مقتطف من مقالات الفلسفة الأمنية .
بقلم البروفيسور: أوري ميليشتاين .
ترجمة: حسام عبد الرحمن تلاحمة





هازمون ومهزومون


من معركة عمواس حتى حرب لبنان الثانية: هازمون ومهزومون


لا يعود التاريخ بنفسه باستثناء بعض الأحداث، وبمفهوم آخر هو لمرة واحدة. هنا نفهم أساسيات بواسطتها نتعقب أخطائنا مرة أخرى، وعندما نتعقب نفهم و نستخلص العبر.
نحن نتكلم عن قوانين وأساسيات من ناحية أن البشر يتعلمون من العبر التي يستخلصونها من الحروب، ولكنهم يتعلمونها بطريقة سطحية وليس من الجذور التي تقوم عليها تلك العبر، هم لا يفهمون تركيبة الجيش والحرب وقواعدها وأساسياتها.

جيوش مهزومة ومقهورة، في نفس الطريقة والأسلوب, وفي نفس المراحل التي هَزموا فيها أعدائهم في الماضي.

هذا قانون التناسق والتناظر في التاريخ العسكري، أمثلة على ذلك:
1. هَزم أبونا إبراهيم جيش ملوك الشمال في شمال دمشق قبل 4000 سنة, باستخدام نظام حرب العصابات والذي كان يتكون من 318 رجل. (سفر التكوين)، وبعد 4000 سنة هزمت قوة قليلة من حزب الله في نفس المكان وبنفس الأسلوب "نظام العصابات" جيش الدفاع الإسرائيلي الكبير والمدجج.
2. هَزم سيدنا موسى جيش الإمبراطورية المصرية قبل 3300 سنة خلال عبور البحر وبعد 3300 سنة في أكتوبر 1973 هزم المصريون الجيش الإسرائيلي بنفس الأسلوب وفي نفس المكان في عبور قناة السويس.

في هذه الأحداث هزم النظام العسكري الضعيف والفقير النظام العسكري القوي والغني والمدجج أكثر من أي جيش آخر وكانت كل القوة نحو الخذلان.

أنظمة مدججة تتوجه نحو الانهيار في لحظة الحسم الأخيرة وانهيار الأنظمة المتفوقة هو قانون تاريخي لم تستطيع أي دولة عظمى التغلب عليه ومثال ذلك الدولة الفارسية القديمة، وروما القديمة، والدولة الإسلامية في العصور الوسطى، وفرنسا زمن نابليون وألمانيا النازية والاتحاد السوفيتي في أيامنا.
وفي هذا المقال نستذكر المفاهيم العسكرية التي حدثت مع يهودا مكابي في لحظة الحسم ضد الإمبراطورية السلوقية في عمواس في سنة 165 ق.م وفي فشل مراحل الحسم العسكري الذي استخدمها الجيش الإسرائيلي ضد حزب الله في 2006.


