دراسة حول القانون الدولي وقضية القدس

أ د/ مفيد شهاب

يتعين بالتأكيد منذ البداية على ضرورة عـدم إغفال الجانب القانوني في أبعاد هذه القضية التاريخية أو الدينية أو السياسية، التي تعتبر الحجر الأساسي في قضية الصراع العربي– الإسرائيلي، ولا أغالي إذا قلت بأنني أعتقد، بأنه لا سلام ولا أمن في المنطقة، إلا بحل عادل يلتزم بحكم القانون ووضع الحقوق، في قضية المدينة المقدسة "القدس" برنامج هذه الندوة، كذلك لأن هناك في عالمنا العربي من يعتبر المنهج القانوني دربا من العبث، طالما أن أحكام القانون الدولي لا تلقى الاحترام من كل الدول، ولا حتى من المؤسسات الدولية المنوط بها إعمال القواعد القانونية، ولعل قرارات مجلس الأمن، التي تكيل بمكيال أو أكثر، مجرد نموذج على عدم احترام أحكام القانون من المؤسسات المنوط بها إعمال القانون و احترامه.
وعلى عكس هؤلاء، فإنني ضمن المجموعة التي تؤمن بحتمية الاستناد للمنهج القانوني، خصوصا وأننا أصحاب حق، ولا نطالب إلا باحترام هذه الحقوق، هذه الحقوق المؤكدة بالقوانين و بالقرارات الدولية. وليس غريبا أن نرى المعتدي يتمسح بهذا المنهج القانوني، لتبرير عدوانه وتسريده، ولا يرى البعض منا جدوى في التمسك بهذا المنهج القانوني، هذا المنهج الذي يدعم بلا شك، ما نطالب به من حقوق. وما ندافع عنه من مصالح مشروعة. ونقول على سبيل المثال:
حرب 1956، العدوان الإسرائيلي، والذي بررته إسرائيل بأنه دفاع شرعي، مسموح به في القانون الدولي، حرب 1967، بررت إسرائيل عدوانها بأنه دفاع شرعي، أما العمل العسكري السوري المصري عام 1973 فقد قالت عنه إسرائيل أنه في حكم القانون الدولي، عدوان. لقد وصلت إسرائيل إلى حد الاستناد إلى نظرية الدفاع الشرعي، في تبرير قتل الأجنة في بطون الأمهات الفلسطينيات.
وإذا كنت أؤكد على أهمية المنهج القانوني في مواجهة المعتدى، وفي مواجهة المجتمع الدولي، فلست أدعو بذلك أبدا، إلى التخاذل عن دعم كل مصادر قوتنا العسكرية والاقتصادية والسياسية و العلمية. والتكنولوجية اكتفاء بأننا أصحاب حق، أو أن القانون في صفنا. لكنني أزعم أن المنهج القانوني السليم، لو صلح استخدامه، سياسياً وإعلامياً، لكسبنا نحن العرب وضعا أفضل في المجتمع الدولي، ومع المؤسسات الدولية من أجل استرجاع الحقوق.
والتزاما مني بالأسلوب العلمي في معالجة هذا الموضوع، واحتراما للبرنامج المعد، أجد لزاما على أن أقصر حديثي على قضية القدس دون القضايا الأخرى المرتبطة بها، أو القضايا التي أدت إلى نشأة أزمة القدس: القضية الفلسطينية، والصراع العربي الإسرائيلي بصفة عامة. وأقتصر أيضا في حديثي على ما هو قانوني فقط، دون ما هو ديني أو تاريخي أو سياسي، فقد تحدث في هذه الجوانب من هم أكثر مني خبرة ودراية. ولذا أتجاوز عن كل هذه الجوانب وأدخل مباشرة في الناحية القانونية.
