العربية بيان الله في القرآن

الأستاذ الشاعر عبد الواحد اخريف


رَفْرِفِ بِرُوحِكَ فِي ذُرَى الإيمَانِ * واقْرَأْ بَيَانَ اللهِ فِي القُرآنِ

لُغَةٌ كَسَاهَا الْوحْيُ ثَوْبَ جَمَالِهَا * وَاخْتَارَهَا لِكِتَابِهِ النُّورَانِي

عَرَبِيَّةً جَاءَتْ لَدَى مِيلاَدِهَا * سِيَّانِ مِنْ عَدْنَانَ أوْ قَحْطَانِ

نَشَرَتْ عَلَى الصَّحْرَاءِ خِصْبَ بَيَانِهَا * بَيْنَ الرُّبَى وَمَرَاتِعِ الْغِزْلاَنِ

فَغَدَتْ بِهَا الصَّحْرَاءُ جَنَّةَ يَعْرُبٍ * تَزْهُو بِشِعْرٍ رَائِعِ الأَلْحَانِ

وَالدُّرُّ مَنْثُورٌ عَلَى جَنَبَاتِهَا * فِي النَّثْرِ يُفْصِحُ عَنْ مَدَى التِّبْيَانِ

حِكَمٌ تُخَلِّدُهَا الْحَيَاةُ وَتَحْتَفِي * بِصَوَابِهَا فِي الرَّأْيِ وَالإِتْقَانِ

قُسٌّ وسَحْبَانٌ مَنَارَا هَدْيِهَا * نَالاَ خُلُودَهُمَا مَدَى الأَزْمَانِ

والشِّعْرُ فِي بَيْدَائِهَا نَبْعٌ صَفَا * يُرْوِي الْقَرَائِحَ رَائِقَ الأَوْزَانِ

فَكَأَنَّ كُلَّ بَنِي الْعُرُوبَةِ شَاعِرٌ * يَلِدُ القَرِيضَ مُرَنَّحَ الأَلْحَانِ

لَمْ يُنْتِجِ الشُّعَرَاءُ فِي أُمَمِ الْوَرَى * مَا أَنْجَبَ الشُّعَرْاءُ مِنْ عَدْنَانِ

إِنْ كَانَ لِلإِغْرِيقِ هُومِرُسُ الَّذِي * غَنَّى عَلَى جَمْرٍ وَفِي نِيرَانِ

فَالسَّبْعُ وَالْعَشْرُ الطِّوَالُ قَلاَئِدٌ * تَرْبُو عَلَى إِلْيَاذَةِ الْيُونَانِ

فُرْسَانُهَا فِي الْقَوْلِ قَدْ ظَلُّوا عَلَى * مَرِّ الزَّمَانِ شَوَامِخَ الأَرْكَانِ

مَنْ كَامْرِئِ الْقَيْسِ الْمُضَمَّخِ شِعْرُهُ * بِبَلاَغَةٍ وَمَشَاعِرِ الْوُجْدَانِ؟!

وَفُحُولُهَا مِنْ مُبْدِعِي زَهَرَاتِهَا * مَنْ ذَا يُمَاثِلُ مَا لَهُمْ مِنْ شَانِ؟!

لُغَةٌ سَمَتْ بِبَيَانِهِمْ وَتَرَنَّحَتْ * نَشْوَى بِفَنِّ الْقَوْلِ وَالإِحْسَانِ

سَادتْ وَسَادَ الْعُرْبُ فِي أَمْجَادِهَا * وَعَلاَ رُؤُوسَهُمُ بَهَا التِّيجَانِ

عَرَبُ الْجَزِيرَةِ أَبْدَعُوا مِنْ لَفْظِهَا * سِيَّانِ فِي الْمَحْسُوسِ أَوْ فِي مَعَانِي

وَكَذَا الْحَيَاةُ مَظَاهِرٌ وَمَشَاعِرٌ * وَالْعَقْلُ فِيهَا دَائِمُ الدَّوَرَانِ

وَضَعُوا الأَسَامِي لَيْسَ يَعْجِزُ عَقْلُهُمْ * عَنْ وَضْعِهَا بِتَطَابُقٍ وَقِرَانِ

فَغَدَتْ حَيَاةُ الْقَوْمِ مِنْهَا فِي غِنىً * يَزْهُو الثَّرَاءُ بِهَا عَلَى الأَقْرَانِ

حَتَّى إِذَا كَمُلَتْ وَرَقَّتْ واغْتَنَتْ * وَتَبَرَّجَتْ بِبَدَائِعِ الأَلْوَانِ

جَاءَ الْكِتَابُ بِهَا فَشَرَّفَ قَدْرَهَا * وَحْياً لِقَلْبِ الْمُصْطَفَى الْعَدْنَانِي

فَغَدَتْ بِهِ خَيْرَ اللُّغَاتِ عَلَى الْمَدَى * دِيناً وعِلْماً مُسْعِدَ الإِنْسَانِ

وَمَضَى الدُّعَاةُ بِهَا وَفِي أَيْدِيهِمُ * نُورُ الْهِدَايَةِ سَاطِعُ اللَّمَعَانِ

نَشَرُوا بِهَا الإِسْلاَمَ يُشْرِقُ ضَاحِياً * ضَمِنُوا بِهِ وَبِهَا هُدَى الْعُمْرَانِ

فَتَفَتَّحَتْ لِلدِّينِ وَالْعِلْمِ النُّهَى * وَشَدَا بِحُسْنِ الْخُلْقِ كُلُّ لِسَانِ

وَتَنَاسَلَتْ كُلُّ الْعُلُومِ بِفَضْلِهَا * لِسَلاَمَةِ الأَرْوَاحِ والأَبْدَانِ

وَغَدَتْ حَضَارَتُنَا مِثَالاً يُحْتَذَى * فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ وَكُلِّ مَكَانِ

لَكِنْ رَمَتْهَا فِي الْحَيَاةِ مَصَائِبٌ * فَتَرَاجَعَتْ مُجْتَرَّةَ الأَشْجَانِ

الْبَعْضُ مِنْهَا مِنْ يَدَيْ أَبْنَائِهَا * وَالْبَعْضُ مِنْ غَرْبٍ عَنِيدٍ شَانِي

لَكِنَّ بَعْثاً مُحْيِياً أَوْصَالَهَا * قَدْ هَبَّ فِي حَزْمٍ وَفِي غَلَيَانِ

وَالْيَوْمَ فِي دُنْيَا الْعُرُوبَةِ نَهْضَةٌ * عَرَبِيَّةٌ عِلْمِيَّةُ التَّحْنَانِ

وَمَجَامِعٌ لُغَوِيَّةٌ وَمَعَاهِدٌ * لِلْعِلْمِ قَدْ قَرَّتْ بِهَا الْعَيْنَانِ

الضَّادُ مِنْ آلاَئِهَا فِي نِعْمَةٍ * وَالْعِلْمُ يَعْلُو ثَابِتَ الْبُنْيَانِ

سَتُعِيدُ أُمَّةُ يَعْرُبٍ أَمْجَادَهَا * بَلْ تَسْتَزِيدُ عَلَى بِنَاءِ الْبَانِي

إِنِّي لَأُبْصِرُ نَهْضَةً عِمْلاَقَةً * لاَ، لَنْ يَكُونَ لَهَا الْمَقَامُ الثَّانِي

فَكَمَا تَفَرَّدَ فَجْرُهَا بِمَقَامِهَا * سَتَنَالُ فِي غَدِهَا أَجَلَّ مَكَانِ

قَادَتُهَا رُسُلُ الْخَلاَصِ وَشَعْبُهَا * حَيٌّ نَشِيطٌ لَيْسَ بِالْوَسْنَانِ

وَاللهُ قَدْ حَفِظَ الْكِتَابَ وَأَهْلَهُ * فَالضَّادُ فِي أَمْنٍ وَفِي اطْمِئْنَانِ

عن موقع مجلة التاريخ العربي