بسم الله الرحمن الرحيم
هدايات ربانية
الهداية الأولى :
قول الله تعالى : ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) (النور : 55 ) .
الهداية الثانية :
قول الله تعالى : ( وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) (القصص : 5 ) .
الهداية الثالثة :
قوله تعالى : ( فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ) (الروم : 4 ) .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . أما بعد :
فهذه رسالة بعنوان : ( الأمة الإسلامية من جديد لا الشرق الأوسط الجديد ) . اجتهدت في كتابتها لأسباب سامية من أبرزها الآتي :
1. رجاء أن تكون موعظة للمغرر بهم الذين لم يتجاوزوا بأنفسهم ما رسمته لهم دول الاحتلال الغربي بعد سقوط الدولة العثمانية .
2. رجاء أن تكون نذارة للغافلين الذين لم يشعروا بعظم الخطر القادم من دول الاحتلال الجديد المتمثل في أمريكا ومن سار في ركابها والذي كان من أواخره احتلال أفعانستان والعراق والحرب اللبنانية وغيرها تمهيداً لمشروع : ( الشرق الأوسط الجديد ) ، أو غيره ، والذي سيزيد في الفرقة والتشرذم والبعد عن روح الوحدة الإسلامية .
3. رجاء أن تكون رداً للخادعين الذين يفتون في عضد الأمة الإسلامية بالطعن في عوامل الوحدة الإسلامية ومحاربتها .
4. رجاء أن تشحذ همم المبادرين للم شعث أمتنا الإسلامية ، ونظمها في منظومة واحدة قوية تحقيقاً لوعد الله تعالى بخلافة الأرض ووراثتها ، الوعد الذي لا يتغير ولا يتبدل .
5. استجابة لما تمليه العقيدة الإسلامية الصحيحة ، والأخوة الإيمانية الصادقة ، والضرورة الحياتية الملحة ، على الغيورين بالدفاع عن الحقوق الإسلامية ، والتي من أبرزها وحدة الأمة الإسلامية .
هذا و للرسالة أهمية كبرى تبرز عبر الآتي :
1. أنها تسعى أن تقوم بواجب النصيحة الدينية التي أخذت على المسلمين بعامة ، وأهل العلم بخاصة.
2. أنها تساهم في رد الوحدة الإسلامية كما كانت واقعاً في حياة الأمة الإسلامية من قبل اتفاقية سايكس بيكو الإحتلالية .
3. أنها تسهم في التأكيد بأن الوحدة الإسلامية حل ناجع لغالب ما يعيشه المسلمون في العصر الحاضر ، من تخلف وضعف وهوان وتبعية ، لأنها تشكل القوة التي تضمن بعد الله تعالى الحياة الكريمة .
4. أنها تحاول أن تساعد في التجاوز بالمسلمين إلى السعة بعد الضيق سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ، هذا الضيق الذي رسمته الولاءات الغربية ، و الدعوات القومية ، والنعرات الطائفية ، والقوانين العشائرية ، والتحكمات الأسرية .
وأما محاور الرسالة فهي كالآتي :
المحور الأول : مدخل في التعريف بواقع الأمة الإسلامية .
المحور الثاني : التعريف بالأمة الإسلامية .
المحور الثالث : مقومات الأمة الإسلامية ، وفيه :
أولاً : العقيدة الإسلامية الصحيحة التي تطمئن الشعوب إليها .
ثانياً : الأرض التي يملكها الشعب ويدافع عنها .
ثالثاً : الإنسان الذي تتألف منه الأمة .
رابعاً : العزة والحمية الإيمانية القوية .
خامساً : النظام السياسي الذي يمثل الأمة .
المحور الرابع : سمات الأمة الإسلامية ، وفيه :
أولاً : إفراد الله تعالى وحده دون سواه بالطاعة .
ثانياً : إفراد القدوة في النبي محمد صلى الله وسلم وحده دون سواه .
ثالثاً : القيام بالعدل والإحسان
رابعاً :الحرص على التعاون على البر والتقوى .
خامساً : عدم التشبه بالكافرين .
المحور الخامس : واجبنا تجاه الأمة الإسلامية ، وفيه :
أولاً : الدفاع عن عقيدة الأمة الإسلامية .
ثانياً : الدفاع عن وجود الأمة الإسلامية .
ثالثاً : الدفاع عن بلاد الأمة الإسلامية .
رابعاً : الدفاع عن ثروات و مقدرات الأمة الإسلامية .
خامساً: الدفاع عن وحدة الأمة الإسلامية .
سادساً : الدفاع عن حق الأمة الإسلامية في اختيار من يحكمها .