أولا: وضع مدينة القدس في ظل قرار تقسيم فلسطين:
بموجب قرار تقسيم فلسطين، الصادر من الجمعية العامة للأمم المتحدة، بتاريخ 29 نوفمبر 1947، وقرارين لاحقين، صدرا في 11 ديسمبر 1948، وفي ديسمبر 1949، تم وضع نظام للإدارة الدولية لمدينة القدس، نظرا لاحتوائها على الأماكن المقدسة للمسلمين والمسيحيين واليهود . ويشمل النظام الدولي بلدية القدس، أي مدينة القدس بأكملها، بما فيها من أحياء قديمة وحديثة والقرى المحيطة بها والتي تشكل معها وحدة واحدة. وتم تحديد مشتملاتها في خريطة ألحقت بقرار التقسيم الصادر في 29 نوفمبر 1947.
وقد تقرر في هذا التقسيم، أن القدس تحت السيادة الجماعية للأمم المتحدة، ويكون مجلس الوصاية مسئولا عن إدارتها، ويعين مجلس الأمن حاكما للمدينة المقدسة، يعاونه مجلس تشريعي يتكون من أربعين عضوا، وتوضع القدس في حالة حياد دائم، ويكون لسكانها رعوية خاصة.
لكن النظام الدولي للقدس لم ير الحياة، وبيان ذلك أن مجلس الوصاية قد كلف بوضع مشروع لهذا النظام تمهيدا لعقد اتفاق دولي بشأنه، لكن هذا المشروع تعذر إقراره بواسطة الجمعية العامة نتيجة لمعارضة كل من البلاد العربية وإسرائيل لتدويل القدس، فبقي التدويل معطلا.
وظل القسم القديم من القدس تحت سيطرة الأردن. وهو الجزء الذي يحتوي على الأماكن المقدسة، أما القسم الحديث فقد احتلته إسرائيل منذ نشوتها سنة 1948. وفي 7 يونيو 1967، احتلت إسرائيل مدينة القدس بأكملها عقب عدوانها على مصر في 5 يونيو 1967 ومنذ عام 1967 وحتى الآن، هناك انتهاكات إسرائيلية لا يمكن حصرها للحقوق المدينة والمعتقدات في مدينة القدس.
ثانيا: الانتهاكات الإسرائيلية للحقوق الدينية والمعتقدات في مدينة القدس:
لم تكتف السلطات الاحتلال الإسرائيلي، في الأراضي العربية المحتلة بانتهاك حقوق الإنسان، بل امتدت يدها للعبث بالمقدسات، وخاصة في مدينة القدس، حيث عملت على إجراء الحفريات حول الحرم الشريف في القدس، واغتصاب وهدم وإزالة العقارات والمعاهد والمقدسات الإسلامية بها وتشريد سكانها، مستهدفا إزالة الحرم الشريف ومسجد الصخرة والمسجد الأقصى، وإزالة ما حولهما وما يجاورهما من تراث إسلامي ومسيحي وحضاري، واستبدال الجميع بهيكل جديد لليهودية.
وعملت السلطات الإسرائيلية، منذ احتلال القدس ـ على مواصلة إجراءات الحفر حتى وصلت أسوار الحرم الشريف من الجهتين الجنوبية والغربية، وقد حدد أحد علماء الآثار الإسرائيليين طول هذه الحفريات بـ 485 مترا، تم حفر 230 مترا منها حتى 14أكتوبر 1970.
وقد تجلت قمة الأعمال الإجرامية للسلطات الإسرائيلية بقيامها بإحراق المسجد الأقصى، في 21 أغسطس عام 1969، في محاولة منها لتهويد القدس العربية والقضاء على أهم معالمها الإسلامية، كل ذلك من اجل بناء هيكل اليهودية المزعوم مكان المسجد الأقصى.