دين الله ودين الجيش

كل حرب هي حرب عقائدية، والشيء الأساسي الاعتقادي و هو الدين.
في عمواس قاتل جيشين ذوي ثقافة دينية مختلفة وغير مترابطة , كانت الدولة السلوقية صاحبة ثقافة هلينستية ومع كل الاختلاف نستطيع أن نلقبها بالمتحللة .ومن أهم المميزات التحللية الهلينستية من ناحية عسكرية كان لها جيش نظامي ومتخصص وصاحب قدرة عالية وذو تنظيم مرتب وصاحب عقيدة قوية مبلورة حسب ميراث الكسندر المقدوني.
هذا دين الجيش وإن متبعيه مؤمنون بأن القادة الكبار يتمتعون بالحكمة العالية والتي تؤكد على الحفاظ على حياة المقاتلين وتمنحهم حوافز تمكنهم من الحصول على رغباتهم وتحقيقها، هذا الاعتقاد كان نقطة ضعف الجيش السلوقي ولأغلب الجيوش في التاريخ ولأن قادتهم كانوا يتوقعون بأن انتصارهم مؤكد بأي شكل كان وعن طريق الآلهة ،مقاتليه لم يستطيعوا أن يتقبلوا الفشل وبأن الآلهة لا تنتصر وذلك يدل على أن القادة قادوهم نحو الطريق الخاطئة.
والفشل في المعركة تأثيره بالنسبة للدين ضياع الآلهة وانهيار العقيدة ،وبدون عقيدة لا يوجد عمل عسكري والجيش يفشل، ومن ناحية ثانية في خلال قيادة يهودا مكابي كان هناك وحدات غريلا (عصابات) وبدون تنظيم ولا ترتيب وقليلة الخبرة ومع إيمان بالله بأنهم سينتصرون والهزيمة محالة.
فرق آخر في دين الجيش التحللي في نفس الوظيفة يكتسب المجند وصف رجل عسكري صاحب مؤهلات وحتى لو كان هو غير مؤهل لذلك وهناك كثير من العسكريين والمشهورين في التاريخ بلها وعديمي المسؤولية, وفي اليهودية على العسكري أن يكون مؤهل في حرب العصابات ليثبت نفسه بأنه استحق لقب العسكري وهذا ما حدث مع يهودا مكابي في معركة عمواس، لا تؤمن الجيوش بقادتها عندما يفشلون الفشل تلو الفشل.

بعد 2170 سنة تبدلت الأحوال والإسرائيليون بنو جيش نظامي ومتقن وغني بالتكنولوجيا ويؤمن بنفسه كإيمانه بالدين، والإسرائيليون آمنوا بأنهم دائماً منتصرون لأنهم أصحاب قدرة عسكرية حسب ما أثبتت ذلك حرب الأيام الستة بأن كل القوات العربية لم تستطيع أن تقف مقابل الجيش الإسرائيلي ولم يكن يتبنى العرب حرب العصابات في ذلك الوقت، والقادة العسكريون للجيش الإسرائيلي اهتموا بتطوير مصالحهم الشخصية والسياسية على حساب تطوير مهنيتهم واعتقدوا بأن الجيش النظامي الإسرائيلي قادر على صد أي عدو، وهم رفضوا قراءة( الكتابة المكتوبة على الحائط) لم يفهموا الحقيقة منذ حرب الستة أيام على الأقل، وفي خلال 40 سنة لم يصد العدو فقط بل ونال أهدافه من الحروب ،ومن ناحية أخرى إن تلك الأهداف التي نالها العدو كانت محددة حيث استطاع قادة الجيش بالادعاء بأن إقامة الدولة تثبت تفوق الجيش وعدم إبادة الدولة.
ولذلك وصلنا لحرب لبنان الثانية وفي وضع نفسي واستراتيجي ،والذي وصل إليه السلوقيين لمعركة عمواس، وفي الجهة المقابلة وصل تنظيم حزب الله لحرب لبنان الثانية بمقاتلين أصحاب خبرة في حرب العصابات ومع عقيدتهم القوية التي تؤمن بالله وأيضاً لأنهم هزموا الجيش الإسرائيلي في حرب الشريط الأمني وطردوهم من لبنان بدون أي شرط، ومنذ هروب الجيش الإسرائيلي من الشريط الأمني في سنة 2000 طالب قادته بالانتقام وإرجاع الهيبة المفقودة لأنفسهم وفي صيف 2006 كان لهم ولنا مفاجأة مريرة.

