Warning: preg_replace(): The /e modifier is deprecated, use preg_replace_callback instead in ..../includes/class_bbcode.php on line 2968
نقش في الحرف(القصة القصيرة جدا من خلال بعض المجاميع القصصية المغربية)

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: نقش في الحرف(القصة القصيرة جدا من خلال بعض المجاميع القصصية المغربية)

  1. #1
    باحث لغوي وكاتب
    عضو القيادة الجماعية
    الصورة الرمزية ابراهيم ابويه
    تاريخ التسجيل
    12/12/2007
    العمر
    62
    المشاركات
    2,736
    معدل تقييم المستوى
    10

    افتراضي نقش في الحرف(القصة القصيرة جدا من خلال بعض المجاميع القصصية المغربية)

    نقش في الحرف(القصة القصيرة جدا من خلال بعض المجاميع القصصية المغربية)
    محمد داني .
    تقديم عام: عندما نقف إلى هذه المجموعة القصصية المشتركة، نتساءل :
    - ما القاسم المشترك بين هؤلاء المبدعين الخمسة؟...
    - ماذا يجمعهم في هذا العمل المشترك؟...
    - هل يمكن الإمساك بفن القصة القصيرة جدا عند كل واحد منهم؟.
    - هل يمكن لنا تحديد مقاييسها ، وقوانينها عند كل واحد منهم؟..
    - بماذا يتميز كل واحد منهم عن الآخرين؟..
    - هل القصر الذي وفره كل كاتب من الكتاب الخمسة يسمح لنا بالقول بأن هذه مجموعة تضم القصة القصيرة جدا؟..
    إن (نقش في الحرف)، تتضمن صوتا قصصيا خفيا...يتطلب اكتشافه وقتا.. وجهدا.. وهذا راجع إلى الرؤية التي جمعت هؤلاء المبدعين الخمسة....
    صحيح أن هذه الرؤية تتفاوت من واحد إلى آخر.. من حيث الطول والقصر، ومن حيث عدد الكلمات والأسطر.. وعمق الرؤية أو ضحالتها... وكذا من حيث الفكرة، والموضوع، والصياغة...
    والأشياء المشتركة بين هؤلاء المبدعين الخمسة، والواضحة في هذه المجموعة القصية، هي:
    - القصر...
    - الإيجاز.
    - حضور المعنى المقتضب.
    - الاختصار وتجنب الإطناب.
    - الإيحائية والرمزية.
    - المفارقة.
    - الدهشة.
    - الاستعارة.
    - عمق الفكرة.
    - توهج اللغة.
    بطبيعة الحال ، هذه العناصر لا تتوفر جميعها عند الكتاب بخمستهم.. هي نسبية تختلف من واحد إلى آخر...
    وأول ما يلفت انتباهنا هو حجم القصص عند كل واحد من كتابنا .. والجدول التالي يوضح ذلك:
    الجدول رقم: جدول حجم القصص في (نقش في الحرف)
    عبد الغني صراض
    محمد أكراد الورايني
    مصطفى طالبي
    كمال دليل الصقلي
    ابراهيم أبويه
    عدد الكلمات
    عدد الأسطر
    عدد الكلمات
    عدد الأسطر
    عدد الكلمات
    عدد الأسطر
    عدد الكلمات
    عدد الأسطر
    عدد الكلمات
    عدد الأسطر
    24
    52
    20
    34
    35
    13
    21
    15
    13
    17
    04
    07
    03
    05
    06
    02
    02
    02
    02
    02

    24
    25
    33
    38
    29
    18
    32
    52
    17
    18
    03
    05
    05
    05
    04
    02
    04
    09
    02
    03

    23
    30
    10
    32
    26
    34
    22
    44
    32
    36
    03
    04
    02
    04
    03
    04
    03
    05
    05
    04

    24
    24
    31
    17
    25
    29
    18
    30
    33
    30
    03
    03
    04
    02
    03
    04
    03
    06
    04
    05

    81
    154
    37
    180
    43
    186
    58
    66
    78
    66
    10
    17
    05
    24
    06
    27
    10
    11
    14
    08
    مج 244كلمة
    35سطرا
    296 كلمة
    42سطرا
    289 كلمة
    37سطرا
    261 كلمة
    37سطرا
    949 كلمة
    132سطرا

