مكانة القدس في العقيدة الإسلامية

أ0د/ عبد العزيز الخياط - وزير أوقاف الأردن السابق و رئيس مجمع الحضارة في الأردن

ما أعرف بلدا كالقدس له منزلة مقدسة عند سائر الناس كافة على اختلاف عقائدهم ولا اذكر مكانة لبلد بعد مكة والمدينة ترتفع إلى التقديس عند المسلمين كالقدس ولسنا نقدس أحجارا ولا نعبدها ولا نمجد بنيانا يتغير ويتبدل على مر السنين ولكننا نقدس ما قدسه الله مدينة تزهو على كل المدائن وبلدا يباركه الله في الدنيا وجعل فيه من دواعي التبريك والتقديس أنبياء بررة ونجيع دم زكي ورسلا هداة وصخرة مقدسة ومسجدا طهورا وغاية إسراء لإكرام الأنبياء محمد عليه الصلاة والسلام ومنطلق معراج له إلى السماوات العلا ومهبط رسالة عيسى ومصدر الإشعاع الحضاري الإسلامي عبر القرون وأرض بطولات وذكريات عزيزة صلاة المسلمين إليها قبلة مرموقة وبلدا مزارا وأرض داء قام فيها عمر أمير المؤمنين في ليله أحياها حتى الفجر قائلا ليبك اللهم لبيك بما هو احب إليك وصلى فيها إماما بالصحابة قرأ في الركعة الأولى بهم سورة (ص) وفيها حديث الأنبياء وعبادتهم في القدس وعلا صوته وهو يقول أم لهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب أم لهم ملك السماوات والأرض وما بينهما فليرتقوا في الأسباب جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب وقرأ في الركعة الثانية أوائل سورة الإسراء وردد الفضاء صدى صوته الجهور عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا أن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا أكد تبريكها عهدة عمرية تنزيهية تقر الحق وتحقق العدل تؤكد السماحة.
ومن دواعي التبريك صحابة وعلماء وزهاد وأتقياء عاشوا في أرضها وأظلتهم سماؤها واسهروا ليلها سجودا على ترابها أو كتابة للعلم وملأوا رحابها تدريسا وجهادا ومذاكرة وواراهم ترابها وزكت مآثرهم تاريخها وقادة كرام كانوا نموذج الحكم والقيادة والفتح والسيادة والعدل والريادة تبريك نور أرجاءه يوم بنيت على صخرتها قبة المجد والجامع الأقصى وتليت فيها آيات الله آناء الليل وأطراف النار وجدد بهاءه يوم استمع صلاح الدين بعد الفتح إلى خطبة القاضي محي الدين القرشي وقد امتلأت ساحات المسجد والصحون واستعبرت للفرح بما يسره الله العيون ووجلت القلوب وخشعت الأبصار وردد القاضي كلمات الصدق "فهو موطن أبيكم إبراهيم ومعراج نبيكم محمد عليه السلام وقبلتكم التي كنتم تصلون إليها في ابتداء الإسلام وهو مقر الأنبياء ومقصد الأولياء ومقر الرسل ومهبط الوحي ومنزل تتنزل الأمر والنهي وهو في أرض المنشر وصعيد المحشر وهو في الأرض المقدسة التي ذكرها الله في الكتاب المبين".
وزاده التبريك أن سالت دماء المجاهدين على أسواره وفي رحابه كان نعم الدم الهاشمي المبرور. فحق أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في القدس في الحديث الشريف الذي رواه عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر "بيت المقدس بيت بنته الأنبياء وسكنته الأنبياء ما فيه موضع شبر إلا وقد صلى فيه نبي وقام فيه ملك".
وقول الشاعر:
هي القدس محراب السماء وبابها ومنها إلى الرحمن تفضي شعابها
حجارتها للمؤمـنـيـن قـلائد وكـحـل عيون المؤمنين ترابها

وقول الشاعر:
عـربـية يا قدس ما من رملـة إلا وضـمخهـا الزكي الأطهر
عربـيـة أرضا سماء ومحتـدا عـمرا وتاريخا يضيء ويزهر
هم يحـلـمون بأن تضيع معالم لك شادهـا شعـب عظيم خير
هيهات والإســلام أنت منارة ولواؤه والملتقـى والمحشــر
***
يـا قدس يا وطن النبيين الألـى حملوا إلى الدنيا الضياء وبشروا
وبقـيت والمعراج فوقك مشرع أعـلامـه يحنوا عليك ويسهر
ومحمـد والأنبياء شــواخص أبصارهم لـك والبراق الأطهر
يا قدس مذ أسرى النبي تـشوقا لك والدنى بك تهـتـدي وتنور
يا قدس أبواب السماء جميعهـا في سقفك الزاهي تضيء وتبهر
***
وقال آخر:
يا قدس كم فيك من ذكرى مقدسة طارت بأجنحـة الأضواء نجواها
توهج الحزم في جلي محمدهـا وأورق الطهر في أهداب عيساها
مسرى الحنيفية السماح وقبلتهـا يـا طـهر قبلتها يا عز مسراها
***

ابتداء القدس

بدأ تاريخ القدس ببناء المسجد الأقصى فيها أي ببدء سلالة آدم في هذه الأرض وذلك لأن الله سبحانه وتعالى يقول "إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدي للعالمين" وقد روى البخاري ومسلم في صحيحهما بسندهما عن أي ذر رضي الله عنه قال: "قلت يا رسول الله، أي مسجد وضع في الأرض؟ قال "المسجد الحرام" قال: قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى قلت: وكم بينهما؟ قال: أربعون عاما ثم جعلت الأرض لك مسجدا فحيثما أدركتك الصلاة فصل" فمن المعلوم أن أول من عين مكان الكعبة هو الله سبحانه وتعالى للملائكة ثم بناه آدم عليه السلام وبنى آدم بعده بأربعين سنة المسجد في القدس كما ورد في الحديث الشريف ذكر ابن هشام في كتاب التيجان: أن آدم عليه السلام لما بنى البيت (أي الكعبة) أمره جبريل بالمسير إلى بيت المقدس وأن يبنيه فبناه ونسك فيه وفي رواية "وسكن فيه" ثم أصاب الخراب المسجدين الكعبة والمسجد الأقصى نتيجة الطوفان وغيرها كما قال الزركشي وصنعا قديما ثم خربا حتى جدد إبراهيم عليه السلام الكعبة كما ذكر الله عز وجل "وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل".
وظل الأمر كذلك حتى جاء العرب الكنعانيون من جزيرة العرب إلى بلاد الشام قبل الميلاد بثلاثة آلاف سنة ونيف وسميت الأرض باسمهم أرض كنعان ومن الكنعانيين اليبوسيون الذي سكنوا جنوب بلاد الشام وجاء زعيمهم سالم فأقام هيكلا للعبادة على مرتفع عال في الأرض التي سميت باسمه "أور سالم" و(أور) معناها مدينة وذلك قبل الميلاد بثلاثة آلاف سنة وقبل ظهور إبراهيم عليه السلام ب 1850 سنة ولما جاء الآراميون حرفوا كلمة (سالم) فنقطوا السن شينا فصارت (أورشليم) وازدهرت المدينة بعد ذلك وعاقب عليها السكان على اختلاف أجناسهم وأديانهم وأطلقوا عليها أسماء مختلفة فصار لها عدة أسماء منها "أورسالم"، أورشلم، يورشالم، أورشليم، مدينة الرب، إيليا" وفي العهد الإسلامي سميت بيت المقدس القدس، دار السلام، مدينة السلام" وقد ورد اسمها (أورشاليم) في ألواح مصرية سميت (نصوص الطهارة) ترجع إلى القرن التاسع عشر قبل الميلاد وقبل دخول اليهود إلى القدس أي 1004ق.م.
وقد أوردت التوراة أن إبراهيم عليه السلام وفد إلى فلسطين وأحسن الملك العربي اليبوسي (ملكي صادق) وفادته ولم يجز إبراهيم لنفسه أن يملك قطعة من أرض القدس ووهبه الحيثيون قطعة من أرض حبرون (مكفيا) ليدفن فيها زوجته سارة كما يقول الكاتب اليهودي (جان ليجول).
ومن هذا السرد نرى أن تقديس القدس وتبريكها كان من تقديس الله لها لأنه أمر آدم أن يبني فيها ثاني بيت بني في الدنيا للعبادة فيه هو المسجد الأقصى وزادها تبريكا أن سالم اليبوسي (كما تقول الروايات عنه) كان رجلا صالحا بنى المعبد فيها على مرتفع وهو الصخرة (أي جدد بناء المسجد الأقصى) وجاء ملكي الصادق الذي أيد أول جماعة ظهرت للتوحيد في بيت المقدس فعزز هذا التبريك بأن فيها معبدا سماه "بيت المقدس" وكان ملكا عربيا نقيا ورعا محبا للسلام حتى أطلق عليه لقب "ملك السلام".

تبريك القدس في القرآن الكريم

نص الإسلام على تبريك مدينة القدس وجاءت الآيات المتعددة تذكر هذا التبريك الذي كان قبل ظهور الإسلام وقبل إسراء النبي صلى الله عليه وسلم غليها أي قبل ارتباطها بالعقيدة الإسلامية وإن كنا نعتبر ذكر القرآن لها بالتبريك تقريرا لمباركتها ومكانتها في العقيدة الإسلامية فحين يصف الله سبحانه وتعالى القدس وما حولها بالأرض المباركة فإنه تنويه بمكانتها وتعريف للمسلمين بأهميتها يعزز ما وجه المسلمين إليه بعد الإسلام من تقديرها وقدسيتها.
فمن الآيات التي ذكرت القدس:
أولا: قوله تعالى في سورة المائدة آية 21:
(( يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين)) قال ابن عباس المراد بالأرض المقدسة المطهرة وهي (بيت المقدس) ومعنى كتب الله لكم أي وعدتم بها في ذلك الزمن أو أمركم بدخولها وقد قدست لأنها طهرت من الشرك وصارت مسكنا للأنبياء والمؤمنين وقال الأيوبي "وسميت مقدسة لأن فيها المكان الذي يتقدس فيه من الذنوب".
ثانيا: قوله سبحانه وتعالى في سورة البقرة آية 58:
((وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين)) جمهور المفسرين على أن المراد بالقرية (القدس) ونص على ذلك السدي والربيع بن أنس وقتادة وأبو مسلم الأصفهاني.
ثالثا: قوله سبحانه في سورة الأعراف آية 137:
((وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها))
مشارق الأرض ومغاربها المباركة هي بلاد الشام وإنما بوركت لوجود القدس فيها والمباركة حسية بالخصب وسعة الأرزاق ومعنوية لأنها مساكن الأنبياء الصالحين .
رابعا: قوله تعالى في سورة الأعراف آية 161:
((وإذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية وكلوا منها حيث شئتم وقولوا حطة وادخلوا الباب سجدا نغفر لكم خطيئاتكم سنزيد المحسنين)) الجمهور على أن المراد بالقرية (القدس).
خامسا: قوله سبحانه في سورة الأنبياء آية 71:
((ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين))
قال المفسرون: أن إبراهيم سلمه الله من نار قومه وأخرجه من بين أظهرهم مهاجرا إلى بلاد الشام إلى الأرض المقدسة فيها قال قتادة (من كبار التابعين) كان بأرض العراق فأنجاه الله للشام أعقار دار الهجرة وما نقص من الأرض زيد في الشام وما نقص في الشام زيد في فلسطين وكان يقال هي أرض المحشر والمنشر وبها ينزل عيسى عليه السلام ويلاحظ هنا أن المباركة للقدس سابقة على مجيء إبراهيم عليه السلام تأييدا لما ذكرناه من عمارة آدم لبيت المقدس وتجديد ملكي صادق للمسجد ورعايته له.
سادسا: قوله تعالى في سورة سبأ آية 18:
((وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين)) قال العوفي عن عبد الله بن عباس "القرى التي باركنا فيها هي بيت المقدس وقال مجاهد والحسن البصري وسعيد بن جبير ومالك وقتادة وغيرهم "يعني قرى الشام يعنون أنهم كانوا يسيرون من اليمن إلى الشام في قرى ظاهرة متواصلة وزاد العوفي "إنها قرى عربية بين المدينة والشام".
سابعا: قوله سبحانه في سورة النمل آية 8:
((فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها))
قال الألوسي في تفسيره (روح المعاني) واستظهر عموم (من) لكل من في ذلك الوادي وحواليه من أرض الشام الموسومة بالبركات لكونها مبعث الأنبياء عليهم السلام.
ثامنا: قوله سبحانه في سورة الأنبياء آية 81:
((ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها وكنا بكل شئ عالمين))
قال المفسرون الأرض التي باركنا فيها هي أرض الشام وتشمل بيت المقدس قال الزمخشري: وبركاته الواصلة إلى العالمين أن أكثر الأنبياء بعثوا فيه فانتشرت في العالمين شرائعهم وآثارهم الدينية وهي البركات الحقيقية.
ونلاحظ أن قوله تعالى ((تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها)) يدل على أن سليمان عليه السلام كان في أرض غير بيت المقدس وأنه كان يرحل إليها تجري به الريح إليها.
تاسعا: قوله سبحانه وتعالى في سورة البقرة آية 114:
((ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم))
المقصود بالمساجد هنا بيت المقدس فقد روي ابن عباس أنها نزلت في النصارى الذين كانوا يطرحون في بيت المقدس الأذى يمنعون الناس من أن يصلوا فيه وقيل أنها نزلت في الروم الذين كانوا يمنعون الناس من ذكر الله في بيت المقدس وقيل نزلت في بختنصر الذي خرب بيت المقدس فالمراد بالمساجد على كل هذه الأقوال بيت المقدس ووصف من منع الناس من الذكر فيها والسعي في خرابها بالظلم والتوعد بالخزي له في الدنيا والعذاب في الآخرة مع تسليط الخوف على قلوبهم كلما هموا أن يدخلوها شعورا بالذنب الكبير الذي ارتكبوه في حقها.
كل هذه الآيات دليل على مكانتها عند الله وتقديسها عند المؤمنين وهذا في آيات القرآن والإيمان بآيات القرآن من عقيدة المسلمين.
نصوص قرآنية أخرى نوهت بالقدس وأهميتها على خلاف في ذلك:
أولا: قوله تعالى في سورة المؤمنون الآية 5:
((وجعلنا ابن مريم وأمه آية وأويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين))
أي أوينا عيسى وأمه مريم إلى مكان مرتفع وفيه أقوال مختلفة هل هو دمشق أو الرملة أو بيت المقدس قال قتادة والضحاك "هو بيت المقدس" قال ابن كثير وهو الأظهر لأنه المذكور في الآية الأخرى والقرآن يفسر بعضه بعضا وهذا أولى ما يفسر به ثم الأحاديث والآثار.
ثانيا: قوله تعالى في سورة النور الآيتان (36،37):
((في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار))
قال المفسرون: البيوت هي المساجد أمر الله سبحانه ببنائها وعمارتها ورفعها وتطهيرها وقال بعض المفسرين "يعني بالمساجد بيت المقدس" وفي الآيتين إشارة إلى الأتقياء الصالحين في بيت المقدس ولعل هذا يتفق مع ما يأتي من حديث "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ا يضرهم من خالفهم" قيل وأين هم يا رسول الله قال "ببيت المقدس"
ثالثا: قوله تعالى في سورة الحديد الآية 13:
((فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب))
قال المفسرون: هو حائط بين الجنة والنار وقال ابن جرير الطبري وعدد من المفسرين هو السور الشرقي في بيت المقدس باطنه المسجد وما يليه وظاهره وادي جهنم" ونفى ابن كثير أن يكون ذلك.
رابعا: قوله تعالى في سورة (ق) الآية 41:
((واستمع يوم يناد المناد من مكان قريب))
قال بعض المفسرين المكان هو صخرة بيت المقدس قال قتادة يأمر الله تعالى ملكا أن ينادي على صخرة بيت المقدس أيتها العظام البالية والأوصال المتقطعة إن الله تعالى يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء.
خامسا: قوله تعالى في سورة النازعات الآيتان (13،14):
((فإنما هي زجرة واحدة * فإذا هم بالساهرة))
قال المفسرون: فإذن هم بالساهرة فإذا هم بوجه الأرض أحياء بعد أن كانوا أمواتا بباطنها "والساهرة الأرض البيضاء المستوية وقال بعض المفسرين الساهرة: البقيع الذي هو إلى جانب الطور وهو المكان المعروف شمال سور القدس وله باب يسمى باب الساهرة.
سادسا: قوله تعالى في سورة التين:
((والتين والزيتون وطور سنين))
والتين فاكهة طيبة والزيتون فاكهة من وجه ودواء من وجه آخر وزيته خير الزيوت وقد يراد بالتين والزيتون جبلين بدمشق والقدس وقال ابن عباس "الزيتون مسجد بيت المقدس أو الجبل الذي عليه بيت المقدس"وأما عكرمة (من التابعين) فيقول الزيتون هو "بيت المقدس" وهو ما اختاره ابن جرير الطبري.
سابعا: قوله تعالى في سورة آل عمران الآية 37:
((كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا))
جاء تفسير الجلالين أن أم مريم أتت الأحبار سدنة بيت المقدس فقالت دونكم هذه النذيرة فتنافسوا فيها لأنها بنت إمامهم فقال زكريا أنا أحق بها لأن خالتها عندي فانطلقوا وهم تسعة وعشرون إلى نهر الأردن وألقوا أقلامهم على أن من يثبت قلمه في الماء فهو أولى بها فثبت قلم زكريا وصعد بها فأخذها وبنى لها غرفة في المسجد وكلما دخل عليها المحراب (أي في القدس) وجد عندها رزقا وهنا اختصار في الكلام أي حين كبرت وبلغت مبالغ النساء بني لها المحراب.
ثامنا: قوله تعالى في سورة مريم الآية 7:
((يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى)) وقوله الآية 11 ((فخرج على قومه من المحراب)) وقوله تعالى في سورة آل عمران الآية 39 :((فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيي)).
المحراب وهو موضع السجود أو صدر البيت كان في بيت المقدس والبشرى في الآيتين كانت ببيت المقدس قال المفسرون: ناداه جبريل حال كونه قائما في الصلاة أن الله يبشرك بغلام اسمه يحيي "وذلك في بيت المقدس".
وتكفيل مريم في بيت المقدس ووجود الرزق عندها من فاكهة الشتاء والصيف في بيت المقدس والتبشير بيحيى نبيا والمناداة من المحراب في بيت المقدس إشارة من القرآن إلى قدسية القدس بوجود الأنبياء والصالحين.
ارتباط القدس بالعقيدة الإسلامية:

