مما لا شك فيه أن بعض تلك الأحداث الدولية الأخيرة , والتي لها ما بعدها من الانعكاسات السياسية , وعلى وجه الخصوص تلك التي تلامس المسار الجيوسياسي للولايات المتحدة الاميركية وروسيا والصين واليابان , ستؤثر كثيرا في الخارطة الجيوسياسية للقوى الدولية في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين , ومن ابرز تلك الأحداث الأخيرة :
( 1 ) توتر العلاقات الصينية – اليابانية بسبب اعتقال حرس الحدود الياباني قبطانا لسفينة صيد صينية بالقرب من جزر سينكاكو (دوايوتاي) التي تعتبرها الصين جزءا من أراضيها ولكن تسيطر عليها اليابان , هذا بخلاف تعرض فوج صيني سياحي لاعتداء من قبل مجهولين باليابان 0
( 2 ) توحد السياسات الصينية – الروسية , تجاه التوجهات اليابانية الأخيرة , واحتمال دخول الولايات المتحدة الاميركية على خط الصراع دعما للحليف الياباني 0
( 3 ) تصاعد الخلافات السياسية والاقتصادية الاميركية – الصينية حول سعر اليوان الصيني , وصفقة مبيعات أسلحة أمريكية الى تايوان 0
( 4 ) التعاون العسكري الاميريكي – الكوري الجنوبي , والنزاع مع كوريا الشمالية , ومسالة اختلافات وجهات النظر الاميركية – الصينية – الروسية حول طريقة حل هذا الملف 0
( 5 ) التقارب العسكري والأمني الروسي – التركي 0
( 6 ) التقارب الروسي – الأميركي الأخير في وجهات النظر حول الملف النووي الإيراني , وإشارة الولايات المتحدة الاميركية أخيرا الى أن روسيا باتت اليوم أقرب من أي وقت مضى للانضمام لمنظمة التجارة , وهو ما أعبره بعض المراقبين تنازلا أميركيا لن يكون دون مقابل !
وتعد القوتين العالميتين الاميركية والروسية القوتين الوحيدتين المؤهلتين لاحتلال مركز القيادة المركزية في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين , وبالرغم من وجود دول أخرى تعد ذات اعتبارات وقدرات عالمية كالصين واليابان والهند من القارة الأسيوية والتي كما سلف وبينا بأنها ستكون القارة المحركة للتاريخ الجيوسياسي في القرن الحادي والعشرين , مع عودة بعض القوى الأوربية خلال المرحلة القادمة كفرنسا واسبانيا وألمانيا وبريطانيا , مع عدم تناسي القوتين الإيرانية والتركية واللتين وبطريقة ما سيكون لهما تأثير لا يقل أهمية من الناحيتين الجغرافية والتاريخية على الخارطة السياسية والجيوسياسية للعقد الثاني والعشرين 0
إلا أن جل تلك القوى العظمى باستثناء الولايات المتحدة الاميركية وروسيا الاتحادية لن تتمكن خلال السنوات العشر القادمة من تغيير المسار المركزي للجغرافية السياسية , أو بنية النظام الجيوسياسي العالمي الواضح سلفا , وبما أننا قد بينا في أطروحات سابقة بان العقدين القادمين سيتشكلان من خلال نظام تعددي فضفاض , فان ذلك يعطي مجالا مؤكدا لبروز بعض القوى الدولية كالصين تحديدا لمقاسمة القوتين الروسية والأميركية على العقد الثالث وما بعده من هذا القرن 0
خلاصة الأمر , أن العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين سيكون النهاية الحتمية لنظام الأحادية القطبية أو حتى ثنائية المركز وبداية رئيسية لمنظومة التعددية القطبية التي ستبنى عليها المنظومة الدولية القادمة , وسيتضح ذلك جليا خلال السنوات القادمة – أي – 2011 / 2020 م , مع بقاء القوتين السابقتين كقوتين مركزيتين ومحوريتين ستبدأ جاذبيتهما المركزية الكونية بالتراجع على حساب منظومة من المصالح الاقتصادية والمالية والاعتبارات الأمنية والسياسية الدولية , وذلك باتجاه قوى متمردة على المنظومة الدولية كالصين واليابان اللتين ستدخلان معا في أشرس حرب اقتصادية عرفها التاريخ 0
المهم في الأمر أن القوتين الاميركية والروسية ستشكلان معا بقايا المنظومة المركزية ثنائية القطب وسترسمان معا خطوط الجغرافيا السياسية في العقد القادم , والتي ستتركز تلك المنظومة حول القضايا الدولية التالية :
( 1 ) قضايا التسلح العالمي : سيشهد العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين ولأول مرة اكبر ميزانية تسلح في تاريخ كل من الدول التالية " الولايات المتحدة الاميركية وروسيا وإسرائيل والصين واليابان ودول الخليج العربي , ولهذا الأمر ما بعده من تطورات 0
( 2 ) البرنامج النووي الإيراني : سيتم حسم هذا الملف وبشكل نهائي 0
( 3 ) النزاعات الجغرافية العابرة للقارات : والتي ستتركز في كل من منطقة القوقاز وشبه الجزيرة الهندية والقارة الأفريقية وبين الصين واليابان 0
إنما ومن ناحية أخرى ستشكل بعض الخلافات القديمة المتجددة بؤرة النزاع بين القوتين خلال السنوات القادمة , ويمكن تحديد تلك النزاعات حول النقاط التالية :
( 1 ) الدرع الصاروخي الاميريكي : حيث يمكن التأكيد على أن هذه القضية لم تحسم بعد , وان الخلافات حول هذا الملف ستستمر مع بعض التنازلات المتبادلة بين الحين والآخر على حساب مصالح متفرقة للقوتين 0
( 2 ) تصاعد سباق التسلح بين الدولتين رغم توقيع العديد من المعاهدات التي تقلص ذلك , وسيكون ذلك باتجاه التسلح الفضائي وحروب التكنولوجيا المتقدمة 0
( 3 ) مع احتمال عودة فلاديمير بوتين الى الكرملين في الانتخابات الروسية القادمة 2012 م , ستعود روسيا من جديد الى الطابع القومي الواضح , وهو الخط الذي طالما حذرت واشنطن منه موسكو , وشكل دائما خط التماس في علاقاتهما الدولية المتوترة أصلا 0
( 4 ) ليس من المستبعد أن تدخل روسيا والصين في تحالف قريب , ستعتبره الولايات المتحدة الاميركية موجه إليها بالدرجة الأولى , وهو ما تحاول الولايات المتحدة الاميركية القضاء عليه في مهده من خلال ابتزاز الصين وروسيا في مواطن أخرى 0
وبينما تبقى هناك بعض الشهور التي تفصلنا عن العقد القادم , تستمر الأحداث بكشف تفاصيل الصورة القادمة والقاتمة لسنوات عشر ستشكل الحلقة الأخيرة لنظام الأحادية القطبية , وستكشف للعالم بكل وضوح مدى التأرجح الذي تعاني منه الأنظمة المحورية سالفة الذكر اليوم , وهو ما سيعني إذا استمر التخبط السياسي ووسائل الابتزاز كطرق لإدارة النظام العالمي القادم عن حروب قادمة ستعاني منها البشرية بلا شك0