    هكذا نلاحظ أن عدد الكلمات في المجموعة القصصية يبلغ 2039 كلمة، وعدد السطور يصل إلى 283 سطرا..
    - العنونة في ( نقش في الحرف):
    عندما نتمعن في معجمية كلمة (نقش)، ونتتبع مسارها المعجمي.. نجد أنها تحمل معاني كثيرة... ففي (تاج العروس) الجزء 16 ، من الصفحة 4375 إلى الصفحة 4377،نجد أن كلمة (نقش) تعني:
    - تلوين الشيء بلونين أو أكثر.
    - الجماع.
    - ضرب العذق بشوك حتى يرطب.
    - ظهور نكت من الإرطاب.
    - استخراج الشوك من الرجل.
    - الكشف عن الشيء.
    - تنقية مربض الغنم مما يؤذيها من الحجارة أو الشوك ونحوه.).
    - الرطب الربيط(المعذب).
    - النتف بالمنقاش، والنتش.
    - الخدش(كأن وجهه نقش بقتادة).
    - الأثر في الأرض
    - النقر.
    ومن خلال هذا التنوع المعجمي، نجد أن النقش الذي يرومه كتابنا الخمسة، هو: التلوين، والضرب، والاستخراج، والنتف، والخدش، والتنقية، والكشف، وترك الأثر...وهذا نجده بكامله في نصوص كتابنا الخمسة...
    هذا النقش الذي حددوه في الخرق أعطانا تلوينا كتابيا وإبداعيا متنوعا.. واستخراج كثير من المواقف والصور الاجتماعية والسياسية والإنسانية.
    كما أن بواسطة النقش في الحرف، ثم الكشف عن كثير من المزالق والظواهر الاجتماعية..كما تم الكشف عن المتناقضات التي مست المجتمع وإنسانه...
    ومن الحرف، والكلمة المكونة منه ثم نتف هذه القصص القصيرة جدا، والتي أعطتنا هذه المجموعة.. ولا محالة أنها ستترك أثرا ، أو نقشا أو وشما في المتلقي.. جراء تفاعله معها..
    - السخرية:
    أمام الفوضى التي يعرفها العالم، وأمام تناقضاته العارمة، وامتزاج قيمه، وتلبسها، وتشظي الرؤى فيه، والتي خلقت في الإنسان / المتلقي نوعا من القلق والتوتر ، واللبس، اضطر إلى خلق قيمه الخاصة... والتي من خلالها يعيد شيئا من التوازن إلى نفسه، وكيانه، ووجوده كإنسان له قيمة...
    هذا الاضطرار دفع بالإنسان/ المتلقي إلى ابحث عن أساليب دفاعية، تعبيرية وجد فيها متنفسه، وملاذه.. عوضته عن أشياء كثيرة، منها : المجابهة الصريحة. ومن هذه الأساليب: السخرية والكاريكاتورية، أو التصوير الكاريكاتوري...
    وكتابنا الخمسة، لا يهدفون من السخرية الاستهزاء، والانتقاص، ولكن يهدفون إلى تبيان الخلل، حتى يتم الانتباه إليه، ثم تجاوزه وإصلاحه.
    فهل توفرت السخرية عندهم جميعا؟...
    - يقول عبد الغني صراض في قصته (اغتصاب):"أخبر باغتصاب أرضه...أرعد غضبا...استنفر عمومته... توعد بمحاكم الدنيا.. وفي غفلة من الجميع.. استل قلما.. ووقع على بياض"..
    - يقول محمد أكراد الورايني في قصته (رهان):"قال لها إن وضعت مولودا أنثى فأنت تخونيني...
    قالت له: وإن وضعت مولودا ذكرا فأنت تخونني...
    مرت أشهر الحمل ، فوضعت توأمين، ذكرا وأنثى...
    - يقول مصطفى طالبي في قصته(حمية):"وحيدا ، غريبا عن الدائرة.. وهو يفكر في هذا الوضع الكاريكاتوري من التخمة...أحكم القبضة بأنفه على أكبر كمية من الهواء، سلمها لقلبه بكل هدوء... ثم قال: الحل الوحيد للحد من هذه الأحزاب، هو العازل الطبي"...
    يقول كمال دليل الصقلي في قصته(تدبير):"يقصد عمله باكرا، تاركا دريهمات لزوجته. حين يعود مساء، يجدها في آخر شياكتها.. وقد حضرت أصنافا من الأطباق الشهية، والفواكه المتنوعة...يأكل ويأكل.. شاكرا إياها حسن تدبيرها للدريهمات"..
    - يقول ابراهيم أبويه في قصته(الذوبان):"بين برزخ الحقيقة والوهم، كان الذوبان...
    كان يعلم أن الشر قد يأتي من رحم الوطن، لكنه احتضن اللقاء الأخير..
    حين خيروه بين الأنا والآخر، بصق في وجوههم فمزقهم...
    ذاب الجسد وظلت لعنة الروح تطاردهم"...
    ومن خلال هذه النصوص أعلاه، نجد أن السخرية تتنوع من كاتب إلى آخر، ويمكن أن نجملها في نمطين من السخرية:
    1- السخرية الاجتماعية، والتي تسخر من بعض المظاهر الاجتماعية،وبعض ملامح المجتمع...إنها سخرية تنتقد المشروع المجتمعي في واقعيته...
    2- السخرية السياسية، والتي تتخذ من الانتقاد للوضع السياسي هدفا لها، وتعرية بعض السلوكات لسياسيين، أو بعض مظاهر التدبير السياسي في المجتمع...
    فالأديب عبد الغني صراض، يسخر من بعض السياسيين العرب الذين يفتعلون الغضب، ويتظاهرون بالسخط، والثورة وعدم الرضا.. ولكن عندما يختفون وراء الستائر ، يعلون تهافتهم، وخضوعهم، وولاءهم....واستسلامهم... وهذا كواقع عشناه ، ونعيشه في كثير من القضايا العربية.. كالقضية الفلسطينية،والتحول الخطير الذي مسها بعد اتفاق أوسلو ومدريد...وما نعيشه اليوم من تحول في القضية العراقية، والسودانية...والليبية...والسلام العربي الإسرائيلي... وغيرها من القضايا العربية...
    نفس السخرية نجدها عند أديب المصطفى طالبي، الذي يسخر من ظاهرة تناسل الأحزاب السياسية، وتكاثرها..حتى أن الشخصية فكرت في وسيلة للحد من هذا التفريخ السياسي المبتذل، وهو استعمال العازل الطبي، لمنع التخصيب السياسي...
    أما الكاتب ابراهيم أبويه، فيعتمد في سخريته السياسية، على قضية الشهيد المهدي بن بركة، وما حاطها من سرية، وإشاعة.. ليغلف نهايتها بسخرية سوداوية، وهو أن مدبري اغتيال بن بركة على تعددهم، والذين قاموا بتذويب جسده لمحو جريمتهم،ووضع حد لكيانه..هم الآن يعانون فوبيا بن بركة..لأن لعنته تطاردهم في كل مكان، أينما ذهبوا وارتحلوا...
    أما الكاتبان: الورايني ودليل الصقلي، فقد اعتمدا السخرية الاجتماعية، والتي تنتقد المجتمع المغربي، وتمظهراته...
    فالورايني يسخر من العلاقة الاجتماعية المبنية على الشك، والخديعة.. والتي لا يكون مصيرها إلا الفشل...كما يسخر من نوعية التفكير الذي ما زال يعيش في عقول البعض...
    فالسارد يتهم زوجته بالخيانة إن ولدت له أنثى، وهي أيضا تتهمه بالخيانة إن ولدت ولدا ذكرا...لكن سخرية اقدر أكبر،حين تلد توأمين ذكرا وأنثى...وبالتالي الخيانة متبادلة في منظور الزوجين...وهذه السخرية مبنية على ما يسمى بالبرهان بالخلف...فما دامت ولادة الأنثى تدل على خيانة الزوجة، وولادة الذكر تدل على خيانة الزوج، فإن ولادة توأمين مختلفين دليل على خيانتهما معا...
    أما دليل الصقلي.. فيسير في نفس السياق...وهو العلاقة الإنسانية وما يسودها من مظاهر الفساد والخيانة.. وذلك من خلال صورة سوداوية يقدمها لنا..والسخرية القاتمة تتجلى في هذه السعادة الكاذبة التي يحسها هذا الزوج الذي يترك لزوجته دريهمات لا تكفي لإعداد وجبة عادية... لكنه يجد زوجته عندما يعود مساء قد أعدت له أصنافا من المأكولات الشهية، وهي في منتهى زينتها...ويتظاهر بعد الفهم، أو الشك،مبديا رضاه عن زوجته التي من منظوره تعرف كيف تتدبر الدريهمات التي يتركها لها كل صباح...وبالتالي تشتد السخرية سوداوية عندما نجد أن الشخصية تفضل ملء البطن على الشرف والعفة، والفضيلة، والوفاء والكرامة،والتفاني والإخلاص.. وهي تشوهات قيمية مست المجتمع المغربي، ومسخته...
