Warning: preg_replace(): The /e modifier is deprecated, use preg_replace_callback instead in ..../includes/class_bbcode.php on line 2968
الجشتلت ماهو ؟

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: الجشتلت ماهو ؟

  1. #1
    أستاذ بارز الصورة الرمزية تميم فخري الدباغ
    تاريخ التسجيل
    02/10/2006
    العمر
    60
    المشاركات
    214
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي الجشتلت ماهو ؟

    السلوك الإنساني
    الحقيقة والخيال !
    من منشورات الدكتور فخري الدباغ رحمة الله عليه في مجلة العربي الكويتي

    الفصل الرابع / العلم وتطْبيقاته الإنسَـانيّة :
    الجشـتلت .. مَـا هو ؟

    الجشتلت ، هي أحدث وآخر مدرسة متكاملة في علم النفس الحديث ، ظهرت في عام 1912 . وتعد تعاليمها من أطراف ما جاء به علم النفس ، إذ امتدت إلى ميادين فكرية لم تقترب منها المدارس الأخرى ، ولم تجرؤ على تفسيرها . وبعدها بعض النقاد مدرسة فريدة وأصيلة لنشوئها مستقلة عن أية تعاليم وفلسفات سابقة لها .
    والجشتلت كلمة ألمانية حديثة ليس لها مرادف دقيق في اللغات الأخرى ، ولكنها تعطي معنى (الشكل) ، أو (الهيئة) ، أو (الترتيب والانتظام) . وحيث أن محور النظرية قائم على فلسفة الشكل فقد دعيت بالجشتلت .
    واضعوا الجشتلت
    في جامعة برلين ، التقى ثلاثة شبان في قسم الأبحاث النفسية ، ثم شاءت الصدف أن يلتقوا مرة أخرى قرب مدينة فرانكفورت بعد أن تخرجوا وتوزعوا في محلات عملهم ، وهناك امتزجت أفكارهم الأولية مع تجاربهم العملية فخرجوا بنظرية (الجشتلت) ، وكانوا :
    ماكس فرت هيمر (1880- 1943) .
    وكرت كوفكا (1886- 1941) .
    وفلف جنج كولر (1887-) .
    الذي شغل منصب أستاذ علم النفس في جامعة سوارثمور في الولايات المتحدة الأمريكية لغاية عام 1955 .
    وكان أول ما جمعهم عدم قناعتهم وتشككهم في صحة ادعاء النظريات النفسية المعاصرة ، وأبرزها : النظرية السلوكية لواتسون ، والنظرية التركيبية لفند ، والنظرية الترابطية لبافلوف وثورندايك . وقد انتبه فرسان الجشتلت الثلاثة إلى أن هذه النظريات لن تستطيع تفسير التفكير والإدراك والأحاسيس بصورة دقيقة ، وأن ما تجمع لديهم من التجارب والحقائق منذ أيام دراستهم حتى ذلك الوقت يكفي للإدلاء بآرائهم ، وسرعان ما لقيت تلك الآراء مؤيدين لهـا في أرجاء كثيرة من العالم الغربي ، بل سرعان ما أصبحت مدرسة راسخة ، وما لبث واضعوها أن انتقلوا من ألمانيا إلى الولايات المتحدة الأمريكية تباعا ، ومنذ عام 1930 .
    وقل حفلت تلك العقود القصيـرة بأبحاث متتالية وتجارب مستمرة على الإنسان والحيوان .
    ففي عام 1933 ، كتب كوفكا عن الجشتلت في الولايات المتحدة ..
    وفي عام 1925 ، أصدر كولر كتابه القيم عن (عقلية القرود)
    وفي عام 1929 ، ظهر كتاب (الجشتلت) بقلم كولر .
    وفي عام 1930 ، سافر كولر إلى الولايات المتحدة ولقي هنـاك أتباعا كثيرين متحمسين .
