القدس:"أُمّ اللوحات"
شعر
الدكتور أحمد الريماوي


مَمْـنوع اللَّمْـسْ
مَمْـنوع الهَمْـسْ
اللوْحَـةُ شَـعَّتْ ليـلةَ أَمْـسْ...
تَـرْوِي عن سُـرَّةِ هـذا الكَـوْنِ المَعْجُـونِ بِآهَـةِ شَـمْسْ
عن شَـجَرِ السِّـرِّ الفاصِـلِ
بين الحَـقِّ وبين الباطِـلِ
يُـورِقُ في بَطْحـاء القلب شُـجُون الغَـرْسْ
اللوحَـةُ عُـرسْ
تَـحْكي عن بَـرْقِ الكافِ
ورَعْـدِ النُّـونْ
عن حِـكْمَةِ "كُـنْ فَيَكـونْ"

اللوحَـةُ لا تعرفُ هَـمْزاً
لا تعـرفُ لَـمْزاً

لا تعـرفُ غَـمْزاً
تَعْلُو صُـوَرَ النَّـزْفِ ...
اللوحـةُ تَعْـلُو... تَعْـلُو...
تَعْـلو أَثَـرَ القَصْـفِ
اللوحـةُ تَعْـلو... تَبْصُـقُ في وَجْـهِ التَّـهْوِيدِ
اللوحـةُ تَعْـلو... تَهْـزَأُ من غُـولِ التَّـهْدِيدِ
تُقَلِّـمُ أَظْـفارَ التَّصْـعِيدِ
اللوحَـةُ تَعْـلُو أَفْعَـى الإسْـمَنْتِ
وزَرْعَ الاسْـتيطانِ بأَجْـنِحَةِ التَّحْـرِيرِ
تُعَـرِّي أَوْكـارَ الأَحْـلافِ...

تُـذَرِّي أَغْـوارَ
الإِجْـحافِ...
وأَدْوارَ التَّمْـرِيرِ
اللوحـةُ شـامِخَةُ الأَوْصَـافِ
مَـحارَةُ لُؤْلُـؤَةِ التَّـنْوِيرِ…
مَـنارَةُ جَـوْهَرَةِ التَّوْحِيـدْ

اللوحـةُ تَشْـدُو عن تاجِ الأَرضِ
المَسْـبوكِ بِنَغَـمِ النَّبْـضِ
الآتي من أَفْـراحِ الوَمْـضِ
يُكَـلِّلُ هَـامَ الحَـرَمِ...
يُلَـوِّحُ للأَفْـلاكْ

لِقِبابٍ تَنْهَـضُ عند الفَجْـرِ
تَجُوبُ هنا وهُناكْ
تُسْـعِفُ أَرْوِقَـة ً تَمْشـي فوق الأَشْـواكِ...
تُجَـنْدِلُها الأَسْـلاكْ…

لِرِباطٍ يَمْسَـحُ بالتَّذْكـارِ دُمُـوعَ زَوايـا
آهِ- يَزيـل غُـبَارَ تَـكايا
آهِ- يَـهُزُّ حَـنايا المِحْـرابِ الأَوَّاهْ

لِرِبـاطٍ يَفْتَـحُ باب سَـماوات الرُّوحِ
بِمِـفتاح القلب المَجْـروحِ
بِحَـدِّ الآهِ
يُذيـب حُشـاشة مِـنْبَرِهِ المَسْـفوحِ...

بسَـيْفِ الزُّورِ المَسْـعُورِ
بسَـوْطِ الغُـبْنِ المَغْـرورِ
بأَنْيابٍ تَحْـفِرُ…تَهْـدُرُ شَـرَفَ الأََقْصَـى
عِـرْضَ الأَقْصَـى
- - آهِ- تُمَـزِّقُ عِـفَّةَ إِرْثٍ
-آهِ- بَـكارَةَ حَـرْثٍ
-آهِ- بَـراءَةَ غَـوْثٍ
تَنْهَـشُ أَفْـئِدَةَ السـاحاتِ... قُلُـوبَ الدُّورِ

اللوحَةُ تَحْـكِي عن مَنْـجَمِ نُـورٍ
يَتَـلأْلأُ في الدَّيْـجُورِ
يُضِـيءُ شُـعور السُّـورِ...
فَتَبْتسِـمُ الأَبـوابْ

من بابِ الرَّحْـمَةِ... بابِ الأَسْـباطِ
لِباب السـاهِرَةِ المُحْـتاطِ

لِباب مَغـاربةٍ مَعْهـودٍ... كانَ وكانْ
يُدْعَـى سُـلْوانْ
تَغْـبِطُهُ الأَكْـوانُ...
الأَزْمـانُ...

لِباب السِّـلْسِلَة المَشـهودِ
لِباب العامـودِ المَنْشـودِ – لِبابِ النَّصْـرِ –

وسِـرْبُ النِّسْـوَةِ يَعْرِضْـنَ سِـلالَ التِّـينِ
وأَقْـفاصَ الصِّـيصَانِ
يَبِـعْنَ زَغَالِيـلَ كما لو كانت بالمَجَّـانِ
وفَلاحُـون يُعِـدُّونَ خُضـاراً... فاكِـهةً سـاحِرَةَ الأَلْـوانْ

وحِـبالُ العَـتَّالينَ...
تُـناظِرُ أَكْـياسَ طَـحينِ القَمْـحِ
وتَنْتَظِـرُ الأَثْـمانْ

اللوحـةُ تَصْـدَحُ عن قَبَـسِ النَّفْـسْ
عن أَنْجُـمِها ...
تَعْـزِفُ لَيْـلَةَ أُنْـس

اللَّهْـفَةُ تَسْـري...
تَسْـري... تَسْـري...
تَعْـرُجُ آفاقَ الأَفْـراحِ
تُـنَادِمُ أَلْوانَ الأَقْـداحِ
تُشَـجِّرها الأَرواحُ
بِكَـرْمِ الرَّاحْ

اللوحـةُ تَـْرِفُ تَـوْقَ العَـبْرَةِ
تَرْسُـمُ شَـفَقَ العِـبْرَةِ
تَـذْرَأُ أَنْقَـى دَرْسٍ...
تَمْـهُرُ أَرْقَـى دَرْسٍ
أَتْـقَى دَرْسْ


اللَّوْحَـةُ شَـعَّتْ ليلةَ أَمْسْ
تَسْـكُبُ تحت ظِلال السِّـدْرَةِ...
مِسْـكَ القُـدْرَةِ
تَـرْوِي عن أَقْـمارٍ تَهْـطِلُ فَرَحـاً أَخْضَـرَ
يُطْـرِبُ حَـيَّ السَّـعْدِيَّةِ... حَـيَّ الأَمْـجاد
تُصَـيِّفُ...
تَقْـطُفُ وَجَـعاً أَثْمَـرَ…
في حَـيِّ الشَّـرَفِ الوَقَّـادِ
تُعَـزِّزُ حَـيَّ مَـغارِبَةٍ آسـادْ

اللوحَـةُ تَأْسِـرُ لُبَّ الشِّـعْرِ بحَـيِّ الوادِ
يُقَـبِّلُ حَـيَّ القَطَمُـونِ الوَرَّادِ
يَـرُدُّ الرُّوحَ لِنَحْـرِ أَزِقَّتِـها الأَخَّـاذِ...
بلا ميعـادْ

اللوحَـةُ تُشْـعِلُ حـاراتٍ
سَـطَّرَها الأَجْـدادُ...
بِحِـبْرٍ قانٍ للأَحْـفادِ

اللَوْحَـةُ تُنْـذِرُ بالإِعْصـارٍ العاتِي
بالكابوسِ الأَعْمَى...أَدْمَى عَبَقَ الطُّرُقاتِ
بِتَرْوِيجِ الآفاتِ
يُحـاوِلُ تَقْـطِيعَ نِـياطِ العاداتِ
بِفَأْسِ الأَحْـقادِ
بِإِعْـدامِ النَّشْـوَةِ في الخَـلواتِ
بِهَـدْمِ صُـروحِ الذِّكْـرِ...
وَأَوْصـالِ الأَوْرادِ

عَنْ حَـزَنٍ باسِـمْ
عَنْ ...."أوروشـالِم"ْ
عَنْ ماض ٍ قـادِمْ...
عَنْ وَعْـدٍ آتٍ...
عَهْـدٍ آتٍ...
شَـهْدٍ آتٍ...
مَـهْدٍ آتٍ
عن "طَنْطُـورٍ فِرْعَـوْنِيٍّ" فاتِـنْ
مَنْحُـوتٍ في ذاكِـرَةِ الطُّـورِ
وفي أَحْضـان الوَصْـلِ لِجَبَـلِ الزَّيْـتُون الحـالِمْ

تحكي عن حصْـنِ "يَبـوس" المَسْـجورْ
عن وادي النَّـارِ المَسْـبُورْ
عن وَقْـفٍ مأْسُـورْ
عن.... "روشـاليمومْ"...
عن بَحْـر ِتُخُـومْ
عن سِـفْرِ مَجَـرَّاتٍ...
بَحْـرِ كَواكِـبَ ونُجُـومْ

خَطَّ "نَبُوخُذْنَصَّـرُ" كيف يكون السَّـبْيُ......
وكيف يَسُـوسْ
فَكَّـرَ...قَـدَّرَ...قَـرَّرَ كيف يَبُـوسْ....
خَـدَّ مَجُـوسْ

تحكي اللوحَـةُ عن "خِيـبا"....
يشـكو "الخابِيـرو"… وهي تَجُـوسْ
تَغْـزو ليلاً أَحْـلام "يَبُـوسْ"
تَغْـزُو أَمْـواج شُـمُوسْ

عن "تِـيتُوسْ"
يَحْـرِقُ كابـوسَ الهَيْـكَلْ
لا يَتَمَهَّـلْ
يَنْسِـفُ حِـيَلَ المَحْـفَلِ
فوق رُؤوسِ خُـيولِ الغَـدْرِ الظَّـمْآنََةْ

يحكي زَهْـواً عن "هِيـلانَةْ"...
تَزْرَعُ فوق رَوابِـي الشَّـوْقِ أَمـانَةْ
تَـزْرَعُ فوق " طـريق الآلامِ " حَصـانَةْ...

تُنْعِـشُ عِـيد الفِصْـحِ العابِـسْ
تَـزْرَعُ دِفْءَ كَنائِـسْ
تَـبْذُرُ شَـوْقَ فَـوارِسْ
تَغْـرِسُ رَعْـشَ عَرائِـسْ

تَشْـتُلُ أَدْيِـرَةً وَلْهـاءْ
تَنْهَـلُ عِشْـقَ كنيسـةِ مَرْيَمَـنا العَـذراءْ

تَرْشُـفُ شـوقَ "الجِثْـمانِيَّةِ"...
تَزْرَعُ عَرْشَ شُـموعْ
تَمْلأُ غَيْـبَ الوَحْـيِ دُمُـوعْ

تَحْـفِرُ نَهْـرَ شُـروعْ
يَرْوِي عَطَـشَ القلبِ لإِيلِييـاءْ
- آهٍ-...-آهٍ- إيلِييـاءْ
هَتَكُـوا طُهْـرَكِ شُـذَّاذُ التاريـخِ ...
أَحـالوا رَوْحَـكِ يا لَيْـلايَ إِلى أَشْـلاءْ

عُـذراً... عُـذراً
حـارَتْ عَـيْنٌ...
بَزَغَـتْ يومـاً في وادي قَـدْرُونْ
عَيْـنٌ أَسْـماها الحَسُّـونْ:
نَبْعَـةَ جَيْحُـونْ
كانت تَسْـقي قَلْعَـةَ عَـكْرا...
عَطَّـرَها بالظَّـفْرِ سَـلوقِيٌّ
عَمَّـرَ...
نَـوَّرَ...
شَجـَّرَ أَطْـياناً وحُصُـوناً وَلْهـانَةْ
خـارَتْ عَـيْنٌ
غـارَتْ ... صـارَتْ – والَهَـفَ النَّبْعَـةِ- أَسْـيانَةْ
كانـت تَـرْوي أَحْـلاماً مُـزْدانَةْ...
بِبُـروقٍ...بِحُـقوقٍ حَـيَّةْ

عُـذْراً...عُـذْراً... يا رُوحَ السِّـيَرِ العَطْشـانَةْ
عُـذْراً ... عُـذْراً... يا هِيـلانَةْ
عَسَـسٌ يَلْبِـسُ ثَـوْبَ الغِيَّـةْ
عَسَـسٌ بَـدَّلَ زِيَّـهْ
نَجَـسٌ يُغْـري أَعْـوانَهْ

شَـبَحُ الفـاروقِ يُعَذِّبُـهُمْ
إِنْ نبَشُـوا ظُـلْماً أَحْـزانَهْ

شَـبَحُ الفـاروقِ يُؤَرِّقُـهُمْ
إِنْ حَرَقُـوا سِـرّاً قُـرْآنَهْ

شَـبَحُ الفـاروقِ يُكَبِّلُـهُمْ
إِنْ نَسَـفُوا ليلاً أَشْـجانَهْ

شَـبَحُ الفـاروقِ يُراقِبُـهم
يوم اقْـتَرَفُوا قانـون الغـابْ

شَـبَحُ الفـاروقِ يُلاحِقُـهُمْ
يومَ احْـتَرَفوا قانـون الغـابْ

شَـبَحُ الفـاروقِ يُداهِمُـهُمْ
يَوْمَ اغْـتالُوا ألَـقَ الأَحْـقابْ

مَـهْلاً... مَـهْلاً يا "يوآبْ"...
إن القـادِمَ فِـينا آبْ

يَرْفَـعُ شـارَةَ حُـبٍّ
يَبْـذُرُ دِيَـماً...
يَغْـرِسُ شِـيَماً...
يَشْـتُلُ هِـمَماً...
يَـزْرَعُ قِيَـماً...
يَمْـطُرُ شَـجَناً...
عن أَبـها عُـرْسْ
لِجَـمالِ القُـدْسِ....
جَـلالِ القُـدْسِ
دَلالِ القُـدْسِ...
مَآلِ القُـدسِ الدُّرَّةْ

آخـاها الله بِفَيْـضٍ مَـكيٍّ...
أَسَّـسَ تَوْأَمَـة ً لا أَبْـرَكَ...
لا أَقْـدَسْ
لَوَّثَهـا وَحْـلُ الأَسْـرَلَةِ
وصَـهْيَنَة ٌ لا أَنْجَـسَ...
لا أَبْخَـسْ

والكَعْبَـةُ تَهْفُـو للأَقْصَـى
للقُـدْسِ الغُـرَّةْ

إِنَّ الخالِـقَ عَـطَّرَ نَصْـرَهْ
بِصَـلاةٍ خَصَّـتْ فَجْـرَهْ
بِرِحـابِ الصَّـخْرَةْ
مَرْحَـى.. مَرْحَـى للأَحْـبابِ...
وللأَصْـحابِ
وللأَغْـرابِ...
وللأَرْبـابْ

اللَّوحَـةُ... شَـعَّتْ ليلَةَ أَمْـسِ
بِرَعْـشِ الحَشـائِشِ
تَغْمِـزُ نَبْـضَ الحِجـارَةِ...
تَفْـرَحُ رائِـحَةُ الأَرْضِ
تَنْشُـرُ هَمْـسَ العَصـافيرِ في الرَّوْضِ
للقائِمـينَ...
وللراكِعـينَ...
وللسَّـاجِدينَ...
وللصَّـائِمينَ...
وللعَاكِفِـينْ
تُهَيِّـؤُ...
تَنْثُـرُ صَـبْرَ الدَّرائِـشِ للعَـرْضِ
للسَّـائِحِينَ...
وللعـابِرِينَ...
ولِلاجِـئينَ...
وللقاطِـنينْ
الليـلة ُ... لَيْـلَة ُ غَـرْسْ
مَمْـنوع الهَمْـسْ
مَمْـنوع اللَّمْـسْ
الليـلةَ ُ ليـلة’ عُـرْسِ
لِزَهْـرَةِ كُـلِّ المَدائِـنِ
راحِ المَدائِـنِ
حَـدْسِ المَدائِـنِ
روحِ المَدائِـنِ
شَـمْسِ المَـدائِنِ
بَـوْحِ المَـدائنِ
جَـرْسِ المَـدائِنِ
تَزْهُـو...
وتَرْقُـصُ فـوقَ مُـروجِ الضَّـبابِ
تَشِـفُّ لُبـابَ السَّـحابِ المُـذابْ
***