إن قواعد القانون الدولي تؤكد على حماية الأماكن المقدسة والاماكن الأثرية، وذلك لأنها تعتبر تراثا إنسانيا وحضاريا لا يقدر بثمن، كما ألزمت سلطات الاحتلال باحترام هذه الأماكن وعدم المساس بها، والعمل على احترام حرية ممارسة الشعائر الدينية، وحذرت من التدخل في هذه الشئون او العمل على تعطيلها، وعلى سبيل المثال، اتفاقية لاهاي الرابعة لسنة 1907 في نص المادة 56، من أن " أملاك البلديات والمؤسسات الدينية والتعليمية، حتى ولو كانت للدولة، يجب أن تعامل كالأملاك التاريخية أو التحف الفنية محظور ويجب أن تتخذ بحق المخالفين لنصوص هذه الاتفاقية كل الإجراءات القضائية".
كما جرى النص أيضا، على حرية ممارسة الشعائر الدينية، التزام السلطة المحتلة بوجوب احترام ذلك، في نص المادة 27 من اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949 الخاصة بحماية المدنيين، والتي أكدت على حق السكان في المناطق المحتلة في ممارسة شعائرهم الدينية حسب عاداتهم وتقاليدهم.
وقد أكدت محكمة "نورمبرج" على أن تعرض سلطات الاحتلال للاماكن الدينية او المساس بها، وكذلك إعاقة أو تعطيل ممارسة الشعائر الدينية في الأراضي المحتلة يشكل جريمة من جرائم الحرب، تدنيها قوانين وأعراف الحرب والاتفاقيات الدولية والقوانين الوطنية والمبادئ العامة المعترف بها من قبل الدول المتمدينة، وقد أصدرت محكمة "نورمبرج" أحكاما عديدة بإدانة الأشخاص الذين قاموا بإغلاق الأديرة وسلب أموال الكنائس والمعابد وانتهاك حرمتها، وتدخلوا في ممارسة السكان المدنيين لعقائدهم الدينية واضطهادهم للقساوسة ورجال الدين.
ثالثا : إسرائيل وإجراءات الاستيلاء والمصادرة للممتلكات العربية في القدس:
نتيجة للغزو الإسرائيلي للدول العربية، في 5 يونيو 1967 والاستيلاء على الضفة الغربية، أقدمت إسرائيل على ضم مدينة القدس واعتبرتها عاصمة موحدة لإسرائيل، أقدمت إسرائيل على هذه الإجراءات متحدية بذلك المجتمع الدولي بأسره، ومنتهكة لمبادئ القانون الدولي التي أخذت جميع الدول على عاتقها احترامها والالتزام بها، ومن ضمنها إسرائيل نفسها، ولجوء إسرائيل إلى هذه الإجراءات، الهدف منه تثبيت أقدامها تدريجيا في الأراضي العربية المحتلة، متبعة في ذلك سياسة إقامة المستوطنات الإسرائيلية لتكون في المستقبل بمثابة أمر واقع تفرضه إسرائيل على الدول العربية كما فعلت سنة 1948. وقامت إسرائيل في أعقاب حرب يونيو سنة 1967 بحركة استيطان هائلة وضم واسعة في الضفة العربية، تنفيذا لمخططها التوسعي:
ففي 28 يوليو 1967، بعد العدوان بشهر ونصف، أصدرت إسرائيل أمرا أطلقت عليه اسم "أمر القانون والنظام رقم 1 لسنة 1967 " أعلنت فيه أن "مساحة أرض إسرائيل المشمولة في الجدول الملحق بالآمر، خاضعة لمرسوم قانون إدارة الدولة الإسرائيلية "هذا الجدول يتضمن تنظيما لمدينة القدس بأكملها حتى الجزء الذي كان يقع تحت الحكم الأردني العربي، والذي كان يقطنها آنذاك حوالي مائة ألف نسمة من السكان العرب . ودعا بن جوريون، في خطاب له أمام الكنيست الإسرائيلي، إلى الإسراع في عملية توطين اليهود في القدس القديمة وغيرها من الأماكن المقدسة وقال في هذا الصدد، أن توطين 20.000 أسرة يهودية في المنطقة المحيطة بالقدس سينهى إلى الأبد كل حديث حول فكرة تدويل المدينة المقدسة.
وقد قامت إسرائيل بإصدار الأمر رقم (1443) المتعلق بمصادرة الأراضي والمباني داخل أسوار القدس القديمة، حيث تمتد المساحة المصادرة بين السور الجنوبي الغربي للحرم القدسي الشريف والحي الأرمني داخل أسوار المدينة، وتقدر مساحتها بحوالي 116 دونما، تشمل 600 منزلا عربيا وخمسة مساجد و4 مدارس وسوقين ومركزين إسلاميين، واصبح ساكنوها والبالغ عددهم 000ر70 نسمة دون مأوى.
كما صدر إعلان لوزير المالية الإسرائيلي في 30 أغسطس 1970 بمصادرة أراضي أخرى في القدس تقع في منطقة النبي يعقوب، وتبلغ مساحتها 470 دونما، وأراضي عربية أخرى تقع شمال غربي القدس تبلغ مساحتها 4840 دونما، وتقدر مساحة الأراضي العربية المصادرة بموجب هذا القرار بحوالي 11680 دونما في المنطقة القدس وحدها.
وقد وصل عدد اليهود الذين أصبحوا يقطنون في القدس العربية حتى نهاية 1969، ثلاثة آلاف نسمة، وخططت إسرائيل لكي يصل عددهم في نهاية 1973، في القدس العربية إلى 000ر42 نسمة واستمرت الزيادة حتى وصلت إلى الأعداد التي استمعنا إليها منذ قليل .وقد تعرضت مدينة القدس ووضعيتها، في مفاوضات السلام في الشرق الأوسط للهجوم مرتين، منذ أن بدأت مسيرة مدريد أخيرا.
الأولى: من جانب إسرائيل التي أعلنت عن مصادرة 53 هكتارا من أراضى القدس الشرقية المحتلة، لإنشاء حي يهودي جديد يضم 2500 وحدة سكنية، كمرحلة أولى من خطة تهدف إلى مصادرة 500 هكتار إضافية.
الثانية: من جانب الكونجرس الأمريكي والمرشح للرئاسة الأمريكية القادمة، عن تقديم مشروع لنقل الأمريكية من تل أبيب إلى القدس . وسواء كان هذا الهجوم أو ذلك هو الأشرس، فأن كليهما يصيب عملية السلام في مقتل، وينسف جهودا كثيرا سابقة لإقرار الاستقرار او التعاون في المنطقة ويضع البذور للصراع بل للحرب، وباختصار شديد، فأن كلا من إسرائيل، إذا ما استمرت في سياستها الحالية لفرض الأمر الواقع الاستيطاني في القدس الشرقية ــ والولايات المتحدة، إذا استمرت في اتخاذ قرار بنقل السفارة، سوف تنسفان عملية السلام بأسرها وتعود في تقديري الشخصي، أوضاع المنطقة إلى ما كانت عليه، من حدة وتوتر، في أكثر فترات الصراع العربي الإسرائيلي احتداما.
رابعا: الأمم المتحدة وموقفها من مدينة القدس ومبدأ عدم الاعتراف بالأوضاع الإقليمية غير المشروعة:
يقر ميثاق الأمم المتحدة حق الشعوب في تقرير مصيرها، واحترام حقوق الإنسان وعدم التفرقة العصرية، ومن ناحية أخرى تنص المادة 2/4، وأيضا يؤكد الميثاق علي أن يمتنع أعضاء الهيئة جميعا في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي. وبناء عليه، لو أن دولة ما انتهكت حكم المادة 2/4 من الميثاق، والتي تفرض على كافة الدول الامتناع عن استخدام القوة، فأن كافة الدول تلتزم بموجب الميثاق، بأن تتخذ من التدابير الجماعيـة، ما يحول دون المساس بالسيادة الإقليمية والاستقلال السياسي للدولة المعنية وأن تقمع العدوان الواقع عليها هذا الالتزام" الإيجابي" على كل دول العالم، يفترض بداهة أن يقترن بالالتزام سلبي مفادة عدم الاعتراف بأي تصرف يأتي مخالفا للمبادئ المذكورة، ولا بأي أثر من الآثار الناجمة عنه والقول بغير هذا يجعل من هذا التدابير غير ذات معنى.
وقد شهدت الأجهزة المختلفة للأمم المتحدة – بعد إنشائها – محاولات لتقنين الالتزام بفكرة عدم الاعتراف بالأوضاع الإقليمية غير المشروعة . من ذلك مثلا : المشروع الذي تقدمت
به لجنة القانون الدولي سنة 1949، والذي يقرر أن تلتزم كل دولة بالامتناع عن الاعتراف بأي مكاسب إقليمية تحصل عليها دولة أخرى انتهاكا لأحكام المادة التاسعة ويراعي أن المادة التاسعة قد بينت القواعد العامة للقانون الدولي التي تضمن السلامة الإقليمية لكافة الدول. وقد اعتنقت الجمعية العامة هذا المبدأ، مبدأ عدم الاعتراف وأكدته في الإعلان الصادر عنها، والمتعلق بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول الصادرة في 24 أكتوبر سنة 1970، والذي جاء فيه : "أن أية مكاسب إقليمية تم الحصول عليها عن طريق استخدام القوة او التهديد باستخدامها لا يمكن الاعتراف بشرعيتها. وعليه طبقا لهذا المبدأ المسلم به فقهيا، وفي أجهزة الأمم المتحدة، حول مشكلة الشرق الأوسط، وكما نعلم أنه في أعقاب العدوان الإسرائيلي على كل من مصر و سوريا و الأردن، اصدر مجلس الأمن في 22 نوفمبر 1967، قرارة الشهير تحت رقم 242، مقررا في ديباجته "عدم قبول الاستيلاء على أقاليم الغير عن طريق الحرب" وأن إرساء السلام العادل في الشرق الأوسط يقتضي "سحب القوات الإسرائيلية من الأقاليم المحتلة أبان النزاع الأخير".
وفي أعقاب توصيات عديدة متعلقة بهذا الهدف، صدر قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة في 4 يوليو 1967 يدين كل الإجراءات التي قامت بها إسرائيل لتغير الوضع القانوني للقدس. قد يقال أن الجمعية العامة تصدر توصيات غير ملزمة، وإن ما هو ملزم يصدر عن مجلس الأمن، إذن ننتقل إلي مجلس الأمن، وهنا اذكر بعض القرارات:
1- القرار رقم 250 لعام 1968 : والذي يدعو إسرائيل إلى الامتناع عن إقامة العرض العرض العسكري في القدس، بتاريخ الثاني من مايو 1968 وطلب من الأمين العام للأمم المتحدة تقديم تقرير للمجلس في هذا الشأن.
2- القرار رقم 251 لعام 1968 :وفيه يبدي مجلس الأمن أسفه لإقامة العرض العسكري الإسرائيلي في القدس في الثاني من مايو 1968.
3- القرار رقم 253لعام 1968: والذي يعتبر جميع الإجراءات الإدارية والتشريعية التي قامت بها إسرائيل، يما في ذلك مصادرة الأراضي والأملاك، التي من شأنها أن تؤدي إلى تغيير في الوضع القانوني للقدس، إجراءات باطلة، ولا يمكنها تغيير الوضع فيها، ودعا القرار إسرائيل بإلحاح إلى أن تبطل هذه الإجراءات، وان تمتنع عن القيام بأي عمل أخر من شأنه تغيير الوضع في القدس.
4- القرار رقم 267 لعام 1969 ب: يعبر مجلس الأمن عن أسفه لفشل إسرائيل في إظهار الاحترام لقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة المتعلقة بالقدس، ويؤكد القرار على أن جميع الإجراءات التشريعية والإدارية التي اتخذتها إسرائيل ومن بينها مصادرة الأراضي والممتلكات، أعمال باطلة ويدعو إسرائيل بإلحاح إلى الاعتراف بأن أي تدمير أو تدنيس للاماكن المقدسة أو المباني او المواقع الدينية او أي تشجيع على ذلك، يهدد بشددة الأمن والسلم الدوليين، كما يقرر أن العمل المقيت لتدنيس المسجد الأقصى يؤكد الحاجة الملحة لامتناع إسرائيل، عن خرق القرارات الصادرة عن المجلس، كما طالبها بإبطال جميع الإجراءات والأعمال التي اتخذتها لتغير وضع القدس، أضف إلى ذلك أن المجلس دعا إسرائيل إلى التقيد بدقة بنصوص اتفاقية جنيف الرابعة، وبالقانون الدولي، الذي ينظم سلطات دولة الاحتلال هذه السلطات التي تقتصر على حق الإدارة اليومية للإقليم المحتل، دون القيام بأي عمل يؤدي إلى التغير الجغرافي او القانوني او الإداري للإقليم المحتل .
ويدعو هذا القرار إلى الامتناع عن إعاقة المجلس الإسلامي الأعلى للقدس عن القيام بمهماته، بما في ذلك أي تعاون يطلبه المجلس.
5- القرار رقم 298 لعام 1971: والذي يعتبر، بعبارات واضحة للغاية، أن جميع الأعمال الإدارية والتشريعية التي قامت بها إسرائيل لتغير وضع مدينة القدس، ومن ضمنها مصادرة الأراضي والممتلكات ونقل السكان والتشريع الهادف إلى ضم القطاع المحتل، لاغية تماما، ولا يمكن أن تغير ذلك الوضع، ودعا المجلس الإسرائيلي بإلحاح إلى إلغاء جميع الإجراءات والأعمال السابقة، والى عدم اتخاذ خطوات أخرى في القطاع المحتل من القدس، الذي قد يفهم منه تغير وضع المدينة، او قد يجحف بحقوق السكان، وبمصالح المجموعة الدولية والسلام العادل والدائم.
6- القرار رقم 465 لعام 1980: والذي يدعو إلى إزالة المستوطنات الإسرائيلية القائمة في الأراضي المحتلة، وهذا القرار لم يذكر القدس تحديدا، وإنما قال الأراضي المحتلة، لكن كل قرارات مجلس الأمن، بلا استثناء، صريحة بالنص على أن المقصود بالأراضي المحتلة بما فيها القدس الشرقية، ومن هنا لا يمكن لإسرائيل أن تتعلل بأي حال بأن الأراضي المحتلة لفظ عام لا ينطبق على القدس الشرقية، إن القدس الشرقية بحكم القانون وبحكم قرارات مجلس الأمن جزء من الأراضي المحتلة، تنطبق عليها نفس الاحكام.
7- القرار رقم 478 لعام 1980: والذي دعا جميع الدول إلى عدم نقل بعثاتها الدبلوماسية إلى مدينة القدس، مع اعتبار جميع التدابير والإجراءات التشريعية والاستيطانية الرامية إلى تغيير الوضع القانوني للمدينة لاغية ومخالفة للقانون الدولي.
8- القرار رقم 672 لعام 1990: والذي أدان إسرائيل لارتكابها أعمال عنف ضد الفلسطينيين، وذلك بمناسبة المذبحة التي شهدتها ساحة المسجد الأقصى في أكتوبر عام 1990، وطالب إسرائيل بصفتها قوة احتلال، بالوفاء بمسئولياتها القانونية المقررة بموجب اتفاقية جنيف الرابعة.
9- القرار رقم 673 لعام 1990: وجاء ردا على رفض إسرائيل للقرار رقم 672 أكد فيه
مجلس الأمن إصراره على ضرورة امتثال إسرائيل لقرار المجلس السابق، وأن تسمح لبعثة تقصي الحقائق بأداء مهمتها المقررة بموجب القرار السابق صدوره عن المجلس.