    من خلال هذه النماذج ، نجد أن أدباءنا الخمسة يقومون بعملية النقد والفضح، والتعرية بهدف الإصلاح، والتوعية.. خاصة إذا ما عرفنا أنهم يرون في السخرية حقيقة وبلاغة تتجاوز الكتابة..
    ويرى الأستاذ نور الدين بوصباغ في ورقته النقدية الرقمية(مقامات السخرية في المجموعة القصصية(الإقامة في العلبة) للقاص المغربي حسن البقالي، بأن:"السخرية شكل من أشكال التعبير التي تجسد وعي الذات اتجاه ذاتها لحظة ضعفها، وفقدانها لملكاتها.. وبالتالي فهي موقف استرجاعي يهدف من خلاله المبدع إعادة التوازن للذات اتجاه ذاتها، واتجاه العالم..وأيضا لتحويل ما يفترض أنه عجز وألم وانكسارات إلى لحظات قوة، وانتصار وتسامي"...
    والسؤال المطروح هو:
    - هل فعلا كتابنا الخمسة في مجموعتهم (نقش في الحرف) يتغيون من السخرية استرجاع التوازن المفقود ، وإزالة الخلخلة التي أحدثتها التناقضات التي لاحظوها، ودفعتهم إلى الكتابة؟...
    - ما هو الحامل الإسنادي الذي تنبني عليه سخريتهم؟..
    إن السخرية التي يعتمدونها في مجموعتهم هواالقصصية، تتأسس على ركائز ثلاث، وهي:
    - نقد الذات وانتقادها.
    - محاكمة المجتمع سياسيا واجتماعيا، وإدانته...
    - فضح القيم المبتذلة، والمسوخات الاجتماعية التي بدأ يعرفها المجتمع المغربي، والعربية، وتعرية الواقع...
    وبالتالي تصبح السخرية من خلال كتابتهم، ومن خلال منظورهم:"فن إبراز الحقائق المتناقضة، والأفكار السلبية في صور تغري بمقاومتها، والرد عليها، وإيقاف مفعولها"[1]...
    وقد استطاعت جماعة برشيد في نصوص مجموعتها القصصية (نقش في الحرف) من حسن توصيل هذه السخرية، وما دامت تعرف وتعي أن السخرية هي: فن المواجهة الإنسانية للأحداث والظواهر...
    - المفارقة:
    كما هو معلوم فإن القصة القصيرة تقوم على المفارقة.. فماذا نعني بهذا المصطلح؟..
    المفارقة:" في أبسط صورها القصصية: جريان حدث بصورة عفوية على حساب حدث آخر هو المقصود في النهاية. أو هو تعرف الشخصية تعرف الجاهل بحقيقة ما يدور حوله من أمور متناقضة لوضعها الحقيقي.
    فالمفارقة هنا درامية، والمفارقة عموما صيغة بلاغية تعني: قول المرء نقيض ما يعنيه لتأكيد المدح بما يشبه الذم، وتأكيد الذم بما يشبه المدح...وفي القصة القصيرة جدا لعبة فنية أو تقنية قصصية لا غاية لها إلا الخروج على السرد، وهو خروج يبعث على الإثارة والتشويق"[2]...
    ويرى الأستاذ محمد غازي التدمرني في مقاله الالكتروني(عناصر القصة القصيرة جدا)، إلى أن المفارقة، العنصر الأهم في بنية القصة القصيرة جدا، لأنها الحامل الأهم في تحريك كمون شحنة اللغة باتجاه الفعل الذي يحرك بدوره أنساق الدلالات بهدف الانتقال من الانفعال إلى الفعل، مشكلا حركة تصادمية تسعى إلى تعميق إحساس المتلقي بالأشياء المحيطة به. لذلك كان من وظائفها التقنية ، تشكيل الصدمة الإدهاشية..
    فالمفارقة هي معطى، نتيجة لتوفر بعض الأمور من فعل التضاد والثنائيات اللغوية... وهي خلاصة موازنة ومقارنة بين حالتين يقدمهما الكاتب من تضاد واختلاف، يلفتان النظر.
    صحيح أن بعض النصوص في (نقش في الحرف) لا تفرز قصة قصيرة جدا... ولا تعطينا فنية نتلمسها في سردها.. بل لا نجد فيها إلا نثرية خطابية. وبالتالي تضيع منها كل أركان القصة القصيرة جدا ، الفنية...
    هذا يجعلنا نستحضر مقولة الدكتور خليل موسى:"إن أي جنس أدبي لا بد أن تتوافر فيه سمتان: التوهج والإثارة(الفعل ورد الفعل)(النص والقارئ). فالتوهج خاصية ناجمة من التجربة الصادقة، والبناء المرصوص المكثف في النص.
    والإثارة هي ما تتميز به في نفس المتلقي من إعجاب ودهشة ولذة. وأي نص يفتقد أحد هذين العاملين لا نقبله في حقل أي جنس أدبي"[3]....
    إن التوهج والإثارة والتشويق، والإدهاش، يجعل القصة القصيرة جدا تتحقق فيها المفارقة التي يمكن أن تحمل تعدد الأبعاد، واختلافها.. وذلك من تقابل أو تضاد، أو رفض أو قبول، أو طوع أو تمنع...
    يقول عبد الغني صراض في (دينصور):
    "نام بعد أن أحرق ثقافته... تاريخه...نصف هويته...
    استفاق، فوجد نفسه دينصورا سياسويا"...
    هذه القصة القصيرة جدا تضعنا أمام ثنائية:
    - الواقعي: نام ، - غير الواقعي: أحرق ثقافته...أحرق تاريخه....أحرق نصف هويته.
    - الواقعي: استفاق، - غير الواقعي: وجد نفسه دينصورا سياسويا.
    وفي قصة دليل الصقلي(وهم)، والتي يقول فيها:
    "سمع عن العظمة، فقرر أن يصبح عظيما...
    كد... اجتهد...ناور...
    لما دنا منها، وجد نفسه عظاما تحت الأرض"...
    - الواقعي: سمع، - المؤمل: أن يصبح عظيما...
    - الواقعي: قرر، - المؤمل: أن يصبح عظيما.
    - الواقعي: كد...واجتهد...وناور...، - المؤمل: الوصول إلى تحقيق أمنيته.
    - الواقعي: لما دنا منها...، - التقابل والتضاد والتعارض: وجد نفسه عظاما.
    من هنا كانت المفارقة أساس القصة القصيرة جدا..لأنها في القصتين ، قامت بمهمة تحريك اللغة...وتأجيج دلالاتها..وأنساقها...إذ تفاعل فيها الانفعال والفعل... الشيء الذي جعل المتلقي يحس بالتصادمية في التعبير.. والحركة في السرد...والارتجاج في محيط النصين..وهذا ولد فيه صدمة إدهاشية، حركت مشاعره، ومخياله...
    نقرأ في قصة ابراهيم أبويه(فصام)، والتي يقول فيها:
    "حين خنقته أشعة الشمس، أدخل يده في قلبها لينتزع الروح...
    شموس أخرى في مجرات قريبة، كانت تولد من جديد"...
    إن هذه القصة القصيرة جدا ، وما تزخر به من تكثيف، تنبني على المفارقة الإدهاشية.. لاعتمادها على ثنائية الموقف المبني على المتوقع والمتؤمل، وعلى الواقع والخيال...
    فالمفارقة تبدو من إدخال يده لينتزع روح الشمس حتى تخبو، وتنطفئ.. ولا تبقى خانقة له...إذ أنه يتأمل ويتوقع من فعله هذا العدواني، أن يتنفس أحسن..ويشعر بحرية أكثر وأفضل..وألا تبقى أية معارضة له...وهذا رد فعل ربما كان منتظرا من شخص لا يؤمن بالتعددية ولا بالآخر..تطغى عليه الأنانية الوجدانية، والوجودية...لكن نهاية القصة تحمل حالة فجائية، وصادمة...خلقت إدهاشا لدى المتلقي.. وصدمة غير منتظرة.. وهي أنه رغم موت الشمس الأولى التي انتزع روحها... ولدت شموس أخرى..أي أن عملية خنقه لن تتوقف ، بل ستستمر وتزداد..
    وفي قصة محمد أكراد الورايني(رسم)، والتي يقول فيها:
    " أنهى رسمها بمخيلته،ثم بحث عنها طويلا.. حين لقيها ، وجدها ترسم في مخيلتها وجه رجل لا يشبهه"...
    هذه القصة القصيرة جدا، تنبني هي أيضا على المفارقة الإدهاشية.. ففي مستواها الأول، تتأسس على فعل الشخصية حين رسم صورة الأنثى في مخيلته...وأحب هذه الصورة... ومن ثم أصيب بعقدة بيجماليون...فأخذ يبحث عن صاحبة الصورة إلى أن عثر عيها..
    ثم تأتي المفاجأة الصادمة، وغير المتوقعة.. حين تنتهي القصة بخاتمة تخبرنا بأن هذه الأنثى هي أيضا تبحث عن رجل رسمت صورته في مخيلتها، لكنها لا تشبه صورة الرجل الذي يبحث عنها...وهنا تشتد المفارقة لما تحمله من تضاد،واختلاف ملفت جدا...