بعث المصطفى صلى الله عليه وأله وسلم على رأس الأربعين عاما بعد أن اكتملت فيه الرجولة وعاش صباه وشبابه حياة هادئة مطمئنة أسرة كريمة وتجارة رابحة وثقة من الناس به ومحبة لخلقه ودماثته وأمانته ولكنه كان دائم التفكير في العالم الخابط في الجهالة في المحيط المكي والعرب والعالم الذي رآه أو سمع به ولذلك كان يختلي لنفسه في غار حراء ويخلو إلى الحنفاء المائلين عن عبادة الأصنام وكان يتعبد في الحرم المكي ويتجه في تعبده إلى القدس دون أن يسجد لصنم أو يعظم صنما.
فلما بعث بالحنيفية السمحة كان يصلي على دين جديه إبراهيم وإسماعيل "دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين، قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين" ويتجه إلى القدس جاعلا الكعبة بينه وبينها فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بمكة نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه وبعد ما هاجر إلى المدينة ستة عشر شهرا ثم حول إلى الكعبة فكانت القدس قبلة المسلمين من سنة 610م إلى سنة 631م أي إلى السنة الثانية من الهجرة. قال ابن كثير في تفسيره وحاصل الأمر أنه قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر باستقبال الصخرة من بيت المقدس فكان بمكة يصلي بين الركنين فتكون قبلته الكعبة وهو مستقبل صخرة بيت المقدس فلما هاجر إلى المدينة تعذر الجمع بينهم فأمره الله بالتوجه إلى بيت المقدس فهذا أول ارتباط عقيدة الإسلام بالقدس.
ثم كان الإسراء إلى بيت المقدس والمعراج منها إلى السماوات العلا والتي سجل الله تبارك فيها ارتباط العقيدة الإسلامية بالقدس وخصها بالإسراء إليها والمعراج منها توكيدا لقدسيتها وبيانا مكررا لبركتها وسجل الله ذلك في سورتين كريمتين سورة الإسراء وسورة النجم قال سبحانه في سورة الإسراء ((سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه السميع البصير)) وقال في سورة النجم ((ولقد رآه نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى * عندها جنة المأوى * إذ يغشى السدرة ما يغشى * ما زاغ البصر وما طغى * لقد رأى من آيات ربه الكبرى))
فانتقال النبي صلى الله عليه وسلم من مكة من مسجد الحرام فيها إلى القدس إلى المسجد الأقصى فيها وهو الإسراء توكيد على مكانة القدس في الإسلام وتقرير إلى أنه أصبحت جزءا من عقيدة المسلمين ثم كان الصعود إلى السماوات العلا من صخرة بيت المقدس تعزيزا لها في التوكيد والتقرير للأسباب التالية:
أولا: سجل الله في القرآن الكريم الإسراء والمعراج والمؤمن لا يصح إيمانه إلا أن يؤمن بالقرآن وما فيه لأنه الكتاب المنزل على محمد عليه السلام من عند الله.
يقول ابن عساكر في كتاب المستقصى في زيارة المسجد الأقصى فلو لم يكن لبيت المقدس من الفضيلة غير هذه الآية لكانت كافية وبجميع البركات وافية لأنه إذا بورك حوله فالبركات فيه مضعفة ولأن الله تعالى أراد أن يعرج بنبيه صلى الله عليه وسلم إلى سمائه جعل طريقه عليه تبيينا لفضله وليجمع له فضل البيتين وشرفهما وإلا فالطريق من البيت الحرام إلى السماء كالطريق من بيت المقدس.
ثانيا: الإسراء والمعراج جانب من جوانب سيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام والإيمان بسيرته والعمل بها مما أمر الله سبحانه وتعالى به "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة" "وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" "إن هو إلا وحي يوحى".
ثالثا: فرضت الصلاة ليلة الإسراء في معراج النبي صلى الله عليه وسلم والصلاة عبادة جاء تكرير فرضها في آيات القرآن الكريم وهي ركن من أركان الإسلام لا يصح إيمان للمسلم إلا بالاعتقاد بفرضيتها قال صلى الله عليه وسلم بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة إيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت"
رابعا: كان مع النبي صلى الله عليه وسلم جبريل من ملائكة الله عز وجل وثبت ذلك في الأحاديث في الكتب الصحاح صحب النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى بيت المقدس دخلها من بابها اليماني فربط في سور المسجد دابته (البراق) كما روي عن شداد بن أوس وقد عرف الباب اليماني فيما بعد (بباب المغاربة) حين بنى الملك الأفضل بن صلاح الدين جامعا للمغاربة بجوار مربط البراق وقرب الباب الذي دخله رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمي حائط السور بحائط البراق.
خامسا: اعتبرت القدس المدينة الثالثة في الإسلام و اعتبر المسجد الأقصى ثالث الحرمين الشريفين و أكد هذا الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثة "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد :مسجدي و المسجد الحرام و المسجد الأقصى".
سادسا: جاء في قصة الإسراء و المعراج أن قريشا كذبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لاستبعادهم حدوث ذلك، و طلبوا إليه أن يصف لهم القدس حتى يتأكدوا من انه دخلها فعلا، و انتقل منها إلى السماوات العلا، فصور الله سبحانه وتعالى له القدس فوصفها لهم بيتا بيتا وحارة حارة وسورا سورا وذكر أنه وصفها لأبي بكر كما في رواية ابن هشام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع لي حتى نظرت إليه فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفه لأبي بكر وجاء في حديث مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن مسراي فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها فكربت كربة ما كربت مثلها قط قال : فرفعه الله لي أنظر إليه ما يسألون عن شئ إلا أنبأتهم به"
وهذا دليل على قدسية القدس وأهميتها وإلا لما صورها الله لنبينا صلى الله عليه وسلم ليصفها لهم إضافة إلى هذا توكيد لصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
سابعا: ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى بالأنبياء في بيت المقدس فهي في عقيدتهم دليل على مباركتها فلم يرو أن الرسول صلى الله عليه وسلم اجتمع بالأنبياء في مكان واحد إلا في القدس.
والإسراء والمعراج من الأحداث الإسلامية التي ربطت القدس بالعقيدة الإسلامية وخلدت اسمها ورفعت من شأنها يضاف إلى ذلك أنه ربط بين مكة والقدس وربط بين قبلتين هما جزء من العبادة المفروضة في الإسلام وهذا الربط هو الذي دعا المسلمين إلى التوجه إلى القدس لفتحها وإنقاذها من الرومان إلى الحظيرة العربية في صورة جديدة مرتبطة بالإسلام وعقيدته فقد ورد في السيرة النبوية أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة قال له الصحابة "إني نذرت أن أصلي في بيت المقدس أن فتح الله عليك مكة" وقالت ميمونة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم أم المؤمنين "يا رسول الله إني جعلت على نفسي ـ إن فتح الله عليك مكة ـ أن أصلي في بيت المقدس فقال لا تقدرين على ذلك ولكن ابعثي بزيت يستصبح لك فيه فكأنك أتيه وفي رواية أنها ميمونة بنت سعد مولاة الرسول صلى الله عليه وسلم (وهي غير زوجته بنت الحارث) قالت: يا رسول الله افتنا في بيت المقدس؟ قال: هي أرض المحشر والمنشر ائتوه فصلوا فيه فإن كان صلاة فيه كألف صلاة في غيره" والمراد ببيت المقدس القدس كما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر معاذا بفتح القدس حين قال له "يا معاذ إن الله عز وجل سيفتح عليكم الشام من بعدي من العريش إلى الفرات رجالهم ونساؤهم وإماؤهم مرابطون إلى يوم القيامة فمن اختار منك ساحلا من سواحل الشام أو بيت المقدس فهو جهاد إلى يوم القيامة".

الأحاديث النبوية:

تقرر ارتباط القدس بعقيدة الإسلام:
تعددت الأحاديث النبوية التي تقرر وتؤكد إسلامية القدس وعروبتها وارتباطها بالعقيدة الإسلامية السمحة والتي تحفزنا نحن المسلمين للجهاد في سبيل استردادها والحفاظ على عروبتها وإسلامها فذلك ما تفرضه العقيدة الإسلامية علينا.
واخترت منها الأحاديث الصحيحة وأشرت في النهاية إلى الضعيف منها استئناسا به ودلالة على اهتمام المسلمين بالقدس.

فمن الأحاديث الصحيحة:
روى الإمام أحمد في مسنده من حديث إمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لعدوهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم ولا ما أصابهم من اللأواء حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس.
روى البهيقي في سنة عن أبي ذر الغفاري أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في بيت المقدس أفضل أو في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه ولنعم المصلي هو أرض المحشر والمنشر "والمقصود ببيت المقدس القدس فإن المسجد الأقصى لم يكن مبنيا آنذاك.
روى أبو داود في سننه عن أم سلمة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أهل بحجة أو عمرة من المسجد الأقصى غفر له ما تقدم من ذنبه".
روى الشيخان عن ابي سعيد الخدري قال: قال رسول الله لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى" ورواه أحمد والنسائي.
روى البزار بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من مات في بيت المقدس فكأنما مات في السماء.
روى البخاري والترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اللهم بارك لنا في شامنا" وهذا دعاء من النبي بالبركة لبلاد الشام.
عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يجند الناس أجنادا فجندا بالشام وجندا باليمن وجندا بالعراق وجندا بالمشرق وجندا بالمغرب فقلت: يا رسول الله إني رجل حديث السن فإن أدركت ذلك الزمان فأيها تأمرني يا رسول الله قال: عليكم بالشام فإنها صفوة الله تعالى في أرضه يسوق إليها صفوته من خلقه فإذا أبيهم فعليكم باليمن وقد تكفل الله تعالى لي بالشام أهله" ويصرح الحديث بأن الله تعالى يسوق إلى أرض الشام صفوته من خلقه أولئك هم المجاهدون والمرابطون الذين يأتون إليها ليتحملوا مسئولية الجهاد في سبيل الله دفاعا عن أرض الإسلام المباركة والبركة كلمة يستوعبها الوجدان والشعور قبل أن يستوعبها الإدراك والوعي والبركة هي الزيادة في الخير سواء أكان ماديا أو معنويا فارض بلاد الشام أرض مبارك فيها وطبعا مركزها القدس.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أراد أن ينظر إلى بقة من بقاع الجنة فلينظر إلى بيت المقدس".
قال صلى الله عليه وسلم : أن خيار أمتي ستهاجر هجرة بعد هجرة إلى بيت المقدس ومن صلى ببيت المقدس بعد أن يتوضأ ويسبغ الوضوء ركعتين أو أربعا غفر له ما كان قبل ذلك وفي رواية "من صلى ببيت المقدس خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ومن صبر على لاوأها وشدتها جاءه الله برزق من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن تحته ومن فوقه يأكل رغدا أو يدخل الجنة إن شاء الله تعالى".

