التعريب هدف قومي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قضية التعريب قضية هامة لأمة عربية واحدة ، فاللغة العربية هي لغتنا الأم التي يتفاهم بها الجميع وتجعل من السهل التواصل بين جميع أفراد المجتمع . واللغة هي عماد حياتنا ، وهي أحد مرتكزات وحدتنا العربية ، وتتمثل قوة أي أمة بمدى اعتزازها بلغتها ، لقد جعلها الله سبحانه وتعالى لغة كتابه المجيد "إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا" ، كما كانت لغتنا العربية خير وعاء حمل كنوز تراثنا العلمي والأدبي، ذلك التراث الذي نفخ الروح في هذه الأمة قديمًا فسادت الدنيا كلَّها بنتاج أبنائها ومفكريها وعلمائها .
لكن للأسف نجد البعض مازال ينبهر بتعليم العلوم بلغات أجنبية متناسيين أن معظم دول العالم جعلت اللغة الوطنية هي لغة التعليم ومثال ذلك اليابان ، والصين ، وفرنسا ، وألمانيا ، وايران وروسيا .... ، حتى إسرائيل الدولة صنيعة الاستعمار والصهيونية التي تكونت من شتات من دول العالم ، مختلفي الأجناس واللغات ، ومع ذلك أحيوا اللغة العبرية وهي لغة ميتة جعلوها لغة التعليم في العلوم والتكنولوجيا ، ولو نظرنا إلى هذه الدول كمثال نجد أن اللغة كانت سبباً في تقدمها في المجال العلمي والتكنولوجي وسبباً في وحدتها .
المهم هو العزم والتصميم على أن تكون لغتنا العربية هي الأساس في كافة معاملاتنا وخاصة في مجال العلوم والتكنولوجيا ، المهم أن نبدأ ونشجع كل محاولات التعريب ، سواء كانت مؤسسية أو فردية وسيكون الحصاد في مصلحة هذه الأمة العظيمة .
قبل أن أبدأ إصدار سلسلة كتب الأشعة والتصوير الطبي ، كان هدفي الأساسي إعداد مذكرة تقع في إثنى عشرة صفحة لإعطاء فكرة مبسطة عن تقنية التصوير بالرنين المغناطيسي MRI الجديدة في ذلك الوقت وكان عدد العاملين في هذا المجال يعد على أصابع اليد الواحدة علاوة على عدم وجود مراجع باللغة العربية ، وكانت المراجع الأجنبية قليلة وغير متوفرة وفي نفس الوقت غالية الثمن .
لم يخطر على بالي قط عند إعداد المذكرة أن تصبح هذه الفكرة حقيقة واقعة لسلسلة تشمل جميع فروع الأشعة والتصوير الطبي ، لقد كان كل هدفي إعداد مذكرة بسيطة ، ولكن بحماس زملائي وأساتذتي ومساعدتهم لي والعمل كفريق واحد ، وبعد أن فتحنا الباب وجدنا مادة علمية هائلة ، حرام أن تُحجم ولا تظهر للمستفيدين ، ولذلك قررت تعريبها وإصدارها في كتاب وكانت التجربة الأولى ، ولم أتوقع رد الفعل المشجع مما حفزني على إصدار الكتاب الثاني عن التصوير المقطعي بالكمبيوتر CT وقد راعيت في هذين الكتابين الحفاظ على المصطلح الطبي باللغة الإنجليزية لتكون الفائدة مزدوجة وهذا ما كنت حريص عليه في بقية السلسلة .
ثم كانت مرحلة تعاون ومساعدة منظمة الصحة العالمية – إقليم شرق المتوسط حيث وجدت هناك علماء يتشرف بهم العالم أجمع ، علماء أجلاء يشرفون عالمنا العربي بعطائهم اللامحدود
لقد كنت محظوظاً لأنني قابلت تلك الكوكبة اللامعة من خيرة أبناء وطننا العربي ، واستفدت وتعلمت منهم الكثير ، بارك الله فيهم لخير هذه الأمة وتقدمها .
ثم كانت المرحلة الهامة بالنسبة لي وهو ظهور المعجم الموحد الذي كان حلماً فأصبح حقيقة ليثبت قدرة علمائنا على الإنجاز العظيم . هذا المعجم ساعدني وساعد كل من يعمل في مجال التعريب والترجمة وساهم في توحيد المصطلح الطبي ، وإن كان يوجد بعض المصطلحات وهي قليلة جدا جداً بالنسبة لهذالمجهود الجبار العظيم ، وهي مصطلحات شائعة وبسيطة ومستقر عليها في مصر ، وهي قليلة كما قلت ولكنني أريد لهذا العمل العظيم الكمال بحيث لا يكون هناك أي خلاف وأظن أن من أنجزوا هذا العمل قادرون على بلوغ الكمال والكمال لله وحده .
وتعريب العلوم ليس غريباً علينا ، فقد بدأ تدريس الطب في مصر سنة 1827 باللغة العربية في مدرسة طب قصر العيني حتى عام 1903 م قرابة سبعين سنة ، حتى نجح المحتل البريطاني لمصر من أن يستبدله باللغة الإنجليزية لإدراكه مدى خطورة التدريس باللغة العربية على وجوده كمحتل ومعرفته بأهمية التدريس باللغة الوطنية ، وقد كتب كلوت بك وكان أول ناظر لمدرسة الطب إلى محمد علي باشا والي مصر بأهمية التدريس باللغة العربية لأن التعليم بلغة أجنبية لا نحصل فيه على الفائدة المنشودة ، ولا ينتج عنه توطين للعلم أو تعميم نفعه ، ولذلك أتقن اللغة العربية وعلم بها ، وأخلص للبلد الذي كان به حفيا . وكان لمدرسة الطب خلال تلك الفترة انجازات مثل اكتشاف الطور المعدي من طفيل البلهارسيا على يد "بلهارس" الذي درس اللغة العربية حتى أتقنها ، وألقى المحاضرات في مدرسة الطب بالقاهرة حتى أصبح أستاذا في علم التشريح .
يتبع تكملة الموضوع
ماهر محمدى يس
المفضلات