    وفي عام ه 193 ، أنجز كوفكا كتابه عن (أسس سيكولوجبة الجشتلت) .
    ما هو الجشتلت ؟
    قال مؤسسو الجشتلت ، إن ما يحير علماء اليوم هو انشغالهم بالجزيئات وتقيدهم بالسير من الأسفل إلى الأعلى ، إن هنالك طرقا مختصرة وسريعة أمام الباحث إذا ما التفت إلى الكل قبل الجزء ، وإذا بدأ من القمة وانحدر تدريجيا إلى القاعدة .
    ولست بصدد ذكر تفاصيل نظرية الجشتلت ولكن من الأيسر أن نتتبع تلك الفكرة في عقول مؤسسيها لنصل إلى جوهر النظرية . فلو نظرنا إلى الرسم (ا) وتأملناه .. ، لرأينا شكلا مثلثا أ ، أو دائريا ب ، أو خطا مستقيما ج . فكان أول ما تلتقطه عقولنا من الأحاسيس هو النموذج أو (الشكل) الذي ينتج من مجموع الأجزاء . وأجزاء هذه الأشكال هي النقاط السود .
    وبهذه النقاط يمكننا تركيب أشكال أخرى يدركها الإنسان قبل الالتفات إلى أجزائها . أو بالأحرى أن الكل الذي ندركه لا يساوى مجموع الوحدات الحسية بالضبط ، بل يزيد عليها في الشكل والتنظيم - وهو ما يدعى بالجشتلت .
    وعندما تجتمع المحسوسات في شكل أو هيئة ، فإنها تحتل المرتبة الأولى من إدراكنا الحسي وتبقى الأشياء والأحاسيس الأخرى في المؤخرة كخلفية .
    الجشتلت الذي ندركه . وفي الرسم (2) نستطيع أن نرى صورة كأس بيضاء ذات خلفية سوداء ، ولكننا لو تحكمنا في إدراكنا للصورة وتريثنا هنيهة ، لاختفت الكأس فجأة وظهر وجهان أسودان متقابلان ذوا خلفية بيضاء . فالفكر إذن لا يتقبل المحسوسات كلها على السواء ، بل يتقبل جشتلتا أو شكلا واحدا ذا خلفية ثانوية ، ولا يمكن إدراك الشكلين معا ( أي الكأس والوجهين) وفي آن واحد . ومعرفة الطفل الرضيع لأمه قبل كل شيء ناتجة عن إدراكه لوجه أمه الحنون القريب منه غالب الأحيان من بين خلفية كبيرة ومتنوعة حواليه (كالغرفة وأثاثها والناس الآخرين من أفراد العائلة) .

    وأجزاء الأحاسيس هذه عندما تتجمع وتتلاحق زمنيا ، يمكن أن تنتج شعورا بالحركـة . والفلم السينمائي الذي نراه كحركة مستديمة ، ما هو إلا مجموعة من صور ثابتة ساكنة لا حركة فيها أبدا - الرسم (3) . فمكنة العرض السينمائي تدير (الفلم) بسرعة معينة ، وعندئذ تظهر الصورة أعلى الشاشة (وهي في الحقيقة صورة ساكنة) .. ثم ، وبعد جزء من الثانية ، تتبعها الصورة ب ، وهي أيضا ساكنة ... ولكنها تختلف عن الأولى قليلا جدا . ثم تليها الصور ج و د . وهكذا تتلاحق مئات وآلاف من الصور الساكنة . إلا أن قصر المسافة الزمنية جعلها تختلط بشكل جشتلت حركي . وقد استفاد العلماء من هذه الظاهرة في ابتكار ألاعيب الأطفال ذات الصور المتحركة منذ أوائل القرن التاسع عشر ، وكانت تدعى بظاهرة الصورة المتحركة ، وهي نواة (الأفلام) السينمائية الحالية وكثير من الظواهر الإعلانية الحركية في العصر الحاضر . أما فرت هيَمْر فقد دعاها بظاهرة الوهم الحركي . ورواد الجشتلت هم الذين فسروها علميا واثبتوا أن الصور الساكنة اجتمعت وأنتجت كلا يزيد على مجموعها - وهو الحركة .
