أقصوصة للأطفال : صيد الفئران

لم تكن بي قدرة على صيد الفئران .. ربّما لأنني أراها نجِسة تثير الاشمئزاز .. وربّما لأنني أكره قتل النفس الّتي حرّمها الله إلاّ بالحقّ..
ولكن...
شاءت الظروف أن أغير موقفي .. أصبحت اكره الفئران وأناصبها العداء .. ما السبب؟
القصّة تعود إلى صورة عزيزة عليّ .. هي صورتي يوم ولدت .. صورة مولود بهي الطلعة دخل دنيا البشر بصرخة وبكاء ..
كنت ولا أزال منبهرا بتلك الصورة التي اكتشف فيها نفسي قبل أن أدرك الحياة وأفهم ما يجري فيها .. حفظتها في خزانتي بين أوراقي وظللت أتفقدها من حين إلى آخر بشوق وحرص شديدين .. وحدثت الطّامة الكبرى : رأيت فأرا يخرج من الخزانة ،التي غفلت عنها مفتوحة ، يلحس شواربه ، وما إن رآني حتّي قفز وحاول الاختفاء عن ناظريّ .. وقع الذعر في قلبي وحدثتني نفسي بأن مكروها أصاب الصورة .. أخرجتها من بين أوراقي .. تأملتها ، فهالني ما رأيت : عدوّي بتر كفّي في صورتي القديمة !.. تخيّلوا معي ملامحي الجديدة !.. جُنّ جنوني .. أغلقت الباب ، وسددت كل المنافذ ، و أحضرت المكنسة .. بدأت المطاردة .. راوغني من ركن إلى آخر .. لاحقته حتّى ضعفت حركته .. توقفنا .. نظر إلي كأنما يستعطفني .. نظرت إليه أنتظر ردة فعله .. استأنف روغانه وعدت إلى مطاردته .. حاصرته في ركن من الغرفة ، وهويت على رأسه بضربة أفقدته الوعي .. ترنّح ، فعاجلته بضربة أخرى على أمّ رأسه بحذائي جعلته ينزف من فمه ..
قرفت من المنظر وأفرغت ما في جوفي .. في تلك اللحظات فتحت أمّي الباب تستطلع الخبر .. صاحت في وجهي :" هل اندلعت الحرب يا ميمون ؟" لم تنتظر حتّى أردّ عليها .. نقلت نظرها بين الفأر وآثار قيـْئي .. ابتسمتْ وربّتت على كتفي وقالت لي : " أحسنت يا صيّاد الفئران!" حينها عاودني القيْء ، فغادرت الغرفة كالسهم بينما التقطت أمّي الفأر من ذيله بورقة من سلة مهملاتي، وألقته في الحاوية ..
بعد بُرهة استرددت هدوئي و عدت إلى صورتي أتأمّلها وأبكي عليها .. وجعلت أفكر في حلّ يُعيد إليّ ما أضاعه منّي ذلك النجِس النّكِد عساي أهنأ بالفرحة والسعادة ..