هذا القسم (مترجمون ومبدعون يستحقون التكريم) وكافة منتديات (واتا) خلت من ترجمة لأحد أكبر عمالقة الترجمة والموسوعيين في العالم العربي، وهو الأستاذ منير البعلبكي -رحمه الله- ، ومن منا لم ينهل من (مورده) أيام الدراسة وبعد التخرج ؟!
عرفاناً وتقديراً لهذا الرجل وإنجازاته العظيمة نضع بين أيديكم ترجمة مختصرة عنه، كما وردت في الموسوعة العربية، المجلد الخامس:


منير البعلبكي (*)
(1918 ـ 1999)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ

منير البعلبكي مترجم وموسوعي ولغوي وصحفي وناشر وأحد مؤسسي دار العلم للملايين في بيروت.
ولد في بيروت، في أسرة بيروتية مرموقة، انتقل أحد أجدادها من مدينة الشمس بعلبك إلى العاصمة اللبنانية، فاشتهر باسم البعلبكي. تلقى دراسته الابتدائية في كلية المقاصد الإسلامية في بيروت، ثم انتقل إلى القسم الاستعدادي في الجامعة الأمريكية، وبعد أن نال منه الشهادة الثانوية التحق بالجامعة نفسها، وتخرج فيها عام 1938 بشهادة بكالوريوس علوم في الأدب العربي والتاريخ الإسلامي، وقد تولى في أثناء دراسته فيها رئاسة تحرير مجلة «جمعية العروة الوثقى» التي أسسها طلاب الجامعة المذكورة، وكان من أساتذته في الجامعة أنيس الخوري المقدسي، وجبرائيل جبور، وقسطنطين زريق.

عُين بعد تخرجه أستاذاً للأدب العربي والتاريخ الإسلامي في القسم الاستعدادي بالجامعة الأمريكية وظل في هذا المنصب مدة عامين، وأشرف في الوقت نفسه على الجمعية العربية الخطابية في ذلك القسم، وهي جمعية كانت تُعنى بشؤون الخطابة وتدريب الطلاب عليها.

انتسب عام 1940 إلى حزب النداء القومي السري، وفي هذه المدة انتُدِب ليكون أستاذاً في دار المعلمين الابتدائيين في بغداد، بتزكية من قسطنطين زريق، ثم في كلية الملك فيصل في الكاظمية ببغداد.

في عام 1941 حصلت ثورة الزعيم العراقي رشيد عالي الكيلاني على الإنكليز، فحمل السلاح مع الطلاب، وارتدى ثياب الفتوّة، وقصد مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني الذي كان يقيم في بغداد، وعرض عليه رغبته في التطوع في الجيش، ولم تطل المعركة، فغادر بغداد مع عدد من المدرسين اللبنانيين عائداً إلى بيروت.
لم يوفق بعد عودته إلى بيروت في إيجاد وظيفة، فقصد دمشق، وعمل مدرساً في الكلية العلمية الوطنية لصاحبها أحمد منيف العائدي، ثلاث سنوات، عاد بعدها إلى بيروت، وبدأ التدريس في كلية المقاصد الإسلامية، وفي كلية البنات الأهلية في وقت واحد، كما اضطر إلى التدريس في مدرسة أحمد العيتاني الليلية ليواجه الضغوط المادية التي كان يعانيها.
في عام 1945 ترك التدريس نهائياً، واختار أن يمتهن نشر الكتب وإصدارها، فأنشأ مع أخويه عفيف ومحمد ومع بهيج عثمان، مؤسسة «دار العلم للملايين» التي كانت، ولا تزال، مؤسسة رائدة في عالم النشر، وإحدى كبريات دور النشر العربية وأرقاها وأوسعها انتشاراً، كما أنشأ عام 1953 مجلة «الآداب» بالاشتراك مع سهيل إدريس وبهيج عثمان، لكن سهيل إدريس ما لبث أن استقل بها وحده عام 1956.

انتخب عام 1982 عضواً في مجمع اللغة العربية في القاهرة، وممثلاً للبنان فيه، وقد حضر جميع مؤتمراته السنوية، وأسهم في تعريب الكثير من المفردات والمصطلحات الأجنبية التي أخذت طريقها إلى التداول فيما بعد، من دون أن يعرف أحد أن واضعها هو منير البعلبكي.