    وقد قضى كولر أعواما وهو يراقب ويختبر تفكير أعلى مراتب القردة (الشمبانزي) وذلك بأن يجابهها بمعضلات فكرية ويدرس كيفية توصلها إلى حلها والخروج منها . وخرج كولر باستنتاج يقول أن تفكير القرود العليا وإدراكها - وكذا الإنسان - يعتمد على رؤية المعضلة ككل وكموقف عام - أي كجشتلت - وانه عندما ينجح في حل المسألة التي تتحداه ، فإنما يفعل ذلك بالإدراك أو (الاستبصار) Insight ، وليس بالتجربة والخطأ كما يقول ثورن ذيك .
    أما فرت هيمر ، فقد ألف كتابا عن (التفكير الخلاق) بعد أن قابل ودرس عباقرة المفكرين آنئذ ، ومن بينهم اينشتاين على الخصوص ، وكيفية توصله إلى النظرية النسبية . وبينَّ كيف أن تفكيرهم كان خلاقا ومنتجا بإتباعهم الطريقة الشاملة (الجشتلتية) في التفكير الذكي الذي يتوصل لفهم المسائل المعقدة .
    وفي حياتنا العامة أمثلة متعددة على أن مفردات الحس تصل إلى الدماغ وقد امتزجت ككل ، وكأنها تجمعت وتفاعلت وهي في طريقها إلى جهازنا العصبي المركزي . والجشتلت أو الشكل الذي نحس به الأشياء لا يتغير حتى لو تغيرت الأجزاء . فالفستان من الزي الفلاني (أي الشكل) يمكن أن يصنع من الحرير أو القطن أو الصوف ، ولكنه يبدو للناظر كل مرة بالزي ذاته على المرأة ذاتها . كما أن اللحن الواحد تشخصه الإذن حتى لو كان يعزف بسلالم موسيقية عالية أو واطئة ، لأن مجموع الأصوات وترتيبها يفوق الأجزاء الصوتية (النوتات) التي يتألف منها ، فتنتج لحنا ذا وقع خاص على الأذن البشرية . هذه القوى الجامعة الديناميكية في المحسوسات هي الجشتلت .

    عوامل الجشتلت
    ترى ما سر اجتماع الأجزاء وامتزاجها لتصل إلى الإدراك بشكل وهيئة وخلفية ؟ ، وما آلية إدراك شكل معين وطرد أو إهمال أشكال أخرى من الشعور ؟ لقد وجد رواد الجشتلت بضعة عوامل تقرر إدراك الإنسان للأحداث كجشتلت وذلك بعد سلسلة من التجارب ، وهذه العوامل هي :
    ا- عامل القرب (أي قرب الأجزاء من بعضها) .
    2- التشابه .
    3- الاستمرارية .
    4- الميل إلى الانغلاق والتكامل .
    ه- الألفة .
    6- التهيؤ والاستعداد .
    7- التقوية والتعزيز .
    والرسم المرفق (4) يبين بوضوح تلك العوامل . فنحن ندرك النقاط الصغيرة والأشكال التي تكونها نظرا لتشابهها وتقاربها مجموعات ، وكذا بالنسبة للخطوط العريضة المتقطعة ، كما أننا ندرك نموذج النجمة على الرغم من أنها بضعة خطوط غير متصلة ، ولكن قوة الجشتلت تغلقها وتكمل الفراغات فيما بينها ، أما الألفة فأبسط مثال عليها أنك إذا كنت وسط زحام من الناس في (صالة) مسرح أو حديقة أو موقف حافلة ، فإن الوجه المألوف لديك هو الذي يبرز ويقتحم إحساسك ، وبذلك تميز بسرعة وجوه الأصدقاء والأحباب من بين خلفية ضخمة من الوجوه الغريبة . وتأثير التهيؤ والاستعداد يتضح عندما تذهب إلى السوق باحثا عن قبعة أو عن ربطة عنق ، فان التهيؤ لالتقاط الرباط وشرائه يجعلك لا ترى في واجهات المخازن (الفترينات) إلا الأربطة أو القبعات ، أما البضائع الأخرى فيهملها العقل وتغدو خلفية ثانوية .