    [1]- د. عبده الهوال،(حامد)، السخرية في أدب المازني، الهيئة المصرية العامة للكتاب، (د-ط)، 1982،ص:35

    [2]- محيي الدين مينو،(محمد)،فن القصة القصيرة،منشورات دبي، 2000، ص:45

    [3]- د. موسى،(خليل)، جريدة البعث، العدد8460، تاريخ: 1/11/2002




    1) الإشراقات في (نقش في الحرف) .
    تتمثل الإشراقات في المجموعة القصصية (نقش في الحرف) في شكل كتابة شذرية، تصبو إلى نحت أقوال سردية ترقى إلى مستوى الحكم والمأثورات والأمثال[1]...
    وهذه الإشراقات هي التماعات صافية، وبروقات متوهجة، مثيرة، مكثفة... وومضات خاطفة تكون في حالة من الدقة والبلاغة، والفنية.. مضغوطة جدا، مركزة...ولا يعطيها الإسهاب والإطناب والإطالة..والاسترسال السردي قوتها، وبريقها.. بل يعمل على تشتيتها، وضياعها...وتبديدها داخل الملفوظ السردي...
    ويهدف الكاتب من ورائها إلى تأكيد مقوله..وإعطاء حقائق اجتماعية دقيقة لكتابته..بالإضافة إلى الميزة الجمالية والفنية التي تطبع القصة.
    كما أنه من خلال هذه الإشراقات، يدفع الكاتب المتلقي إلى ملامسة الحقائق، والكمية المعرفية، التي يتضمنهما النص القصصي.
    وتتوفر المجموعة (نقش في الحرف) على مجموعة من الجمل والعبارات التي يمكن اعتبارها إشراقات.. تسمو بالقصة إلى درجة يتغياها الكاتب من الإبلاغ والتبليغ.. والتأثير والجمالية.."فتلوح الإشراقات كأنها لآلئ لامعة وسط السرد ، تضيء جوانبه المعتمة وتخفف من وطأة التواتر التمثيلي لوقائعه وأحداثه"[2]...
    ففي قصة (انكسار) لكمال دليل الصقلي، نقرأ:"نمت على صوره البهية المتناثرة هنا وهناك، وحين صحوت ، أصبحت أرى الوجوه عابسة، والقلوب قاسية.. والرذائل مسيطرة.. كان صوت بداخلي يردد: دوام الحال من المحال"...
    لقد وظف الكاتب هذه الحكمة ، وهي من المأثور الشعبي ليعطي لقصته طابعها الواقعي.. وليبين أن الحالة التي جاءت بعد الصحو كانت مختلفة عن كل الحالات السابقة...وأن زمان الهناء والصفاء لن يدوم أبد الدهر.. بل إن الدنيا دوارة والزمان قلاب...ولذا أن يبقى الحال على ما هو عليه أمر مستحيل..
    وفي قصة(هواء غزة من فلسطين) لابراهيم ابويه، نجد توظيفا لحديث نبوي شريف(الحرب خدعة)..
    وهذه الإشراقات أعطت للخطاب اسردي شاعريته..وسمت به إلى درجة من الصفاء، ورقي الأسلوب..وبالتاي خففت من رتابة السرد، ومن خطيته...وجاءت في النص القصي تتويشة زادت التعبير بهاء...
    وفي قصة محمد اكراد الورايني نجد إشراقة في نهاية قصة (يوميات طيار إسرائيلي):"شعب لا يموت"...ليبين لنا الكاتب أن هذا الشعب الفلسطيني لن يموت مادام قد اختار المقاومة، والدفاع عن الكرامة...بالإضافة إلى ما تبسطه من حقيقة...عن شعب أعزل يقاوم آلة عسكرية إسرائيلية...
    وهذه الإشراقات تتسم بالوضوح،أعطت لقصص شحنة إضافية، ساهمت في سمو دلالتها وفنيتها وجماليتها...وأدبيتها...
    2) شاعرية القصة القصيرة في(نقش في الحرف) .
    عندما نقرأ بعض القصص القصيرة جدا بالمجموعة القصصية(نقش في الحرف)، نجدها لا تخلو من شاعرية...
    صحيح أن هناك فرقا بين الشعرية والشاعرية.. فقد أكد الدكتور الأمين العمراني أن الشعرية يراد بها التعرض للشروط البلاغية والجمالية لإنتاج الشعر باعتباره جنسا أدبيا مخصوصا باختلاف أنواعه..
    في حين المقصود بالشاعرية ، هي تلك الخصائص الأسلوبية التي تحيد بالنثر عن دائرة السرد الواقعي التقليدي القصدي الواضح، المقيد بإكراهات الإحالات المرجعية، طبقا لمقتضيات قانون الانعكاس، وتنقله إلى عوالم الصور الطازجة البكر وخيمياء التشكيل اللغوي.. وومضات الاستعارة، وإشراقات التجليات[1]...

    وهذه القصص القصيرة جدا تمتاز بشاعريتها.. مما يجعلها تنطوي على رسالة ذات سنن.. ومن ثم فهي ذات غاية بعيدا عن أية إيديولوجية.. تتغياها الرسالة الشعرية.. وهي الغاية الفنية والجمالية المحضة.. كما نجد في قصة (كائن الأعماق) لابراهيم أبويه:
    • أيها العابرون على جسد الحروف...
    هلا نفذتم إلى ألمي؟..
    ألا ترون الكائن الغريب الذي يحتلني؟..
    كائن يستنسخ العالم بتفاصيله ويقتات من جسدي...
    ربما هو ذكر مثلي أو أنثى .. فقدت سر وجودها..
    ربما يكون ملاكا أو شيطانا .. لست أدري...
    هو كائن مجهول لا ديانة له..
    حين أسافر في الملكوت باحثا عن توأمي، يجرني إلى أعماق البراكين حيث تتجمع كل الشرور...
    ينهض من أعماقي حين أغفو ليصنع الأحلام بكل الألوان..
    لم ينفع معي البخور الذي جلبته جدتي بعد زيارتها الأخيرة لضريح في قمة الجبل...
    التمائم عجزت عن طرد الكائن الذي يسكنني..."
    بطبيعة الحال، هذه القصص القصيرة جدا لا يمكن أن تؤدي رسالتها هاته إلا إذا اعتمدت على مجموعة من الآليات التعبيرية، والميكانيزمات البلاغية. ومنها المفارقات، والانزياحات، والإشراقات، والتكثيف، والإيحاء...
    وهي خصوصيات تم استعارتها من الشعر، لتعطي لهذه الكتابة القصصية فنيتها، وجماليتها، وشاعريتها..
    وهذه الشاعرية المتوخاة، ساعدت كتابنا في مجموعتهم القصصية (نقش في الحرف) على تكسير رتابة الأحداث.. وخطية السرد.. وطبعتها بجمالية وفنية مثيرة.. كما عملت على تجاوز الموضوعية المبالغ فيها لوقائع الحدث[2]..
    ومن ثم تتحول الكتابة القصصية في ظاهرها إلى كتابة شعرية ، تستعير من القصيدة الحداثية شكلها وهندستها الظاهرية..فتتجمع الأسطر الشعرية لتتحول إلى فقرة قصصية، كما نجد في قصة (معبر) لمحمد اكراد الورايني:
    عاش حياته يلعن الماضي...
    يسب الحاضر...
    يشتم المستقبل...
    بعد رحيله...
    سألوا عنه التاريخ...
    أجابهم: إنه يرقد خارج الذاكرة...
    أو قصة (الذوبان ) لابراهيم أبويه:
    بين برزخ الحقيقة والوهم...
    كان الذوبان...
    كان يعلم أن الشر قد يأتي من رحم الوطن...
    لكنه احتضن اللقاء الأخير..
    حين خيروه بين الأنا والآخر...
    بصق في وجوههم فمزقهم...
    وظلت لعنة الروح تطاردهم...


    [1]- الدكتور العمراني، (الأمين)، الرواية المغربية، مطبعة ألطوبريس، طنجة، ط1، 2003، ص:142

