكري كبير على القطاع، سيما وأن نتنياهو لا يمكنه أن يسمح بأن يكون أقل إصراراً على وقف إطلاق الصواريخ من سلفه أولمرت، وإذا أضفنا إلى ذلك عمليات إطلاق النار التي قامت بها حماس في الضفة الغربية ومزاعم إسرائيل بأن التعليمات لتنفيذ هذه العمليات صدرت من غزة ودمشق تحديداً، فإن هذا يشكل عاملاً مغرياً لضرب حماس في قطاع غزة، سيما وإنه لا توجد في الضفة الغربية قائمة أهداف يمكن أن تلجأ إسرائيل لضربها، مع العلم إن إسرائيل تواصل اعتقال نشطاء حركة حماس بدون انقطاع.
خامساً: هناك إحساس لدى صناع القرار عززته نتائج الحرب الأخيرة على القطاع بأن مواجهة حركة حماس في قطاع غزة هو أسهل التحديات العسكرية التي يمكن أن تواجه إسرائيل مقارنة بمواجهات مع حزب الله أو سوريا أو إيران.
لكن إن كانت هناك العديد من الأسباب التي تدعو إسرائيل لشن عمل عسكري كبير ضد حماس في غزة، فإن السؤال الذي يطرح نفسه: ما شكل هذا العمل وحجمه وآلياته؟.
من الواضح أن أي عمل عسكري ستقوم به إسرائيل في قطاع غزة سيكون متأثراً بالعبر التي استخلصتها إسرائيل من الحرب الأخيرة على القطاع والي باتت توصف في إسرائيل بأنها " نجاح تكتيكي انتهى بفشل استراتيجي ". فمن المتوقع أن تحرص القوات الإسرائيلية على تجنب المس بالمدنيين، حتى لا تتعرض مكانتها الدولية لمزيد من التآكل، في نفس الوقت فإن تل أبيب ستحرص على استثمار استئناف المفاوضات المباشرة مع السلطة من أجل توفير مظلة دولية تسوغ شن عمل عسكري كبير.
ويفترض أن تركز إسرائيل على ضرب الأهداف العسكرية المحضة وللمستويات القيادية في الحركة، وضمن ذلك القيام بعمليات اختطاف على نطاق واسع من أجل استخدام المختطفين في المساومة في ملف شليت، ومن غير المستبعد أن يقوم الجيش الإسرائيلي باستهداف التجهيزات والاستعدادات التي تقوم بها حماس لمواجهة العدوان الإسرائيلي، وتحديداً ما تقول إسرائيل بأنه شبكة من الأنفاق تقوم حماس بحفرها بقصد التسلل الى العمق الإسرائيلي، الى جانب تنفيذ عمليات إغتيال ذات طبيعة استراتيجية، كتلك التي تؤدي إلى خلط الأوراق بشكل كبير.
لا يعني ما تقدم أن العمل العسكري الإسرائيلي ضد القطاع أصبح وشيكاً، بل أن توقيت هذا العمل يرتبط بعدد من التطورات، منها تواصل اطلاق الصواريخ من قطاع غزة على إسرائيل، سيما في حال أسفرت عمليات إطلاق الصواريخ عن وقوع قتلى في صفوف المستوطنين، والبيئة السياسية ومدى تمكن تل أبيب من توفير شرعية دولية لمثل هذه الخطوة.
هل الفلسطينيون بمعنيون بالحرب؟
وهناك سؤال تطرحه الكثير من الدوائر الإسرائيلية الرسمية: هل الأطراف الفلسطينية في قطاع غزة معنية بشن هذه الحرب؟. لا يوجد إجابة إسرائيلية واحدة على هذا السؤال، لكن ما تجمع عليه كل هيئات التقييم الإستراتيجي الإسرائيلية أن سلوك الأطراف الفلسطينية في قطاع غزة يمنح تل أبيب المسوغات لشن هذه الحرب، وينظر بشكل خاص إلى عمليات إطلاق القذائف الصاروخية من قطاع غزة باتجاه المستوطنات الصهيونية على أنه مسوغ كاف لشن الحرب عندما تقرر الحكومة الإسرائيلية ذلك. من الواضح أن الصهاينة يستغلون إطلاق القذائف الصاروخية من أجل حشد الدعم الداخلي و الدولي والإقليمي لشن العمل العسكري الكبير على القطاع، ويمكن هنا رصد العديد من التحركات الإسرائيلية على هذا الصعيد:
أولاً: إجراء اتصالات مع الحكومات الأوروبية وأعضاء اللجنة الرباعية لوضعها في صورة ما تعتبره " المخاطر " التي يتعرض لها المستوطنون الصهاينة من تواصل إطلاق الصواريخ على القطاع، والتشديد على " حق " إسرائيل في " الدفاع " عن مستوطنيها. بالطبع فإن إسرائيل لا تحتاج إلى بذل أي جهد من أجل حشد دعم القوى العربية الإقليمية لضرب قطاع غزة، فهذه القوى تبدو أكثر تحمساً لأي عمل ضد حماس.
ثانياً: التحرك لدى المنظمات الدولية، وتحديداً الأمم المتحدة ومجلس الأمن لتجريم الفلسطينيين وتحديداً حركة حماس وحكومتها وتحميلها المسؤولية عن التدهور الأمني، وقد برز بشكل واضح تقديم ممثل إسرائيل في مجلس الأمن شكوى ضد حركة حماس بعد إطلاق قذائف، زعمت إسرائل أنها تحمل فسفور مزعوم على المستوطنات الصهيونية. وسواءً كانت هذه القذائف تحمل الفسفور أم أن الأمر لا يعدو كونه فبركة، فإن الإسرائيليين يريدون استباق الأحداث قبل أي عمل عسكري قادم على القطاع ليقولوا للمجتمع الدولي: إنه إذا كان الفلسطينيون يطلقون الفسفور فإنه يحق لهم استخدام كل الوسائل من أجل وقف عمليات إطلاق القذائف الصاروخية.
ثالثاً: تواتر التصريحات الإسرائيلية التي تدعي تعاظم مخزون الصواريخ لدى المقاومة وتحديداً حركة حماس، سيما الزعم بأنه بات لدى الحركة صواريخ قادرة على إصابة مدن المركز في قلب إسرائيل والتي تضم التجمعات الاقتصادية والعسكرية الحساسة للكيان الصهيوني. ومن الواضح أن تكرار هذه المزاعم تحديداً يدلل بشكل خاص على نية الحكومة الإسرائيلية شن عدوان كبير على القطاع، لأن من يردد هذه المزاعم سيكون ملزماً
أمام الرأي العام الإسرائيلية بالتحرك ضد حركة حماس من أجل القضاء على مواطن التهديد المتمثلة في هذه الصواريخ.
استخلاص العبر من تقرير جولدستون
من الخطأ الاعتقاد إن إسرائيل قبل الانطلاق لشن عمل عسكري ما ضد القطاع لن تحاول استخلاص العبر من تقرير جولدستون، حيث أن صناع القرار الصهاينة يدركون حجم الضرر الهائل التي تسبب به هذا التقرير وخصوصاً تهاوي مكانة إسرائيل الدولية وتعاظم الدعوات لنزع الشرعية عنها وما أسفر عنه ذلك من تدهور علاقاتها مع الكثير من الدول في العالم، وبالتالي فإنه منذ انتهاء الحرب الأخيرة تم تشكيل أطقم قانونية لتقديم توصيات بشأن ما يتوجب على الجيش الإسرائيلي تجنبه خلال الحرب القادمة
من هنا يفترض أن الإسرائيليين سيتجنبون ما أمكن العودة لآليات العمل التي قادت إلى ارتكاب الجيش الإسرائيلي الأفعال التي اعتبرها " جولدستون " جرائم حرب ضد الانسانية، من هنا يفترض أن الصهاينة سيربطون بين طابع عملياتهم العسكرية وبين الأهداف السياسية التي يسعون لتحقيقها من خلال هذا الهجوم.
حماس هي العنوان
في حرب حرب 2008-2009 اختلف صناع القرار الصهاينة حول أهداف الحرب، حيث أن رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت كان يرى وجوب تواصل الحرب حتى القضاء على حكم حركة حماس في القطاع بشكل نهائي، وقد عبر عن ذلك صراحة بعد انتهاء الحرب، في حين أن وزير حربه إيهود براك كان يرغب في تسديد ضربة قوية جداً لحركة حماس واستعادة عامل الردع في مواجهتها، وليس إسقاط حكمها.
وقد أدى التضارب بين الأهداف وعدم الوضوح إلى الاختلاف الكبير بين الطرفين بشأن توقيت إنهاء الحرب إلى إطالة أمدها، حيث ظل أولمرت يرفض إنهائها حتى تحقيق أهدافه، في حين كان براك متحمساً لإنهائها في وقت أبكر بكثير.
فرملة العدوان:
على الرغم من أننا أشرنا بالتفصيل الى الأسباب التي تدفع إسرائيل لشن عمل عسكري ضد القطاع، إلا أن إسرائيل لا يمكن أن تشن أي عدوان دون أن تتوفر بيئة مواتية له، والسؤال الذي يجب أن يطرح فلسطينياً: هل الأطراف الفلسطينية في قطاع غزة تسهم في توفير البيئة المواتية لشن العدوان عبر مواصلة إطلاق القذائف على المستوطنات الصهيونية؟.
اسرائيل ترى في حركة حماس وحكومتها المسؤولة الوحيدة عما يجري في قطاع غزة، وهذا ايضاً ما نجحت تل أبيب في جعل المجتمع الدولي يتشربه بعد اتمام خطة فك الارتباط وتفكيك مستوطنات القطاع. من هنا فإن جميع الفرقاء في الساحة الفلسطينية يجب أن يجروا إعادة تقييم شاملة لوسائل وأدوات المقاومة في هذه المرحلة، واختيار البدائل التي تخدم مستقبل المقاومة.القاعدة الذهبية التي يتوجب أن يحتكم إليها الجميع، تقول: " لا يكفي أن تكون محقاً يجب أن تكون حكيماً "، فإن كان من حق حركات المقاومة العمل ضد الاحتلال، فإنه من الحكمة ألا تؤدي مخرجات عمليات المقاومة إلى تسويغ ضربها من قبل العدو الذي يستغل فائض القوة لديه وميل موازين القوى لصالحه بشكل جارف ليس فقط لتحقيق منجزات عسكرية ميدانية، بل بالأخص سياسية بالغة الخطورة.