ولا ريب أن هذا الموضوع العظيم لا يكفي في بعثه رسالة مختصرة كهذه ، لكني آمل أن تفتح الباب وغيرها الآن أمام دراسات صادقة جريئة تعيد الحق الغائب والمسلوب إلى نصابه .
وفق الله الجميع للقيام بواجب الدفاع عن الأمة الإسلامية ، عبادة لرب العالمين ، وحمية للدين ، ونصرة للمظلومين .
المحور الأول : مدخل في التعريف بواقع الأمة الإسلامية :
من نافلة القول أن الأمة الإسلامية تعرضت لنكبات عدة قسمت أرضها وفرقت بين شعوبها وأحيت النعرات العرقية والطائفية بينها ، وما تعيشه الأمة الإسلامية الآن هو مرحلة من مراحل ذلك التقسيم ، وحيث إن هذه المرحلة استنفدت أغراضها عند المحتل وأدت الدور في كبح جماح المد الشيوعي الذي كان يهدد المعسكر الغربي والأمريكي تمثلت في معاهدة لوزان واتفاقية سايكس بيكو وغيرها ، كان من الطبيعي عند العدو النهم الجشع أن يبادر بمشروع يقتل ما بقي من عوامل الوحدة الإسلامية ، وكان هذا المشروع الإحتلالي الجديد هو ما يسمى بـ" الشرق الأوسط الجديد " ، ولأهمية هذا المشروع جعل الخبراء والمراقبون والمحللون السياسيون والدبلوماسيون يحرصون بقوة على معرفة خارطته الجديدة والاهتمام بتفاصيله الجغرافية والسياسية ، ويجدر بنا هنا الحديث بإلمامة عن أهم عناصر التقسيمات قديماً وحديثاً :
أولاً : التقسيمات قديماً :
هناك مؤامرة قديمة تعود إلى مئات السنين للوراء ، وكانت في الماضي القديم كما هي اليوم تستهدف إيقاظ النعرة المذهبية والطائفية والعرقية في الحاضر الإسلامي بهدف تمزيقه رغم أنه ممزق ، وبهدف تركيعه ، وشطب بعض دُوَلِهِ عن خارطة الوجود أو تقسيمها أو فرض دول جديدة مصطنعة ، ثم رسم خارطة جديدة بعد كل هذه المتغيرات تجسد من ضمن ما تجسد الشرق الأوسط الجديد الذي تسعى أمريكا اليوم إلى صناعته بما يتفق مع المصلحة (الأمريكية - الإسرائيلية) فقط !! نعم هكذا كانت أهداف هذه المؤامرة في الماضي القديم وهكذا هي أهدافها اليوم ، وهي نفس الأهداف لم تتغير سوى أن فاشية (بوش- رايس) تحاول أن تتحدث عنها اليوم بمصطلحات العصر الحاضر وتعابيره السياسية والإعلامية مع الاحتفاظ بنفس المعنى بالضبط .
وفي وثيقة محفوظة في دار الوثائق القومية في باريس ، هي عبارة عن رسالة كان قد أرسلها لويس التاسع ملك فرنسا عندما أُسر في دار ابن لقمان بالمنصورة في مصر خلال فترة الحروب الصليبية حيث يقول في هذه الرسالة الآتي :" إنه لا يمكن الانتصار على المسلمين من خلال حرب ، وإنما يمكن الانتصار عليهم بواسطة السياسة بإتباع الآتي :
أ- إشاعة الفرقة بين قادة المسلمين ، وإذا حدثت فليعمل على توسيع شقتها ما أمكن حتى يكون هذا الخلاف عاملا في إضعاف المسلمين .
ب- عدم تمكين البلاد الإسلامية والعربية أن يقوم فيها حكم صالح .
ج- إفساد أنظمة الحكم في البلاد الإسلامية بالرشوة والفساد والنساء ، حتى تنفصل القاعدة عن القمة .
د- الحيلولة دون قيام جيش مؤمن بحق وطنه عليه يضحي في سبيل مبادئه .
هـ - العمل على الحيلولة دون قيام وحدة عربية في المنطقة .
و- العمل على قيام دولة غربية في المنطقة العربية تمتد ما بين غزة جنوباً أنطاكية شمالاً ، ثم تتجه شرقاً ، وتمتد حتى تصل إلى الغرب."
وعند التأمل في هذه الوثيقة نجد أن فكرة المشروع الصهيوني لم تكن فكرة صهيونية فقط بل هي فكرة غربية كذلك ، وهي ليست فكرة جديدة تعود إلى مؤتمر بازل الذي عقد عام 1897م بل هي فكرة قديمة تعود إلى فترة الحروب الصليبية الأولى ، فها هو لويس التاسع ملك فرنسا يدعو صراحة في هذه الوثيقة إلى إقامة دولة غربية على أرض فلسطين التاريخية ، بحيث تكون هذه الدولة مشروعاً استيطانياً قابلاً للامتداد في العمق الإسلامي والعربي شرقاً ونحو أنطاكية شمالاً ، أي الحرص على الهيمنة على لبنان على الأقل وصولا إلى أنطاكية ، وما يجري على أرض الواقع اليوم هو صدى عملي لتلك الوثيقة ، بل إن الأبجديات الأساس لمشروع الشرق الأوسط الجديد نجدها في هذه الوثيقة ، إذ أن هذه الوثيقة كما هو واضح لكل من يتأملها تدعو إلى إحياء النعرات المذهبية والطائفية والعرقية في العمق الإسلامي والعربي ، وتدعو للإبقاء على أنظمة حكم تبعية فاسدة ، وتدعو إلى تجريد الحاضر الإسلامي والعربي من ثقافة المقاومة ، وتدعو إلى مواصلة شرذمة الحاضر الإسلامي والعربي إلى دويلات ، وإن كل هذه المطالب التي تدعو إليها هذه الوثيقة هي ذات المطالبة العلنية أو المدفونة بين السطور التي يدعو إليها مشروع الشرق الأوسط الجديد ، مع بض التعديلات إضافة أو حذفاً ،
ولم أقل أن مشروع (الشرق الأوسط الجديد) ليس جديداً استناداً إلى هذه الوثيقة فقط بل هناك عشرات الوثائق الأخرى التي جاءت بعد هذه الوثيقة وسأذكِّرُ بأهمها ، ومن أهمها ما نجده من أفكار متناثرة لمشاريع عمل يدعو إلى تنفيذها لورانس ملك العرب في كتابه المعروف (أعمدة الحكمة السبعة) ، فهو الذي عمل على إسقاط (مبدأ الخلافة) لتمزيق الحاضر الإسلامي إلى شذر مذر ، وهو الذي عمل على فرض شرخ عميق بين الحاضر العربي وتركيا ، وهو الذي هيأ الأرضية لمشروع ( سايكس-بيكو) فيما بعد ، وهذا ما كان حيث تمّ تقسيم الحاضر الإسلامي والعربي وفق مصالح (بريطانيا- فرنسا) ، وهو الذي هيأ الأرضية من خلال كل ذلك لإنجاح المشروع الصهيوني فيما بعد على أرض فلسطين التاريخية ، لذلك فإن لورانس ملك العرب كان ممن مارسوا عملياً فرض شرق أوسط جديد فيما مضى ، ولعله لا يختلف عن مشروع (بوش- رايس) إلا ببعض الفروع وإلاّ فالجوهر واحد والمستهدف واحد ، ولكن في هذه المرة ليس لصالح (بريطانيا- فرنسا) بل لصالح المؤسسة (الأمريكية- الإسرائيلية) ، وبذلك قدم لورانس النموذج العملي لمن بعده ، ومن أهم هذه الوثائق فيما بعد وثيقة " مؤتمر لوزان " وما حملت من شروط فرضتها بريطانيا يومها على تركيا ، حيث اشترطت بريطانيا على تركيا بواسطة هذه الوثيقة أنها لن تنسحب من الأراضي التركية إلاّ بعد تنفيذ الشروط الآتية :
أ- إلغاء الخلافة الإسلامية ، وطرد الخليفة من تركيا ومصادرة أمواله .
ب- أن تتعهد تركيا بإخماد كل حركة يقوم بها أنصار الخلافة .
ج- أن تقطع تركيا صلتها بالإسلام .
د- أن تختار لها دستوراً مدنياً بدلاً من دستورها المستمد من أحكام الإسلام ، فكان أن نفذ كمال أتاتورك الشروط السابقة فانسحبت الدول المحتلة من تركيا ، ولما وقف كرزون وزير خارجية بريطانيا في مجلس العموم البريطاني يستعرض ما جرى مع تركيا ، احتج عليه بعض النواب البريطانيين بعنف واستغربوا كيف اعترفت بريطانيا باستقلال تركيا ، التي يمكن أن تجمع حولها الدول الإسلامية مرة أخرى وتهجم على الغرب ، فأجاب كرزون : " لقد قضينا على تركيا ، التي لن تقوم لها قائمة بعد اليوم ... لأننا قضينا على قوتها المتمثلة في أمرين : الإسلام والخلافة" ، ولو تأملنا هذه الوثيقة وممارسات كرزون لوجدنا فيها خطوات سابقة ومتقدمة سعت إلى فرض شرق أوسط جديد كجزء من خارطة عالم إسلامي وعربي جديدة تقوم على أساس تفكيك عناصر القوة في العمق الإسلامي والعربي ، والتي كان فيها كرزون على قناعة أنه لن يتم تفكيكها إلا بإلغاء مبدأ الخلافة ، لأن إلغاء مبدأ الخلافة يعني إلغاء مبدأ القدرة على بناء وحدة إسلامية تجسد معسكراً مقاوِماً للطمع الإحتلالي الغربي في العمق الإسلامي ، ومن أهم هذه الوثائق فيما بعد ما نجده من تقييم لحاضر ومستقبل العالم الإسلامي والعربي وما نجده من مشاريع مقترحة قرينة لهذا التقسيم في كتاب : (الإسلام قوة الغد) للرحالة الألماني (بول أشميد) حيث يقول (أشميد) في هذا الكتاب : (إن مقومات القوة في الشرق الإسلامي تنحصر في عوامل ثلاثة :
أ- في قوة الإسلام كدين وفي الإعتقاد به ، وفي مُثُله ، وفي مؤاخاته بين مختلفي الجنس واللون والثقافة .
ب- في وفرة مصادر الثروة الطبيعية في رقعة الشرق الإسلامي ، وتمثيل هذه المصادر العديدة لوجهة اقتصادية سليمة قوية ، ولاكتفاء ذاتي ، لا يدع المسلمين في حاجة مطلقاً إلى أوروبا أو إلى غيرها إذا ما تقاربوا وتعاونوا .
ت- خصوبة النسل البشري لدى المسلمين ، مما جعل قوتهم العددية قوة متزايدة ، ثم يقول (أشميد) : ( فإذا اجتمعت هذه القوى الثلاث ، فتآخى المسلمون على وحدة العقيدة ، وتوحيد الله ، وغطت ثروتهم الطبيعية حاجة تزيد عددهم ، كان الخطر الإسلامي خطراً منذراً بفناء أوروبا وبسيادة عالمية في منطقة هي مركز العالم كله) ، ثم يقترح (أشميد) أن يتضامن الغرب شعوباً وحكومات ويعيدوا الحروب الصليبية في صورة أخرى ملائمة للعصر !! ولكن بأسلوب نافذ حاسم !! ولو تأملنا كتاب (أشميد) جيداً لاكتشفنا بسهولة أنه يتحدث عن (صدام الحضارات) دون أن يستخدم هذا المصطلح، ويتحدث عن ضرورة تفكيك عناصر القوة في العالم الإسلامي ، ويتحدث عن ضرورة غزو عسكري غربي في عقر دار العمق الإسلامي قبل أن يتحول هذا الحاضر الإسلامي إلى مارد يهدد أوروبا بالفناء !! وهي تحليلات سبق بها مدرسة (صدام الحضارات) في أمريكا !! وهي دعوة لصناعة شرق أوسط جديد تضمن فيه أوروبا دوام العجز الإسلامي !! وهي دعوة لأوروبا كي تتحد وكي تعود إلى حملاتها الصليبية تحت مسميات جديدة ، وبذلك يكون (أشميد) أذكى من (بوش الإبن) الذي أعلنها حرباً صليبية غربية على المكشوف ، عندما بدأ يستعد لغزو أفغانستان ، ثم غزو العراق ، ثم الانتشار في العمق الإسلامي !! ولذلك فإن الدور العدائي الذي تقوم به أمريكا ضد الحاضر الإسلامي على صعيد مفكريها وسياسييها ليس جديداً بكل ما قدم من أفكار مثل فكر (صدام الحضارات) ومن مشاريع مثل مشروع (الشرق الأوسط الجديد) ، بل أن هذا الدور العدائي الأمريكي فكراً ونهجاً هو استمرار للدور الغربي السابق شبراً بشبر وذراعاً بذراع سوى بعض المتغيرات التي تقتضيها قبل كل شيء المصلحة الأمريكية الإسرائيلية.