    [2]- المرجع نفسه، ص:144

    3) الانزياح في المجموعة القصصية(نقش في الحرف) .
    في المجموعة القصصية (نقش في الحرف)، نجد خاصية أسلوبية ، أعطتها جماليتها وفنيتها، وهي: الانزياح.
    ويؤكد الأستاذ الدكتور الأمين العمراني ، أن الانزياح طريقة تحقق شاعرية الملفوظ السردي. ومن خلالها "يتمكن الكاتب من إقامة تلك النقلة الجوهرية والتحويل الأساسي من اللغة الطبيعية الاصطلاحية التي تتغيى التواصل العادي المنفعي. إلى اللغة الشاعرية الرمزية المكثفة التي تروم تحقيق التواصل الشاعري، وأساس هذا التواصل الأخير اقتناص الدلالات النادرة ، والأطياف الهاربة، وتفجير معين المعاني البكر التي تصبو إلى إيقاظ المشاعر النائمة لدى المتلقي وتحفيز مخيلته على الحلم والسفر في أصداء الجمال والصفاء"[1]...
    فالانزياح هو الخرق لخط اللغة العادية، والخروج عن المألوفية فيها.. وكسر للميثاق الاجتماعي للاصطلاح اللغوي... كما أنه "إقامة الغريب من العلاقات بين المكونات اللغوية من أجل إعطاء التعبير اللغوي تلك الشحنة الدلالية والجمالية القادرة على إدهاش المتلقي، والتطويح بمخيلته في عوالم التخييل البكر"[2]...
    وقد اعتمد كتابنا الخمسة في مجموعتهم القصصية الجملة العربية المركبة تركيبا عاديا.. والمحترمة لقواعد الترتيب النحوي...لكن أحيانا يخرجون عن هذه المألوفية، ويزيحون اللغة من ترتيبها النحوي، إلى خرق هذا الترتيب التركيبي، معتمدين في ذلك على التقديم والتأخير..
    ففي قصة عبد الغني صراض(حقيقة مرة)، والتي يقول فيها:(عرض وجهه العربي على مرآة مسمرة فوق أرض الوطن.. تلاطمت أجزاء المرآة..سقط قناعها.. ومن خلف توهجها..برز وجهه الصدئ بأقنعته المتعددة).
    ففي هذه القصة القصيرة جدا ، نجد فيها انزياحا نحويا، تمثل في التقديم والتأخير، حيث تقدمت شبه الجملة على الجملة الفعلية، إذ كان الأصل هو (وبرز وجهه الصدئ بأقنعته المتعددة، من خلف توهجها).
    أو نجد تقديمها للحال على شبه الجملة كما في قصة مصطفى طالبي(عقاب)،"يتسمر خائفا في الأعلى...ينظر إلى نفسه هناك في...
    يموت شموخ الاسمنت،وبطش الحديد..يتلاشى كل في نقطة الهروب، يجتمع كل شيء"..
    أو تقديم شبه الجملة على الفعل وموصوفاته(الأحوال).. كما في قصة(الإبيق) لمصطفى طالبي:"في الصينية..جلس شامخا...متعاليا...قوي البنية...منتفخ البطن...أصلع الرأس...غليظ القلب..مقعدا في جلسته...ينتظر اليد الخادمة التي تعينه كي يصب جام غضبه على الكؤوس الملتفة من حوله"..
    كما نجد تقديما للجملة الحالية المركبة واو الحال والمبتدإ والخبر... كما في (سكرات) لمصطفى طالبي:"وهو على مشارف واحة... تهاوى كشجرة فارعة امتدت لها يد الغدر...متشبثا بالوجود، استنفر أظافره قابضا على الرمل الحارق.. تلمس جسما..كان بوصلة ... ناقما قال: هيا راقبي إلى أي اتجاه سوف تصعد روحي؟"...
    وفي قصة (ساحة) لابراهيم أبويه نقف إلى الانزياح اللغوي ، حيث نقرأ:"كان كلما يلفظه الزقاق الضيق، تتلقفه الكلمات المنتشرة على إسفلت الساحة الكبيرة، تعرض مفاتنها أمامه، تريده ن يكتبها..."
    ويتجلى الانزياح اللغوي في هذه القصة على المستويين: التركيبي والصوتي... فعلى مستوى التركيب ، يتمثل الانزياح في الانتقال المفاجئ، والمباغث من مشهد(حاضر)(يلفظ- تتلقف- تعرض- تريد-يكتب- يفرغ- ينتظرون- يغرس- يمتص- تنظر-يتحسس- تحمل- تنصت- تطلق- تحلم- تنظر- يشعل- تستعطف)...إلى مشهد(ماض) نقيض (رفع- كانت- رسمت- تحول)...
    أما الانزياح الصوتي، فيتجلى في افتتاح القصة (ساحة) ب(كان) واختتامها بها....
    وفي قصة(عقاب) لمصطفى طالبي، نجده يوظف انزياحا صوتيا، يتمثل في ابتداء قصته بفعل مضارع(يتسمر)، وينهيها بفعل مضارع أيضا(يتجمع)، ليجعل من تكرار الزمن الحاضر لازمة تتكرر في جمل القصة... الشيء الذي يجعل بالكتابة تنزاح من صورتها السردية، والنثرية إلى صورة الأشطر... والشعرية... وبالتالي يصبح تكرار الزمن الحاضر لازمة تتكرر في كل أسطر القصة:
    "يتسمر خائفا في الأعلى...
    ينظر إلى نفسه هناك في...
    يموت شموخ الإسمنت...
    يموت بطش الحديد..
    يتلاشى كل في نقطة الهروب...
    يتجمع كل شيء...
    وبالتالي تذوب الحدود ما بين النثري والشعري...إذ تصبح شبيهة في تركيبها بقصيدة النثر...
    وهنا يتبادر إلينا سؤال: لماذا اعتمدت جماعة برشيد الانزياح؟...
    لقد اعتمدت هذا الانزياح للخروج من رتابة السرد.. وجعل كتابتها تهرب من الواقعية المفرطة.. وتخلصها من جفاف الأسلوب الواقعي.. وتجنبها القصدية المملة، والرتيبة.
    وهي تعي جيدا أن ما يرومونه ، ويقصدون إليه لا يمكن أن تخلقه الجمل العريضة المسهبة الواصفة. لذا اعتمدوا على الجمل القصيرة..وزاوج ابراهيم أبويه بين الجمل القصيرة والطويلة نسبيا.

    [1]- الدكتور، العمراني، (الأمين)،مطبعة ألطوبريس ، طنجة،ط1، 2003، ص:148

    [2]- المرجع نفسه، ص:148
    4) اختفاء أدوات الربط والواصلات من(نقش في الحرف) .
    اختفاء أدوات الربط

    لقد آمنت جماعة برشيد بأنها تكتب القصة القصيرة جدا ن وليس شيئا آخر..وأن المتلقي الذي تتوجه إليه بهذا العمل اعتاد هذا اللون الأدبي ووجد فيه متعة..وأن له فنيات تمسكت بها، وحافظت عليها في مجموعتها المشتركة(نقش في الحرف). ومن هذه التقنيات: خلو نصوصها القصصية من الروابط...
    صحيح أننا عندما نقف إلى نصوص المجموعة، نجدها تتميز بميزة أسلوبية، وهي خلوها من أدوات الربط les connecteurs،أو واصلاتles embrayeurs، (أدوات العطف- واو الاستئناف- حرف الاستدراك- حرف الإضراب...وغيرها)..وهذا يعطي لقص إيقاعا سريعا، وديناميكية، تجعل الجمل تتلاحق وتتابع...كما أن صورها تمتاز بالشمولية، والدقة والتعبيرية.
    وعندما نتمحص قصص المجموعة ، نجد روابطها الشبه منعدمة.. وردت كالتالي عند كل كاتب من الجماعة:
    الجدول رقم: جدول خاص بالروابط العطف في المجموعة القصصية

    عبد الغني صراض
    محمد الورايني
    مصطفى طالبي
    كمال دليل الصقلي
    ابراهيم أبويه
    و
    ف
    ثم
    أو
    و
    ف
    ثم
    أو
    و
    ف
    ثم
    أو
    و
    ف
    ثم
    أو
    و
    ف
    ثم
    أو
    11
    2
    1
    0
    9
    3
    2
    0
    11
    1
    1
    0
    15
    3
    0
    0
    26
    4
    2
    3

    فمن خلال الجدول نجد أن:
    - واو العطف للبط تكرر في المجموعة القصصية (نقش في الحرف) 72 مرة.
    - فاء العطف للترتيب: تكرر 13 مرة.
    - ثم للعطف والتراخي، تكررت 5 مرات.
    - او للعطف والتخيير، تكررت 4 مرات.
    هكذا نتبين أن الحرف المعتمد في نصوص المجموعة للربط بين الجملة ومتمماتها، هو الواو، الذي أفاد الربط والتتابع المنطقي..وقد تكرر 72 مرة..وذلك بنسبة3.53%..وهي نسبة قليلة جدا مقارنة مع عدد كلمات المجموعة القصصية.
    أما الواصلات في نصوص كتابنا الخمسة ، فنجدها على الشكل التالي:
    الجدول رقم: جدول الواصلات
    الواصلات
    الكتاب
    واو الحال
    حرف الاستدراك
    حرف الإضراب
    واو الابتداء
    عبد الغني صراض
    00
    00
    00
    03
    محمد أكراد الورايني
    01
    00
    00
    03
    مصطفى طالبي
    01
    00
    00
    00
    دليل كمال الصقلي
    03
    00
    00
    00
    ابراهيم أبويه
    05
    00
    00
    02
    المجموع
    10
    00
    00
    08


    من خلال الجدولين نطرح السؤال التالي: لم هذه القلة في الروابط والواصلات؟...
    إن كتابنا يرومون في سردهم إعطاءنا صورة لحالة معينة دونما حاجة إلى وصفن وسرد كثير...ولذا جاءت كتاباتهم مكثفة، نوعا ما ، سريعة في جملها.. وهذا تناسب مع حالتهم النفسية المتوترة، والقلقة، والغاضبة أحيانا من معايشة ن ومشاهدة هذا الواقع المتردي.. والوضع الموبوء...
    وكما نعلم .. الحالة الشعورية المنقبضة، والتي تكون في حالة انتقاد، وتعرية للمرئي، والمسكوت عنه،فإنها تعتمد الإشارة، والتلميح...دونما حاجة إلى الإطالة.. حتى لا يضيع انتباه المتلقي للرسالة التي يرسلها كتابنا.. وحتى لا يكون أيضا هناك وصف..حيث يشكل الوصف السردي تشويشا على عملية التلقي، وعلى المتلقي نفسه.
    إنهم يدفعون من خلال خطابهم الموجز والمكثف، والقصير إلى القيام بعملية الاستحضار للمعاني الجوانية التي تخفيها كل كلمة أو جملة، والتي هي عبارة عن إشارة فنية أو رمزية، تتطلب منه فك ترميزها للوصول إلى معناها المراد...
    بالإضافة إلى أنهم يدفعون بالمتلقي إلى النبش في ثقافته، واستحضار ذاكرته المعرفية، وموارده الأدبية، لاستحضار المعاني.. ومن هنا قلت الروابط الواصلات، وكذلك النعوت المؤسسة للوصف السردي...


    وعندما نبحث عن التفصيل في مدى وجود هذه الروابط والواصلات في نصوص المجموعة القصصية، نجد الأمر ملفتا جدا.والجدول التالي يبين ذلك:


    الجدول رقم: جدول الروابط في نصوص المجموعة القصصية
    • عبد الغني صراض
    محمد الورايني
    مصطفى طالبي
    كمال الصقلي
    ابراهيم أبويه
    القصص
    تكرار الروابط
    القصص
    تكرار الروابط
    القصص
    تكرار الروابط
    القصص
    تكرار الروابط
    القصص
    تكرار الروابط
    حقيقة مرة
    تكرر الواو فقط مرة واحدة
    رهان
    تكررت الواو والفاء مرة واحدة
    عقاب
    الواو 1
    استشهاد امرأة
    الواو1
    الفاء1
    حلم يكر نفسه
    الواو – الفاء- ثم
    1
    المواطن صالح
    تكرر الواو 4 مرات و أو مرة واحدة
    تسلية
    الواو 1
    الإبريق
    00
    تهمة
    الواو 2
    كائن الأعماق
    الواو 5
    ثم 1
    أو 2
    مواطنة للبيع
    تكررت الفاء فقط مرة واحدة
    إعجاب
    ثم 1
    وثنية
    00
    تدبير
    الواو 2
    الذوبان
    الواو 3
    انهيار
    تكرر الواو فقط مرة واحدة
    وهم
    الواو 3
    ثلج حارق
    الواو1
    بلبل
    00
    ساحة
    الواو3
    إصدار
    تكرر الواو فقط مرتين
    بحث
    00
    عمود الظلام
    الواو 2
    الصنارة
    الواو 3
    عنف المكان
    الواو 1
    دينصور
    تكررت الفاء فقط مرة واحدة
    مهمة مستحيلة
    00
    سكرات
    00
    انكسار
    الواو 4
    فصام
    الواو- ثم
    1
    اغتصاب
    تكرر الواو مرتين
    عملة صعبة جدا
    الواو 1
    مرحوم
    الواو 1
    وهم
    الفاء1
    شتاء آخر
    الواو 2
    خدعة
    الروابط والواصلات 00
    يوميات طيار إسرائيلي
    الواو 3
    ومن الإبداع ما قتل

    حريق
    الفاء1
    انتظار
    الواو 2
    تجدد
    الروابط والواصلات 00
    رسم
    أو 1
    العرس
    الواو 4
    الفاء1
    انهيار
    الواو 1
    هواء غزة من فلسطين
    الواو 6
    رجل خارج الصورة
    تكرر الواو فقط مرة واحدة
    مصير
    00
    حمية
    أو 1
    جزاء
    الواو 2
    ذكرى لم تمت
    الواو 2


    ومن خلال هذا الجدول نتبين أن هناك نصوصا قصصية انعدمت منها الروابط. وعدد هذه النصوص هو كالتالي:
    - عبد الغني صراض: (خدعة- تجدد).
    - محمد أكراد الورايني:(بحث- مهمة مستحيلة- مصير).
    - مصطفى طالبي:( الإبريق- وثنية- سكرات).
    - كمال دليل الصقلي:(بلبل).
    - ابراهيم ابويه:(لا يوجد أي نص خال من الروابط والواصلات)
    نستنتج من كل هذا أن إبراهيم أبويه لا يجد نفسه في القصة القصيرة جدا، ولا في الومضة.. وإنما يجد نفسه في الأقصوصة، والقصة القصيرة... والشاهد في ذلك الطول الذي تعرفه قصصه وعد اسطرها، مقارنة مع الكتاب الأربعة الآخرين..فهو يتميز عن الأربعة يتكديس الأحداث l’entassement des faits et des actes،والوقائع...واللجوء إلى تقنية ميزته كثيرا،وهي تقنية التشظي ، أو تشظية الحدث...حيث يجعل الأحداث تتناسل ، والحالات تتوالد من الحالة الرئيسية...
    فعندما نأتي إلى قصته القصية جدا (فصام)، نجدها تتكون من أربعة مقاطع مرقمة....كل مقطع يختلف عن الآخر في الطول والقصر ، وعدد الكلمات، والأسطر.
    - فالمقطع الأول ، يتكون من 19 كلمة وثلاثة أسطر.
    - والمقطع الثاني، يتكون من 31 كلمة وسبعة أسطر.
    - والمقطع الثالث، يتكون من 10 كلمات، وسطرين.
    - والمقطع الرابع والأخير، يتكون من 126 كلمة، و16 سطرا.
    وفي قصته (حلم يتكرر) ننجدها تتكون من حالات وصور ترتبط بالحلم، الذي يؤرقه..فنجد الصورة الأولى الرئيسية،وهي صورة رجل يسهر ليله، لا يريد أن ينام هربا من كوابيسه. ومن هذه الصورة ، تتوالد صور تبين الحالة التي عليها هذا الرجل . فنجد:
    - نومه مرغما.. لأنه لم يقو على الاستمرار يقظا...
    - رؤيته في نومه حبيبته تغرق في بحر عجاج..
    - خندق سحيق يمنعه من العوم ، وإنقاذ حبيبته.
    - تلاشي صوتها واستغاثتها وسط صوت النوارس.
    - تحول صوت النوارس نشيدا للموت.
    - تحول الخندق إلى صحراء قاحلة.
    - تحول الصحراء إلى أدغال كثيفة...
    - تغييب صورتها فجأة من عينيه، فقد غطاها الموج.
    - يصرخ عاليا .. وقد تلبسته حالة من الهلع والجنون.
    - توقظه أمه.
    - يكتشف أنه كان يحلم بكابوس مزعج..
    والتشظي هذا الذي اعتمده الكاتب إبراهيم أبويه ، جعله يمتد في سرده إلى لحظة الخفوت. كأنها قبس ضوء شع، فأضاء، ثم بدأ يخفت شيئا فشيئا...إلى أن عم السواد ثانية...هكذا هي الكتابة عند إبراهيم أبويه...
    ورغم هذا التشظي فإنه حافظ على خاصية التقليل من الروابط، ليوفر في قصصه السرعة، والديناميكية..وإخراج نصوصه التي امتازت بالطول النسبي، من رتابة السرد والوصف...وترهل الخطاب...
    5) بنية اللغة في (النقش في الحرف) .
    تعتبر جماعة برشيد اللغة هي الأداة التي يمكن تمرير الخطاب عبرها إلى المتلقي:"لأن الأنساق الدلالية ما كان لها لتكون أنساقا سميولوجية أو دالة ، لولا تدخل اللغة التي تكسبها صفة النسق السيميائياتي"[1]...
    فنجد اللغة مهيمنة في كتابة ابراهيم أبويه على بقية الكتاب الآخرين المشاركين في المجموعة...ففي قصة (كائن الأعماق)، تصبح اللغة مهيمنة، إذ تحيلنا على فضاء سيميائي انزياحي..فتعبر عن:"الأنقى ووالأخفى، وعن الغامض والشائع والمتداول في آن واحد "[2]..
    يقول ابراهيم أبويه:"أيها الغابرون على جسد الحروف.. هلا نفذتم إلى ألمي؟ .ألا ترون الكائن الغريب الذي يحتلني؟..كائن يستنسخ العالم بتفاصيله ويقتات من جسدي...
    ربما هو ذكر مثلي أو أنثى فقدت سر وجودها، ربما يكون ملاكا أو شيطانا ، لست أدري"...
    إن التركيبة التي تشكلت عبر أنسجة هذا المقطع.. تبين أن القاص ابراهيم أبويه قد ارتفع بها فوق مفهوم الدال، حيث انزاح باللغة من معجمها العادي إلى وجود لغوي متفرد ، ومتميز...إذ يجعل للحروف جسدا.. وللألم معبرا ومدخلا...وللعالم تفاصيل..ويجعل كائنا يقتات من جسده..
    هذا الانزياح والإخراج من حالة إلى حالة، جعل :"السمة الأدبية متطابقة مع فكرة الاستعمال اللغوي"[3]..
    "الساحة الآن تنظر إليه وهو يتحسس القلم النائم في معطفه القديم..ها هو يقر أخيرا بعد عشرين سنة من الانتظار أن يكتبها"..
    إن الساحة تصبح لها عينان تنظر بهما إلى الشخصية، التي تتحسس جيبها بحثا عن القلم...والقلم جسد ممدد ، يغط داخل جيب المعطف القديم...هذا كله يبين أن الكاتب ابراهيم أبويه يعي جيدا أن اللغة تمده بإمكانات كبيرة ، تجعله يذهب بعيدا في دلالية اللغة..وتجاوز محدوديتها...وتجاوز مفهوم الدال والمدلول، حيث يسعى في تجاوزه هذا لآحادية معجمية اللغة:"إلى تمثل فكرة الخرق والتخطي لترسيخ ديناميكية الحركة والصيرورة"[4]...
    وبالتالي تصبح الكلمة عنده انزياحا.. وخرقا دلاليا.. وهذا يحقق له خلق لغة أدبية، من لغة موجودة:"فيبعث فيها لغة وليدة هي لغة الأثر الفني"[5]...
    وهذا نجده أيضا في قصته (الساحة):"كان كلما يلفظه الزقاق الضيق، تتلقفه الكلمات المنتشرة على إسفلت الساحة الكبيرة، تعرض مفاتنها أمامه، تريده أن يكتبها"..
    حيث تصبح اللغة عند ابراهيم أبويه كائنا جماليا، تتمدد بجسدها الخارق، والفاتن على الساحة الكبيرة...وتتحول إلى هيفاء تغري الكاتب بمفاتنها، وجمالها...ليعانقها.. ويحولها إلى سطور، ونصوص على بياض ورق صقيل...
    هكذا تتحول اللغة في خرقه لدلالية اللغة وكلماتها إلى:"كائن عضوي يتنفس ويولد ويمتص طاقات الإنسان وعذابه"[6]...
    "الساحة تحلم بالخلود..تنظر إليه وهو يشعل سيجارته. تستعطفه أن يكتبها ذات يوم"...
    إن الساحة تتحول من جماديتها إلى كائن يحس ، ويشعر.. ويرى.. ويفكر ، ويحلم ، ويتمنى..إنها تتحول إلى أداة استدعاء، واستحضار.. حيث تحرض ، بل تقوم بإغواء الكاتب ليخلد الساحة وأحداثها في كتابته...وعندما لم ينفع الإغراء، التجأت الساحة إلى الاستعطاف والمناشدة...

    [1]- حنون، (مبارك)،دروس في السيميائيات، ص:74

    [2]- هايدغر،في الفلسفة والشعر، ترجمة عثمان امين، ص:84

    [3]- المسدي، (عبد السلام)،الأسلوبية والأسلوب، ص:117

    [4]- سعيد،(خالدة)،حركية الإبداع، دار العودة، بيروت، ط1،1979، ص: 59

    [5]- عبد السلام المسدي،الأسلوبية والّاسلوب، ص: 117

    [6]- العكش،(منير)،أسئلة الشعر، ص:216




    فالكاتب ابراهيم أبويه عن بقية أصدقائه، يظهر مهووسا بالتجريب، لاقتناعه الشديد بأن النص الأدبي لا قواعد له.. وهذا ما ميزه عن الكتابة العادية...كما يعي ابراهيم أبويه جيدا، "أن الخلق الأدبي العظيم ، إنما هو تجاوز للقواعد الفنية التقليدية، والتمرد عليها"[1]..
    والتمرد هنا "لا يعني الضياع في متاهات الشكلانية المتطرفة. إنما هو فك أسر اللغة وجعلها تنطق بأكثر من مدلول.. لتشكل خطابها الذي يجب أن تتغلب فيه الوظيفة الشعرية"[2]..
    وهذا الخرق ، نجده عند عبد الغني صراض – أيضا- في قصته (حقيقة مرة):"عرض وجهه العربي على مرآة مسمرة فوق أرض الوطن... تلاطمت أجزاء المرآة.. سقط قناعها.. ومن خلف توهجها.. برز وجهه الصدئ بأقنعته المتعددة الهويات"...
    ونجدها أيضا ، عند مصطفى طالبي، في قصته (الإبريق):"في الصينية، جلس شامخا..متعاليا..قوي البنية..منتفخ البطن..أصلع الرأس..غليظ القلب..مقعدا في جلسته...ينتظر اليد الخادمة التي تعينه كي يصب جام غضبه على الكؤوس الملتفة من حوله"...
    هذا التجريب الذي يغلف هذا المتن القصصي أعلاه.. لا نفهم منه أن كتابنا لا يريدون به الخروج عن قواعد الممارسة الإبداعية..إنما دخولهم الاختراق والتجريب"إنما هو من باب إضافة حياة جديدة للغة، حتى تبقى أرضا للتفاهم"[3]...
    إنهم يريدون إعطاء اللغة آفاقا أوسع، ورؤية واسعة..أكثر شروقا..وبالتالي تنوع دلالاتها، وتكثير، أو الإكثار من قيمها...
    "اجثت قلبه...عصره من الدم...ركنه...لما تحجر...صار يعبده"...
    عندما نتمعن في هذا النص القصصي لمصطفى طالبي، ندرك أن الخطاب الذي تتأسس عليه القصة، لم يبق وصفا قواعديا للمفردات المعجمية..أو رصا بنى بلاغية قديمة..أو تركيبا مألوفا...بل نرى فيه تمردا على التركيب اللغوي المعروف والمتداول.. وخروجا عن المألوف..لأن الكاتب يعرف جيدا أن هذا التجديد في القوالب اللغوية والخطاب، وظفه"ليحقق إضافة بالصياغة على مستوى الدلالات، حيث يتشكل في حركة انتظام البنية. فتتولد المعاني، ويصبح القول فضاء حجمه الدلالات التي يولدها نهوض التعبير في بنية الجنس الأدبي" [4]..
    يقول محمد أكراد الورايني في قصته(بحث):"هاربا من صقيع دواخلي،استلقى ظلي ينعم بدفء الأشعة. فجأة تسللت سحابة كثيفة، حجبت عين الشمس، قالوا عنها سحابة صيف عابرة..لكن حتى اليوم ، أجدني أبحث عن ظلي عبر الفصول"...
    فالشخصية أمام برود دواخله، وتحولهاإلىصقيع قاتل.. يلجأ إلى الفرار والهروب..بحثا عن أماكن ساخنة ..و في لحظة هروبه يبقى ظله مكانه.. حيث يتمدد تحت أشعة الدافئة مستجمما...السحاب يتحين الفرصة..يتسلل في صمت..وفي غفلة ليحجب هذه الأشعة..ويمنع استمرار هذا الدفء...
    هذه الصور تكون فضاء لغويا متكاملا..ينتظم في بنية أسلوبية تقوم على الصور والمشاهد...أي على اللوحة التي تعتبر في هذه الكتابة الحجر الأساس...وهذه الصور هي التي توفر أدبية هذا الخطاب...
    صحيح أن كتابنا في كتابتهم القصصية، كسروا أحيانا نمطية الدال والمدلول.. وتمردوا على مألوفية الكتابة القصصية.. وعمدوا إلى خرق اللغة ، محققين بذلك انزياحا في الخطاب...وهذا كان ناتجا عندهم عن وعي:"لأن الصورة لا يمكن لها أن تمد ظلالها الجمالية إلا إذا كان وسيطها اللغة متمثلة بوعي في ذهن المبدع"[5]...
    فجماعة برشيد واعية بخصوصيات اللغة.. ويتجلى هذا في إبداعهم القصصي.. ولإيصال هذا الوعي إلى المتلقي، يتوسلون اللغة.. المتميزة بخرقها للمألوف... والمنزاحة عن العادي، والتقليدي.. وبالتالي وجدنا كتابة تمثلت في نصوص لا تخلو من جمالية، وفنية، وأدبية.


    [1]- د.مرتاض، (عبد المالك)،النص الأدبي من أين وإلى أين؟،ص:51

    [2]- بن سالم، (عبد القادر)،مكونات السرد في النص القصصي الجزائري الجديد، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، (د.ط)، 2001، ص: 66

    [3]- المرجع نفسه، ص:66

    [4]- العيد، (يمنى)،في معرفة النص،دار الآداب، بيروت،ط1، 1999، ص:82

    [5]- عبد القادر بن سالم، المرجع نفسه، ص: 69
    6) دلالة الواقع السياسي المتردي في(النقش في الحرف) .
    اهتم كتابنا الخمسة بتصوير الواقع كما يرونه، ويلاحظونه.. وبذلك فهم يدينون في قصصهم القصيرة جدا استغفال المواطن، واستبلاده.. كما يدينون بشدة الواقع السياسي القائم على النفاق، والغش والتزوير. كما يتبرأون من كل ممارسة تمس حرية الإنسان وكرامته. ويدينون بشدة ك ألوان التعذيب والقهر والتسلط، والاغتصاب السياسي، الذي يسلب الإنسان حريته أو إرادته، أو حياته، أو حقوقه الإنسانية.
    يقول عبد الغني صراض في قصته(مواطنة للبيع):"على يافطة عريضة ضمنها رقم هاتفه كتب(مواطن للبيع)...
    مر يوم...شهر...دهر...
    عاد إلى اليافطة فوجد أرقام هواتف أخرى"...
    هنا يصور الكاتب صراض مرحلة الفراغ الروحي، وانعدام الحس الوطني الذي يصل إليه المواطن الذي يحس بالضيم والغبن...والضياع...فيقرر بيع مواطنته في المزاد....لكن المفارقة الكبيرة ، هو اكتشافه أنه ليس لوحده من يريد بيع مواطنته، بل كثيرون..لماذا؟..
    هنا يترك الكاتب المتلقي يبحث بنفسه عن جواب من خلال استحضار مجموعة من القضايا المغربية التي دفعت بالكثيرين إلى بيع مواطنتهم...رياضيين ومثقفين، ومفكرين،وعلماء...
    أما الكاتب مصطفى طالبي، فيرد هذا التردي السياسي وتعفنه إلى تناسل الأحزاب السياسية.. حيث عرف المغرب ظاهرة التفريخ الحزبي...فكل من ثار على الأمين العام لحزب ما، أو لم تتم تزكيته،أو تم طرده من الحزب،إلا وأنشأ حزبا خاصا مادام قانون الحريات العامة يخول له ذلك...وبذلك فاق عدد الأحزاب الثلاثين...وهذا ما أدى إلى التمييع السياسي، وضعف الأداء الحزبي......وعرض البلد إلى كثير من الهزات السياسية والاقتصادية، والاجتماعية، حتى نعت ذلك بالسكتة القلبية...
    وفي قصته(حمية)، يقول مصطفى طالبي:"وحيدا ، غريبا عن الدائرة، وهو يفكر في هذا الوضع الكاريكاتوري من التخمة.. أحكم القبضة بأنفه على أكبر كمية من الهواء، سلمها لقلبه بكل هدوء، ثم قال:
    الحل الوحيد للحد من هذه الأحزاب، هو العازل الطبي"...
    أما دليل الصقي، فيصور الواقع السياسي من جانب آخر.. وهو المقاربة الأمنية للحقل الديني..إذ يدين بشدة ظاهرة الاعتقالات التي طالت الكثير من أئمة المساجد وخطبائها..
    أما ابراهيم أبويه، فهو الآخر يربط الأوضاع، الاجتماعية المتردية، والبطالة، والهجرة السرية بالوضع السياسي العام.. حيث يجعلنا كمتلقين نستحضر سنوات الرصاص، التي عاشها المغرب..حين كانت المعتقلات السرية تعج بالمعتقلين من كل الجهات..تجرى فيها الاستنطاقات ، وطبخ الملفات...والجبر على الاعتراف تحت طائل التعذيب والقهر... الشيء الذي دفع بالكثير، من المناضلين والسياسيين، والمفكرين إلى الهجرة، واختيار المنفى...كما اختار بعض الشباب الهجرة السرية على أن يبقى في الوطن يعاني الفراغ، والضياع، والبطالة. والموت البطيء...
    يقول في قصته(عنف المكان):"حين التفت وراءه،أبصر سوطا يرسم تفاصيل البلاد على جسده.. رأى فيما يشبه حلم اليقظة وجه أمه شاحبا...
    التصقت قدماه بالأرض، لكنه انتزعها بقوة.
    استدار بما يشبه العنف. مزق الوجه النائم على بطاقة الهوية، وضع رجله اليسرى في البحر وأغمض عينيه الدامعتين"...
    أما الكاتب محمد اكراد الوراينبي ، فلا يكتفي بإدانته الوضع السياسي المغربي، بل يندد بالوضع السياسي العربي المتردي كله...وذلك من خلال الحلم والاستيهام.. فهو يتساءل لم لم يستطع العالم العربي إقامة وحدة عربية، أو اتحاد عربي شبيه بالاتحاد الأوربي؟؟.. ويعمل على توحيد عملاته العربية في عملة عربية واحدة ...؟.إنها الأنانية، والفصامية التي يعاني منها الساسة العرب..والتي تدفع بهم إلى فرض التأشيرة على المواطن العربي للدخول إلى الأرض العربية...وقطع العلاقات فيما بينهم، والتناحر،والتحالف مع العدو ضد الآخر...
    فحلم الوحدة يزعج ويخيف الكثير من الساسة العرب...لذا يفضلون الفرقة على الوحدة...وغلق الحدود ...والتفرد بعملته...


  2. #2
    عـضــو الصورة الرمزية عبد السلام عبلة
    تاريخ التسجيل
    11/05/2009
    المشاركات
    49
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي رد: نقش في الحرف(القصة القصيرة جدا من خلال بعض المجاميع القصصية المغربية)

    قرأت المجموعة، وأنت دفعتني لقراءتها مرة أخرى بمرجعية أكثر اقترابا منها، شكرا لك على هذه الهدية الجميلة التي تعتبر امتدادا لهدية أخي صراض عبد الغني عندما أعطاني نسختي الخاصة من إبداعكم أنتم الأعزاء...وللحديث بقية


+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •