إن إثبات اختصاص الكائن البشري باللغة قد احتاج ـ زيادة على الحجج العقلانية لديكارت وميرلوبونتي ـ إلى البحث في الخاصيات الذاتية للكائن اللغوي . وقد وجد أندري مارتنيه أن أهم هذه الخواص هي نظرية التمفصل المزدوج حيث قال :(كل خطاب لغوي ينميز بمستويين : الفونيمات ، أصغر وحدة صوتية ، والمونيمات ، أصغر وحدة لها معنى ) . ويضيف قائلا :( إن لفظة لغة يجب أن يحتفظ بها للدلالة على كل أداة التواصل المتلفظ بها ازدواجيا) . وبذلك يكون مارتينيه قد فصل بين اللغة البشرية وبين أشكال التعبير الأخرى . واساس هذا الفصل هون التمفصل المزدوج .
ويمكن أن نقول بأن هذه النظرية تدخل في إطار الاهتمام اللساني بمسألة التقطيع على مستوى الدال . وقد مرت هذه المسألة بمرحلتين : مرحلة اهتم فيها المحللون الفونولاوجيون بتقطيع الدال إلى وحدات غير دالة وهي الفونيمات ، ووحدات دالة هي المونيمات وهذا هو ميا سماه بالتمفصل المزدوج .أما في المرحلة الثانية فقد اقترح أن تقطع الوحدات الصوتية نفسها إلى خصائص أو صفات صوتية وهي ما يسميها جاكوبسون بالسمات المميزة
مصطلح التمفصل
مصطلح التمفصل قديم نسبيا يعود إلى مبدع اللسانيات الحديثة دووسوسير الذي رأى أن التمفصل يعني أن نجزئ اللغة إلى مقاطع أو وحدات دالة . لكنه أخذ بعده العلمي مع مارتيني الذي رأى أن اللغة تتمفصل تمفصلين اثنين . فكل الوحدات اللغوية تتكون من صنفين من الاوحدات :
ـ وحدات لها دلالة وشكل صوتي
ـ وحدات متميزة لها شكل صوتي ولكن ليست لها دلالة في حد ذاتها .
لتوضيح ذلك ذلك نأخذ العبارة التالية : j'ai mal à la tête . هذه السلسلة الكلامية نحتوي على ستة وحدات دلالية وهي على التوالي :j – ai – mal – à – la – tête . وهذا هو ما يسمى بالتمفصل الأول للكلام البشري .
وكل وحدة من هذه الوحدات يمكن أن تحلل إلى هدد كبير من الوحدات المتميزة : فالوحدة الدلالية mal مثلا تحلل إلى ثلاث وحدات متميزة :m/a/l . وهذا ما يسمى بالتمفصل الثاني . فهذه الوحدات المتميزة لها شكل كلامي صوتي ، ولكن ليس لها دلالة في حد ذاتها . كما أن عددها جد محدود بالنسبة لعدد العلامات لنفس اللغة .
ومن المعلوم أن الوحدات الدلالية هي التي تعرف تحت اسم العلامات اللسانية . فمعناها هو المدلول وشكلها هو الدال . ففي المثال السابق كل علامة من العلامات الستة توافق ما يسمى عادة بالكلمة . ولكن كلمة مثل (travaillons) تحتوي على علامتين . وكل واحدة من هذه العلامات لها معناها على الشكل التالي : مفهوم العمل travailler، وضمير الجمع ons ، . في حين أن الوحدات المتميزة المستخلصة أعلاه تسمى بالفونيمات .
فالوحدات الدالة والفونيمات هي وحدات متتالية بحيث إن مكانتها في السلسلة الكلامية لها قيمة دلالية وتمييزية .