المسلمون في القدس:

الفتح الإسلامي:

لقد استمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية من مباركة القدس وأدركوا لماذا أرسل النبي صلى الله عليه وسلم كتبه إلى هرقل ملك الروم وإلى أمراء الشام من تطلعه إلى أن تكون القدس في حوزة الإيمان ودائرة الإسلام كما تأمر به عقيدتهم ولذلك بدأ أبو بكر رضي الله عنه بتجهيز الجيوش لنشر حضارة الإسلام واسترداد القدس وسارت جيوش المسلمين إلى بلاد الشام ودارت المعارك الضاربة بينهم وبين الرومان وانتصروا في المعركة الفاصلة معركة اليرموك وتوفى أبو بكر وتولى عمر الخلافة فعين أبا عبيدة قائدا على جيوش المسلمين في بلاد الشام ففتح دمشق ثم بلاد الشام حمص وحماة والمعرة واللاذقية وجبلة وسبسطية ونابلس واللد ويافا وغيرها ثم في سنة 15 للهجرة أتى الأردن فعسكر بها وبعث الرسل إلى أهل إيليا وكتب اليهم "بسم الله الرحمن الرحيم من أبي عبيدة بن الجراح إلى بطارقة أهل إيليا وسكانها سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله وبالرسول أما بعد: فإنا ندعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور فإن شهدتم بذلك حرمت علينا دماؤكم وأموالكم وذراريكم وكنتم لنا إخوانا وإن أبيتم فأقروا لنا بادءا الجزية عن يد وأنتم صاغرون وإن أبيتم سرت إليكم بقوم هم اشد حبا للموت منكم لشرب الخمر وأكل لحم الخنزير ثم لا أرجع عنكم إن شاء الله تعالى حتى أقتل مقاتليكم وأسبي ذراريكم".
وكتب إلى عمر بن الخطاب يخبره بما فتح الله عليهم ويقول له في آخر الكتاب وقد بعثت إلى أهل إيليا أدعوهم إلى الإسلام فإن قبلوا وإلا فيؤدوا الجزية إلينا عن يد وهم صاغرون فإن أبوا سرت إليهم حتى أنزل بهم ثم أزيلهم حتى يفتح الله تعالى على المسلمين إن شاء الله تعالى.
فكتب إليه عمر بالموافقة والاستعانة بالله وأبى أهل إيليا الصلح فحاصر أبو عبيدة القدس حصارا شديدا حتى قبلوا الصلح واشترطوا مجيء الخليفة عمر ليكتب لهم الأمان فكتب إليه أبو عبيدة واستشار عمر أصحابه لأهمية القدس فأشار عليه على بالمسير حتى لا تضيع فرصة فتحها وجاء عمر إلى القدس ونزل على الجبل الشرقي وهو طور زيت وأتى رسول الله بطريقها غليه بالترحيب وقال "إنا سنعطي بحضورك ما لم نكن نعطه لأحد سواك" وسأله إن يقبل منهم الصلح والجزية وان يعطيه الأمان على دمائهم وأموالهم وكنائسهم وصالح أهل إيليا وكتب لهم الأمان العمري وهو من جانب واحد وسمي "بالعهدة العمرية" وهذا نصها:
"هذه ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيليا من الأمان : أعطاهم أمان لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها إنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقص منها ولا من حيزها ولا من صليبهم ولا من شئ من أموالهم ولا يكرهون على دينهم ولا يضار أحد منهم ولا يسكن بايلياء معهم أحد من اليهود وعلى أهل إيلياء أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن وعليهم أن يخرجوا منها الروم واللصوت فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم ومن كان بها من أهل الأرض قبل مقتل فلان فمن شاء منهم قعد وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية ومن شاء سار مع الروم ومن شاء رجع إلى اهله فإنه لا يؤخذ منهم شئ حتى يحصد حصادهم وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية "شهد على ذلك خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعبد الرحمن بن عوف ومعاوية بن أبي سفيان وكتب وحضر ستة خمس عشرة".
وهذه العهدة تدل على ارتباط القدس بعقيدتهم والتزامهم نحوها بما لم يلتزموا نحو غيرها وأن هذا الارتباط هو الذي دعا عمر رضي الله عنه إلى أن يأتي بنفسه تلبية لدعوة صفرونيوس بطريرك القدس ودخلها عمر ومن معه يوم الخميس 20 ربيع الأول عام 15هجرية 2/ايار/636م.
ولأن عمر كان حفيا بالقدس معتزا بمكانتها موقفنا بارتباطها بعقيدته فقد حرص على أن يجد الصخرة التي وصفها لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة ليلة إسرائه والتي عرج منها إلى السماء السابعة فلما وجدها أزال عنها الأوساخ التي عليها وخطب في الناس يومئذ فحمد اله وأثنى عليه بما هو أهله وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال : يا أهل الإسلام: إن الله تبارك وتعالى قد صدقكم الوعد ونصركم على الأعداء وأورثكم البلاد ومكن لكم في الأرض فلا يكون جزاؤه منكم الا الشكر وإياكم والعمل بالمعاصي فإن العمل بالمعاصي كفر للنعم وقلما كفر قوم بما أنعم الله عليهم ثم لم يفزعوا إلى التوبة إلا سلبوا عزهم وسلط عليهم عدوهم "ثم نزل وحضرت الصلاة فقال: يا بلال ألا تؤذن لنا رحمك الله قال بلال: يا أمير المؤمنين والله ما أردت أن أؤذن لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن سأطيعك إذا أمرتني في هذه الصلاة وحدها.
فلما أذن بلال وسمعت الصحابة صوته ذكروا نبيهم صلى الله عليه وسلم فبكوا بكاء شديدا ولم يكن من المسلمين يومئذ أطول بكاء من أبي عبيدة ومعاذ بن جبل حتى قال لهما عمر: حسبكما رحمكما الله وظلت القدس مهوى المسلمين ومقصد الخلفاء والأمراء والعلماء والزهاد وطلاب العلم والزائرين في كل العهود.
وقد ازداد تعلقهم بها بعد ما بنى الخليفة عمر مسجده الصغير في الجهة الجنوبية الشرقية من بقعة الإسراء ثم بعده بني الخليفة عبد الملك بن مروان وابنه الوليد المسجد الأقصى بكامله وقبة الصخرة واستمر بناؤها من سنة 66هـ إلى سنة 736 مدة سبع سنين وقد رصد لها الملك خراج مصر سبع سنوات وعهد ببنائها إلى يزيد بن سلام المقدسي وولديه بإشراف أحد العلماء الأعلام رجاء بن حيوة جليس عمر بن عبد العزيز وكان عبد الملك بن مروان عالما سمي بحمامة المسجد قبل أن يكون خليفة فاهتمامه ببناء المسجد الأقصى توكيد لأهمية هذا المسجد في العقيدة الإسلامية وأهمية القدس فيها وتنفيذ عملي لاهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم بها وقوله في الحديث الذي ذكرناه " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى".
وقام الخلفاء والسلاطين بتعميرها وإصلاحها حتى أن بعض العلماء اعتبرها أقدس مدينة في نظر الإسلام لأنها المدينة التي ستحتضن مكة والمدينة يوم القيامة نذكر منهم على سبيل المثال الخليفة عمر بن عبد العزيز وسليمان بن عبد الملك وأبا جعفر المنصور والخليفة المهدي والمأمون والسلطان نور الدين زنكي والسلطان صلاح الدين الأيوبي والملك عيسى المعظم والسلطان ظاهر بيبرس والسلطان سليم الأول والسلطان سليمان القانوني والسلطان عبد الحميد الثاني وموضع عناية المملكة الأردنية واهتمامهم بها وتضحية الشريف الحسين به على من أجلها وتبرعه لإعمار المسجد الأقصى وهو في المنفى كما تبرع المسلمون لإعماره وإصلاحه للمسجد الأقصى مرتين 1966، 1994 حين تبرع الملك حسين بملايين الدنانير.
وكانت عناية المسلمين في فلسطين والأردن من أكثرها عناية وتعلقا وهم القاطنون في أرض الشام المعايشون لتطور الأحداث وهم الذين تكتحل أعينهم برؤية القدس كل يوم وتتعلق أبصارهم بأنوار المسجد الأقصى المبارك فقد قاموا كل محاولات التهويد والتذويب وضحوا بأرواحهم ودمائهم وأموالهم في سبيل القدس وما ثورات 1921، 1929، 1936، 1937، 1938، 1939 إلا الصورة الحية لهذه المقاومة وما حركات المقاومة المستمرة في الثلاثينات والأربعينات ثم في سنة 1948 وما بعدها وأخيرا في الانتفاضة المباركة وكان المسلمون في الأردن مع إخوانهم الفلسطينيون بأنفسهم وأموالهم ردفا لهم ورداء (وهذا لا يعني إنكار ما بذله المسلمون وغير المسلمين في أنحاء البلاد العربية والعالم الإسلامي في سبيل القدس) وكانت موضع عناية المجلس الإسلامي الأعلى أيام الانتداب البريطاني ومعم العلماء والقضاة والوعاظ والأئمة ومعهم جميع فئات الشعب الفلسطيني الأبي.
المسلمون والأوقاف
حرص المسلمون على أن يبقى وجه القدس عربيا إسلاميا فأوقفوا الأوقاف فيها منذ دخولهم فيها وإنشاء المسجد الأقصى بما يشتمل عليه من قبة الصخرة (درة أبنية العالم جمالا وزخرفة وتقديسا) والجامع الأقصى (ثالث مقدسات المسلمين) وذلك قبل احتلال الصليبين لها ولما استردها السلطان صلاح الدين الأيوبي رحمه الله رأى هو من جاء بعده من الملوك والسلاطين الإكثار من المساجد والأوقاف فأوقفت معظم الأراضي الزراعية والعقارات على القدس والمسجد الأقصى كما أوقفت المدارس التي بلغت (56) مدرسة والسبل والأروقة والقباب والصهاريج والزوايا والتكايا والمآذن وغيرها وقد بلغت المساجد (34) مسجدا وذلك كله في القدس القديمة في رقعة محددة لا تتجاوز تسعمائة دونم (تسعمائة ألف متر مربع) مما أُبت الطابع الإسلامي عليها وقد ألفت كتابا سيصدر عن أوقاف القدس وأثبت إسلامية هذه الأوقاف ونفيت عنها كل ما ألصق بها من خرافات إسرائيلية وقع فيها كثير من المؤرخين المسلمين القدامى والمحدثين.
وأذكر أنني عملت على تكثيف الوجود الإسلامي في داخل المدينة المقدسة بعد الاحتلال اليهودي حين كنت وزيرا للأوقاف والشئون والمقدسات الإسلامية وذلك بنقل كلية الدعوة الإسلامية من بيت حنينا إلى داخل الحرم وإعادة طلاب مدرسة الأيتام من بناء العيزرية خارج أسوار القدس إلى الدار القديمة في داخل الأسوار وجعل دوائر المحاكم الشرعية في داخل الحرم وإيجاد جمعيات إسلامية جميع مقارها داخل الحرم وتعمير سوق القطانين في السبعينات وإعادة فتح مكتبة الأقصى ومنع فك الارتباط عن الأوقاف والمحاكم الشرعية حين قرر الأردن فك ارتباطها استجابة لطلب منظمة التحرير الفلسطينية حتى يبقى الطابع الإسلامي هو البارز أمام عمليات التهويد التي يقوم بها المحتلون اليهود في القدس.

ومن مظاهر اهتمام المسلمون بالقدس إضافة ما ذكرنا:

سكنى عدد من الصحابة الكرام فيها وحرصهم على أن يدفنوا فيها نذكر منهم عبادة بن الصامت وأبا ريحانة الأزدي (مولى رسول الله) وإبراهيم بن أبي عقيلة المقدسي وفيروز الديلمي، وشداد بن أوس، وذا الأصابع التميمي، ومسعود بن اوس الأنصاري، وسلام بن قيس الحضرمي، وعبد الله بن أم حرام الأنصاري.
زيارة عدد كبير من الصاحبة سواء أكانت في فترة الفتح أم من بعدها مثل عمر بن الخطاب وأبي عبيدة عامر بن الجراح وعمرو بن العاص، وخالد بن الوليد، ومعاوية بن أبي سفيان، وعبد الرحمن بن عوف وسعيد بن زيد، وأم المؤمنين صفية بنت حيي ابن أخطب، وبلال بن أبي رباح ومنهم من أهل بالعمرة منا كسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر بن الخطاب وأبي هريرة عبد الرحمن بن دوس ومنهم من تولى أمرتها كمعاذ بن جبل وقضاءها كعبادة بن الصامت كما زارها واعتمر منها عدد كبير من كبار التابعين بالإضافة إلى الخلفاء والسلاطين والأمراء الذين ذكرنا بعضهم.
الإصلاحات التي قام بها الخلفاء أبو جعفر والمهدي والمأمون والسلاطين وصلاح الدين وسليم وسليمان وغيرهم على آثر التصدعات والوهي الذي أصاب المسجد الأقصى والأبنية الوقفية وغيرها.