10- القرار رقم 904 لعام 1994: وقد أدان بقوة المذبحة التي ارتكبت في مدينة الخليل، وطلب من إسرائيل اتخاذ إجراءات من بينها مصادرة الأسلحة، بهدف منع أعمال العنف غير المشروعة من جانب المستوطنين الإسرائيليين، وفي الفقرة التمهيدية لهذا القرار يصف القدس من جديد بأنها محتلة، وفي فقرة أخرى يصف القرار الأراضي التي احتلتها إسرائيل في حرب 1967، بأنها أراضي فلسطينية محتلة.
‎يستفاد مما سبق، أن الأمم المتحدة إذ تقرر عدم شرعية التغيرات الإقليمية الناجمة عن العدوان الإسرائيلي على الدول العربية الثلاث، وتقرر بطلان التصرفات التي اتخذتها إسرائيل بمناسبة احتلالها لأقاليم هذه الدول، فأنها تعتنق بذلك نظرية بطلان التصرفات التي بالمخالفة لقواعد القانون الدولي، وتسعى الأمم المتحدة، من خلال الجمعية العامة أو مجلس الأمن، إلى تأكيد مبدأ الشرعية القائم على أن الأمر الواقع يصحح التصرفات الباطلة، والفقه والقضاء الدوليين يلتزمان بعدم الاعتراف بأي أوضاع إقليمية غير مشروعة استنادا إلى مبدأ مسلم به في القانون.وهو أن الخطأ لا يولد الحق، على اعتبار أن ذلك المبدأ يعد من المبادئ العامة للقانون الدولي. فإذا كان نوع الخطأ المرتكب، بسبب التغير الإقليمي أو
بمناسبته، نصبح أمام انتهاك إحدى القواعد القانونية الدولية المتعلقة بالنظام الدولي العام‎، وهي ليست قاعدة عادية، إنما هي قاعدة نصت عليها المواد العديدة في ميثاق الأمم المتحدة.
أود أشير إلى أن اتفاقية أوسلو في سبتمبر 1993، تتضمن نصا صريحا، إذ تتحدث في المادة الخامسة عن إجراءات التفاوض، والفترة الانتقالية، والانتخابية وغير ذلك، ونحن نقول أن من المفهوم أن هذه المفاوضات سوف تغطي القضايا سوف تغطي القضايا المتبقية بما فيها القدس، اللاجئين، المستوطنات، الترتيبات الأمنية، الحدود، العلاقات والتعاون مع جيرانها، إلى آخره من هذا الكلام، الأمر الذي يعني، أنه وفقا لأحكام اتفاقية أوسلو، بين الفلسطينيين وإسرائيل، فإن قضية القدس مؤجلة إلى مرحلة لاحقة من التفاوض، وهذا يعني من وجهة نظر القانون، بأن هناك تعهد من إسرائيل، ينتج أثر مانعا نحو إسرائيل، أن تقوم بأي إجراء منفرد، منذ لحظة توقيع هذا الاتفاق، ويطلق على هذا الأثر في القانون" الأثر الواقف " أي أن هناك فترة لتجميد وضع القدس على ما كانت عليه منذ لحظة توقيع الاتفاق حتى الانتهاء إلى الوضع النهائي المتفق عليه في التفاوض، إذن فأي تغير فهذا الوضع، بالمصادرة أو غيرها، يعبر، فضلا عن مخالفته للقرارات الشرعية الدولية، مخالفا أيضا لالتزام إسرائيل نفسها وفقا لهذا الاتفاق،"اتفاق أوسلو" وهو في كل الأحوال باطل، ولا يترتب عليه أي أثر قانوني، بأي حال من الأحوال، وللأسف فإن الولايات المتحدة الأمريكية تستخدم الفيتو الأمريكي في القرار الخاص بالقدس.