    ونظرية الجشتلت لم تقتصر على تلك التجارب - وغيرها كثير - ، بل حاولت التطبيق وتعميم ذلك على ظواهر نفسية وحياتية أخرى .
    تطبيقات (الجشتلت) العملية
    سرعان ما انتشرت تعاليم الجشتلت إلى ميادين علم النفس الأخرى ، وإلى التربية والفلسفة ، وأصبحت دليلا مشروعا لتفسير ظواهر حياتية غامضة :
    1- ففي ميدان التفكير والتعليم نجد أن كل ما نجربه ونراه ونحسه يتوقف على طبيعة الأجزاء ومحلها من المجموع الكلي للشكل والهيئة ، فالذاكرة والحفظ والنسيان تعتمد على الجشتلت الذي يحس به عقلنا تلك الأشياء ، أي أن الإنسان يدرك الحياة والعالم والناس كظاهرة متكاملة .. كصورة .. كأشياء تبرز من خلفية أو تتراجع إلى الخلفية .
    2- وفي التربية والتعليم : بما أن (الجشتلت) هو أول ما يصل الإدراك وهو الذي يطغي على الأجزاء ، فان الطريقة المثلى والسريعة لتعليم الأطفال مبادئ القراءة الأولية واللغات هي أن نبدأ بالكل قبل الجزء . نعلمهم الكلمة والجملة كما هي ثم نرجع بعد زمن إلى الأجزاء والتفاصيل (أي الحروف) . وهذه هي الطريقة الحديثة في تعليم اللغات وحتى المواضيع المعقدة من علوم النفس والاجتماع مثلا ، إذ يمكن البدء بالفصول الصعبة الكاملة ثم نعود إلى المبادئ في الخطوات التي تليها - أي من القمة إلى القاعدة .
    3- في تفسير بعض الأمراض النفسية : وقد كشفت نظرية الجشتلت النقاب عن نظرة الإنسان إلى المجتمع والحياة ككل ، كميدان تتجمع فيه شتى الأحاسيس والوحدات والتجارب ومن هذا الكل (الجشتلت) يستطيع العقل أن يدرك علاقة الأشياء بعضها ببعض . وأن يجرد التجربة الواحدة من خلفيتها ، وأن يسلك تجاهها السلوك المطلوب ولا يحدث في أمراض القلق والحصر أن تضطرب قابلية التجريد تلك ولكنها لا تتبدل ، أما في مرض الفصام العقلي (الشيزوفرينيا) ، فنجد أن قابلية التجريد تقف وتتجمد . ولذلك يتصف مريض الفصام بجمود التفكير .
    وبالانعزال . والانعزال هو وسيلة المريض العقلي لتفادي الاصطدام بالأزمات والمعضلات و (الأشكال) الصعبة الوافدة إلى عقله من العالم الخارجي (الناس والمجتمع) .
    4- في ابتكار مقاييس الذكاء والتفكير المجرد : وبما أن الجشتلت يفسر قابلية الإنسان للتجريد والاستنباط واكتشاف العلائق بين الموجودات ، فإن بالإمكان ابتكار معايير فكرية نختبر بها المشتبه بهم لنسجل درجة قابليتهم للتصرف والاستنبـاط وعلى الربط والتجريد . ومن الأمراض المؤثرة على التفكير المجرد الفصام . والآفات الدماغية التي تخرب جزءا من خلايا الدماغ وأنسجته فتحدد من قابلياته السابقة . وقد استفاد علماء النفس من هذه النظرة الجشتلتية فصمموا عدة اختبارات للذكاء . وأول من بدأها فرت هيمر نفسه . ثم طورها بندر ، وكولد شتاين ، ويطلق عليها الآن اختبارات (بندر جشتلت) ، واختبارات كولدشتاين (وهي خمسة) .