الحكمة العسكرية عن يهودا مكابي

في المئة الثانية قبل الميلاد، اجتاح خطر الانقراض القومي والديني على يهود بلاد إسرائيل, في أعقاب الدمج الكامل مع سوريا السلوقية وبثقافتها الهلينستية- الإحلالية العسكرية، ومن أجل إقامة وحدة دينية وقومية كان على اليهود بأن ينالوا استقلالهم، وفي أحداث ثورة المكابين التي بدأت في النصف الثاني من المئة الثانية قبل الميلاد، جاءت سلسلة من الحملات العسكرية ومعارك حصل جزء منها على جبل بنيامين في البلاد وفي المنحدرات الغربية في منطقة بنيامين وفي إحصاء معارك المكابيين أخطئ كل الباحثين في وصف معاركهم وذلك بسبب التشخيص الغير صحيح (للطرق المرتفعة) التي عبرتها الجيوش وعدم اهتمام الباحثين بالآثار، التشخيص الخاطئ لمراحل المعركة هو أحد مميزات الثقافة الأمنية والتي تؤدي إلى تساقط المجتمع الإسرائيلي والأكاديمية في إسرائيل ونتيجة لهذه الثقافة جاء في يداي هذه التعبير في حرب لبنان الثانية.
في خريف سنة 165 ق.م نفذ يهودا المكابي مرحلة حسم عسكري استراتيجي وليس فقط بأنه أكد لليهود استقلال في بلاد إسرائيل بالرغم من معارضتها الشديدة للإمبراطورية السلوقية، وإنما مكن النصارى الأوائل للعمل كيهود في بلاد إسرائيل وكمائة وخمسين سنة بدأ مرحلة السيادة اليهودية ومن خلال طغيان الديانة المسيحية على عالم الأصنام وسيادة المسيحية على ثقافة الغرب، مرحلة الحسم العسكري حدثت في الأساس في معركة بين يهودا المكابي وبين الجيش السلوقي في أرض السهل وفي غرب مدينة عمواس بين القرية العربية المهجورة يالو التي في( كنده) اليوم, وبين اللطرون وكان عدد الجيش السلوقي 40000 مقاتل من المشاة و7000 فارس وعلى الرغم من ذلك هزم الجيش على يد عصابات صغيرة.
وكان مكان تجمع الجيش السلوقي بقيادة جورجياس كان على جانب مدينة عمواس، يهودا ركز في محيط منطقة النبي صموئيل وكان قوات جورجياس منظمة ومرتبة ومجهزة بالوضع اللوجستي ولم تكن مرنة الحركة، كان يهودا وقواته يعيشون في القرى اليهودية لذلك كانوا مرني الحركة واستطاعوا التنسيق ما بين العمليات والظروف المتاحة وكان لكلا الطرفين معلومات استخبارية وكل منهم يعمل على الآخر جورجياس علم مكان يهودا وقواته والجدير بالذكر بأن نذكر بأن يهودا اختار قاعدته في النبي صموئيل المنطقة المرتفعة كثيراً في منطقة بنيامين وذلك ليصعب على جورجياس وقواته للوصول إليه ،وعلى رأس قوة مختارة تبلغ 5000 مقاتل من المشاة و1000 فارس خرج جورجياس في الليل للنبي صموئيل لكي يهاجم عن طريق المفاجأة يهودا وقواته ويعمل على إبادتهم وجاء جورجياس إلى معسكر يهودا في الليل ولم يجد أي شخص وبحث عنهم في الجبال ولم يعرف جورجياس بأن يهودا نصب له مصيدة.
وكانت المعلومات الاستخبارية ليهودا أفضل، ولم يتسلم يهودا معلومات فقط عن مكان ومراحل مسير السلوقيين وبل عن نيتهم. وعلى ما يبدو أن يهودا وضع جواسيس ومخبرين في معسكر جورجياس ومكتوب في سفر المكابيم بأن متجولين محليين قاموا بنقل قوات جورجياس في الجبال وفي مواقع غير معروفة لديهم ومن الجدير ذكره بأنهم أبلغوا يهودا عن برنامج الحملة العسكرية.
ولذلك قام يهودا بتحديد عملياته حسب المعلومات ولقد قام بإعفاء أغلب المتطوعين اليهود، وأرسلهم لبيوتهم "مثلما عمل جدعون قبله وفي حربه مع المديانين".
وخرج في نفس الليلة ليهاجم القاعدة العسكرية السلوقية الموجودة في عمواس مع قوة مختارة تتكون من ثلاثة آلاف مقاتل، وفي القاعدة في عمواس كانوا في نفس الساعة أكثر من ثلاثين ألف جندي مؤهل عسكري.
وكان الظن بأن ثلاثة آلاف جندي على شكل حرب عصابات لا يحسمون المعركة ولا يهزمون السلوقين، وعندما ذهب جورجياس لبحث عن يهودا في الجبال، هاجم يهودا قاعدة جورجياس مع الفجر وربما أن القادة والمقاتلين الجيدين فقدوا منه، ولكن أغلب الجيش مكث معه.
وبهذه اللحظة القوية لا يمكن ليهودا بأن ينتصر بدون أن يكون له معلومات استخبارية كاملة عن نية العدو وعن طرقه ووسائله وبدون الحكمة العسكرية الموجودة عنده والتي مكنته من فهم المتغيرات التي وضعت أمام جورجياس، وأيضاً ليستغل الأرض بشكل جيد، وقوة روح يهودا وقواته مكنته من تحقيق ذلك.
وعندما خرج جورجياس من عمواس للنبي صموئيل علم يهودا بالأمر وهو خرج له، وحسب كتاب المكابيم وصل جورجياس ويهودا لأهدافهم بواسطة أقدامهم، وفي ليلة واحدة صعوداً إلى المرتفعات وفي بيت حورون وفي طريق قوبيبية ووهي في أيامنا بدو، وفي خلال مطاردة يهوشع بن نون وراء ملوك يابوس بامتداد عشرين كيلو متر, يهودا وقواته مشوا إلى بيت تول حتى منطقة استعدادهم وفي عين حيله بامتداد اثنان وعشرين كيلو متر، وهذه المسافات التي يمكن عبورها في ليلة واحدة، جورجياس ويهودا ذهبوا بطرق متقابلة مع بعضهم وجهاً لوجه.
وكانت المسافة بينهم بشكل دقيق 150 متر وبالرغم من مهنية جورجياس لم يشعر بالكمية والخطر المحيط به.
وفي عين حيلة هاجم يهودا وقواته مع الفجر معسكر السلوقيين وفاجئوا عدوهم وقهروا روحهم وهزموهم. والسلوقيين تركوا القاعدة وهربوا باتجاه اشدود وينبا وعندما رجع جورجياس من النبي صموئيل ووقف على الجبل رأى بأن المعسكر محروق ومدمر وهو أيضاً هرب من ساحة المعركة مع قيادته وبعض قواته وكان هروبه مع روح قتالية واهنة، وبالرغم بأن أغلب قواته بقوا على قيد الحياة إلا أن جورجياس لم يعد تنظيم قواته لضرب يهودا ورجع لسوريا. الجيش السلوقي لم يباد لكنه فشل في أن ينال هدفه.
عندما يكون هناك جيش نظامي كبير ويفشل في أن ينال أهدافه في ساحة الميدان مقابل عصابات صغيرة معنى هذا هو هزيمة الجيش النظامي، مع العلم بأن هدف الجيش النظامي هو الحسم وهدف العصابات هي أن لا تكون مهزومة وان تضعف الجيش النظامي.
هكذا وبقوة عصابات قتالية صغيرة وبحكمة عسكرية نجح يهودا المكابي أن يهزم جيش نظامي كبير أكبر من جيشه ولينال أحد الانتصارات الكبيرة والمؤثرة في التاريخ العسكري.
وإذا كان مهزوماً ليس فقط لن تقوم دولة المكابيين وأيضا المسيحية لن تكون قد أتت للعالم، معركة عمواس تثبت بأن لا ننال أهداف قومية بدون دعم القطاع العسكري.

إقامة حزب الله

بعد ألفين ومائة وتسعين سنة اختلفت المخلوقات، الجيش الإسرائيلي أصبح يبلغ نصف مليون جندي نظامي واحتياط ويمكن أن يجهزوا وفي غضون يوم على حدود لبنان، مقابل هذا في الشمال لا يوجد مسافة بين العاصمة السلوقية ومكان عمل حزب الله، حزب الله الذي يبلغ عدده خمسة آلاف جندي مقاتل وعشرة آلاف مساعد، والجيش الإسرائيلي يملك وسائل قتالية أكثر حداثة من الأسلحة التي بيد حزب الله ،وحزب الله لا يملك سلاح جو ولا يملك سلاح مدرعة ولم يكن في 2006 عند حزب الله سلاح ضد الطيران.
مثل المكابيين في المائة الثانية قبل الميلاد والذين طلبوا أن يطردوا السلوقيين من أرضهم.
هكذا قام حزب الله في سنوات الثمانينات للمائة العشرين بعد بداية حرب لبنان الأولى، من أجل طرد الجيش الإسرائيلي من بلادهم وأيضاً في عام 1970 بعد ما أن طردوا التنظيمات الفلسطينية من الأردن في أيلول الأسود.
قام الجيش الإسرائيلي بربط مليشيات مسيحية وسيطر على الشريط الأمني في جنوب لبنان، حينئذ قاتل التنظيمات الفلسطينية ولم يقوم بعمل حسم عسكري لهم ولم ينجح ولذلك بادر بمرحلة لحسم عام 1982، وحتى الآن التنظيمات الفلسطينية فاعله وحتى في بلاد إسرائيل ومرحلة الحسم الفاشلة أدت إلى نشوء تنظيم خطير جداً وهو حزب الله، الهدف الأول الذي حققه حزب الله مع التنظيمات اللبنانية قتل الرئيس اللبناني الداعم لإسرائيل بشير جميل ونفذ عمليات في جنود المارينز الأمريكيين وجنود كوماندو فرنسيين وعمل على طردهم من البلاد.
وقام بطرد الجيش الإسرائيلي من الجنوب وفي مرحلة طويلة ومؤلمة وفي سنوات التسعين أدار حزب الله حرب الشريط الأمني بينه وبين والجيش وكانت يد حزب الله هي المتفوقة، وفي نهاية العقد في سنة 2000 هرب الجيش الإسرائيلي، من الشريط الأمني مثلما هرب جورجياس وقواته من عمواس، أخطأ الإسرائيليون بأنهم وصفوا الهرب من لبنان بالهدف الاستراتيجي والذي سيؤدي إلى هدوء في الجليل، هذا كان الخطأ الكبير لرئيس الحكومة ووزير الدفاع وقائد هيئة الأركان السابق أهود باراك.
وأيضاً حزب الله والفلسطينيين تعلموا من هذه الرسالة وعملوا على تزويد إسرائيل بأهداف كهذه وفي أعقاب التجربة في لبنان، الفلسطينيون فتحوا انتفاضة الأقصى وضربوا الجيش في قضية قبر يوسف البارزة في موقف أهود براك حتى أحداث محور فيلادلفيا، حيث فشل رؤساء الأجهزة الأمنية في ذلك.
أيضاً الجيش أعطى الفلسطينيين أهداف وهرب من جوش قطيف وحزب الله حضر نفسه في خلال ستة سنوات للحرب القادمة ومرة واحدة تحدى الجيش الإسرائيلي وليثبت بأن الجيش غني قادر في التحدي في مثل هذا الحدث خطف جنود.