ومن الضروري أن نعلم أن روح هذه الوثائق ومعانيها وما تحمل من أفكار ومشاريع قد واصل العالم الغربي الحديث عنها شفاهة أو كتابة ، وواصل تحديد علاقته مع العالم الإسلامي على ضوئها حتى اليوم ، وعلى سبيل المثال فها هي مجلة روز اليوسف تنقل في عددها الصادر بتاريخ 29/6/1963 لأحد المسؤولين في وزارة الخارجية الفرنسية ما قاله عام 1952م وقد جاء فيه ما يلي :" ليست الشيوعية خطراً على أوروبا فيما يبدو لي ، إن الخطر الحقيقي الذي يهددنا تهديداً مباشراً وعنيفاً هو الخطر الإسلامي ، فالمسلمون عالم مستقل كل الاستقلال عن عالمنا الغربي ، فهم يملكون تراثهم الروحي الخاص بهم ، ويتمتعون بحضارة تاريخية ذات أصالة ، فهم جديرون أن يقيموا قواعد عالم جديد ، دون حاجة إلى إذابة شخصيتهم الحضارية والروحية في الحضارة الغربية ، فإذا تهيأت لهم أسباب الإنتاج الصناعي في النطاق الواسع ، انطلقوا في العالم يحملون تراثهم الحضاري الثمين ، وانتشروا في الأرض يزيلون منها قواعد الحضارة الغربية ، ويقذفون برسالتنا إلى متاحف التاريخ ، وقد حاولنا نحن الفرنسيين خلال حكمنا الطويل للجزائر أن نتغلب على شخصية الشعوب المسلمة ، فكان الإخفاق الكامل نتيجة مجهوداتنا الكبيرة الضخمة ، إن العالم الإسلامي عملاق مقيد ، عملاق لم يكتشف نفسه حتى الآن اكتشافاً تاماً ، فهو حائر وهو قلق ، وهو كاره لانحطاطه وتخلفه ، وراغب رغبة يخالطها الكسل والفوضى في مستقبل أحسن وحرية أوفر .. فلنعط هذا العالم الإسلامي ما يشاء ، ولنقو في نفسه الرغبة في عدم الإنتاج الصناعي والفني حتى لا ينهض ، فإذا عجزنا عن تحقيق هذا الهدف ، بإبقاء المسلم متخلفاً ، وتحرر العملاق من قيود جهله وعقدة الشعور بعجزه ، فقد بؤنا بإخفاق خطير ، وأصبح خطر العالم العربي وما وراءه من الطاقات الإسلامية الضخمة خطراً داهماً ينتهي به الغرب ، وتنتهي معه وظيفته الحضارية كقائد للعالم " . ولو تأملنا أقوال هذا المسؤول الفرنسي لوجدنا أنها تحمل روح أفكار (أشميد) الألماني وتدعو في سطرها الأخير إلى ( صدام حضارات) اضطراري وفق رؤية هذا المفهوم الفرنسي ، لأنه وفق رؤيته لا يمكن التعايش بين الحضارة الإسلامية العربية وبين الحضارة الغربية , وحتى تحافظ الحضارة الغربية على بقائها وتفوقها يجب عليها أن تمنع انبعاث جديد للحضارة الإسلامية !! هكذا يفكر هذا المسؤول الفرنسي وإذا افترضنا أنه يعبر عن فكر المؤسسة الفرنسية الرسمية فعندها سنفهم لماذا تبنت فرنسا إقامة المشروع الذري الإسرائيلي في ديمونا والذي عُرف باسم (خيار شمشوم) !! ولماذا منعت فرنسا الحجاب الإسلامي في أراضيها !! ولماذا كانت فرنسا اللاعب الأساس في صياغة قرار مجلس الأمن الأخير رقم (1701) الذي يطمعون من ورائه القضاء على ثقافة المقاومة في العمق الإسلامي !!
، وها هو أيوجين روستو رئيس قسم التخطيط في وزارة الخارجية الأمريكية ومساعد وزير الخارجية الأمريكية ومستشار الرئيس جونسون لشؤون الشرق الأوسط حتى عام 1967م يقول :" إن الظروف التاريخية تؤكد أن أمريكا إنما هي جزء مكمل للعالم الغربي ، فلسفته، وعقيدته، ونظامه وذلك يجعلها تقف معادية للعالم الشرقي الإسلامي ، بفلسفته وعقيدته المتمثلة بالدين الإسلامي ، ولا تستطيع أمريكا إلا أن تقف هذا الموقف في الصف المعادي للإسلام ، والى جانب العالم الغربي والدولة الصهيونية ، لأنها إن فعلت عكس ذلك فإنها تتنكر للغتها وفلسفتها وثقافتها ومؤسساتها " ، فهذا روستو لا يخفي ما يريد !! إنه يريد تدمير الحضارة الإسلامية ، وتبني دولة إسرائيل ، والسير خلف خُطى العالم الغربي المحاربة للإسلام !!( )
يتبع باقي الموضوع
المفضلات