    5- في علم الاجتماع : واستفاد علماء النفس الاجتماعي من الجشتلت أيضا في تفسر بعض السلوك الاجتماعي للإنسان ، حتى أن كرت ليفن خرج بنظرية (المجال النفسي) والتي تقول أن الإنسان والأشياء موجودات وسط ميدان أو (مجال) أشبه ما يكون بالمجال المغناطيسي المحيط بالمادة المغناطيسية . وان المحيط والمجتمع يمثلان هذا المجال ، وان الفرد يتأثر بالمجال ويؤثر فيه أيضا ، وكأنهما القطبان المغناطيسيان . فسلوك الإنسان يتكيف بالنسبة للمجال الاجتماعي الذي يعيش فيه ، ويؤثر فيه بدوره . كما أن المعالج النفسي إذا ما استطاع تحوير المجال ، فانه يكون قد توصل إلى تحوير سلوك الفرد .
    6- واستفاد العلماء الفلاسفة في الفن والجمال من الجشتلت أيضا لتفسير المعاني الجمالية في الإبداع الفني والموجودات الطبيعية . فقد يحس الإنسان أن الوجه الفلاني أو اللوحة المعينة جميلة جذابة دون أن يكون في تقاطيعها أو تفاصيلها ما يبرر جمالها . والحقيقة أن الشعور بالجمال هو شعور بالجشتلت . وبالأحرى إن المجموع الكلي لأجزاء اللوحة أو القطعة الموسيقية أو المنحوتة أو وجه المرأة قد بعث شعورا بالجمال ، ومن هنا يتأتى جمال الإنتاج الفني .
    هل للجشتلت جذور تاريخية ؟
    لم تبرز مدرسة الجشتلت دون سوابق فلسفية وفكرية . وقد أفلح بعض النقاد في اكتشاف ملامح منها منذ عهد أرسطو ، إلا أن الملامح الأقوى بدت في القرن التاسع عشر . فقد أشار النفساني ايرنفيلز إلى أن العقل لا يدرك الأشياء وحدها بل مع صفاتها أيضا . فعندما نرى المربع المؤلف من أربعة أضلاع متساوية وأربع زوايا قائمة فإننا ندرك أيضا صفة (التربيع) فيه ، وكذلك نحس (تكوير) الشيء في الكرة ، وخشونة القماش ، و (لزوجة) السائل المعين .. الخ . ودعا هذه الصفات الحسية بـ (صفة الجشتلت) .
    وتذكرنا نظرية الجشتلت أيضا بفلسفة (الظاهراتية) التي بدأها الفيلسوف هوسرل ، والتي تركز على أن ما يدركه العقل هو عين الظاهرة التي يراها ، وان الحقيقة هي حقيقة الظاهرة ولا غيرها . وبذلك أبدت الظاهراتية الجشتلت والتي تركز أيضا على فكرة الظاهرة الحسية وديناميتها .
    ومن الطريف للقارئ العربي أن يعرف أن المؤرخ والمفكر الاجتماعي ابن خلدون أدرك الجشتلت بصورة غير مباشرة تدل على الحس العلمي المرهف لديه ، إذ أشار إلى أن الأصل في الإدراك هو المحسوسات ، وأن جميع الحيوانات من الناطق وغير الناطق مشتركة في هذا الإدراك الحسي ، ولكن الإنسان يتميز عنها بادراك (الكليات) وهي مجردة من المحسوسات .
    الجشتلت ومدارس علم النفس الأخرى
    قلنا أن الجشتلت نظرية ظهرت كرفض وتحد للتعاليم النفسية في بعض المدارس السائدة في أوائل القرن العشرين . ومن المفيد أن نذكر محور كل منها لنتبين الفوارق الجوهرية بينها .
    فالمدرسة التركيبية ، ورائدها الشهير وندت ، اعتبرت الشعور والإدراك مركبا من مجموعة الأجزاء والوحدات الحسية . أي أن المجموع يساوي الأجزاء بالضبـط ولا يزيد عليها . وقالت أن الوعي والشعور يمكن دراسته بتحليله إلى جزيئاته وذراته تلك . ولذلك دعيت أيضا بالنظرية الذرية أو العنصرية لتركيزها على العناصر والأجزاء . وقالت أيضا بأن وسيلتنا الأساسية لدراسة الشعور هو التفكير الباطني - أي بالتأمل و (الاستبطان) .
    أما النظرية السلوكية لواتسن ، فقد تنكرت لوسيلة الاستبطان كأداة للبحث ، وقالت أن ما نحسه وندرسه يجب أن يكون موضوعيا . والموضوعية هي الحقيقة وحدها ولا دور للفكر والعقل فيها . وما نحسه ونشعر نحن به لا قيمة له بقدر ما للسلوك الظاهري الذي يجري خارجنا وتحت سمعنا وأبصارنا .
    أما المدرسة الترابطية فقد سادت الفكر الأوروبي لمدة قرنين (الثامن والتاسع عشر) وخاصة في انجلتره موطنها الأولى . ومن روادها : هيوم ولوك وهوبز وبيركلي . وتعتمد الترابطية على فكرة أن الخبرة والتجربة وترابطها هي محور التفكير والتعلم والمعرفة . ثم تطورت النظرية وأصبحت مدرسة نفسية خاصة على أيدي ثورندايك وبافلوف وسكينر الذين أجروا تجارب على الحيوانات واستنتجوا بأن الإدراك والتعليم يتم عن طريق ربط تجربة أولية سابقة بأخرى جديدة ، وان المحاولة والخطأ هي العامل الحيوي في (الترابط) هذا وليس البصيرة أو التفكير الذكي المجرد . وقالوا أن تسلسل الأفكار أو بالأحرى (تداعي المعاني) الحر هو المثال الواقعي على الترابط في الإحساس والتفكير والإدراك .
    وقد رأينا مسبقا كيف خالفت الجشتلت تلك المدارس ولكنها لم تنف أهمية الاستبطان في الأبحاث النفسية بل أكدت عليه .
    رأينا كيف أن الجشتلت أصبحت مدرسة راسخة متميزة عن غيرها من النظريات ، وإنها الثانية - بعد التركيبية - التي أنشئت لها مختبرات نفسية عملية لإثبات أبحاثها .
    وقد توزعت تعاليم الجشتلت تدريجيا إلى ميادين شتى (وتبنتها نظريات أخرى ، كما تبدلت النظرة إليها كمدرسة بعد منتصف القرن العشرين ، بل إنها لم تعد مدرسة مستقلة لها أتباع ومريدون . وما نصادفه اليوم من أفكار للجشتلت فموزع بين مواضيع الاجتماع والفلسفة والفن والتربية وعلم النفس . واليها يرجع الفضل في إحراز التقدم في تلك الميادين الفكرية . ولا ريب أن مدرسة الجشتلت أضافت للفكر الإنساني وعلم النفس شيئا جديدا وجديرا بالاهتمام ، على الرغم من أنها لم تفند أو تدحض المدارس الأخرى التي تطورت وتجددت أيضا وأصبحت ذات أسس راسخة وذخيرة علمية كبيرة .


  2. #2
    عـضــو
    تاريخ التسجيل
    19/10/2009
    المشاركات
    5
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي رد: الجشتلت ماهو ؟

    كل الشكر على هذا الموضوع، والرحمة والمغفرة والجنة لكاتبه


+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •