الأستاذ الأديب القّاص علي الكرية , مرّة أخرى أقف , مثمّنة لك مثل هذا الجهد في التعريف
برجال , رجال , وقادة أبرار خدموا أمتهم بصدق وشرف وإخلاص , لم يهنوا , ولم يخونوا
ولم يبدّلوا تبديلا , لم تغريهم المغريات , ولم يستكينوا لعدوّ ولم يتنازلوا عن ثوابتهم وأهداف
أمتهم حتى قضوا شهداء ورحلوا وهم وقوفا كالأشجار , أحيّي جهدك وحسن إختيارك هذا
وأستسمحك في إضافة هذا الكشف من حساب القائد العربي الغيور على قضايا أمته
(( جمال عبدالناصر )) الذي كان ولا يزال الغائب الحاضر في وجدان الجماهير العربية
على الدوام , وفي ضمير ووجدان كل أحرار العالم ممّن قاوموا الإستعمار وأعوانه وعملائه
في كل مكان .
- لقد عاش جمال عبد الناصرارهاصات النضال في وطنه منذ ان كان طفلا في الصف الا عداي وهو يرى المستعمر يدوس على حرمة أرضه ويسفك دماء شعبه ويغتال فيه الأمنيات الجميلة , وحين شب عن الطوق , حضرت فلسطين في خاطره وفي فكره وفي دمه بقوة , وفي الفالوجة وهو محاصر هناك تعلم ووعى مامعنى ان يكون الوطن كله محاصرو مستباح ,بين عدو خارجي يغتصبه وينتهك حرماته ومقدساته وبين عدو مستبد في الداخل غارق في بحر ملذاته وأهوائه , والشعب بين هذا وذاك يعاني من العبودية والحرمان والقهر والتخلف .
فكانت تلك التجربة بكل ماحملت من معاناة مؤشرا على بداية الطلق في انتظار ان تدق ساعة الولادة , ومن رحم الأمة ولدت ثورة 23 يوليو سنة 1952 بقيادة جمال عبد الناصر وكوكبة من الضباط الأحرار, وتقدمت على طريق التحرير والنصر , وخاضت المعارك تلو المعارك . فكانت معركة الثورة ضد الاستعمارواعوانه أولى المقدمات التي قادت الى ماتلاها من حلقات .
- معركة حلف بغداد , ومعركة الحلف المركزي , ومعركة إيزنهاور, ومعركة الحلف الإسلامي المزيف .
- معركة استخلاص الإرادة القومية والتصميم على تحطيم مناطق النفوذ الاستعماري والخروج بالأمة العربية الى المجتمع الدولي " شريكا في صنع الحرية " وما تلاها من دخول في معركة كسر احتكار السلاح سنة 1955 , ومعركة التنمية من اجل الحياة التي قادت الى تأميم قناة السويس وخوض معركة بناء السد العالي , وأنجزت بنائه ودحرت العدوان الثلاثي سنة 1956 , وأممت جميع الممتلكات الفرنسية والبريطانية بعد العدوان لصالح الشعب العربي في مصر, وأنجزت أول وحدة حقيقية في التاريخ العربي الحديث , ووضعت قانون الإصلاح الزراعي الذي أعاد للفلاح المصري حقه في امتلاك أرضه .
ولم يكن ذلك المدّ النضالي في داخل القطر - مصر- ونتائجه البيّنة , ليمنع ان
تتوسع دائرته وتشمل عمقه العربي الذي كان إعلان استقلال السودان أول بشائره.
وعلى اثر ذلك تصاعد المد القومي وشهدت حركة التحرر العربي قمة ازدهارها
وانتشارها , فتأجّجت الثورة في الجزائر بدعم ومساندة من مصر الدولة المركزية , وفي اليمن كانت الثورة ضد التخلف والرجعية قد بلغت مداها بخروج الانجليز من جنوبه وتحرير عدن وطرد بريطانيا من كل الأقطار العربية شرق السويس , وتصفية القواعد الأجنبية من جميع الارض العربية . حيث طالب عبد الناصر بأن تكون ارض العرب للعرب, وبان تكون ثروات العرب للعرب, ونفط العرب للعرب. وكان تأميم قناة السويس بداية ليؤمم العرب بترولهم .. ولم تتوقف معارك عبد الناصريوما واحدا في الدفاع عن شعبنا العربي عموما , وجماهير امتنا في فلسطين على وجه الخصوص .
كان عبد الناصر يخوض المعارك تلو المعارك وفي كل ذلك الخضمّ كان دائما يمتلك القدرة على ان يقول لا , وقد قال لا رفضا لشروط الرأسمالية الأجنبية حين أرادت ان تقرن مساعدتها له في بناء السد العالي بالتبعية , وقال : لا في معركة كسر احتكار السلاح رفضا لانحيازه ضد المعسكر الاشتراكي .
ولم يكن عبدالناصريقول لا " مشاغبة " ولكن لان ثورة 1952 التحررية التي كان يقودها كانت في مرحلة مواجهة الاستعمار الجديد (التبعية ) وكانت كل قيمتها كثورة تحرريّة متوقفة على مقدرتها على ان تقول (لا) رفضا للتبعية وقد قالها عبد الناصر , ولم يتوقف عن قولها حتى في أحلك لحظات العدوان سنة 67 لم تستطيع "الهزيمة" وخسارة تلك الجولة من المعركة ان تكسر إرادة القائد الذي تحمل بشجاعة الفرسان وأخلاقهم النبيلة , مسؤولية ما حدث . وقدم نفسه للجماهير مسئولا عن ما حصل متحملا وزر الخطأ , وقابلا بحكمها عليه وهي سابقة لم يحدث ان حصلت لا في التاريخ العسكري ولا في التاريخ السياسي كله .
ولم تكن تلك الجماهير اقل نبلا وشجاعة من قائدها التي خرجت في أمواج بشرية عارمة يومي 9 و10 حزيران 1967 لتعيده بكل الوفاء والحب والاقتناع الى مركز قيادتها إدراكا منها انه القائد الوحيد القادرة ان تواصل معه خوض معارك تحرّرها .
وبالفعل , كانت معركة إزالة آثار العدوان , وحرب الإستنزاف هي المحكّ الصحيح التي اثبت للأعداء قبل الأصدقاء, ان العدو قد ينال منك ويهزمك في حالة واحدة , حين يتمكن من كسر عزيمتك او احتلال إرادتك , وعبد الناصر كان من صنف الرجال الذين لايكسر لهم عزم ولاتحتل لهم إرادة .
المفضلات