البيعة:

ذكر المؤرخون أن معاوية بن أبي سفيان كان يفكر في أن يبايع له في القدس بيعة الخلافة في عام الجماعة سنة 40هـ .
الثابت أن سليمان بن عبد الملك بويع له في القدس إذ كان في الرملة عندما توفى الوليد بن عبد الملك سنة 96هـ سنة 715م فجاء إلى القدس وأتته الوفود بالبيعة فلم يروا وفادة كانت أهنأ من الوفاة إليه.
قال صاحب الأنس الجليل (1/282) فكان يجلس في قبة في صحن مسجد بيت المقدس مما يلي الصخرة ولعلها القبة المعروفة بقبة سليمان عند باب الدويدارية ويبسط البسط بين يدي قبة عليها النمارق والكراسي فيجلس ويأذن للناس فيجلسون على الكراسي والوسائد وإلى جانبه الأموال وكتاب الدواوين وقد هم بالإقامة ببيت المقدس واتخاذها منزلا وجمع الأموال والناس عليها".
حرص كثير من العلماء والزهاد على الإقامة ببيت المقدس ولو فترة قصيرة لارتباطها بعقيدتهم منهم عمر بن عبد العزيز ومالك بن دينار ورابعة العدوية وطافية (من العابدات) وسليمان بن طرخان (الذي كان يقول: إذا دخلت بيت المقدس كأن نفسي لا تدخل معي حتى أخرج منه) ومقاتل بن سليمان وعبد الرحمن بن عمر الأوزاعي وسفيان الثوري (وقد دخل قبة الصخرة وختم فيها القرآن) وإبراهيم بن أدهم، والليث بن سعد (فقيه مصر) ومحمد بن إدريس الشافعي وبشر الحافي (أحد كبار رجال الصوفية) وهو القائل جوابا عن سؤال: لم يفرح الصالحون ببيت المقدس؟ لأنها تذهب إليهم ولا تشغل النفس بها وقال: ما بقى عندي من لذات الدنيا إلا أن استلقي على جنبي بجامع بيت المقدس) وذو النون المصري (العابد الزاهد) والسري بن المغلس السقطي (الزاهد) وصالح بن يوسف (حج تسعين حجة راجلا يحرم من صخرة بيت المقدس) وشيخ الإسلام الأنصاري الذي سكن بيت المقدس ونشر المذهب الشافعي بالقدس وأبو حامد الغزالي (وقد صنف في القدس كتابه إحياء العلوم وعيسى الهكاري والقاضي الفاضل وابن القيسراني (محمد بن طاهر) وأبو بكر بن العربي المعافري الأندلسي (الحافظ المشهور) وعبد الكريم السمعاني الشافعي صاحب كتاب الذيل لتاريخ مدينة السلام (عدة مجلدات) وابن قدامة (صاحب المغني في الفقه الحنبلي) والشيخ عبد الغني النابلسي وعدد كبير من العلماء والرحالة الذين زاروا القدس وكتبوا عنها.
ألف عن القدس علماء كثيرون كتبا كثيرة جاوزت مئات الكتب من اشهرها كتاب (الأندلس الجليل بتاريخ القدس والخليل) لمجير الدين الحنبلي مسالك الممالك للاصطخري فضائل بيت المقدس لعبد الرحمن الجوزي المستقصى في فضائل المسجد الأقصى لنصير الدين الرومي الحضرة الأنسية في الرحلة القدسية لعبد الغني النابلسي وفضائل بيت المقدس للمقدسي وسوانح القدس برحلتي بواد القدس للقمي واتحاف الأخصا بفضائل المسجد الأقصى للسيوطي والجامع المستقصي في فضائل المسجد الأقصى لابن عساكر وباعث النفوس إلى زيارة القدس لابن فركاح ومثير الغرام بفضائل القدس والشام والترجمانة الكبرى في إخبار المعمور برا وبحرا لأبي القاسم الزياني وبلادنا فلسطين لمصطفى الدباغ وتاريخ القدس الشريف لسليم سركيس والمدارس في بيت المقدس لعبد الجليل عبد المهدي وأهل العلم والحكم في ريف فلسطين لسامح الخلدي ومكانة القدس في الإسلام للشيخ عبد الحميد السائح والحرم القدسي لعارف العارف وعروبة بيت المقدس لإسحاق موسى الحسيني والقدس للأمير الحسن بن طلال ومكانة القدس لكامل العسلي وكنوز القدس لرائف نجم ومخطوطات فضائل بيت المقدس لكامل العسلي والقدس لفايز جابر والقدس في العقيدة الإسلامية لعز الدين الخطيب والقدس ليحيي الفرحان وأورشليم وأرض كنعان للدكتور إبراهيم الشريقي وغيرهم كما ألف الغربيون عشرات الكتب عنها وقد تحدث عنها عدد كبير من العلماء مثل ابن خلدون وابن بطوطة وناصر خسرو وابن جبير والعبدري والبلوي ومحمد بن الحاج بن منصور العامري المكناسي.
وأهم ما يدل على مكانة القدس في عقيدة المسلمين أنهم فدوها بالمهج والأرواح وبذلوا في سبيل الحفاظ عليها كل غال ورخيص وهي وإن كانت موطن الديانات لكن الإسلام هو خاتمة الأديان وهو الدين الذي يجعل شرط تمام الأديان عند أتباعه أن يؤمنوا بالأنبياء جميعا ولذلك فإن المسلمين أولى بالقدس من غيرهم وأحرص من يهيئ لجميع أصحاب الأديان زيارتها وإقامة شعائر دينهم فيها وقد كانوا كذلك عبر التاريخ فلم يحولوا بين أحد وبين زيارة القدس والتعبد فيها.
لما احتل الصليبيون القدس خربوا مقدسات المسلمين فيها وعملوا على تشويه المسجد الأقصى وحولوا الجامع إلى اصطبلات وأقاموا حفلات العربة والسكر فيها وذبحوا وقتلوا المسلمين ويوم احتلالهم للقدس ذبحوا المسلمين في المسجد الأقصى حوالي سبعين ألفا حتى سالت الدماء إلى الركب كما يقول المؤرخون الفرنسيون ويوم فتح المسلمون القدس لم يقتلوا أحدا بغير ذنب وحافظوا على سكانها ودياناتهم ومقدساتهم ـ والعهدة العمرية أكبر شاهد على ذلك ويوم استرد صلاح الدين القدس لم يقتل أحدا وسمح لمن يريد الخروج منها من أبناء أوروبا أن يخرج ومن أراد أن يبقى فليبق وأعاد إليها معالمها وحافظ على مقدساتها بل وسمح لليهود المبعدين بالعودة إليها ـ ويا ليته لم يسمح فهم لا يستحقون هذه النعمة لكفرهم وغدرهم.
لقد كان هناك موقفان رائعان لملكين مسلمين بشأن القدس وفلسطين:
أولهما:
موقف السلطان عبد الحميد الثاني وقد عرض عليه وفد يهودي مؤلف من مزراحي قره صو وجاك وليون عن هرتزل أن يوافق على إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين مقابل ما يلي:
الوفاء بجميع الديون المستحقة على الدولة العثمانية والبالغة 133 مليون ليرة إنجليزية ذهبية.
بناء أسطول لحماية الدولة العثمانية بكلفة 120 مليون فرنك فرنسي.
تقديم قرض ب 35 مليون ليرة إنجليزية بدون فائدة وكان رده أن قال لرئيس وزرائه تحسين باشا:
قل لهؤلاء اليهود الوقحين ما يلي:
أولا: إن ديون الدولة ليست عارا عليها لأن غيرها من الدول مثل فرنسا هي الأخرى مدينة وذلك لا يضيرها.
ثانيا: إن بيت المقدس الشريف قد افتتحه للإسلام أول مرة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولست مستعدا لأن أتحمل في التاريخ وصمة بيعها لليهود وخيانة الأمانة التي كلفني المسلمون بحملها.
ثالثا: ليحتفظ اليهود بأموالهم فالدولة العلية لا يمكن أن تحتمي وراء حصون بنيت بأموال أعداء الإسلام.
وأخيرا مرهم فليخرجوا من عندي ولا يحاولوا مقابلتي أو الدخول إلى هذا المكان أبدا.
وهذا يدل على شدة ارتباط القدس وفلسطين بالعقيدة الإسلامية التي كان السلطان بعد الحميد يمثلها خليفة للمسلمين.
وقد سن سنة 1900 قانونا يقضي بمنع اليهود المهاجرين من الإقامة في فلسطين اكثر من ثلاثة اشهر وقد احتجت على ذلك إيطاليا والولايات المتحدة.
وقد تسبب هذا في عمل اليهود ومن معهم من دول الغرب على خلع السلطان عبد الحميد ومن المؤلم جدا أنهم اعتقلوه في سلانيك في بيت اليهودي مزراحي قره صو الذي طرده من حذرته وهو قصر لاتيني تقول ابنة السلطان عائشة "نام أفندينا على طاولة الطعام ولم يكن داخل هذا المنزل الضخم قطعة من بساط أو كليم فجعلنا تلف أنفسنا على أرض المنزل الخشبية وكانت كل واحدة تنام خلف باب أو تحت نافذة".
فضحى السلطان عبد الحميد بعرشه من أجل فلسطين.
ثانيهما:
موقف الشريف الهاشمي الحسين بن علي إذ ضحى بعرشه ونفسه من أجل فلسطين والقدس لم يلق في شيخوخته التي تحتاج إلي الراحة والاستقرار سوى النفي والتشريد والعذاب وتعرض لمحاولة القتل بالسم والموت بعد داء عضال... كل ذلك لأنه رفض الانتداب على فلسطين واعتبره استعمارا وقاوم فكرة الوطن القومي لليهود في القدس وفلسطين فافرغ البريطانيون والغربيون واليهود جام غضبهم ونقمتهم عليه ورفض التوقيع على معاهدة تستثني فلسطين من وحدة العرب وكان جوابه واضحا في الخطاب الذي ألقاه على الحجاج:
يهمني من جميع الأقطار العربية ما يهمني من أمر بيت الله الحرام وقد عرضت علي الحكومة البريطانية معاهدة وجدت في بعض موادها ما لا يتفق والعهود المقطوعة لي فعدلتها تعديلا هاما نص فيه على استقلال فلسطين استقلالا تاما مطلقا يخول الفلسطينيين إدارة بلادهم بأنفسهم واختيارهم بطريقة الحكم التي يريدونها وبذلك جعلت وعد بلفور في حكم أنه لم يصدر وقضي عليه ثم قال وأؤكد لكم أنه إذا لم تقبل الحكومة البريطانية هذه التعديلات التي طلبتها فلا يمكن أن أوقع المعاهدة بل أرفضها رفضا باتا وكونوا على ثقة بأنه لا يمكن أن يذهب شبر من أراضي فلسطين وأنا وأولادي أحياء على وجه الأرض فإننا نحافظ على أصغر قرية في فلسطين محافظتنا على بيت الله الحرام ثم قال كونوا على ثقة بأني أنظر إلى أهل فلسطين نظري إلى أولادي ولا فرق في ذلك بين مسلمي ومسيحيي ويهود وطني ومن يرجع عن الصهيونية في أطماعها البلفورية وأشهد على ذلك وهو حسبي نعم الوكيل.
وإن قوله نحافظ على أصغر قرية في فلسطين محافظتنا على بيت الحرام ليدل على مدى تغلغل العقيدة الإسلامية في نفسه مدى إيمانه فلسطين كلها وقدسية القدس الشريف وقد تبرع بمبلغ أربعة وعشرين ألف دينار ذهبي لإعمار المسجد الأقصى وهو بالمنفى.
حافظ المسلمون على القدس بعد صلاح الدين الأيوبي وعمروها ووسعوها وما من سلطان أو ملك أو وال أو عالم إلا وله في القدس أثار وعمران فأنشأوا المساجد والزوايا والتكايا والرباطات والمدارس أوقفوا الأوقاف الكثيرة من الأراضي والعقارات عليها وبنوا أسوارا جديدة للقدس وأسالوا لها المياه وحسنوا مياهها وينابيعها وما زال يتردد اسم الملوك والأمراء بعد صلاح الدين الأيوبي من الأيوبيين والمماليك وسلاطين آل عثمان ومازالت كثير من الأمكنة العمرانية والوقفية والمساجد تحمل أسماءهم وأسماء ولاتهم وعمالهم وعلمائهم إلى يومنا هذا على الرغم من الاحتلال الإسرائيلي فيها وكل ذلك بسبب ارتباط القدس بعقيدة المسلمين.
ظل المسلمون كذلك حتى كان وعد بلفور 2 تشرين الثاني 1917م واستيلاء الإنجليز على القدس مساء يوم 10 كانون الأول 1917م والسماح لليهود بالهجرة إليها والعمل على إقامة الدولة اليهودية فيها بتمكين اليهود من الاستيلاء على الأراضي وإقامة المستعمرات وإنشاء المصانع وبناء المدن وجعل التجارة والصناعة بأيديهم واستقلالهم في أمورهم ومقابل ذلك القسوة على العرب أصحابها وحرمانهم من أي وسيلة من وسائل النهضة والعيش الكريم وجعلهم في ظروف مادية ومعنوية سيئة وإذلالهم وإفقارهم مما اضطر العرب مسلمين وغير مسلمين إلى الثورات المتكررة ضد الاحتلال وضد التهويد ومقابل ذلك كان القتل والسجن والاعتقال والتشريد والنفي والتهجير وتخريب الأموال فثورة سنة 1921 وثورة سنة 1929 م وثورة الشيخ عز الدين القسام وثورة سنة 1936م واستمرارها حتى الحرب العالمية الثانية كلها كانت تدل على تعلق المسلمين بالقدس وأيمانهم بقدسيتها وارتباطها بعقيدتهم وكم قدموا في سبيل ذلك من أموال وانفس وعرق وألام.
ولما قامت دولة إسرائيل سنة 1948 بفعل الإنجليز والأمريكان وموافقة هيئة الأمم وفي طليعتها ما كان يسمى بالاتحاد السوفيتي وحدثت حرب سنة 1948م واستنقذ الملك عبد الله القدس القديمة وحافظ الأردن عليها كما حافظ على المسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية والمسيحية وعمر القدس الشرقية ورمم الآثار والمساجد والكنائس والمدارس والمعاهد في القدس القديمة دليل تمسك المسلمين بالقدس ورعايتهم لها ولكن القوى الغربية عملت كل ما في وسعها على تقوية اليهود وتمكينهم من الاعتداءات المتكررة على العرب كما عملوا على أضعاف العرب وتفرقهم واستجاب العرب للضعف والفرقة والخذلان والاستكانة مما جرا إسرائيل على احتلال القدس وكامل فلسطين واحتلال أجزاء من مصر وسوريا في حرب سنة 1967م و أجزاء من لبنان في سنة 1983م.
المسلمون مازالوا ولن يزالوا متعلقين بالقدس والمسجد الأقصى ويعتبرون إنقاذها واجبا إسلاميا وفرضا دينيا وأنها لا تسترجع كاملة ألا بالجهاد فإن شرعية الجهاد بنص القرآن وفرضية إنقاذ القدس أمر إلهي بشر به القرآن ورسول القرآن ففي القرآن الكريم قول الله عز وجل: "وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علو كبيرا". والخطاب هنا للمسلمين يخبرهم الله تعالى عن إفساد بني إسرائيل مرتين ثم يقول الله عز وجل: "فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليهم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا أن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسؤوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا.
قال المفسرون أن الإفساد الأول لإسرائيل حصل وسلط عليهم نبوخذ نصر فنكل بهم وقال آخرون انه من الرومان أو المسلمين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.
وأنا لا أناقش في الإفساد الأول فقد مضي ولا ندري أي إفساد لهم أو أي تنكيل وقع بهم هو الأصح وإنما أقول أن الله تبارك وتعالى سلط على المسلمين المستعمرين فجاسوا خلال الديار وهم من خلق الله وعباده سلطهم على المسلمين لتخاذلهم وتفرقهم واستجابتهم لدسائس الغرب وتعاونهم معه فاحتل بلادهم ولكنهم بعد ذلك استقلت بلدانهم وكونوا دولهم فرد الكرة لهم و أمدهم بالأموال الوفيرة وفي طليعتها النفط وازدادوا عددا ووفرة واصبحوا يعدون بالملايين لكنهم ظلوا في المهانة والتشرد والضعف والمعصية وتبديد الأموال فلم يحسنوا لأنفسهم وأساءوا لها فكان الوعد الثاني والأخير في إفساد اليهود فإذا جاء وعد الآخرة فقامت دولة إسرائيل واشتدت وقويت وساءت وجوهنا بدخولها المسجد الأقصى ليسؤوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وازدادت عتوا وأفسدت إفسادا كبيرا وما زالت كذلك.
ولكن الله تبارك وتعالى جعل لنا منفذا ننفذ فيه للنصر والاسترداد فقال عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم إلى الله بالطاعة والأعداد والجهاد عدنا إليكم بالنصر والتوفيق واسترجاع الأقصى وإنقاذ القدس والأهل والأوطان وجعلنا الدائرة تدور على أعداء الله ولا يتم هذا إلا بعودة حميدة إلى القرآن أن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ولذلك ذكر هذه الآية عقب آيات إفساد اليهود مباشرة فإذا فعلنا ذلك جاءت البشارة بالنصر وبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا ثوبا عظيما وأعظم ثواب هو استرجاع القدس والمسجد الأقصى وإنقاذ أهلنا مسلمين ومسيحيين من كيد اليهود وقهرهم وإفسادهم وبغيهم.
وهذا يستدعي أن تظل القدس محور التضامن العربي والإسلامي وان تكون حافزا لهم على توحيد كلمتهم وضم صفوفهم وتناسي خلافاتهم وبذل جهودهم و أموالهم مناجل إرجاعها إلى حظيرة العروبة والإسلام وأن لا يفرطوا بجزء منها وأن يزيلوا عنهم ضعفيهم وتأثرهم بسياسة أمريكا والغرب على الرغم من النظام العالمي الجديد الذي مكن لأمريكا السيطرة العالمية والتأثير في سياسة الشعوب بل تسير سياسة الشعوب والدول بسياستها وعلى الرغم من معاهدات السلام فإن القدس يجب أن يظل وهج العقيدة الإسلامية يثير تمسك العرب والمسلمين بها.
والله سبحانه وتعالي أعلم وهو الهادي إلى سواء السبيل والسلام عليكم ورحمة الله.

القدس الشريف
من يملك القدس يملك فلسطين

لقد دارت معارك مع الفرنجة في العصور الوسطى من أجل فلسطين وكانت القدس في القلب منها. وتدور معارك أخرى اليوم مع الصهيونية من أجل فلسطين والقدس محورها.
فإسرائيل تؤكد وحدة القدس كمدينة يهودية وكعاصمة لإسرائيل حتى يصبح للدولة الصهيونية تاريخ يمتد لأكثر من ألفي عام. فلقد سكن اليهود المدينة فترات متقطعة قبل 1800 عام ثم انقطع وجودهم تماماً عنها بعد أن حرموا من دخولها حتى سمح لهم أمير المؤمنين عمر بالعيش فيها وإقامة معابدهم في رحابها فسكنوها أفراداً خالطوا العرب وكسبوا عاداتهم وتقاليدهم إلى أن جاءت حرب عام 1948 واستولت القوات الصهيونية على القدس الغربية.
امتلاك اليهود للقدس واتخاذها عاصمة لإسرائيل هو سعى إلى امتلاك تاريخ المدنية نفسها فيصبح لإسرائيل بضربة واحدة تاريخ ممتد لأكثر من ألف عام يوصل ما انقطع عنها، ولهذا تبذل إسرائيل كل الجهد لتسرق من الفلسطينيين تراثهم. تسرق رقصتهم الشعبية ولحنهم الغنائي الشعبي وملابسهم الشعبية زاعمة أنها كلها يهودية شعبية، لأنه من غير القدس والسطو على تراثها المجيد ستتعرى إسرائيل لتكون على حقيقتها كياناً زرعته الإمبريالية وخلقته من أجل مصالحها في الشرق الأوسط. يشهد على ذلك وعد بلفور وفتح البريطانيين أبواب فلسطين والقدس أمام الهجرة اليهودية ثم حماية أمريكا لدولة إسرائيل.
من غير القدس ستكون إسرائيل بلا تاريخ وبلا تراث. وما ينبغي أن يكون التاريخ لقوم يعيشون في دول متفرقة بل لا بد أن يرتبط به كيان معلوم وأرض ثابتة ودولة مستقرة أن يرتبط التاريخ بالجغرافية.
وتوفر القدس لليهود ما يحتاجون من رسم جغرافي معلوم على الكرة الأرضية بقدر ما توفر لهم تاريخ عريقاً فهي جغرافيا، في قلب فلسطين ومركزها. هي رابطة العقد لكل الطرق الممتدة في كل اتجاه على طول الأرض الفلسطينية. وعرضها ومن ثم هي وحدها القادرة على أن تكون مركزا ثابتا للسوق والمجتمع والكفيلة جغرافياً بتحقيق حلم الصهيونية الساعية بثبات عناد ولإقامة إسرائيل الكبرى. كذلك لن تستقر القدس يهودية صهيونية إسرائيلية إلا إذا تم تهويدها وطرد الفلسطينيون سكانها بالقوة وبالعدوان على كل القوانين والأعراف الدولية والقيم الإنسانية.
وحتى يتوج ذلك كله بشرعية دينية ستكون إسرائيل صاحبة القدس الموحدة هي كذلك راعية لأماكن مقدسة لأديان سماوية ثلاث يلتف حولها أكثر من ألفي مليون من سكان المعمورة و.. وحتى لو وضعت هذه الأماكن تحت إشراف دولي فستوفر القدس لإسرائيل مكانة روحية لا ترقى إليها دولة أخرى في العالم.
لكل هذا لابد من تقويض هذه المؤامرة الكبرى. ولن يكون ذلك إلا على أرض القدس الشريف نفسها. إلا إذا أصبحت القدس عاصمة الدولة فلسطين.
لابد إذن من التمسك بقوة ومهما غلي الثمن ومهما طال الكفاح بشعارنا الأساسي. دولة فلسطينية، عاصمتها القدس. أياً كان وضع هذه الدولة مستقبلاً، فيدرالية أو كونفدرالية أو مستقلة منفصلة.
تلك هذه الحلقة الرئيسية والمنطلق الأساسي للكفاح من أجل تقويض المؤامرة الكبرى فوجود فلسطين (الدولة) في القدس (العاصمة) هو المهمة المحورية لمجمل الكفاح الفلسطيني.
نعم، لن تكون المدينة كما أرادوا "موحدة وعاصمة" لهم أولهم وحدهم.
فلسطينية 1800 عام
كان اسم الموقع سالم فاختاره الكنعانيون ليقيموا فيه مدينة سميت جيروسالم وهى القدس باللغة العربية. وكان ذلك في عهد مليكهم مشيسارك (الملك التقي) أيام أبونا إبراهيم عليه السلام، القدس. 27 عام. وقد ظل الكنعانيون وحدهم يسكنون المدينة طوال 800 عام.
وفي عام ألف قبل الميلاد تمكن داود ملك اليهود من الاستيلاء على المدينة وسمح للكنعانيين بالعيش فيهاً جنباً إلى جنب مع اليهود، م جاء ابنه الملك سليمان فأقام المعبد الذي دُمر وبُنى عدة مرات ولم يبق منه غير الحائط الغْربي المعروف بحائط المبكى.
وحكم القدس أقوام عًدة من كنعانيين وسوريين ومصريين (فراعنة) وبابليين وفرس ويونان ورومان وبيزنطيين ومسلمين عرب وفرنجة (صليبيين) ومسلمين أتراك حتى احتلها البريطانيون عام 1917 ثم احتلت القوات الصهيونية قسمها الغربي (القدس الجديدة) عام حتى 1947 حتى احتلتها كاملة في 7 يونيو عام 1967.
وتم تدمير القدس ومعبد سليمان عام 587 قبل الميلاد على يد البابليين الذين حملوا معهم سكانها اليهود أسرى إلى بلادهم، وعندما غزا سيروس ملك فارس مملكة بابل عاد اليهود إلى القدس عام 530 قبل الميلاد وأقاموا معبدهم من جديد ولكنه دُمر مرة ثانية عام 170 قبل الميلاد عندما هب اليهود ضد حكام المدينة. وعندما احتل الرومان فلسطين وحكموا مدينة القدس عام 63 قبل الميلاد وتمكن اليهود من تدعيم نفوذهم فأذن الرومان لهم ببناء المعبد للمرة الثالثة عام 40 قبل الميلاد، غير أن الخلاف دب بينهم وبين الرومان في عهد تيتوس الذي حكم المدينة عام 171 ميلادياً فدمر المعبد نهائياً ولم يبق منه غير حائطه الغربي، ثم طرد اليهود أنفسهم من القدس عام 135 ميلادياً ليعيشوا في الشتات.
ومنع اليهود من الإقامة في المدينة طوال حكم الرومان وحكم البيزنطيين حتى حكمها العرب المسلمون عام 638 ميلادياً في عهد الخليفة عمر الذي سمح لليهود بالعودة وتشييد معابدهم في القدس. وعلى الرغم من موقع الحرم الشريف حيث كان موقع معبد سليمان سمح المسلمون لليهود بإقامة شعائرهم الدينية عند الحائط الغربي بحرية تامة وظل الأمر كذلك حتى حكم الفرنجة (الصليبيون) المدينة قرابة مائة فعاملوا اليهود بغلظة ولم يسترجع هؤلاء حريتهم خالصة في الإقامة وممارسة الشعائر إلا بعد أن دخلها صلاح الدين عام 1117 ميلادياً ثم استمر حكم المسلمين للمدينة حتى احتلها البريطانيون عام 1917.
وذلك كله يعنى:
- أن الكنعانيين ( وليس اليهود ) هم الذين أنشأوا مدينة القدس وظلوا وحدهم سكانها طوال 800 عام.
- أن المسلمين حكموا المدينة حوالي 1300 عام حتى احتلها البريطانيون، غير أن الفلسطينيين سواء كانوا وثنيين أول الأمر ثم مسيحيين ومسلمين فقد عاشوا في المدينة وشكلوا الأغلبية العظمى من سكانها منذ عام 135 ميلادياً حين طرد اليهود منها وعاشوا في الشتات، أي أن الفلسطينيين ظلوا سكان القدس طوال 1800 عام.
- أن اليهود ظلوا مضطهدين محرومين من الإقامة القدس وتشييد معابدهم في رحابها حتى حكمها العرب المسلمون فمنحوهم حرية الإقامة وتشييد المعابد.
ثم يهودية بالقوة المسلحة
لم يكن في القدس قبل احتلال بريطانيا للمدينة عام 1917 غير 30.000 يهدي اندمج معظمهم بالعرب وتحدثوا لغتهم ومارسوا عاداتهم.
وفى عام 1922 انتدبت عصبة المم بريطانيا لتحكم فلسطين، وتضمن صك الانتداب وعد بلور الذي تعهدت حكومة بريطانيا بمقتضاه "بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين" دون أخذ رأى الشعب الفلسطيني صاحب الأرض الفلسطينية ففتحت سلطات الاحتلال أبواب فلسطين أمام هجرة اليهود التي تزايدت أثناء اضطهادهم على يد النازيين في ألمانيا حتى بلغ عددهم 100.000 عام 1947 وهو العام الذي أصدرت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار تقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية وعربية، بينما بلغ عدد الفلسطينيين سكان القدس 105.000.
ووفقاً لقرار التقسيم الصادر في 29 نوفمبر عام 47 كان مفروضاً أن تكون القدس "كياناً منفصلاً" خاضعاً لنظام دولي تحت إدارة الأمم المتحدة وله حاكم ومجلس تشريعي على أن يكون محايداً منزوع السلاح.
غير أنه خلال حرب عام 1948 التي نشبت بين القوات العربية والقوات الصهيونية احْتلت الأخيرة القدس الجديدة (القسم الغربي من المدينة) وكان الفلسطينيون يملكون 40% من مبانيها، واليهود 26.12% أما بقية القدس الجديدة فكانت ملكاً لدوائر الدينية والحكومية، ثم هاجم اليهود القدس القديمة (القسم الشرقي) فيما بين 14، 18 مايو، ولكنهم فشلوا أمام صمود الفلسطينيين حتى دخلها جيش الأردن في 19 مايو وبهذا توزعت القدس على قسمين: شرقي تحتله الأردن وغربي تحتله إسرائيل.
وفى سبتمبر 1948 أصبحت المحكمة العليا الإسرائيلية في القدس الجديدة وفى فبراير 1949 اتخذها الكنيست (برلمان إسرائيل) مقراً له وفى 23 يناير 1950 أعلنت إسرائيل القدس الغربية عاصمة لها.
وأرادت القوات الصهيونية الاستيلاء على القدس خالية من الفلسطينيين، ولهذا الغرض ارتكبت مذبحة في قرية دير ياسين التي تقع على بعد ميل ونصف الميل إلى الغرب من المدينة في 9 أبريل عام 48 حيث ذبح 300 من الرجال والنساء والأطفال من سكان القرية فدب الذعر والهلع وفى نفس الفلسطينيين الذين هجروا المدينة الجديدة أمام زحف اليهود. وكان يسكنها قبل الاحتلال 24 ألف فلسطيني مسيحي و21 ألف فلسطيني مسلم.
ونتيجة لعدوان إسرائيل على البلدان العربية في يونيو عام 1967 تم احتلال القدس القديمة (الشرقية) في السابع من هذه الشهر وشرعت إسرائيل على الفور في تهويد ما تبقى من القدس بتدمير الأحياء العربية، (مثل حي المغاربة ) ومثات المباني التي يملكها الفلسطينيون، وبالاستيلاء على الأرض وبطرد الفلسطينيين وبإقامة المستوطنات اليهودية وفرضت القوانين الإسرائيلية على الضفة الغربية ومن بينها القدس القديمة ثم اتسع بناء المستوطنات ليشمل القرى المحمية بالمدينة وأعلنت حكومة إسرائيل مشروع القدس الكبرى الذي يمتد حتى منطقتي البيرة ورام الله شمالاً، وكان أخطر إجراء اتخذته إسرائيل هو ما عرف: بالقانون الأساسي "الذي أقره الكنيست في 30 يوليو عام 1980 والذي يقضى بأن تكون القدس موحدة دائماً وعاصمة إسرائيل دائماً. وعلى هذا الأساس ترفض إسرائيل اليوم أن تكون القدس موضوعاً للمفاوضات متحدية كل قرارات الأمم المتحدة وحق شعب فلسطين في أرضه ووطنه وعاصمته.
القدس بين الليكود وحزب العمل:
سياسة حزب العمل بالنسبة لمدينة القدس هي نفسها سياسة حزب الليكود فالحزبان يرفضان بحسم مشروع الأمم المتحدة بتدويل القدس ويصران بعد احتلال المدينة كاملة على أن تكون موحدة وعلى أن تكون جزءاً لا ينفصل عن إسرائيل وعلى إخراج السكان الفلسطينيين منها، ثم يتمسكان بها عاصمة لدولة إسرائيل.
غير أن حزب العمل لا يتبنى الإيديولوجية اليهودية التي تدعو إلى الاستيلاء على كل الأرض الفلسطينية خوفاً من تعاظم عدد السكان العرب فيشكلوا قومية لها نفوذها السياسي والاقتصادي ومن ثم تصبح إسرائيل دولة لقوميتين وليست دولة "للقومية اليهودية" وحدها كما أرادت الصهيونية.
وإذا كان حزب الليكود يسعى إلى تجنب مثل هذه العقبة التي تتعارض مع الأيديولوجية الصهيونية بالترويج لسياسة الترانسفير، أى نقل ما تبقى من شعب فلسطين وإبعاده بالقوة عن الضفة الغربية وقطاع غزة فإن قادة حزب العمل يثيرون الشكوك حول إمكانية نجاح هذه السياسة دون إلحاق أضرار بالغة بمصالح إسرائيل.
لهذا نشأ خلاف بين الحزبين بشأن السياسة الاستيطانية التوسعية، ومن ثم اختلف دور مدينة القدس في إطار السياسة الاستيطانية لحزب العمل عن دورها بالنسبة لسياسة الليكود.
فبالإضافة إلى القدس الموحدة عاصمة إسرائيل يركز حزب العمل على تنفيذ مشروع آلون الذي طرح منذ عام 1967 لضم شريط يتراوح بين 10، 15 كيلو متر على امتداد غور الأردن وإقامة مستوطنات دينية وعسكرية وفقاً لمتطلبات الأمن الإسرائيلي.