الفيتو الامريكية في القرار الخاص بالقدس:
جاء استخدام الولايات المتحدة الامريكية للفيتو ضد مشروع القرار الذي كان مقدما لمجلس الأمن لمطالبة إسرائيل بإلغاء مصادرة الأراضي في القدس الشرقية مخيبا للآمال، ومستفزا لمشاعر العرب والمسلمين، فضلا عن مخالفته الصريحة لإرادة المجتمع الدولي،ومخالفته لأحكام القانون الدولي. ثم يأتي تعقيب" مادلين أولبريت" مندوبة أمريكا في الأمم المتحدة على التصويت، ليضاعف من هذا الاستفزاز، ويؤكد مدى الابتزاز الإسرائيلي لبلادها ‎، حين تقول أن التصويت كان على مبدأ يتمثل في أن الطريق الوحيد لتحقيق سلام عادل وان مجلس الأمن ليس هو المكان المناسب لذلك. ولقد كان وزير خارجيتنا على حق عندما تساءل، إذا لم يكن مجلس الأمن هو المكان المناسب فأين المكان المناسب إذن.
ولعله من المناسب هنا أن نفند من هذه المبررات التي جاءت بها مندوبة أمريكا،وسنقتصر هنا على النواحي القانونية:
1-إن مجلس الأمن هو المحفل الدولي الأساسي لعرض مصادرة إسرائيل لأراضي القدس الشرقية، لأنه هو الجهاز المختص بالأمور التي تتعلق بحفظ السلم والأمن الدوليين، وفقا للفصل السادس والفصل السابع من الميثاق، وان ما حدث يهدد السلم والأمن الدوليين،وذلك هو الاختصاص الأول والأساسي لمجلس الأمن.
2- إن الولايات المتحدة الأمريكية، التي اتخذت هذا الفيتو، حتى لا يصدر القرار، قد شاركت في إصدار العديد من القرارات المماثلة التي تبناها مجلس الامن بشأن قضية القدس، لقد أقرت الولايات المتحدة في كل القرارات المماثلة التي تبناها مجلس الأمن بشأن قضية القدس، لقد أقرت الولايات المتحدة في كل القرارات السابقة، بأن القدس الشرقية جزء من الأراضي المحتلة وأي تغير فيها يخالف القانون الدولي، ويخالف اتفاقية جنيف،وأنها لا توافق أبدا على انتقال البعثات الدولية إليها.
3- إن الأمر الذي كان مطروحا على المجلس يتعلق بانتهاك قاعدة من قواعد القانون الدولي الآمرة المتعلقة بالمصلحة العليا والأساسية للمجتمع الدولي، مما لا يجوز مخالفتها، أو الاتفاق على ما يخالف أحكامها، وكانت طبيعيا أمام قاعدة آمرة أن يتصدى مجلس الأمن لاتخاذ قرار بشأنها‎.
4- أن الموضوع يتعلق بانتهاك إسرائيل للعديد من قرارات مجلس الأمن السابقة والمتعلقة بموضوع القدس، والتي تقضي في مجموعتها ببطلان جميع الإجراءات الإدارية والتشريعية التي قامت بها إسرائيل بما في ذلك مصادرة الأراضي والأملاك التي من شأنها أن تؤدي إلى تغير في الوضع القانوني لمدينة القدس.
5- أن مصادرة إسرائيل للأراضي الفلسطينية في القدس الشرقية - التي هي جزء من الأراضي المحتلة - هو انتهاك صريح لاتفاقية جنيف الرابعة، الصادرة في13 أغسطس عام 1949، والتي تنظم بدقة صلاحيات سلطة الاحتلال العسكري وتقتصرها على الإدارة اليومية، دون الإخلال بالوضع الجغرافي والسكاني للأراضي المحتلة.لقد حرصت على الالتزام بالجانب القانوني وحده، التزاما بما قلته في البداية، وذلك أنني ما زلت أؤمن أن الالتزام بأحكام القانون والتمسك بها والدفاع عنها أمر يساعدنا كثيرا على استرجاع الحقوق، طالما أننا لا نكتفي، بالقانون فقط، ولا تكتفي بالحديث فقط، وأن نستعد عسكريا وسياسيا واقتصاديا، تكنولوجيا وعلميا.

انتهى عرض المقال