نال عدة جوائز منها: جائزة جمعية أصدقاء الكتاب، وجائزة سعيد عقل، وجائزة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، وجائزة الناشرين العرب، وشارك في عدد من الهيئات الثقافية والجمعيات الفكرية، منها اتحاد الكتاب اللبنانيين، وجمعية أصدقاء الكتاب وغيرهما.

كانت حياته حافلة بالمواقف الوطنية الحازمة، والثوابت القومية الصائبة، والإسهامات العلمية المتميزة، وقد دافع عن العرب والعروبة، وفضح أضاليل الصهيونية ومخططاتها، وبذل أقصى التضحيات في سبيل المبدأ والحرية والكرامة، وقد ظل دائباً على العمل، يعمل يومياً اثنتي عشرة ساعة بلا انقطاع، حتى صرعه المرض فعاش في غيبوبة تامة مدة سنة وسبعة أشهر، إلى أن توفي في التاسع عشر من حزيران عن واحد وثمانين عاماً.

بعد أن عمل البعلبكي عشرين سنة في الترجمة، اتجه إلى التأليف المعجمي والموسوعي، فأصدر عام 1967 معجم «المورد» (إنكليزي ـ عربي)، وقد عمل فيه سبع سنوات متواصلة، وطُبع حتى سنة 2001 خمساً وثلاثين طبعة، ثم أصدر بعده «موسوعة المورد» التي بدأ العمل فيها عام 1970 وجاءت في أحد عشر مجلداً، واستغرق في تأليفها ثلاثة عشر عاماً، واصلاً الليل بالنهار والنهار بالليل، وهي موسوعة عامة تنتظم مختلف المعارف الإنسانية، وتُعَد وسطاً بين الموسوعات فلا هي موجزة حتى الإخلال، ولا هي مطوّلة حتى الإملال، وكانت الغاية منها تطوير معجم المورد وإغناءه، وشرح مفرداته العلمية والفنية، والتوسع في تقديم معلومات عن الأعلام والأماكن وغيرها ولم يكتفِ بهذه الموسوعة بل أصدر أيضاً عام 1990 موسوعة عربية ثانية في أربعة مجلدات.

ترجم عن الإنكليزية أكثر من مئة كتاب اتسمت كلها بطابع الدقة والضبط والمسؤولية وسمو البيان، حتى عدّه النقاد شيخ المترجمين في العصر الحديث ومن أهم مترجماته: «البؤساء» Les Miserables لفكتور هيغو V.Hugo في خمسة مجلدات، و«قصة تجاربي مع الحقيقة» The Story of My Experiments with Truth للمهاتما غاندي M.Gandhi، و«تاريخ الشعوب والدول الإسلامية» Geschichte der Islamischen Volker und Staaten لبروكلمان C.Brockelmann، و«قصة مدينتين» A tale of Two Cities لتشارلز ديكينز Ch. Dickens، و«كوخ العم توم» لهارييت بيتشر ستاو، و«وداعاً للسلاح» Farewell to Arms، و«الشيخ والبحر» The Old Man and the Sea و«ثلوج كلمنجارو» The Snows of Kilimanjaro لإرنست هيمنغواي E.Hemingway، و«روّاد الفكر الاشتراكي»A History of Socialist Thought للبريطاني كول G.D.Cole، و«كيف تفكر» لجبسون، و«العقب الحديدية»The Iron Heel لجاك لندن J.London، و«العرب: تاريخ موجز» History of The Arabs لفيليب حتي PH. Hitti إضافة إلى بعض آثار شتاينبيك J.E.Steinbeck وكالدويل E.Caldwell وغيرها.



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
* عيسى فتوح
مراجع للاستزادة:
ـ جهاد فاضل، مجلة العربي العدد 417 (الكويت آب 1993).
ـ زهرة حمّود، مجلة البناء العدد 775 (2/3/1991).
ـ روحي البعلبكي، جريدة السفير، العدد 8325 (19/6/1999).