وهكذا ستصبح الضفة الغربية كلها محاصرة بأرض إسرائيلية تمتد غرباً مع شريط المستوطنات على طول نهر الأردن ثم تحاط شمالاً وجنوباً وغرباً بالأرض التي أقيمت عليها إسرائيل بينما تتناثر مستوطنات يهودية أخرى داخل الضفة نفسها وفي هذا الإطار ستكون القدس الموحدة عاصمة إسرائيل هي القاعدة التي تستند إليها سياسة الاحتواء إذ ستتمحور في المدينة شبكة الطرق والاتصالات الممتدة داخل الضفة في اتجاه غور الأردن وبهذا تصبح الضفة التي يفترض أن يقوم عليها كيان فلسطيني خاضعة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً لإسرائيل دون أن يتم ضمها رسمياً الى الدولة. أما سياسة الاستيطان الليكودي فتتمشى مع الأيديولوجية التي تستهدف احتلال كل الأرض الفلسطينية لتكون ركيزة لإسرائيل الكبرى في المستقبل.
فبالإضافة إلى تكثيف الاستيطان على امتداد غور الأردن وفقاً لمشروع آلون وتوسيع الاستيطان في القدس الموحدة وهى سياسة ينتهجها كذلك حزب العمل اعتبر الليكود الاستيطان على كل الأرض الفلسطينية وبلا حدود هو حق لليهود بمقتضى المعقدات الدينية اليهودية وحق إسرائيل للدفاع عن أمنها لهذا اتجه الاستيطان إلى وسط تجمعات السكان العرب وداخلها.
إن هدف الليكود هو تقطيع أوصال المواقع التي تشتد فيها كثافة السكان الفلسطينيين في الضفة ليطردوا من قراهم، وكذلك خلق ممرات اتصال سكانية (يهودية) بين يهود القدس ويهود مستوطنات غور الأردن على أن يتم تدريجياً توسيعها وزيادة سكانها لتكون بنفس الكثافة السكانية اليهودية التي أصبحت عليها القدس ويتمثل هذا الامتداد في اختراق المدن العربية نفسها كما يحدث في الخليل أو في محاولة محاصرتها سكانياً كما يحدث لنابلس ويساعد على ذلك المشروع الخاص بإنشاء شبكة من الطرق بالغة الاتساع ليتم نهب الأرض العربية وتتمحور هذه الشبكة عند القدس كي تنتشر شمالاً وجنوبا ًوشرقاً نحو مستوطنات اليهودية في الضفة الغربية متجاهلة القرى والمدن العربية ومن ثم تصبح هذه المستوطنات هي مراكز الاتصال والإنتاج والتجارة والثقافة في المستقبل وفى نفس الوقت ستكون القدس مركز يربط هذه الشبكة من الاتصالات بالقرى والمدن الإسرائيلية المنتشرة غرباً بين القدس وتل أبيب أي داخل إسرائيل نفسها.
إن القدس في مخطط التوسع الليكودي لن تكون فحسب عاصمة إسرائيل الموحدة بل كذلك المحور الأساسي لسياسة ضم كل الضفة الغربية كخطوة نحو إنشاء إسرائيل الكبرى.
الضم والقضم والهضم:
ترجع الرغبة الصهيونية لتهويد القدس للبدايات الأولى للحركة الصهيونية حيث دأب منظورها على ترسيخ ما يسمونه الهدف الأعظم في أذهان يهود العالم وهو احتلال القدس لتصبح عاصمة لدولتهم المنتظرة "إسرائيل".
وقد كانت الهجرة اليهودية إلى فلسطين وتكثيف الاستيطان في القدس بالذات واحدة من أهم ركائز الدعوة لتحقيق هذا الهدف ويكفي أن نذكر أن عدد اليهود قبل الاحتلال البريطاني وبالضبط عام 1488 لم يتجاوز سبعين أسرة يهودية ثم أصبح عددها ألف وخمسمائة أسرة في عام 1521 إلا أن عدد اليهود قد تزايد بسبب الهجرة من روسيا القيصرية وخاصة عندما ارتكبت المجازر هناك ضد اليهود في عامي 1881، 1882 إلى أن بلغ عدد 30 ألف عام 1917 عام الاحتلال البريطاني للمدينة ( ولما كانت بريطانيا قد أصدرت مع وزمان الزعيم الصهيوني وعداً باسم وزير خارجية بريطانيا بلفور يقضي بإنشاء وطن قومي لليهود بفلسطين من وراء ظهر الشعب الفلسطيني فإن سلطات الاحتلال البريطانية سارعت بفتح أبواب فلسطين أمام الهجرة اليهودية حتى أصبح عددهم 100 ألف عام 1948، وهكذا بدأت عملية تهويد القدس مع الاحتلال البريطاني.
كما اتخذت إسرائيل إجراءات عملية لتهويد القدس منذ أن احتلت القوات الصهيونية القسم الغربي من المدينة عام 1948 بالمخالفة لقرارات المم المتحدة المتعددة بل وعمدت على فرض الأمر الواقع باحتلالها حي القطمون العربي ذي الموقع الإستراتيجي الهام في القدس قبل أسبوعين من إعلان قيام إسرائيل ثم استغلت فترة الهدنة الأولى عام 1948 وتقدمت لاحتلال بعض المواقع المهمة كاللد والرملة كما شقت طريقاً لها بين تل أبيب والقدس، وبذلك استطاعت أن تفرض تقسيماً فعلياً لمدينة القدس سرعان ما تجسد في خطوط اتفاق وقف إطلاق النار بين الأردن وإسرائيل عام 1948.
ومنذ ذلك التاريخ وإسرائيل تواصل مخططات الضم والتهويد وذلك بالسيطرة الاستراتيجية والديموغرافية بالوسائل التالية.
(1) الاستيلاء على أكبر مساحة من الأرض المحيطة بالقدس عن طريق مصادرة الأراضي والاستيطان وتدمير الأحياء العربية كما حدث بالنسبة لحي المغاربة المواجه لحائط المبكى والذي تم تدميره عقب حرب 1967.
(2) عزل التجمع السكاني العربي في القدس عن التجمعات العربية في الضفة الغربية.
(3) تطويق القدس بأحزمة استيطانية متصلة قوية على شكل تجمعات سكانية تحقق إقامة عازل سكاني يهودي بين القدس وخارجها من جهة وتحقق سيطرة إستراتيجية على التجمعات العربية داخل القدس من جهة أخرى.
(4) بناء الضواحي الاستيطانية لخدمة الغرضين المدني والعسكري ولإنجاح هذه السياسة اتخذت سلطات الاحتلال إجراءات متنوعة في مختلف المجالات نذكر منها:
(أ ) بالنسبة للوضع القانوني
(1) إعلان إسرائيل فور احتلالها لفلسطين عن اعتبار القدس الغربية عاصمة لها عام 49 ثم وافق الكنيست على القرار عام 1950.
(2) بعد احتلال القدس الشرقية خلال حرب يونيو 1967 أقرت الحكومة الإسرائيلية في نفس الشهر سريان القانون الإسرائيلي الخاص بالإدارة والنظام لسنة 1948 على القدس والمناطق المحيطة بهما ليصبح أكثر من مائة ألف من سكان القدس خاضعين للقانون.
(3) أصدر جيش الاحتلال الإسرائيلي قرار في 29 يونيو 1967 بحل مجلس أمانة القدس (أي بلدية القدس) وهو المجلس المنتخب من سكان القدس ويطرد رئيس بلديتها من عمله وبإلحاق موظفي وعمال أمانة القدس بالبلدية الإسرائيلية.
(4) أصدر الكنيست الإسرائيلي عام 1980 في ظل حكومة بيجين قانون القدس ونص على ما يلي:
- القدس كاملة وموحدة عاصمة لإسرائيل وهى مقر رئيس الدولة والكنيست والحكومة والمحكمة العليا مع منحها امتيازات خاصة بالنسبة لمشروعات الدولة.
وقد شكلت هذه القوانين الغطاء الذي تحركت تحته مختلف المشاريع والمخططات في جميع النواحي.
الاستيطان والاستيلاء على الأرض:
قامت إسرائيل منذ احتلالها للقدس الغربية عام 1948 بإنشاء العديد من المستعمرات اليهودية كمستعمرة التل الفرنسي بطريق القدس - رام الله ومستعمرة رامات أشكول بشمال المدينة ومستعمرة نحلات رفئة وتوسيع مباني الجامعة العبرية كما قامت سلطات الاحتلال بترحيل السكان الفلسطينيون وهدم منازلهم والاستيلاء على ممتلكاتهم بعد احتلال القدس الشرقية عام 1967 واتخذت الحكومة الإسرائيلية في أول جلسة عقدتها بعد الحرب في 11 حزيران 1967 قرار بالبدء في استيطان القدس القديمة فقامت سلطات الاحتلال بإزالة أحياء عربية كاملة من الوجود مثل حارة الشرف وإقامة مجمع سكني مكانها سمي بحارة اليهود.
هذا وقد مارست سلطات الاحتلال ومجموعات الاستيطان اليهودية بشكل خاص "عطراه لبوشنا وعطران كوهانيم" سياسة "القضم والهضم" الرامية إلى تعزيز التواجد والتواصل اليهودي وترحيل أكبر عدد ممكن من السكان العرب بشكل مباشر (الترانسفير) أو بشكل غير مباشر بممارسة أعمال القهر والاضطهاد.
ولقد عبر مشروع القدس الكبرى والذي أعلنت عنه إسرائيل لأول مرة في ديسمبر عام 1974 عن مخططات إسرائيل بالنسبة لتهويد القدس وتوسيع منطقتها وتكريس الأمر الواقع إذ ضم المروع ثلاث مدن 27 قرية عربية مجاورة مما أدى إلى إخضاع مائة ألف عربي آخرين إلى سلطة الاحتلال.
وبالرغم من صدور العديد من قرارات الأمم المتحدة ضد ممارسات إسرائيل فمازالت عملية الاستيطان تسير على قدم وساق خصوصاً في ظل الهجرة اليهودية المتزايدة ولعل المفيد هنا الإشارة أيضاً لمخططات شاروت لتهويد القدس والتي تقضي بتسمين المستوطنات اليهودية وإقامة المزيد منها لاستيعاب مليون يهودي.
المصادرة:
اتخذت سلطات الاحتلال العديد من القرارات التي تمكنها من مصادرة مساحات واسعة من القدس وإقامة المستعمرات اليهودية ومن أبرز وسائل المصادرة:
(1) اعتبار الأراضي أملاك دولة وهي تشمل وفقاً لما قررته إسرائيل الأراضي المسجلة باسم الخزينة الأردنية أو الحكومة الأردنية والأراضي التي تقع بين المدن أو القرى وتستغل الرعي الماشية كما أصبحت تضم وفقاً لمفهوم عسكري صدر لاحقاً جميع الأراضي المملوكة للحكومة ومجالس المحليات بم في ذلك البلديات.
(2) تطبيق قانون أملاك الغائبين لعام 1950 والاستيلاء على أملاك الآخرين الذين أجبروا على ترك فلسطين عام 1948، وكذا مصادرة أموال وأملاك مواطني الضفة الغربية وقطاع غزة الذين منعوا من العودة بعد عدوان يونيو سنة 1967 بالإضافة للذين تم ترحيلهم خلال فترة الاحتلال.
(3) الشراء الإجباري بالإرهاب أو عن طريق التزوير والاحتيال.
(4) وضع اليد على الأراضي بدعوى الاحتياطات الأمنية ثم تتحول تدريجياً لمستوطنة مدنية أو بمصادرة الأراضي بدعوى المصلحة العامة أو بدعوى تخطيط المدن مثل تخطيط مدينة القدس الذي تم بطريق تعرقل التوسع في المباني العربية وتطويرها ويساعد على تداخل المساحة المخصصة للإسكان اليهودي مع المناطق المخصصة للأراضي الزراعية مما ييسر استقلال هذه الأراضي لمصلحة اليهود بالإضافة إلى ذلك يتم فتح شوارع جديدة وتوسيع شوارع قائمة بشكل يؤثر مباشرة على إمكانيات التوسع والتطوير للقرى العربية التي تمر هذه الشوارع في أراضيها.
ولعل هذه الإجراءات المعادية لأبسط حقوق الإنسان قد دفعت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة لإصدار قرارها رقم 1 لسنة 1986 باعتبار كافة أعمال إسرائيل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وهو نفس التعبير الذي استخدمته محكمة نورنمبرج عند حكمها على زعماء الحكم النازي.
المشروع الإسرائيلي للقدس الكبرى:
المشروع الإسرائيلي للقدس الكبرى أو ما يُعرف بمنطقة المركز هو الركيزة الأساسية لكل مخططات إسرائيل الخاصة بضم المزيد من الأرض الفلسطينية واستيطانها بواسطة يهود إذ تُعتبر القدس مركزاً لكل الأرض والتجمعات البشرية فيما بين البحر المتوسط ونهر الأردن أى مركزاً لكل الأرض الفلسطينية قبل التقسيم.
وتشمل منطقة المركز التي يُخَطط لها المشروع مدينة القُدس نفسها وكل القرى الممتدة من حدودها الشمالية حتى قرى بيت عور والطيرة ثم مدينتي رام الله والبيرة لتمتد شمالاً بحيث تصل إلى عين بيرود ودورا القرع وكذلك كل القرى الممتدة من حدودها الجنوبية حيث بين لحم وبيت ساحور وبيت جالا حتى نحالين ثم بيت فجار وتفوح وتقدر مساحة المنطقة كلها بحوالي 45 كيلو متراً في الاتجاهين الشمالي والجنوبي و15 كيلو متراً شرقاً.