الجيش يعاود على أخطائه


حتى اندلاع حرب لبنان الثانية وفي نصف عام 2006 عاد رؤساء الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، على كل الأخطاء التي ارتكبها السلوقيين وأضافوا أخطاء جديدة من أجل أن يؤكدوا الهزيمة المؤكدة.
1. أعلن الإسرائيليين بأن حزب الله هو تنظيم إرهابي وهو معروف بأنه تنظيم عصابات ومتطور كجيش نظامي والذي وصفه باحثين أمريكيين بالجيش المتميز في الوطن العربي، تنظيم إرهابي لم يقاتل كجيش نظامي في ساحات المعركة، وتنظيم يعتمد حرب العصابات وهدفه هزم جيش نظامي يحاول زعزعته. ومن أجل هزم تنظيم يعتمد على حرب العصابات ليس العمل على زعزعته ولا مقاتلته بل دراسته حتى الحرف الأخير.
2. لم يعملوا على تطوير أسلوب مقاتلة حرب العصابات ولم يقيموا وحدات خاصة متخصصة في قتال العصابات وهم قدروا بأن الوحدات العادية للجيش قادرة على مقاتلة حرب العصابات بشكل جيد وأيضاً لمواجهة جيش نظامي. وهم غضوا البصر عن حقيقة بأن الوحدات العادية للجيش فشلوا بحروب ضد جيوش نظامية في حرب يوم الغفران واستخلاص العبر من هذا الفشل لم يؤخذ بالحسبان.
3. قدروا بأنه عندما يهاجمون مقاتلي حزب الله بأن مقالتيه سوف يفرون بأنفسهم كما هرب الفلسطينيين عندما هوجموا وجهاً لوجه.
4. غضوا البصر عن هزيمة حزب الله لهم في الشريط الأمني في سنوات التسعين ولم يستخلصوا العبر من تلك الحرب.
5. كان عندهم معلومات عن حزب الله وعن تحضيراته ولكنهم لم يفهموا تأثيرها.
6. وفي حرب الشريط الأمني تعلم مقاتلي حزب الله بأن الإسرائيليين ليسوا جاهزين بأن يضحوا بأنفسهم ولا بحياة إنسان منهم في الحرب، لذلك خطط الإسرائيليين بأن تكون الحرب مستمرة ولمدة ستة أسابيع حزب ضد حزب الله.
7. قدر الجيش بأن حزب الله يفشل في أن يقوم بأعمال عسكرية بعد يومين من الضربات الجوية، ومن هنا كانت الجبهة الداخلية الإسرائيلية معرضة بأن تعاني من ضربات كاتيوشه وصواريخ ليس أكثر من 48 ساعة.
8. توقع الإسرائيليين بأن صواريخ حزب الله لن تكون بمدى كبير وبدقة وقدرة على التسيير وقدروا بأن الجبهة الداخلية الإسرائيلية سوف تستوعب مثل هذه الأشياء بسهولة.

الاضطرار للحرب
حرب لبنان لم تبدأ بخطأ، ولم تكن ردا سريعاً أو فورياً على خطف الجنديين.
إذا أدرك رئيس الحكومة ووزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان بأنه في حادث الاختطاف قد تبين هناك فشل خطير في مهمة الجيش وكان عليهم على الأقل بأن يعرفوا بان هذا الفشل سوف ينكشف في الحرب، وأيضاً من أيام حرب يوم الغفران الجيش الإسرائيلي هو جيش مهني ويعمل بطريقة بعد النظر ورؤية المستقبل، وحسب هذا الفشل بأنه لأحداث محليه ولم تأخذ قيادة الجيش عبره من ذلك، والحرب تثبت لنا بأنهم أخطئوا.
وبشكل مخالف لما فعله يهودا المكابي والذي الذي قدر وعرف قدرة قواته وخرج لحرب عمواس،وهذا الشيء الذي لم تفعله قيادة الجيش في حرب 2006ولم تعرف الشيء الذي كان ينقصه، يهودا المكابي لم تضايقه شكوى في المحكمة العليا أو وسائل الإعلام أو الأبرياء ولم يكن عنده إلا هدف واحد وهو بأن ينال مراده وبأن يهزم العدو وربما ليهودا ولأبناء عائلته كان هناك مواجهة مع الدين والمؤسسة الدينية ورجال الدين، وخوفاً من حرب مكشوفة ضد الحكام السلوقين رأى في المكابيين متطرفين وخطيرين، وهذه المواجهة أجبرت يهودا بأن يعمل جهد كبير بأن ينجح في ساحة الميدان.
ودولة إسرائيل وصلت لحرب لبنان الثانية مع اضطرار حرج وحاسم، من جهة بأنه ممنوع أن يقتل أي جندي إسرائيلي لأن هذا ممنوع في الثقافة الإسرائيلية والصهيونية، واليوم أي جندي مقتول لا يساوي الوصول إلى مهمة عسكرية، وممنوع قتل لبنانيين أبرياء أي أشخاص غير مسلحين، مع اضطرارات كهذه كان فشل الجيش متوقع، قادة الجيش لم يفهموا هذا وخططوا للحرب على أساس ذعر نفسي ،هم توقعوا بأن هدم بيوت في بيروت وهدم منشآت في كل أنحاء الدولة يؤدي بمقاتلي حزب الله إلى ذعر وخوف وهذا يؤدي إلى فشلهم في القتال، وحينئذ يدخل للبنان الوحدات البرية للجيش, و بحذر تقوم هذه القوات بجمع مقاتلي حزب الله والأدوات القتالية التي يملكونها.
هكذا ندير حرب بدون قتلى من كلا الطرفين، ولذلك في حرب لبنان الثانية كان هناك القليل من القتلى في صفوف المقاتلين في كلا الطرفين ولكن الجيش لم يحقق مهمته.
ويبدو بأن قادة حزب الله عرفوا اضطرارات الجيش الإسرائيلي وفي تنسيق لذلك جهزوا أنفسهم للحرب، وعملوا على بناء خنادق في كل مناطق الجنوب اللبناني وخنادق عميقة تحت الأرض ولا يستطيع سلاح الجو ضربها أو الإيذاء بها ,و دربوا مقاتليهم بأن يبقوا داخل الخنادق وبشكل منعزل كل عن الآخر خلال فترة الضربة الإسرائيلية، و تجهزوا بوسائل قتالية فعالة لمقاتلة وحدات المشاة الإسرائيلية وضد سلاح المدرعات وتدربوا على استخدامها وتخفوا داخل السكان المدنيين.
هكذا تحيد سلاح الجو الإسرائيلي قبل بدء الحرب وهكذا يؤكد بأن عدد كبير من الجنود الإسرائيليين سيصابون بضرر بعد الفشل المتوقع لسلاح الجو والدخول المتوقع لوحدات المشاة البرية، نجح حزب الله بأن يسقط بوسائل قتالية بدائية طائرات للجيش، يجب أن نأخذ بالحسبان بأنه في المواجهة القادمة سوف يكون للتنظيم وسائل قتالية ضد الطائرات ومتطورة وسوف يسقط لنا الطائرات، و بغض النظر عن الاضطرارات التي تبينت في حرب لبنان الثانية هنالك فشل في قيادة الجيش الإسرائيلي والمتميز في نظام متقن والموجود في مراحل الانهيار كما كان الجيش السلوقي الذي كان يقوده جورجياس، في حرب يوم الغفران وفي حرب لبنان الأولى النظام اللوجستي للجيش الإسرائيلي لم يعمل بشكل جيد.
وفي حرب يوم الغفران كان هناك إخفاق في القيادة أدى إلى الهزيمة في الجزء الأول من الحرب وفي حرب لبنان الثانية القيادة الواهنة للنظام اللوجيستي يعلمنا بأن الجيش الإسرائيلي لم يستخلص العبر من الحرب ومن فشله فيها ومن المعارك السابقة.
وإن كان غير مؤهل بأن يستخلص العبر فهذا شيء خطير وإذا كان غير مؤهل على ذلك فلن يحصل الجيش على أهدافه القومية وإنما سيجلب خطر أمني محقق على دولة إسرائيل.
في الحربين السابقتين والكبيرتين على المستوى السياسي والمستوى العسكري كان هناك حديث بلغتين مختلفتين اللغة السياسية واللغة العسكرية، لقد عاد الإخفاق الإعلامي في الحرب الأخيرة.
إن جولدا مائير ومناحيم بيغن وايهود اولمرت لم يتعلموا أساسيات اللغة العسكرية، ودافيد اليعيزر ورافاييل ايتان ودان حلوتس لم يدرسوا اللغة السياسية.
قبل أن تأتي الديمقراطية كان الملك هو رئيس الدولة ورئيس الجيش وهذا كان أحد شروط الانتصار المدهش لاسكندر المقدوني وليفردريخ. وفي المائة العشرين فنستون تشر تشل عرف اللغتين وحكم الأميين في جنوب أفريقيا وأيضاً أسامة بن لادن وياسر عرفات كانوا يحكمون باللغتين.
هذه أحد أسباب فشل الولايات المتحدة في فيتنام والعراق, وفشل إسرائيل في أجهزتها الأمنية بعد حرب الأيام الستة ,ويقولون بأنه إخفاق في الاتصال بين القادة في سيناء عام 1973 وانه لم يكن يوجد اتصال بين قائد الجبهة حاييم بارليف والقائد السابق شومئيل جونين "جروديش" وقائد الكتائب ارئيل شارون، وبرن و كان نتيجة ذلك أكثر من 200 قتيل في المعركة وبنفس الشيء يقولون في معارك عين زحلتا وسلطان يعقوب وحرب لبنان الأولى والثانية.
فشل في الاتصال بين القادة تعمق ليصل حتى إلى مستوى قادة وحدات وقادة كتائب في داخل الجيش.
يلاحظ بأن قادة الجيش ليسوا فقط غير مدركين اللغة السياسية وإنما لا يفهم كل منهم الآخر.
عملية المقارنة بين معركة عمواس وحرب لبنان الثانية يدحض إدعاء نابليون (بأن الله يحب الكتائب الكبيرة) وبتفسير موضح لذلك أقيم في مركز القوات المشتركة لسلاح الجو بعد عشرة سنوات من حرب يوم الغفران جلسه ادعى خلالها القائد العسكري داف تمري نفس الإدعاء، تمري والقائد في الاحتياط شمعون نافا أهلوا في السنوات الأخيرة قادة كبار في الجيش في المعهد الذي أقيم في زمن رئيس هيئة الأركان أمنون سحاك.
في حرب لبنان الثانية كان سحاك مستشار وزير الدفاع الفاشل عمير بيرس.
عندما نرجع إلى معركة عمواس لم يقم يهودا بتجنيد الاحتياط بل قام بإعفاء الكثير من قادته من أجل أن ينفذ مرحلة الحسم بنجاح وكما عرضت بربرا تيخمن بأن أغلب القادة العسكريين في التاريخ لا يفهمون تركيبة الجيش والحروب ويكشفون بلاهتهم في الحروب ,هم يأملون بأن هذه القوات الكبيرة تغطي على بلاهتهم لذلك هم مخطئون ويخطئون .
مرحلة الحسم في عمواس عملها يهودا المكابي بالقوة الصغيرة وبالخطة التي رسمها وقدرة يهودا تمنح اليهود بأنه عندما نريد أن نحصل على أهدافنا القومية يجب أن ندعم جهاز الأمن.
في مقابل معركة عمواس، وصل الجيش الإسرائيلي إلى أدنى الدرجات ،والذي يجب علينا أن نقوم به هو حل جهاز الأمن وفهم حقيقة أن دولة إسرائيل واقعة في خطر بقاءها.
ولذلك علينا أن نبني جيش جديد ويقام فيه قادة كيهودا مكابي مؤمنين ومدركين , يجب أن نغير وبشكل جذري جهاز تأهيل القادة ولكل سلسلة القيادة في إسرائيل، ويجب تغير أسلوب تعقب الفشل واستخلاص العبر وعلينا تطوير العلم العسكري والقتالي مواكبةً مع التهديدات الموجودة.