ومشروع القدس الكبرى يتكامل مع تخطيط المدن والقرى داخل إسرائيل ومع شبكة الطرق الإسرائيلية وفي نفس الوقت يتكامل مع مخططات إسرائيل في الضفة الغربية وقد وُضع المروع ونُفذً دون الأخذ في الاعتبار الظروف المعيشية والاجتماعية للسكان الفلسطينيين أصحاب الأرض الأصليين ويهدف ان يُصبح عدد السكان اليهود في هذه المنطقة أضعاف عدد السكان الفلسطينيين ووفقاً للمشرع تتنوع مساحة المنطقة على الوجه التالي:
• مساحة حوالي 58941 دونم بالإضافة إلى مدن رام الله والبيرة وبيت لحم وبيت جالا وبيت ساحور، وهي مخصصة للإسكان العربي.
• مساحة حوالي 76608 دونم وهى مخصصة للإسكان اليهودي.
• المساحة المخصصة للحدائق العامة حوالي 28820 دونم وهى حدائق خاصة ولا يسمح بالبناء على أرضها.
• مساحة الأرض الزراعية حوالي 263270 دونم.
• مساحة الطرق والمطار حوالي 18340 دونم.
وتبلغ مجموع مساحة المشروع حوالي 446279 دونم.
وبمقتضى هذه المساحات تكون النسب كالتالي:
- نسبة المناطق المخصصة للإسكان العربي 13%.
- نسبة المناطق المخصصة للإسكان اليهودي 17%.
- نسبة المساحة المخصصة للحدائق العامة 6.5%.
- نسبة الأرض الزراعية 59.5%.
ومما سبق يمكن استخلاص الحقائق التالية:
أولاً: أن المشروع لا يتصل بالقدس الغربية (الجديدة) التي احتلتها إسرائيل عام 1948 واتخذتها عاصمة لها ومقراً للحكومة الإسرائيلية والكنيست (البرلمان الإسرائيلي) إنما يتصل بالقدس الشرقية (القديمة) والمناطق المحيطة بها بهدف تهويدها بعد أن تم تهويد القدس الغربية.
ثانياً: أنه وفقاً للإحصاءات الإسرائيلية كان مقَدار أن يكون عدد السكان المتوقع للعرب في القدس عام 2002 هو 353646 نسمة بينا سيصل عدد السكان اليهود في نفس العام إلى 916269 نسمة لتكون النسبة 1 إلى 3 تقريباً ولكن عدد اليهود سيفوق هذا الرقم بكثير جداً بعد هجرة مئات الآلاف من يهود الاتحاد السوفييت (سابقاً) إلى إسرائيل ومن ثم سيكون الطابع اليهودي للمدينة سائداً بشكل حاسم بما يجعل تقسيم المدينة إلى قسمين عربي ويهودي أمراً صعباً ويتأكد هذا الاتجاه مع مضاعفة جهود اليهود الآن لزيادة عددهم وسط التجمعات العربية وفى قلب أحيائها.
ثالثاً: أن السلطات الإسرائيلية التي وضعت المشروع سيكون لها الحق دائماً في تعديله إذا دعت الضرورة لزيادة مساحة الأرض المتاحة للسكن اليهودي على حساب مساحات أخري مثل الساحة المخصصة للزراعة.
الصهيونية والأماكن المقدسة:
دأبت إسرائيل على الاعتداء على الأماكن المقدسة للمسلمين والمسيحيين بالقدس الريف مما يمكن اعتباره سياسة عامة تصب في طاحونة العقيدة الصهيونية وقد مارست إسرائيل إجراءات عديدة لطمس ومحو الطابع العربي والإسلامي للمدينة المقدسة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر.
* قيام سلطات الاحتلال بتنفيذ مشروع حفريات مكثف في المناطق المحيطة بالحرم الشريف للكشف الكامل عن الحائط الغربي للحرم الشريف بحجة أنه الوحيد الذي ظل قائماً من الهياكل اليهودي وهو الذي تم بعد دماره سنة 70م واستمرت عمليات الحفر مما هدد بتصدع بينان المسجد الأقصى المبارك وتصدع العديد من الأبنية الأثرية خاصة من الحقبة الأيوبية والمملوكية وقد بدأت الانتهاكات الإسرائيلية منذ السابع من يوليو 1967 بدخول الجنرال مردخاي غدر في سيارة نصف مجنزة لساحة الحرم القدسي الشريف وتواصلت عبر سلسلة طويلة من الاعتداءات شبه اليومية من المستوطنين والجماعات المعنية بالآثار التي استهدفت تغيير معالم الأماكن التاريخية والثقافية والدينية بالتنسيق الكامل مع سلطات الاحتلال وكذا نهب الممتلكات الثقافية والأثرية والدينية إسلامية ومسيحية كما قام الإسرائيليون بالاعتداء على المقدسات المسيحية ففي أواخر يونيو 1967 قام الإسرائيليون بسرقة تاج العذراء وانتهاك قبور المسيحيين وتحطيم صلبانها وسرق تماثيلها النفيسة وتدنيس كنيسة القيامة والتدخل في شئون الحج المسيحي ليصل إلى احتلال فندق ماريوحنا الواقع في قلب الحي المسيحي عام 1990.
وقد أظهر الإسرائيليون نواياهم الحقيقية تجاه المقدسات وبمحاولة إحراق المسجد الأقصى وقبة الصخرة في 21/8/1969 والذي أسفر عن تدمير الجناح الجنوبي كله للمسجد الأقصى بالإضافة للمحاولات المتكررة التي اقترفتها مجموعات إرهابية يهودية سرية مسلحة لنسف المسجد الأقصى والمذبحة التي ارتكبها الجندي هارى غولدمان يوم 11/4/1982 والتي أسفرت عن استشهاد مواطنين وجرح أكثر من ستين آخرين.. وامتداداً لتلك التعديات اقترفت السلطات الإسرائيلية مذبحة بشعة ضد رجال ونساء وأطفال وشيوخ فلسطينيين في ساحة المسجد الأقصى عام 1990 حيث اقتحمت قوات الشكة وحرس الحدود ولمخبرات والمستوطنين اليهود ساحات الحرم الشريف من أبوابه المختلفة وأطلقوا النيران في كل اتجاه على حشود المصلين مما أسفر عن سقوط 23 شهيداً فلسطينياً وإصابة 850 آخرين ولقد ثبت بكافة الشواهد والأدلة أن تلك المذبحة كانت مدبرة بواسطة السلطات الإسرائيلية بما دفع مجلس الأمن إلى إصدار قراره رقم 672 في أكتوبر 1990 بإدانة إسرائيل بالإجماع لارتكابها أعمال عنف ضد الفلسطينيين وطالب القرار إسرائيل بوصفها قوة احتلال الوفاء بمسئوليتها القانونية المقررة بموجب اتفاقية جنيف.
المدنية تقاوم:
شكلت الانتهاكات الصهيونية السافرة منذ بدء الاحتلال عام 1948 على المقدسات الدينية للمسلمين والمسيحيين إدراكاً متزايد لدى الفلسطينيين بالطابع الشامل والحاسم للصراع.
وقد شهدت السميرة النضالية بالقدس حالات من المد والجزر قبل الانتفاضة واتخذت أشكال المقاومة أساليب عدة منها كتابة أهالي القدس العرائض والمذكرات اعتراضاً على كافة قرارات وإجراءات الضم الإداري والسياسي ولجأ الفلسطينيون للمظاهرات فشهدت المدينة سلسلة طولية من الصدامات مع قوات الشرطة وحرس الحدود والمستوطنين كما اتخذ بعضها شكل الكفاح المسلح بتنفيذ مئات العمليات المسلحة والعديد من هجمات الخناجر المتتالية مما أسفر عن إرهاب الصهاينة كما دخلوا في صراع مرير للاحتفاظ بعروبة شركة كهرباء القدس والتي تعرضت لمحاولات عديدة لتهويدها.
لكن ومع بدء الانتفاضة الشعبية بفلسطين عام 1984 انتقل الكفاح الفلسطيني نقله كيفية حيث تميزت الانتفاضة بالتلاحم والتماسك من ناحية والتواصل والاستمرار من ناحية ثانية ثم شمولية المشاركة الجماهيرية في العملية النضالية من ناحية ثالثة.
وقد شهدت مدينة القدس تصعيداً مستمراً ومتزايد في نشاطات الانتفاضة حيث تصاعدت حدة المظاهرات الجماهيرية مع استخدام سلاح الإضراب بشكل يومي تقريباً مما شل الحياة الاقتصادية، هذا وقد سجلت إحصائيات المصادر الإسرائيلية نفسها تزايد عمليات إحراق السيارات والبيوت اليهودية في القدس فبلغت حوالي 92 عملية إحراق للمباني عام 1988 وحوالي 250 عملية عام 1989 وحوالي 300 سيارة عام 1990 كما تم تنفيذ مئات العمليات الأخرى خلال عام 1991 وتصاعد الهجوم على حافلات الركاب حيث اعترفت مصادر الاحتلال بتنفيذ 100 عملية شهرياً ضد حافلات الركاب وأن 3600 عملية منها شهدتها مدينة القدس منذ بداية الانتفاضة وأسفرت عن مقتل 22 إسرائيلياً وإصابة 490 بجروح ولمواجهة الرصاص والعربات المصفحة ووحدات المستوطنين المسلحة تصاعدت هجمات الخناجر الفلسطينية ضد جنود الاحتلال بالقدس حيث قتل 17 صهيونياً وأصيب 351 آخرون نتيجة لتنفيذ 133 عملية طعن بالخناجر خلال الفترة الواقعة بين نيسان 1990 - آذار 1991 ثم ابتكر الشعب الفلسطيني وفي المقدمة منه أطفاله البواسل سلاحاً أشد فتكا من أسلحة الصهاينة وهو الحجارة، وكما تورد صحيفة هآرتس فقد وقع خلال عام 88 أكثر من 1.766 حادث إلقاء حجارة بمنطقة القدس، 1229 عملية رفع أعلام فلسطينية 708 عملية إغلاق طرق، 283 عملية إشعال إطارات واعترفت صحيفة "دافار" أن قوات حرس الحدود تعاملت خلال عام 1990 فقط مع 3506 واعتقلت 5908 متظاهر فلسطيني؟
وقد شهدت الانتفاضة الفلسطينية تصعيداً جديداً بعد المجزرة الصهيونية في ساحة المسجد الأقصى عام 1990 بتصعيد هجمات الخناجر الفلسطينية والمظاهرات والصدامات الجماهيرية.
ولعل ما أكده الشيخ عكرمة صبري إمام المسجد الأقصى بعد المذبحة في كلمته أمام نادى "جذور" يظهر مدى النضالية الفلسطينية.
" إن المذبحة تعطينا دفعة قوية لإنعاش انتفاضتنا المباركة فدماء شهدائنا وقود يشعل الانتفاضة وأرضنا الفلسطينية تهتز تحت أقدام الاحتلال وفي كل مرة يسقط شهيد سوف تهتز مكانة الاحتلال ويقترب فجر الحرية".
ولا شك أن الانتفاضة الفلسطينية هي صاحبة الفضل الأول في تعديل موازين القوى لصالح القضية الفلسطينية ولاستمرار الانتفاضة لا بد من وضع خطط تستهدف ترميم مباني القدس القديمة وتكوين صندوق خاص يعمل على شراء البيوت المهددة بالضياع وفتح مكاتب للمؤسسات الوطنية ونقابات العمل داخل أسوار البلدة القديمة بجوار الأماكن المقدسة لتنشيط الحركة الاقتصادية وإيجاد تجمع بشري عربي دائم وهو ما يستدعى مزيداً من الدعم العربي.
قرارات الأمم المتحدة حول القدس:
* أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 نوفمبر 1947 القرار رقم 181-2 ويقضى بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية وأن تكون القدس كياناً منفصلاً، ينص القرار بشأن القدس على أسس نظامها المنفصل وفي مقدمتها الأسس التالية:
يصبح لمدينة القدس كيان corpus sepratum منفصل خاضع لنظام دولي خاص، وتتولى الأمم المتحدة إداراتها ويعين مجلس وصاية ليقوم بأعمال السلطة الإدارية نيابة عن الأمم المتحدة.
تشمل مدينة القدس بلدية القدس الحالية مضافاً إليها القرى والبلدان المجاورة وأبعدها شرقاً أبو ديس جنوباً بيت لحم أبعدها غرباً عين كارم وتشمل معها المنطقة المبينة من قرية قالونيا كما موضح على الخريطة التخطيطية المرفقة (ملحق ب)...
يجب على السلطات الإدارية أن تتبع أثناء قيامها بالتزاماتها الإدارية الأهداف الخاصة التالية:
(أ ) حماية المصالح الروحية والدينية والمسيحية واليهودية والإسلام...
(ب ) دعم روح التعاون بين سكان المدينة جميعهم..
يقوم مجلس الوصاية بتعيين حاكم للقدس يكون مسؤولاً أمامه..
يمثل الحاكم الأمم المتحدة في مدينة القدس ويمارس نيابة عنها جميع السلطات الإدارية بما في ذلك إدارة الشؤون الخارجية..
تجرد مدينة القدس من السلاح ويعلن حيادها ويحافظ عليه ولا يسمح بقيام أية تشكيلات أو تدريب أو نشاط عسكري ضمن حدودها..
تكون السلطة التشريعية والضرائبية بيد مجلس تشريعي منتخب بالاقتراع العام السري على أساس تمثيل نسبي لسكان مدينة القدس البالغين ويغير تمييز من حيث الجنسية.. ويعطى الدستور للحاكم حق الاعتراض (VETO)على (المشاريع بقوانين) المتنافية مع الأحكام المذكورة..
يجب أن ينص الدستور على إنشاء نظام قضائي مستقل مشتملاً على محكمة استئناف يخضع لولايتها ميع سكان المدينة..
تكون مدينة القدس داخلة ضمن الاتحاد الاقتصادي الفلسطيني ومقيدة بأحكام التعهد جميعها وبكل معاهدة تنبثق عنه.."
** في 11 ديسمبر 1948 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 194 حول حق الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم أو تعويض من يقرر عد العودة وتضمن القرار النص التالي فيما يتعلق بالقدس.
الجمعية العامة..
تقرر أنه نظراً إلى ارتباط بمنطقة القدس بديانات عالمية ثلاث فإن هذه المنطقة بما في ذلك بلدية القدس الحالية، يضاف إليها القرى والمراكز المجاورة التي يكون أبعدها شرقاً أبو ديس وأبعدها جنوباً بيت لحم وأبعدها غرباً عين كارم (بما فيها المنطقة المبنية في موتسا) وأبعدها شمالاً شعفاط، يجب أن تتمتع بمعاملة خاصة منفصلة عن معاملة مناطق فلسطين الأخرى ويجب أن توضع تحت مراقبة الأمم المتحدة الفعلية:
ترجو من مجلس الأمن اتخاذ تدابير جديدة بغية تأمين نزع السلاح في مدينة القدس في أقرب وقت ممكن.
توعز إلى لجنة التوفيق أن تقدم إلى الجمعية العامة في دورتها العادية الرابعة، اقتراحات مفصلة بشأن نظام دولي دائم لمنطقة القدس يؤمن لكل من الفئتين المتميزتين الحد الأقصى من الحكم الذاتي المحلى المتوافق مع النظام الدولي الخاص لمنطقة القدس.
إن لجنة التوفيق مخولة صلاحية تعيين ممثل للأمم المتحدة يتعاون مع السلطات المحلية فيما يتعلق بالإدارة المؤقتة لمنطقة القدس.
** وأدى قيام القوات الإسرائيلية باحتلال القدس العربية (الشرقية) في 7 يونيو 1967 والممارسات الإسرائيلية الرامية إلى توحيد القدس وتهويدها إلى إصدار الجمعية العامة للأمم المتحدة للقرار رقم 2253 (الدورة الاستثنائية الخامسة) بتاريخ 4/7/1967 بدعوة إسرائيل إلى إلغاء التدابير المتخذة لتغيير وضع مدينة القدس والامتناع عنها في المستقبل والذي جاء به:
(1) تعتبر أن تلك التدابير غير صحيحة.
(2) وتطلب إلى إسرائيل إلغاء جميع التدابير التي صار اتخاذها والامتناع فوراً عن إتيان أي عمل من شأنه تغيير مركز القدس.
(3) تطلب من الأمين العام إعلام الجمعية العامة ومجلس المن عن الحالة وعن تنفيذ هذا القرار، وذلك في غضون أسبوع على الأكثر من تنفيذه."
** وإزاء عدم امتثال إسرائيل للقرار السابق فقد أصدرت الجمعية العامة القرار رقم 2254 بتاريخ 14 يوليو 1967 وجاء به.
إن الجمعية العامة إذ تشير إلى قرارها 2253 ( د. ط - 5 ) المتخذ في 4 تموز (يوليو) 1967 وقد تلقت التقرير المقدم من الأمن العام.
وإذ تحيط علما مع أشد الأسف وأبلغ القلق بعد التزام إسرائيل بالقرار 2253 (د. ط - 5)
(1) تأسف جداً لتخلف إسرائيل عن تنفيذ قرار الجمعية العامة 2253 (د. ط - 5)
(2) وتكرر الطلب الذي وجهته إلى إسرائيل في ذلك القرار بإلغاء جميع التدابير التي صار اتخاذها والامتناع فوراً عن إتيان أي عمل من شأن تغيير مركز القدس.
(3) وتطلب من الأمين العام إعلام مجلس الأمن والمجمعية العامة عن الحالة وعن تنفيذ هذا القرار؟.
** وفي أعقاب الإجراءات الإسرائيلية التي استهدفت تغيير الوضع القانوني للقدس الشرقية بعد احتلالها أصدر مجلس المن القرار رقم 252 بتاريخ 12/5/1968 بأغلبية 13 صوتاً وامتناع الولايات المتحدة الأمريكية وكندا عن التصويت والذي جاء به:
إن مجلس الأمن: إذ يذكر بقراري الجمعية العامة رقم 2253 الصادر في 4 تموز/ يوليو 1967 والقرار رقم 2254 الصادر في 14 تموز / يوليو 1967.
إذ يؤكد من جديد رفضه الاستيلاء على الأراضي بالغزو العسكري.
(1) يشجب فشل "إسرائيل" في الامتثال لقرارات الجمعية العامة المذكورة أعلاه.
(2) يعتبر أن جميع الإجراءات الإدارية والتشريعية وجميع الأعمال التي قامت بها إسرائيل بما في ذلك مصادرة الأراضي التي من شأنها أن تؤدى إلى تغيير في الوضع القانوني للقدس هي إجراءات باطلة ولا يمكن أن تغير من وضع القدس.
(3) يدعو "إسرائيل" بإلحاح إلى أن تبطل هذه الإجراءات أن تمتنع فوراً عن القيام بأي عمل من شأنه أن يغير من وضع القدس.
(4) يطلب من الأمن العام أن يقدم تقريراً إلى مجلس الأمن بشأن تنفيذ هذا القرار:
** ثم عاد مجس الأمن فأصدر في 3/7/1969 بالإجماع القرار رقم 267 الذي أدان فيه عدم امتثال إسرائيل لقرار مجلس المن السالف ومضيها في الإجراءات الإدارية والتشريعية التي تستهدف تغيير ثم عاد مجلس المن فأصدر في 3/7/1969 بالإجماع القرار رقم 367 الذي أدان يه عدم امتثال إسرائيل لقرار مجلس الأمن السالف ومضيها في الإجراءات الإدارية والتشريعية التي تستهدف تغيير الوضع القانوني لمدينة القدس وقد جاء بهذا القرار:
أن مجلس الأمن..
(1) يؤكد قراره السابق رقم 252 ( 1968).
(2) يأسف على فشل إسرائيل في أن تظهر أى احترام لقراري مجلس الأمن والجمعية العامة المذكورين أعلاه.
(3) يشجب بشدة جميع الإجراءات المتخذة لتغيير وضع مدينة القدس.
(4) يؤكد أن جميع الإجراءات التشريعية والإدارية العمال التي اتخذتها إسرائيل من أجل تغيير وضع القدس بما في ذلك مصادرة الأراضي والممتلكات هي أعمال باطلة ولا يمكن أن تغير من وضع القدس.
(5) يدعُ بإلحاح إسرائيل مرة أخرى إلى أن تبطل جميع الإجراءات التي تؤدي إلى تغيير وضع مدينة القدس كما يطلب منها أن تمتنع عن اتخاذ أية إجراءات مماثلة في المستقبل.
(6) يطلب من إسرائيل أن تخبر مجلس الأمن دون أى تأخير بنواياها بشأن تنفيذ هذا القرار.
(7) يقرر أنه إذا أجابت "إسرائيل" أو لم تجب على الإطلاق فإن مجلس الأمن سيعود إلى الاجتماع دون تأخير للنظر في الخطوات التي يمكن أن يتخذها في هذا الشأن.
(8) يطلب من الأمين العام أن يقدم تقريراً إلى مجلس الأمن بشأن تنفيذ هذا القرار.
** كما أصدر مجلس الأمن القرار رقم 298 ( 1971 ) بتاريخ 25 سبتمبر 1971 الذي جاء به:
أن مجلس الأمن:
وإذ يؤكد مجدداً المبدأ القائل أن حيازة الأرض بالفتح العسكري غير مقبول، وإذ يلاحظ بقلق عدم امتثال إسرائيل للقرارات المذكورة بأعلاه.
وإذ يلاحظ بقلق أيضاً أنه منذ اتخاذ القرارات المذكورة أعلاه اتخذت إسرائيل إجراءات أخرى تقصد بها تغيير وضع وصفة القطاع من القدس.
(1) يؤكد مجدداً قراري مجلس الأمن رقم 252 (1968) رقم 267 (1969).
(2) يأسف على تخلف إسرائيل عن احترام القرارات السابقة التي اتخذتها الأمم المتحدة فيما يتعلق بإجراءات وأعمال إسرائيل التي تؤدى إلى التأثير في وضع مدينة القدس.
(3) يؤكد بأوضح العبارات الممكنة أن جميع الأعمال التشريعية والإدارية التي قامت بها إسرائيل لتغيير وضع مدينة القدس ومن ضمنها مصادرة الأراضي والممتلكات ونقل السكان والتشريع الذي يهدف إلى ضم القطاع المحتل لاغية كلياً لا يمكن أن تغير ذلك الوضع.
(4) يدعو إسرائيل بإلحاح إلى إلغاء جميع الإجراءات والأعمال السابقة والى عدم اتخاذ خطوات أخرى في القطاع المحتل من القدس الذي قد يفهم منه تغيير وضع المدينة أو قد يجحف بحقوق السكان ومصالح المجموعة الدولية أو بالسلام العادل الدائم.
(5) يطلب من الأمين العام أن يقدم بالتشاور مع رئيس مجلس الأمن واستعمال الوسائل التي يختارها ومن ضمنها إيفاد ممثل أو بعثة تقريراً إلى مجلس الأمن كما يرى ملائما على أي حال خلال ستين يوماً من تنفيذ هذا القرار.
** وفى عام 1980 أيام حكم الليكود اتخذت إسرائيل عدة إجراءات بشأن القدس أدت في نهاية المر إلى إصدار الكنيست للقانون الأساسي للقدس الذي يقضي بأن تكون القدس موحدة وعاصمة لإسرائيل.
ففي 30 يونيو 1980 صدر عن مجلس الأمن القرار 476 وجاء فيه:
إن مجلس الأمن إذ يساوره بالغ القلق بشأن الخطوات التشريعية التي بدأها الكنيست الإسرائيلي بهدف تغيير معالم مدينة القدس الشريف ووضعها.
(1) يؤكد من جديد الضرورة الملحة لإنهاء الاحتلال المطول للأراضي التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967 بما في ذلك القدس:
(2) يشجب بشدة استمرار إسرائيل بصفتها القوة المحتلة في رفض التقيد بقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة ذات العلاقة:
(3) يؤكد مجدداً أن جميع الإجراءات والأعمال التشريعية والإدراية التي اتخذتها إسرائيل القوة المحتلة والرامية إلى تغيير معالم مدينة القدس الشريف ووضعها ليس لها أي مستند قانوني وتشكل خرقاً فاضحاً لاتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب كما تشكل عقبة جدية أمام تحقيق سلام شامل وعادل ودائم في الشرق الوسط.
(4) يؤكد أنكل هذه الإجراءات التي غيرت معالم مدينة القدس الشريف ووضعها الجغرافي والسكاني والتاريخي هي إجراءات باطلة أصلاً ويجب إلغاؤها وفقاً لقرارات مجلس الأمن ذات العلاقة.
(5) يدعو بإلحاح إسرائيل القوة المحتلة إلى التقيد بهذا القرار وقرارات مجلس الأمن السابقة والى التوقف عن متابعة السياسة والإجراءات التي تمس معالم مدينة القدس الشريف ووضعها.
(6) يؤكد مرة أخرى تصميمه في حال عدم تقيد إسرائيل بهذا القرار على دراسة السبل والوسائل العملية وفقاً للأحكام ذات العلاقة الواردة في ميثاق المم المتحدة لضمان التنفيذ الكامل لهذا القرار.
** ثم أصدر المجلس قرار رقم 478 بتاريخ 20 أغسطس 1980 يعلن فيه عدم الاعتراف بالقانون الأساسي بشأن القدس ودعوة الدول إلى سحب بعثاتها الدبلوماسية منها جاء فيه:
إن مجلس الأمن إذ يذكر بقراره 476 (1980) المؤرخ في 30 حزيران/ يونيو 1980 إذ يؤكد مجدداً أنه لا يجوز الاستيلاء على الأرض بالقوة.
وإذ يساوره القلق العميق بشأن المصادقة على "قانون أساسي" في الكنيست الإسرائيلي يعلن إجراء تغيير في معالم مدينة القدس الشريف ووضعها مع ما له من مضاعفات على السلام والأمن.
وإذ يشير إلى أن إسرائيل لم تتقيد بقرار مجلس الأمن 476 (1980) وإذ يؤكد مجدداً تصميمه على دراسة السبل والوسائل العملية وفقاً للأحكام ذات العلاقة الواردة في ميثاق الأمم المتحدة لضمان التنفيذ الكامل لقراره 476 (1980) في حال عدم تقيد إسرائيل:
(1) يلوم أشد اللوم مصادقة إسرائيل على "القانون الأساسي" بشأن القدس ورفضها التقيد بقرارات مجلس الأمن ذات العلاقة.
(2) يؤكد أن مصادقة إسرائيل على "القانون الأساسي" تشكل انتهاكاً للقانون الدولي ولا تؤثر في استمرار انطباق اتفاقية جنيف الرابعة الموقعة في 12 آب/ أغسطس 1949 والمتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب على الأراضي الفلسطينية وغيرها من الأراضي العربية التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967 بما في ذلك القدس.
(3) يقرر أن جميع الإجراءات والأعمال التشريعية والإدارية التي اتخذتها إسرائيل القوة المحتلة والتي غيرت معالم مدينة القدس الشريف ووضعها واستهدفت تغييرها خصوصاً "القانون الأساسي" الخير بشأن القدس هي إجراءات باطلة أصلاً ويجب إلغاؤها.
(4) يؤكد أيضاً أن هذا العمل يشكل عقبة جدية أمام تحقيق سلام شامل وعادل ودائم في الشرق الأوسط.
(5) يقرر عد الاعتراف بـ "القانون الأساسي" وغيره من أعمال إسرائيل التي تستهدف نتيجة لهذا القرار، تغيير معالم القدس ووضعها، ويدعو جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلي:
(أ ) قبول هذا القرار:
(ب ) دعوة الدول التي أقامت بعثات دبلوماسية في القدس إلى سحب هذه البعثات من المدينة المقدسة.
(6) يطلب إلى الأمين العام تقديم تقرير إلى مجلس الأمن حول تنفيذ هذا القرار قبل 15 تشرين الثاني/ نوفمبر 19801:
(7) يقرر متابعة هذا الوضع الخطر.
وقد تبنى هذا القرار التاريخي جميع أعضاء مجلس الأمن باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية التي امتنعت عن التصويت.

انتهى عرض الموضوع